Monday, February 26, 2007

الصفوية... أصولها وآلياتها وأهدافها

الصفوية... أصولها وآلياتها وأهدافها
GMT 6:45:00 2007 الإثنين 26 فبراير
السياسة الكويتية



--------------------------------------------------------------------------------





سميرة رجب

لاسباب كثيرة نعد نحن اهل البحرين احق الناس بوضع تعريف متكامل عن العقيدة الصفوية وما يلفها من غموض يجعل من السهل على اصحابها انكارها والتبرؤ منها, واهم تلك الاسباب هو ذلك الكم من التوتر السياسي شديد الحساسية الذي يلف المجتمع البحريني خوفا على سيادة البحرين وهوية شعبها نتيجة تغلغل هذه الثقافة في نسيج التراث والوعي العلني والباطني لاكبر قطاع من هذا المجتمع, ولما تسببه هذه العقيدة في البحرين من خلاف طائفي عميق ومتصاعد هو الفريد من نوعه في كل الوطن العربي, يزيد في شدته حتى على الطائفية الدموية التي فرضت في العراق منذ ابريل ,2003 والتي رغم شدة دمويتها لم تتمكن (الطائفية) ان تتحكم في وعي العراقيين الذين لا يخلو بيت من بيوتهم من التزاوج المختلط بين المذاهب, كما لا تخلو عشيرة او قبيلة او عائلة عراقية من رابطة الدم والاندماج العائلي بين الطائفتين, وهي حالة لا يمكن كسر روابطها مهما افتعلت لها من اسباب خارجية, ومهما طال وقت هذا الصراع الذي تتحكم به عوامل واطراف من خارج العراق وليس من ابنائه, بينما عدد الزيجات المختلطة في البحرين, نسبيا ما زال في ارقامه الاولية نسبيا, ناهيك بالموانع والتحريمات التي تم وضعها كعراقيل لقيام هذا النوع من التزاوج منذ العام ,1979 في خضم تصعيد حالة طائفية فريدة في نوعها وشدتها في المجتمع البحريني, فالطائفية في مجتمعنا لم تعد خلافا مذهبيا بقدر ما هي حالة سياسية افتعالية باتت شديدة الخطورة لما حققته من ثقافة الانسلاخ عن الوطن واعتناق عقيدة الصفوية, بوعي او من دون وعي او ادراك... فما هذه العقيدة?

الصفوية بايجاز شديد هي عقيدة الولاء لايران عبر انتماء مذهبي مرتبط بنوع من التشيع ظهر مع قيام الدولة الصفوية في بلاد فارس منذ القرن السادس عشر, وهو مذهب يتلون ويتشكل بألوان واشكال متعددة على مدار تاريخه, ليناسب ظرف المكان والزمان الذي يتطلبه الامر, ان يكون مؤثرا وقادرا على خلق اتباع ومريدين للاستقواء بهم سياسيا. وتكمن خطورة الصفوية في انها منذ البداية ألبست ملبسا دينيا وسرقت من المذهب الجعفري اسمه فأساءت اليه اقصى درجات الاساءة لارتباط الصفوية بنزعة عرقية وعنصرية وباطنية قائمة على الحقد والانتقام من العرب تحت شعارات الثأر لـ (آل البيت) في حالة بعيدة عن روح المحبة والتسامح في الاسلام.

