Friday, April 22, 2005

شركاء في الفساد والدم !

"النهار"
الجمعة 22 نيسان 2005
شركاء في الفساد والدم !

"احب أن أعتذر منك جنرال عن إساءات سببتها لك بمقال او اثنين او ثلاثة او اربعة. مرة قلت انك عميل لأميركا ومتأثر باللوبي الموجود بالخارج "يلي هوي مش لبناني". ويكفيني القول الآن انك رجل صادق غير كاذب. والسوريون او جماعتهم في لبنان او مسؤولون في الدولة، يرسلون اليك من يقول انهم يحبون عودتك. انا اعرفهم، معظمهم كذابون يريدون استغلالك في وجه الآخرين. عذراً جنرال، واهلا فيك".
الصحافي في "السفير" ابرهيم الامين
(في مداخلة مع العماد ميشال عون بثها "تلفزيون الجديد" الاحد الماضي)

لم يصدّق اللبنانيون أنفسهم وهم يشاهدون القيادة السورية تودّع المسؤولين الكبار، بعدما سبقتهم الى الاراضي السورية الآليات والدبابات والمدرعات التي كانت تخيف اللبنانيين وترهبهم اكثر مما كانت تخيف العدو الاسرائيلي وترهبه.
وقد تزامنت جولة الوداع هذه مع المشاورات السياسية التي ادت الى تأليف حكومة برئاسة النائب نجيب ميقاتي على نحو لا يعكس الحدث التاريخي الذي تمثّل بجلاء القوات السورية عن لبنان ومغادرة الرموز الشامية التي حكمت القطر اللبناني طوال ثلاثين سنة، ولم تتردد في سوق لبنانيين الى زنزاناتها في المزة وسواها، وتعريضهم لشتى انواع التعذيب الذي غالباً ما افضى ببعضهم الى الوفاة، وتسليم جثامينهم الى ذويهم بعد ان يكون السوريون قد أنكروا وجودهم.
ومن حظ العماد ميشال عون انه لا يزال على قيد الحياة، بفضل المنفى 15 سنة، بعدما جرت تصفية عشرات من العسكريين، بحسب اوساطه، بعد قصف القصر الجمهوري في 13 تشرين الاول 1990، وانتقاله مع مجموعة من الضباط الى السفارة الفرنسية ومنها الى المنفى في فرنسا، ليبقى فيه حيّا ويعد لبنان بالعودة اليه في 7 ايار المقبل.
كذلك من حظ الدكتور سمير جعجع انه لا يزال حيّا في زنزانة وزارة الدفاع، "بفضل" الحكم الذي اصدره في حقه القضاء اللبناني – رغم المآخذ التي وجّهت وتوجّه اليه - والا كان مصيره هو الآخر المنفى الذي رفضه، او القبر الذي كاد ان يقترب منه مرات عدة، على اساس ان القاعدة التي اتبعت مع الزعماء الموارنة منذ الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميل، ثم الرئيس الشهيد رينه معوض، هي انهم امام خيارات اربعة هي: المنفى، او السجن، او القبر، او كرسي بعبدا، حيث تقضي الادارة السورية للشأن اللبناني بان يملّك الماروني، مثل ملكة بريطانيا، دون ان يحكم!
والغريب في ما حدث منذ 14 شباط المزلزل، ثم 14 آذار المدوّي بالطوفان الشعبي الذي تدفق من كل انحاء لبنان على بيروت فملأها بمليون ونصف مليون دانوا السلطة التي ادت الى استشهاد الرئيس رفيق الحريري على النحو الذي فصّله تقرير البعثة الدولية لتقصي الحقائق حول الجريمة - الغريب ان ما حصل مذذاك لم يترجم سياسيا الى الآن، مع ان العالم كله، من قاصيه الى دانيه، قد فهم وادرك، ان سلطة أيديها ملوثة بالدم، وضميرها مثقل بنار جهنم التي القيت على الرئيس الحريري ورفاقه في ذلك النهار المشؤوم، يجب ان تُزاح من مكانها لتحل محلّها سلطة جديدة، نظيفة، تحاسب وتحاكم في الداخل وتعلّق المشانق، قبل ان تحضر لجنة التحقيق الدولية التي وعد مجلس الامن اللبنانيين بها، وقد لا تصل الى نتيجة على ما ابلغ مستشار الامين العام للامم المتحدة وعراب الطائف الاخضر الابرهيمي احدى الفضائيات قبل ايام، بان مثل جريمة اغتيال الحريري نادرا ما يُعرف الضالعون بها، مستشهدا برئيس وزراء اسوج اولف بالمه الذي اغتيل في رائعة النهار في استوكهولم قبل ثلاثين عاماً، ولم يعرف الى الآن من اغتاله... وان القصة طويلة.
