Friday, December 08, 2006

غزوة حزب الله البيروتية»


غزوة حزب الله البيروتية»
حكم البابا
أكثر ما لفت انتباهي في اللقاءات التي أجراها مراسلو التلفزيونات العربية مع نماذج مختلفة من المتظاهرين أمام مبني السراي الحكومي في بيروت يوم الجمعة الماضي، هي الاجابات الموحدة التي قالها كل من ظهر علي شاشة تلفزيونية، بحيث توهمت للحظة بأني أتابع حصة مدرسية في استظهار الأناشيد، فقد اتفق جميع من التقاهم مراسلو التلفزيونات، علي أنهم جاؤوا إلي ساحة رياض الصلح لاسقاط حكومة السنيورة، لأنها حكومة السفير الأمريكي فيلتمان، ولتشكيل حكومة وحدة وطنية نظيفة، وتمنيت في تلك اللحظات أن يستفسر هؤلاء المراسلون من ضيوفهم عن معني كل كلمة في أجوبتهم، فيسألونهم ما هو دليلهم علي كون حكومة الرئيس السنيورة هي حكومة فيلتمان؟ وما هو مفهومهم لحكومة الوحدة الوطنية؟ وكيف تكون الحكومة نظيفة في رأيهم؟ وأنا علي يقين عندها أنني كنت سأسمع أصواتاً غير مفهومة تتبدل من التأتأة والفأفأة كما لو أنني أدخل مدرسة لتعليم النطق للذين يعانون من مشكلات فيه.
أكثر سؤال مرّ في ذهني..
أما أكثر سؤال مرّ في ذهني وأنا أتابع تظاهرة حزب الله، وأشاهد الحشود التي رفعت قبضاتها وأصواتها في الهواء أمام السراي الحكومي في بيروت، مطالبة برحيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، متهمة إياها بالخيانة والفساد: ما هو موقف هذه الحشود لو أن الأمين العام للحزب ظهر فجأة مخاطباً المتظاهرين بأنه أعاد النظر في حكومة الرئيس السنيورة، واكتشف أنها حكومة وطنية ونظيفة؟ هل سيرفض المتظاهرون كلام أمينهم العام ويستمرون في احتجاجاتهم، ويصرون علي اسقاط الحكومة؟ أم سيخرج قيادي من الحزب ليعلن أن الأمين العام لا يفعلها، ويتجاهل إعتراف سيده بعد انتهاء الحرب الاسرائيلية علي لبنان بأنه لم يتوقع ردة الفعل الاسرائيلية علي قيام عناصره بخطف الجنديين؟ أم سنسمع هذه الجماهير تصلي علي النبي محمد وآل بيته ثم تغيّر شعاراتها من الاحتجاج علي الحكومة إلي تأييدها، ومن المطالبة باسقاطها إلي الاصرار علي بقائها؟
أكثر ما أثار دهشتي..
وأكثر ما أثار دهشتي في هذه التظاهرة الحزب الهية هو قبول الجنرال ميشيل عون القيام بأداء دور الممثل البديل (الدوبلير) بدلاً عن نجم التظاهرة الذي غاب بجسده وحضر بصوته وجمهوره، ورغم مابذله الجنرال عون من جهد واجتهاد لارضاء الحشد الذي يخطب فيه وحصد تصفيقه، فقد ظهر واضحاً أن الحشد كان يصفق للنجم وليس للدوبلير، وعلي من يشكك بكلامي مراجعة التسجيل التلفزيوني للتظاهرة، ليكتشف أن الهياج الشعبي من تصفيق وهتاف كان يبدو في قمة حماسته حين يذاع تسجيل صوتي لأمين عام حزب الله، بينما يبدو أقرب إلي الواجب وتنفيذ التعليمات خلال إلقاء الجنرال عون لخطبته، باستثناء الفقرات التي كان يخرج فيها الجنرال عن أصول التخاطب واللياقة السياسيين.
أكثر موقف تذكرته..
أما أكثر موقف تذكرته وأنا أشاهد تكريم حزب الله للجنرال عون بتسميته الخطيب الوحيد للتظاهرة، فهو موقف أبو سفيان خلال فتح مكة، عندما طلب من النبي محمد بعد أن أعلن أن من دخل بيت الله فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، أن يعطي لأبو سفيان شيئاً لأنه يحب الفخر، فما كان من النبي إلاّ أن أعلن ومن دخل بيت أبو سفيان فهو آمن، مع الفارق الشاسع بين الموقفين طبعاً.