بدأت الصفوية بنشر وتثبيت جذورها في المجتمع الايراني بقوة السلاح والدم على يد مؤسسها الشاه اسماعيل الصفوي مع قيام دولته في العام 1501م, الذي بدأ عهده بتحويل مذهب البلاد الى التشيع واصدار امره للخطباء والمؤذنين بتغيير نص التشهد لتمييز الشيعة بتشهد يختلف عن التشهد الذي جاء به الرسول الكريم, فكان هذا اول خروج على الاجماع حول اصول الاسلام, وفتحت سياسته بابا لظهور النفوذ الاجنبي, لا في ايران بل في منطقة الخليج العربي, والحقت ضررا بالاسلام بعد تصعيد حدة الصراع بين العثمانيين والصفويين وتحول الخلاف المذهبي بين الشيعة والسنة الى صراع مسلح. لم تختف الصفوية طوال القرون الماضية لانها باتت جزءا اساسيا من التراث والطقوس والشعائر الشيعية السائدة ما خلق رابطا ثقافيا بين الشيعة في العالم العربي وايران كموطن وموئل خاص بهذا المذهب, فاستفاد الساسة الايرانيون من هذه العلاقة في مناسبات سياسية مختلفة على مدار القرن العشرين لتحقيق مطامعهم في الارض العربية.

استمرت الصفوية بين مد وجزر, وعنف وسلم, حسبما تتطلب السياسات الايرانية, الا ان اهم الآليات التي اعتمدت عليها هذه العقيدة على مدار تاريخها عموما, ومنذ بدء مشروع تصدير الثورة الخمينية خصوصا, هو نشر فكرة مظلومية الشيعة في الارض العربية, بنشر تعاليم عقائدية بينهم حول وجوب العيش بمظاهر الفقر والاضطهاد المجتمعي في كل مجتمعاتهم لتعزيز دعواتهم بظلم السلاطين السنة للشيعة, حتى بات هذا النمط من العيش والحياة هو السمة السائدة في المجتمع الشيعي رغم تفاوت مستوياتهم المادية الذي يصل احيانا للثراء الفاحش. وفي الجانب الاخر عمل اصحاب هذه العقيدة على تزوير الحقائق بشتى الطرق, لاظهار امرين مهمين, وهو اهانة العرب ورفع شأن ايران في كل ما يمت بصلة الى تاريخ الرسول العربي الكريم وآل بيته, بدءا بما تم تزويره عبر بعض القصص والروايات المتداولة في مجالس العزاء (اللطميات) الدورية, وما يتكرر فيها من سرد تاريخي بعيد عن الحقيقة يدور في دائرة الاصرار زورا على ايجاد وخلق خلاف وعداء ورفض, مستمر على مدار التاريخ, بين العرب من كل الطوائف (عدا الشيعة) وبين آل بيت الرسول الكريم, هذه الروايات التي توجت بتصوير مقتل الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (غدرا) بأيد عربية وباصرار من الخليفة العربي يزيد بن معاوية بن ابي سفيان مرورا بروايات تاريخية مزورة تحكي عن ظلم العرب لآل البيت من بعده, وانتهاء بما يمارس من تعسف وتمييز ضد الشيعة على الارض العربية اجمالا.

وفي الجانب الاخر تعمل عقيدة الصفوية في كل ادبياتها على رفع شأن ايران ودورها التاريخي في الاسلام عن طريق ما قدمته في الوفاء لآل البيت و(الاحتفاظ بذكراهم حية لا تموت), وبانتقائية شديدة, تزخر بها عقيدتهم, تتعمد تجاهل كل ما يمت بذكرى آل البيت من المنسوبين للصحابة بالمصاهرة والنسب, ومن ضمنهم على سبيل المثال بنات الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام السيدة زينب والسيدة رقية والسيدة ام كلثوم, والاخيرتان كانتا زوجتي الخليفة عثمان بن عفان, والسيدة ام كلثوم بنت علي بن ابي طالب زوجة الخليفة عمر بن الخطاب, والسيدة فاطمة بنت الحسين بن علي بن ابي طالب زوجة عبدالله المطرف بن عثمان بن عفان, وام ابنهما عبدالله الديباج, والسيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن ابي طالب وزوجة زيد بن عمر بن عثمان بن عفان, وغير هذا الكثير والكثير عن التاريخ العربي الذي ربط الخلفاء الراشدين وابناءهم واحفادهم بالمصاهرة والنسب ورباط الدم بآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم, لان ذلك التاريخ من شأنه ان يدحض الكثير من الافتراءات والاكاذيب المحشوة بها كتبهم وتحولها لصالح تاريخ العرب الذين لم يبرحوا يتفاخرون بحبهم لآل البيت والنسب الاصيل الممتد اليهم, وهذه الانتقائية في التهميش والاقصاء لكل الجوانب المشرقة من تاريخ العرب يمكن اكتشافها بوضوح شديد في امهات الكتب الصفوية الشائعة والسائدة في كل المؤسسات الدينية التي تمارس بها طقوسهم, حتى بلغت استهانة الخميني باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فضل شعب ايران على العرب كما جاء في وصيته قائلا: »وانا ازعم بجرأة ان الشعب الايراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن افضل من اهل الحجاز في عصر رسول الله« (»الوصية السياسية« الخميني /ص 23)

