دمشق الغارقة في الأخطاء
دمشق الغارقة في الأخطاء
»إما يكون وجهك تحت حذائي أو اخنقك. وإما تكون تحت وصايتي أو تكون عميلاً لأميركا وإسرائيل. وإما تسلم لي حريتك واستقلالك أو لا أمن لك ولا حياة لنخبتك من الرجال. إما تقطع لسانك وترضخ أو لا جولان ستعود إليك, ولا حتى فلسطين« .. هذه هي المعادلة الستالينية التي تأسست في العالم العربي على أيدي الأنظمة القومية التي اشترطت الإذعان على الجميع مقابل أن يكون لهم الاعتبار القومي والالقاب الثورية, وألا يدانوا بإسقاط الوطنية عنهم, وبالخيانة, ويساقوا فرادى ووحدانا إلى المشانق, وإلى المسدسات الكاتمة للصوت, وإلى السيارات المفخخة.المنطق الستاليني هذا ما زال يحكم مفاهيم وسلوكيات الدولة القومية الحزبية الأمنية في سورية. وما أن خرج لبنان من تحت هذه الوصاية الشاقة والشقية, حتى استحقت عليه عقوبات الخنق وإغلاق الحدود براً وبحراً, واستحال, بين عشية وضحاها, إلى عدو تتساوى عداوته مع عداوة إسرائيل, ويستحق مثلها النبذ وعدم الاعتراف, وحتى الطرد من مصنفات الإخوة وشعارات الشعب الواحد في دولتين.الدولة القومية منطقها هكذا غير وطني على الدوام, وقمعي على الدوام, وقصير النظر على الدوام, وانعزالي على الدوام, ومكتفياً بما له على الدوام وكأن على سطح الكوكب لا وجود لمنطق آخر غيره إلا منطق الخونة والمارقين والمستحقين لمحارق النار بتهم الارتداد القومي والتمرد على الوصاية والاستعمار الأخوي.الآن لا تحكم العلاقة اللبنانية السورية الا مشاعر الثأر من جانب دمشق, والعداء التي تستدعي دائماً إنزال العقوبات, وإلا منطق الستالينية وروح الديكتاتورية المطلقة التي تستدعي الإباحة, والاستلاب, ولو للشعب السوري المحكوم نفسه. وأمس قال الرئيس الأسد عندما سئل عن مستقبل اتفاقات بلاده مع لبنان, إن هذه الاتفاقات لا أهمية لها لأنها في مصلحة البلد الآخر, وأن سورية في النهاية ليست جمعية خيرية. نحن معه في كون سورية ليست جمعية خيرية ونسأله لماذا لا يتبادل التمثيل الديبلوماسي مع لبنان, ويعترف به دولة قائمة ووطناً ابدياً لأبنائه, وبالتالي يبرم معه اتفاقات جديدة تعزز ربط المصالح بين البلدين? إذا غيرت الدولة القومية في سورية نظرتها إلى نفسها, وإلى الجوار وإلى العالم, وانتهجت سياسة براغماتية وعملانية, فإنها ستكشف أن بإمكانها إقامة أفضل العلاقات مع لبنان, بدل العلاقات السابقة التي سادت معه وقامت على نظرية الوصاية أو العداء, ولاكتشفت أيضاً أن اتفاقات ربط مصالح البلدين لا تتهددها الظروف السياسية بالالغاء بل بالتطوير والتحسين.اتفاقات استخراج النفط, واكتشافه, وتصديره كانت قبيل استقلال دول الخليج تقوم على الانتفاع من طرف واحد يستغل الثروة, وهو طرف الشركات. لكن عندما استقلت هذه الدول لم تلجأ إلى الغاء هذه الاتفاقات المجحفة بل طورتها إلى أن تم تأميم الصناعة النفطية, وأيضاً بموجب اتفاقات متطورة قامت على توازن الحاجة ... الأسواق بحاجة إلى النفط, والدول المنتجة بحاجة إلى بيعه وتسويقه.ثم إن ربط مصالح الدول يعني التبادل. فلبنان بحاجة إلى الحدود السورية لتصدير منتجاته إلى الأسواق العربية, وسورية بحاجة إلى ريع الرسوم لتغذية الموارد العامة للدولة. فإذا كانت الرسوم قليلة فإن إغلاق الحدود لا يزيدها, ويزيدها التفاهم وتطوير الاتفاقات. لكن ما حصل, وعلى خلفية المفهوم الخطأ, الوصاية أو العداء, هو إغلاق الحدود, بدل التفاهم على ريع الرسوم, وإغلاق البحر لغياب التفاهم على الصيد في المياه الإقليمية.هكذا تتعامل الدول المتحضرة التي لا تشعل حروب داحس والغبراء فيما بينها وتدمر مصالحها ومصالح شعوبها, وتغزو بعضها بعضا ويفرض بعضها هيمنته على البعض الآخر.ثم إن الدولة القومية في سورية, وفي ظل أحكام القانون الدولي السارية, لم تعد حرة في الحاق الأذى بمصالح لبنان المرتبطة بدورها بمصالح الدول العربية الأخرى, وبالمصالح العالمية التي أصبحت مترابطة من خليج المكسيك إلى بحر الصين. فإيقاف تصدير الفواكه والخضار عبر إغلاق الحدود سيلحق الضرر ليس بلبنان لوحده كبلد مصدر, بل بالسعودية, والكويت وعمان وقطر ودولة الامارات كبلاد مستوردة, والتي عن طريق الاستيراد تلبي حاجة أسواقها إلى هذه المنتجات .. هذه الحركة المتوازنة من التصدير والاستيراد أصبحت تشكل شبكة ارتباطات, مثل شرايين الدم في الجسم الواحد, وتعطيلها يوجب اتخاذ اجراءات دولية صارمة. فعندما تم اغتيال الحريري ظنوا أن الجريمة من شؤون لبنان وسورية, فتبين أنها جريمة دولية اهتز لها العالم, واسفرت عن صدور قرارات واتخاذ اجراءات, وكذلك الحال في اغتيال سمير قصير وجورج حاوي.إن أي اجراء وأي حادث وفي أي دولة له وعليه, والقادة الحصيفون هم الذين يدركون ذلك, فلا يلجأون إلى تدابير الثأر والانتقام, وينظرون إلى المستقبل وإلى ما هو أبعد من اطفاء نيران الحقد في الصدور .. اجراء إغلاق الحدود البرية والبحرية المتخذ من جانب الدولة القومية »الزعلانة«لن يبرره كتابات بثينة شعبان الشديدة العويل, ولا »لكلكات« إميل لحود, ولا تلطف فؤاد السنيورة, وديبلوماسيته, بل ينفع معها التخلي عن معادلة الوصاية أو الحرب, ولجوء الدولة القومية إلى الاعتراف بالدولة اللبنانية, وتبادل التمثيل الديبلوماسي معها, وابرام أفضل الاتفاقات المؤدية إلى ربط مصالح البلدين, والقابلة للتحسين والتطوير, ولا يخشى عليها من تبدلات الظروف السياسية وتغيير الدول والأنظمة
0 Comments:
Post a Comment
<< Home