أكثر انجاز شاهدته..
وأكثر انجاز شاهدته لتظاهرة حزب الله هو دخول المسيحيين أفواجاً في الاسلام، فلأني لا أريد أن أكذب من أعلن عن مشاركة مسيحية واسعة في التـــظاهرة من مناصري الجنرال عون، ولأني لا أستطيع أن أكذب عيني اللتين تنقــــلتا بين شاشات المنار والجــــــديد والـ NBN بحثاً عـــن فتاة سافرة الرأس في التظــــاهرة، ولم تعثرا إلاّ علي المحجبات، فقد هداني تفكـــــيري إلي ما يمكن به حل التناقض بين ما سمعته أذناي ورأته عيناي، وهو اعتبــــــــار أن المسيحيين الذين شاركوا في التظاهرة أعلنوا اسلامهم وتحجبت نســــــــاؤهم، وبهذه الطريقة فقط أستطيع أن أصدق من تحدث عن مشاركة مسيحية واسعة في التظــــاهرة، ولا أكذب عيني في نفس الوقت!
أكثر رجل افتقدته..
أما أكثر رجل افتقدته في التظاهرة فهو الرئيس نبيه بري، الذي بدا لي وضعه في التظاهرة مثل وضع شاهد الزور في محكمة.
أكثر مشهد بقي في ذهني..
وأكثر مشهد بقي في ذهني من كل التظاهرة هو مشهد النراجيل التي كان يحملها أصحابها ويتباهون بتدخينها أمام عدسات الكاميرات التلفزيونية، كما لو أنهم قدموا من مناطقهم الجنوبية في رحلة سياحية مجانية مدفوعة الأجر إلي وسط بيروت، لا كمشاركين في احتجاج سياسي أو تظاهرة شعبية.
أكثر ماكان غائباً..
أما أكثر ماكان غائباً عن تظاهرة حزب الله في ساحة رياض الصلح فهو البرنامج البديل في حال حققت هدفها وأسقطت حكومة الرئيس السنيورة، وجاءت بحكومة وحدة وطنية نظيفة، فكل الشعارات التي رفعتها التظاهرة سواء بالهتافات أو من خلال اللافتات خلت من بدائل واقعية أو برامج حكم سواء علي الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وتصلح لقيادة تظاهرة لا لقيادة دولة.
أكثر ما أثار قلقي..
وأكثر ما أثار قلقي في التظاهرة هو غياب كلمتي الحرية والديمقراطية عن خطب خطبائها وكلمات لافتاتها وهتافات حشدها، ففي حين جرت العادة أن تطالب شعارات أية تظاهرة معارضة في العالم بمزيد من الحرية والديمقراطية، تطالب تظاهرة حزب الله بالعودة عن الديمقراطية، وتهتف للوصايات، محاولة إعادة الزمن إلي الوراء لا دفعه إلي الأمام.
أكثر قصة خطرت لي..
أما أكثر قصة خطرت لي وأنا أتابع تكتيكات حزب الله ومظاهرته من خلال شاشة المنار، فهي القصة التي طالما رواها الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان عن شقيقين قرر أحدهما الدخول في خلوة للتعبد، ووصل إيمانه إلي الدرجة التي استطاع فيها أن يملأ سلة من القش بالماء من دون أن يتسرب منها، وعند وصوله إلي تلك المرحلة الايمانية نزل إلي المدينة لكي يطلع أخاه الذي يمـتلك محلاً لبيع الاحتياجات اليومية للناس علي ماتوصّـل إليه، فاستبقاه أخوه مكانه في المحل بعد أن علّق له سلّة القش في مـكان مرتفع من دكانه، وأوكل إليه مهمات البيع والشراء والتعامل مع الناس، ريثما يخــــــبر زوجته بحضور أخيه لتولم له، وبينما كان الشقيق المؤمن يتابع أعمال أخيه في البيع والـشراء كان الماء يتسرب من سلّة القش إلي أن فرغت.. وهو مافعله بالضبط حزب الله فـي غزوته البــيروتية أمام السراي الكبير الجمعة الماضي.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home