وتذهب الصفوية الى ابعد مدى بدعواها حول عدم صحة قرآن المسلمين الذي جمعه ا لخليفة عثمان بن عفان, كما جاء في كتاب (فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الارباب) للحاج ميرزا حسين ين محمد النوري الطبرسي, الذي طبع في ايران في عام 1289 ه¯ وجمع فيه اشاراتهم الى ان القرآن زيد فيه ونقص منه, و»ان القرآن الذي بين ايدينا ليس بتمامه كما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم بل منه ماهو خلاف ما انزل الله, ومنه ما هو مغير محرف, وانه قد حذف منه اشياء كثيرة (تفسير الصافي/ المقدمة, محسن الكاشاني)

وهذا ما لايزال دعاة هذه العقيدة يؤكدونه حسبما جاء على لسان المتحدث والداعية علي الكوراني, في معرض رده على تساؤل احد الحاضرين في ندوته باحدى الحسينيات في الكويت في ذكرى ميلاد الامام المهدي المنتظر, بتاريخ منتصف شعبان 1427 ه¯ (اكتوبر 2005م) بقوله »ان القرآن الصحيح هو ذلك الذي كتبه وجمعه الامام علي بن ابي طالب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والذي لم يقبل به العرب في خضم صراعهم حول خلافة المسلمين بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام, ما دفع الامام علي لاخفائه عند زوجته فاطمة الزهراء (ابنة الرسول)واستمر تداوله بين آل بيته من بعده حتى اختفى مع الامام المهدي المنتظر, وسيخرج هذا القرآن للخلق اجمعين مع ظهور المهدي في اخر الزمان«.

لقد افرغت عقيدة الصفوية الفكر الشيعي (الجعفري) من فلسفته ومضمونه واجتهاده الديني المعروف والموصوف بأعلى الرتب الفقهية والعلمية, لتستخدم المذهب كواجهة سياسية, من اولى اولوياتها رفع شأن ايران (كمدافعة عن الحق وحامية لحمى الشيعة), وإهانة العرب وتاريخهم الذي اختزل في مجموعة من الروايات التي لا صحة لها إلا في عقول واضعيها وباتت لشدة تكرارها, راسخة في عقول واذهان التابعين لهذه الثقافة (دون وعي منهم), رغم ما يعلنه اصحابها بين وقت وآخر, كذباً (للتقية) بعدم صحة هذه الاقوال, هذا الكذب الذي يمارسونه ضمن المعتقدات الباطنية التي تبرره وتحلله بدعوى حماية المذهب من اعدائه, علماً بأن الباطنية والتقية ليست من معتقدات المذهب الجعفري بل تم ابتداع الاولى بواسطة تابعيه, والثانية جاءت ضمن عقيدة الصفوية وممارساتها.

