Thursday, February 15, 2007

من ثنائية «عون ـ جعجع» إلى ثنائية «جعجع ـ الجميّل»

من ثنائية «عون ـ جعجع» إلى ثنائية «جعجع ـ الجميّل»

وسام سعادة
لم تحدث ضربة كف واحدة، واستخدمت ضد بشار الأسد كل حيل «كليلة ودمنة». إنما المهم، أن معركة رئاسة الجمهورية قد افتتحت على مصراعيها، من طريق الوثبة الجماهيرية التي امتدت رحاها من محيط «الفوروم دو بيروت»، مروراً بالصيفي وساحة الشهداء (جنوب الخط الفاصل عن معسكر «الاعتصام»)، ووصولاً إلى مشارف فندق فينيسيا.
نترك لغيرنا تقدير العدد بشكل منهجي وحاسم، وهو ما لم يجر لعمره في لبنان لا سيما في السنتين الأخيرتين. إلا أنه بلا شك عدد يفوق ما استجمع في 14 شباط المنصرم، ويكاد يلامس ما تحقق في عامية 14 آذار ,2005 وكل ذلك بالرغم من جريمة عين علق التي دشنت خطاً عسكرياً ما بين لبنان وبين جهنم. وبالاتصال مع هذه الجريمة «الواعدة»، لا سمح الله، فإن المتغيّر الأساسي إنما شكلته كثافة المشاركة المسيحية، والطريقة التي وفدت فيها، مواكب وجموع متتالية، إلى مركز الحدث. فإما أن يكون عدد المسيحيين قد ارتفع نوعياً في لبنان خلال أقل من عام، وهو ما لا نرجح، وإما أن تكون نسبة القواتيين من مجموع المسيحيين قد تضاعفت خلال عام واحد، وهذا ما بيّنه بوضوح 14 شباط الأخير.
ثمة انقلاب حاد في المزاج الغالب على الشارع المسيحي، لمصلحة «القوات اللبنانية» بالدرجة الأولى، ومسيحيي 14 آذار بشكل عام، وقد بدأ هذا الانقلاب منذ صبيحة الثلاثاء الأسود، يوم تمكنت «القوات اللبنانية» من إحباط خطة إقفال مداخل العاصمة. لا يستفاد من كلامنا أن ظاهرة العماد ميشال عون وتياره قد أصبحت من الماضي، أو أنه ما عاد مؤثراً أو لا يحسب له حساب. إنما ثنائية عون ـ جعجع نفسها هي التي طويت الى غير رجعة من الآن وصاعداً، ولم ينحصر الأمر في انقلاب الآية ضمن هذه الثنائية لمصلحة جعجع بعد أن كانت أميل الى عون حتى وقت قريب. لقد غادرنا ثنائية عون ـ جعجع كما عرفناها، بشكل أو بآخر منذ وصول عون الى قصر بعبدا وخوضه حربي التحرير والالغاء. لكن بدلاً من أن يتقدم التاريخ إلى الأمام فإننا عدنا الى الثنائية السابقة على تلك. أي أن الوضع المسيحي يسلك من جديد الدرب باتجاه معاودة ثنائية جعجع ـ الجميّل، التي ستكون ثنائية ارتكازية يُنظر الى الاستحقاق الرئاسي العتيد من خلالها، كما يُرجع اليها عند استشراف أي انتخابات نيابية مقبلة، سواء أجاءت مبكرة أم غير مبكرة. لقد أعادت «القوات اللبنانية»، في وقت قياسي، بناء هيكلها التنظيمي، وقنوات تعبئتها الجماهيرية، وتشكيلاتها الضابطة، وشبكتي «أمانها» و«علاقاتها». وكل ذلك ولم تمض بعد سنتان على خروج قائدها من زنزانة وزارة الدفاع. عشية انتخابات 2005 كانت تجهد نفسها لكي يقام لها حساب من جملة فرقاء سيادويين آخرين على الساحة المسيحية، من فصائل وشخصيات، لكن طبيعة الأزمة والسبيل الذي أرتأته قيادة القوات للخوض في الأزمة، إنما جعلت منها شيئاً بعد شيء الممثل المركزي للمسيحيين في تحالف 14 آذار، رغم أنها غير ممثلة كحزب سياسي جماهيري في الحكومة إلا بوزير للسياحة. وتدل المؤشرات كافة الى أن «القوات» لن تكون راضية بهذا الفتات، أي بهذا الحجم المتواضع من التوزير، في أي حكومة مقبلة، سواء أكانت حكومة وحدة وطنية أو حكومة غلبة «وطنية» لتحالف على آخر، تماماً مثلما أنها لن ترضى بعد الآن بحصتها النيابية الحالية، والأهم من كل ذلك موقفها من الرئاسة، هذا إن لم يكن موقفها يقضي بالترجمة الحرفية الشخصية الصارمة لشعار الحكيم في السنة الماضية بأن «الرئاسة لنا».
لقد تحوّلت «القوات اللبنانية» الى «الركن الضامن»، أمنياً وجماهيرياً، لكل مشروع قوى 14 آذار في لبنان، الى درجة ترفع من امتنان الجمهورين الدرزي والسني لها جولة في إثر جولة، لكن ما القول بعد ذلك في لعبة الأثمان؟
في المقابل، تقلّص الفارق الى حد كبير بين زعامة العماد عون التي لم تستطع الحفاظ على ثباتها وبين زعامة مارونية مناطقية معروفة بثباتها، شأن تلك التي من نصيب سليمان فرنجية. وما عاد بمقدور العماد الحفاظ على «الخبز والملح» مع الأميركيين، فانصرف الى مهاجمتهم، على هوى الأحزاب العقائدية، وتذكيراً «بفتح» سفارة بلادهم في عوكر ذات يوم. داخلياً وخارجياً، ما عاد العماد عون «ينفع» كمقابل لسمير جعجع في ثنائية سياسية تقبض على الساحة المسيحية.
أما الرئيس أمين الجميّل فإنه سيتحوّل أكثر فأكثر الى مركز الاستقطاب البديل بإزاء سمير جعجع في الساحة المسيحية. ليست له قوة الحجة التي للقوات، ولا شبكة «الأمان» التي للقوات، ولا الإعلام الذي للقوات، ولا «التقوى الدينية» المنسوبة للقوات. إنما له جملة خطوط وأوراق لا يستهان بها داخلياً وخارجياً، تبدأ من مستوى علاقاته الحيوية بالإدارة الأميركية الحالية وبالمنتدى السياسي الفرنسي كما بمختلف عواصم «الاعتدال» العربي، وتنتهي بحسابات متنية صرف، تميل حالياً إلى تشكيل معادلة آل الجميل + آل المر + حزب الطاشناق، لتجاوز الظاهرة العونية من جهة، ولكبح جماح المدّ القواتي من جهة أخرى، وفوق ذلك يمكنه فتح خطوط مع الفريق الشيعي، ربما تخصيباً لاحتمال مفاده، أن تفاهماً ضمنياً بين حزب الله وأمين الجميّل، أكثر ضمانة للحزب من تفاهم علني بينه وبين ميشال عون.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home