نقول ان "المحكمة" التي التأمت في "ساحة الحرية" يوم 14 آذار قد لفظت حكمها على السلطة الامنية التي حكمت لبنان باسم سوريا منذ الطائف، اي منذ قرابة 15 سنة، وقضت بعزلها. وان هذا "الحكم" لم ينفذ ولم يتحقق فعلا مع تأليف الحكومة التي التزمت المعارضة، وهي أم الصبي، موقف المتفرج المحايد حيال المتورطين في جريمة اغتيال الحريري، وقتل لبنان تاليا، في ظل الحكم السوري للبنان الذي دانه المجتمع الدولي وأمره بالخروج من البلد، وهو الذي كان خروجه شبه مستحيل، بل ميؤوس منه، بفضل عبقرية الحاكمين سعيدا الذين تنكروا للوطن وباعوه بقروش يهوذا، عندما نظّروا في "الخيارات الاستراتيجية" و"الثوابت"، و"وحدة المسارين" التي قالوا لنا انها تؤدي الى ان القوات السورية التي جعلوها باطلا "شرعية، وضرورية، وموقتة"، لن تغادر لبنان الا بعد تحرير الجولان، وتوقيع اتفاق السلام الشامل مع اسرائيل، قاطعين حبل الامل على اللبنانيين حتى دهر الداهرين... الى ان جاءهم القرار 1559.
ونعتقد ان النائب وليد جنبلاط كان مُحقا عندما دعا الى تنحية رئيس الجمهورية ليغادر مع القوات السورية.
لقد كان محزنا الا تستطيع المعارضة التي نصرها الشعب في 14 آذار، ترجمة هذا الانتصار وتقرير مصير الحكومة الجديدة، وفرض خيارات الشعب الذي كان زحفه الى بيروت ذلك النهار استفتاء على سلطة المعارضة، واسقاطاً لسلطة الاجهزة. وحبذا لو كانت للمعارضة الشجاعة الكافية، مثل تلك التي حملت النائب مروان حماده الذي يَعتبر الرئيس لحود قائدا للاجهزة التي حاولت اغتياله، على التوجه الى بعبدا على رأس وفد المعارضة اثناء الاستشارات التي ادت الى تكليف النائب نجيب ميقاتي تأليف الحكومة الجديدة - حبذا لو كانت للمعارضة الشجاعة الكافية لتوجيه المليون ونصف مليون الى بعبدا لاكمال حلقة اسقاط السلطة.
بيد ان المعارضة، ويا للاسف، التي لم تحسن قيادة الجماهير ذلك النهار، قد فشلت كذلك في ترجمة الاستفتاء الشعبي منعاً لرئيس الجمهورية من ان يتقاسم حصص الحكومة بينه وبين رئيس مجلس النواب وآل الحريري، وكأن لهؤلاء مطالب مختلفة عن مطالب المعارضة.
ومن السذاجة التي ما بعدها سذاجة حديث المعارضة والمعارضين، انهم ينتظرون البيان الوزاري لاتخاذ قرار من الحكومة، بعد حصص رئيس الجمهورية رئيس الاجهزة المشكو منها، والمسؤول عن تصرفاتها، وصهره في وزارة الدفاع التي تحوي اكبر مقدار من الاجهزة المشكو منها والمتهمة من المعارضة من 7 آب الى آخر موجة اعتقالات لناشطي المعارضة، فضلا عن التضييق على الزعيم وليد جنبلاط وانصاره في الجبل.
اننا، ويا للاسف، امام معارضة خائفة ومترددة، وقد نقلت هذا الشعور الى الجمهور الذي اصيب بخيبة جراء تأليف الحكومة، رغم وجود كفايات علمية وخلقية فيها.
وقد لا يكون الاستاذ شارل ايوب صاحب "الديار" أخطأ في مقاله ضد الرئيس اميل لحود واستوجب احالته على القضاء عندما اتهم رئيس الجمهورية بانه مسؤول عما تعرضت له "القوات اللبنانية" وشبابها بعد حادث تفجير كنيسة سيدة النجاة في الزوق، وتهديده بالقتل اذا لم يسكت. وتحدث عن تعذيب "الفي شاب من القوات اللبنانية" يوم كان الرئيس لحود قائدا للجيش، واشار الى "موت بعضهم في الزنزانات"، وكذلك الى اقامة عرس في القصر لنجله وجمعه هدايا بملايين الدولارات، مذكّرا بـ"كوبونات صدام" و"بناء القصور وشراء العقارات" والتوسط لبيع حصة الدولة في مارينا ضبيه، والرحلة الى كرنفال الريو وكم كلفت... الى "بهرجة الاموال". ثم ينهي المقال بـ"ان ثروات النظام الامني للحود قد فاقت كل التوقعات".
واننا لنسأل هنا: كيف تقبل المعارضة بمثل هذا الشريك في نظام جديد شعاره النظافة والاستقامة والاستقلال والسيادة والقرار الحر؟
ليس الجواب بالطبع: بالبيان الوزاري.
ان الطريق لا تزال طويلة، يا اصدقائي. وهي تبدأ من جديدة يابوس، مع عودة أسرانا في سوريا الذين لا احد يسأل عنهم، على اساس ان "حزب الله" لا يسال الا عن اسراه لدى الاسرائيليين.
وعندما نصل و"حزب الله" الى توحيد الأسرى اللبنانيين، يكون شعب لبنان قد توحّد ووضع البلد على السكة الصحيحة.
ادمون صعب

0 Comments:

Post a Comment

<< Home