اعطت الصفوية تصورا عن المذهب الشيعي, وهو الشائع في كل الاوساط, مغايرا عن حقيقة المذهب الجعفري الذي تتلمذ على يدي مؤسسه, الامام جعفر الصادق, امام المذهبين الحنفي والمالكي, ولاهداف سياسية كبرى ادخل على معتقدات الشيعة, باسم الجعفرية افكار جديدة نسب بعضها زورا الى الامام الصادق, وهي تناقض تعاليم الاسلام واصوله, على سبيل المثال اعطت الصفوية حقا الهيا مطلقا لافراد من بني البشر, رغم مخالفتها للمعتقدات الجعفرية, وهي ولاية الفقيه والتي قال فيها الخميني »وإن من ضروريات مذهبنا ان لائمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولانبي مرسل« (الخميني »الحكومة الإسلامية« ,ص 35).. كما قال »ان تعاليم الائمة كتعاليم القرآن لاتخص جيلا خاصا وانما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر الى يوم القيامة« (»الحكومة الاسلامية« ص 112). وبجانب ذلك اعطت الصفوية قدسية خاصة لرجال الدين ومن يدعى بالمرجعيات ما يجعل اقوالهم اقرب للقول المنزل, فاستفادت حكومات ايرانية متعاقبة من هذه الثقافة في دعم انظمتها وسياساتها رغم مفاسدها, كما استفادت الادارة الاميركية من هذه الاقوال في دعم احتلالها العراق.

في الجانب الآخر, فانهم بمقدار تلك القدسية التي يسبغونها على تلك المرجعيات, هم يحطون من منزلة رجال الدين والمرجعيات في المذاهب الاسلامية الاخرى (العرب), كما يكيلون السباب والشتائم الى الخلفاء الراشدين وصحابة الرسول, ضمن افكار مترسخة في معتقدات الصفوية بان سب وشتم هؤلاء يحقق لهم الثواب الذي يشفع لهم لدى آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءت مقولتهم »ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما«. (»رجال الكشي« ص 180) (إشارة الى الخليفتين ابي بكر الصديق وعمر بن الخطاب) ورغم توفر المراجع والشواهد الكثيرة على شذوذ الصفوية عن المذهب الجعفري بمجمله الا اننا نكتفي بهذا القدر منها للوصول الى واقع الحال الذي نعيشه على اثر هذه المعتقدات التي باتت عاملا من عوامل الهيمنة على دولنا من الداخل والخارج.

منذ عام 1979 , بعد ان تحولت ايران الى دولة ثيوقراطية يحكمها رجال الدين, بدأت الصفوية التي كانت تجنح للسلم والباطنية والعمل في الخفاء, بدأت تأخذ منحى اكثر ميلا للحدية والعلانية, تدريجياً, حتى بدأت تظهر عنفها في دول مثل العراق والبحرين ولبنان والكويت واليمن, وتتسلل كثقافة تجمع حولها المريدين في مجتمعات عربية اخرى مثل السودان والجزائر وتونس ومصر وغيرها.

بدأت هذه المعتقدات بما تنشره من غل طائفي يرمي بظلاله السياسية على كراهية العرب والعروبة الممثلة في الطائفة السنية الاوسع انتشاراً, بدأت بسلخ قطاع كبير من الشباب العربي في الضفة الغربية للخليج عن اوطانهم ووطنيتهم, كما رسخت فتاوى المرجعيات ركائز الاحتلال في العراق بتحريم مقاومته, وبين هاتين الحالتين هناك قنابل موقوتة اما على وشك الانفجار او تتفجر بين حين واخر في باقي دول المنطقة لغليانها الطائفي بشكل وبآخر, ومن ينكر بإدراك منه او بعدمه هذه المعتقدات السلبية المسمومة, التي لاتسمية لها سوى الصفوية, القادمة بغبارها الملوث من الضفة الشرقية للخليج العربي , فهو جزء من هذا المشروع الصفوي الذي اعطاه الخميني بعد تسلمه مقاليد الحكم في ايران اسم (مشروع تصدير الثورة).. وهو مشروع مرسوم ومفصل على مجتمعاتنا التي ترى فيها القيادة في ايران انها سهلة الاقتناص, ونجحت الى حد كبير في اقتناصها الى الان وفي النهاية فهي ليست بثورة بقدر ما هي اطماع واحتلال وهيمنة تستهدف بلداننا.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home