Saturday, February 17, 2007

دعوة الى حلّ سريع لأزمة البطالة المرتفعة والفقر المدقع

دعوة الى حلّ سريع لأزمة البطالة المرتفعة والفقر المدقع
مناطق وشوارع وأزقّة في طرابلس تواجه مشاكل الشباب والأمراض الاجتماعية







طرابلس - (الأنوار):
ان مشكلة انحراف الشباب من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع، والتي ينبغي ان تُسخّر كل الامكانات لمواجهتها، والقضاء عليها، لما لها من نتائج سلبية على المجتمع، بل على الأمة بأسرها.
ولعل من أكثر الأسباب المؤدية الى انحراف الشباب هي البطالة، هذا الهمّ القاتل الذي يفرد جناحيه على سماء هذا المجتمع الذي يتخبط بالفقر وبانعكاسات غياب فرص العمل الأمر الذي يستدعي فورا ان نقرع أجراس الخطر على الفرد والأسرة والمجتمع، نقرعها لنحذر من تبعات البطالة، ومنها الانحراف الأخلاقي، وانتشار المفاسد الشاملة، فكيف يمكن التخفيف الكبير من نسبة البطالة المرتفعة التي لا يمكن التصدّي لها بمعزل عن غيرها من القضايا المرتبطة بها...
وتطرح سؤالا هل يمكن ان يصنع الفقر والحرمان والعوز انسانا مجرما ومنحرفا?...
اعتادت (الأنوار) ان تلقي الضوء على معاناة الشعب، وتنظر الى قضاياهم الواقعية والمؤلمة وهنا حديث عن احدى المناطق في طرابلس التي تفشّى بها الفساد والبطالة، واستشرت بها الحبوب المخدرة والشفرات والشباب الضائع...
بداية ثمة شاب لم يبلغ الثانية والعشرين من عمره، فقد نزل من بيته في منطقة القبة الى حارة البرانية، ليعود بوالدته الى منزلهم، وكان الوقت مساء وفور وصوله تحت بيت أقربائه كان هناك مشكلة بين شباب المنطقة ومعظمهم من المراهقين، وهذا الشاب لا علاقة بالأمر، لا من بعيد ولا من قريب، مع ذلك تلقى طعنة في بطنه من أحد المشاركين في المعركة، ليدخل السكين في أحشائه، ولولا عناية الله لقضى فورا نحبه ولا يزال حتى كتابة هذه السطور قيد المعالجة في المستشفى، وليتبين فيما بعد ان المجرم الفاعل كان (محبحباً) حسب القول الدارج و(فهمكم كفاية).
وفي احدى محلات (الانترنت) في منطقة باب التبانة، تعتاش منه احدى العائلات، يشاء القدر ان يدخل أحد الزعران، ويحاول افتعال مشكلة داخل المحل، فيتدخّل أحد أبناء صاحب المحل، ويحاول اقناعه بالتي هي أحسن ان يغادر المكان لانه باب رزق، وبأسرع من لمح البصر يغرز هذا الأخير سكينا في بطنه يتسبب بتمزيق أحشائه واصابته بجروح بالغة، وتبين ان هذا (القبضاي) الذي دخل المحل كان متناولا احدى الحبوب المخدرة.
وغيرها الكثير من القضايا والمشاكل التي تحصل في المنطقة، فهناك احدى الفتيات التي تعرّض لها أحد الأشخاص، وهي عائدة الى منزلها، وشهر بوجهها سكينا طالبا منها تسليمه حقيبة يدها...
من هو المسؤول عن هذا الاجرام المستشري كالوباء، بين أوساط أبناء ومراهقي هذه المناطق الشعبية المحرومة.
طبعا لا يبرر الاجرام والقتل والسرقة أي عذر مهما يكن، خاصة اذا كان مرتكبه شابا يستطيع العمل والانتاج.
ولكن ما هي اسباب هذا الاجرام? والى متى تبقى بعض أحياء القبة والتبانة وحارة البرانية، ملاذا لهؤلاء المنحرفين?...
وهنا نطرح سؤالاً مهماً وخطيراً من أين يحصل هؤلاء الفتيان على الحبوب المخدرة والتي تذهب بعقولهم بامتياز?...
بؤر للانحراف
باب التبانة التي كانت شريان طرابلس الاقتصادي الى ما قبل الحرب اللبنانية العبثية والقذرة، حيث كان يتركّز فيها معظم تجار الجملة والمفرّق، وكانت سوقا يقصدها كافة أبناء المناطق الشمالية، أصبحت بعض أحيائها بؤرا للانحراف ومدارس لتعليم الاجرام وحيث يتفنن الشباب بوضع شفرات حادة تحت ألسنتهم وخلف شفاههم ويحملون الخناجر والسكاكين الحادة التي تجرح وتقتل وتسبّب العاهات المستديمة، وحيث شرب الخمر وتناول الحبوب المخدرة التي تسبب الهلوسة...
والحقيقة الساطعة ان عدم توفّر فرص عمل لهؤلاء الشبان والبطالة، وعدم حصولهم على قسط ولو بسيط من التعليم، وتواجدهم الدائم في أجواء متوترة حيث المفاخرة بالقوة والبطش هي سيدة الموقف هناك، كما ان المآسي الاجتماعية التي تغلّف حياتهم السيّئة، من عوز وفقر وغياب الأب نتيجة عمله لساعات طويلة خارج المنزل وعدم مقدرة الأم المغلوبة على أمرها على ضبط أبنائها وغالبا ما يكون عددهم كبيراً نتيجة الجهل وعدم تحديد النسل واللجوء الى الانجاب بكثرة، من دون استيعاب ما يؤدي اليه هذا الأمر، من كوارث اجتماعية على العائلة.
إثبات وجود
كما ان غياب الدولة وهذا الأمر الأهم والمسؤولين على حد سواء، ما عدا في المناسبات الانتخابية - عن واجباتها في تأمين التعليم الالزامي للجميع والمساعدات للمحتاجين والأندية الرياضية والملاعب والأنشطة الاجتماعية وايجاد فرص عمل لهؤلاء الشباب، يلعب دورا كبيرا في ضياعهم، وما محاولاتهم المنحرفة عبر لجوئهم الى العنف والقوة واحيانا الى القتل وتناول المخدرات والادمان على الكحول لاثبات أنهم قبضايات ولهم نفوذ وهيبة وان كانت مصطنعة نتيجة تأثير هذه المخدرات والمسكرات على سلوكهم وعلى وعيهم وارادتهم بشكل سلبي من دون ان يفقهوا مخاطر تصرفاتهم، وغالبا ما يلجأ اكثرهم الى سرقة حتى أقرب المقربين اليه وأهله لتأمين المال ثمنا للمخدرات والمشروبات المسكرة والسجون والمحاكم تعج بالمئات من مثل هذه الحالات التي تزيد يوما بعد يوم.
ان المحاولات للتستر على هذا الواقع المؤلم وعدم تحمّل مؤسسات المجتمع المدني مسؤولياتها تجاه هذا الأمر، وجعل الكتابة أو الحديث عنها من المحرمات والمحظورات كلها أسباب تؤخّر اصلاح هذه المشاكل وتمنع ايجاد حلول جذرية لها، اذ لا يمكن ان نتقبل ان يكون شارع عزمي أو طريق الميناء أو المعرض أماكن آمنة، حيث يد الأمن توزع الطمأنينة، وتزرع الثقة بالدولة في قلب المواطنين ونغضّ الطرف عما يحصل في تلك المناطق والأزقة والزواريب وكأنها ليست جزءا من الوطن والمجتمع.
من هنا، على الدولة ان تفتح أبواب مجالات عمل للشباب وفي ذلك يتحقق نوعان من الأهداف: الأول انتشال هؤلاء الشباب من الفراغ، والثاني زيادة الانتاج بما يحقق نهوض المجتمع، فالدولة ملزمة بتوفير العمل الشريف لأفراد الشعب، ويجب ان تتعامل مع الشباب معاملة الأب لأبنائه، اذا واجهتهم مشكلات، وان هذا الأمر يدعو للتساؤل لماذا لا تسهّل الدولة اقراض الشباب والعاطلين عن العمل بفوائد متدنية? لماذا لا تشجعهم مثلا على استصلاح الأراضي، باعطائها لهم بأثمان رمزية كما تفعل بعض البلدان? لماذا لا ترعاهم الحكومة وتسهّل الصعاب أمامهم حتى يشتدّ عودهم?
إما ان تثقل الدولة كاهل الشباب بالفوائد المركبة للقروض أو بوضع العقبات التي تحول دون اقبالهم على السعي للعمل، أو ان تتركهم يتخبطون دون أي بادرة أمل أمامهم، هكذا تكون الدولة تتعامل مع الشباب وكأنهم جيران وليسوا من رعاياها.
وان ايجاد فرص عمل يتطلب انشاء مشروعات جديدة في القطاعات المختلفة وذلك لا يتحقق إلاّ بتوافر استثمارات مناسبة لا يملكها الشباب والخريجون الجدد.
دور الدولة
واذا كان هذا هو دور الدولة، فان جميع القطاعات بالدولة مسؤولة كذلك عن حلّ هذه المشكلة (البطالة) وانحراف الشباب ابتداء من الفرد بالسعي الدؤوب للعمل مرورا بالأسرة والمجتمع ككل فضلا عن المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال. فالقضاء على البطالة مسؤولية جماعية وليست فردية ولن تحل إلاّ بوجود برامج تنفيذية واضحة وهذا يقتضي تفعيل دور الجمعيات والمؤسسات والهيئات الخيرية وحتمية التنظيم والتفاعل بين كل هذه الجهات الشعبية على مستوى الأحياء، فالمدن، فالدولة، ولو أن هذه الهيئات مع المتابعة الرسمية أدّت دورها المنوط بها على هذا النحو، فلن يكون هناك عاطل أو جائع أو محتاج أو سارق أو مجرم.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home