Monday, February 26, 2007

من عقلاء الشيعة إلى مراجعهم أسئلة تحتاج إلى أجوبة (1

من عقلاء الشيعة إلى مراجعهم أسئلة تحتاج إلى أجوبة (1)
بقلم : د. سعد البريك

عندما يتحرر العقل من التعصب، ويصفو الذهن من أباطيل الخرافات وأوهام الأساطير ، فإن ما يحصل له من سعة الأفق وحرية التفكير وسلامة النظرة تجعله يقف متسائلاً عمّا يشكل عليه، معترضاً على ما يضاد فطرته مناهضاً لما يخالف المنطق والحجة.

أردت بهذه المقدمة المقتضبة ، أن أشير إلى فائدة الجدل العقلي للمتناقضات ، ونجاعة التحليل المنطقي للمتضادات في تحرير الأفهام من قيود الخرافات والأوهام ، مبدياً في الوقت نفسه إعجابي بجملة من التساؤلات التي أثارها بعض عقلاء الشيعة ، وهي إلزامات عقلية وإشكالات منطقية تجعل إجابة المرجعيات عليها ملحّة، لرفع الإشكال وتجريد الحق، الأمر الذي يجعل فرص الالتقاء والتقارب والتفاهم متاحة ومتوفرة لوجود مَنْ يسعى إلى معرفة الصواب بعيداً عن قيود التعصب وحبال التبعية العمياء .

وسأسعى في هذا المقال ـ وما سيتلوه من مقالات بإذن الله تعالى - إلى أن أسلّط الضوء على بعضها مقتصراً على زبدة ما يعترض به هؤلاء العقلاء على مرجعياتهم ناقلاً اعتراضاتهم والتي منها:


أولاً : ما اشتهر عن السيد السيستاني وكبار المراجع القدامى والمعاصرين أنهم أفتوا بتكفير مَنْ لم يقل بإمامة عليّ وذريته من بعده عليهم السلام.
وقد تلقى الشيعة هذه الفتوى على أنها من المسلَّمات التي لا ينبغي النقاش فيها أو الاعتراض عليها حتى صارت من أصول العقيدة ، لكنَّ جدار الثقة والهالة المقدسة التي عادة ما تحيط بأمثال هذه الفتاوى اهتزت وتلاشت ، وتلاشت معها قناعة الكثيرين بوجوب اتباعها بعد اطلاعهم على ما ثبت عن الإمام علي عليه السلام أنه استعفى من الخلافة عندما عرضت عليه قائلاً: «دعوني والتمسوا غيري «كما في كتاب نهج البلاغة (ص136) «، وما تواتر واشتهر من تنازل الإمام الحسن عليه السلام عن الخلافة لمعاوية.

الإمام علي وابنه الحسن يتنازلون عن الخلافة ، والمراجع يقولون بكفر من أنكر الإمامة لأنها «منصب إلهي كالنبوة» ،كما في كتاب أصل الشيعة وأصولها (ص 58) !!. فكيف يسوغ لهما فعل ذلك؟.

ألا يؤكد هذا الفعل من المعصومَيْن على أنه لا وجود لعقيدة الإمامة البتة ؟.

وما هو الدليل على صحة هذه العقيدة؟ ومن الذي أثبتها ورسَّخها بعد أن ازورَّ عنها الإمام علي وتنازل عنها ابنه الحسن عليهما السلام ؟.

وهل يسعنا أن نحذو حذوهما بإيثار الجماعة على الفرقة والوحدة على التشرذم بالتخلي عن هذه الفتوى التكفيرية وأمثالها من الفتاوى التي لا تزيد الأمة إلا وهناً وضعفاً ؟.


ثانياً : تفاوتت أقوال المذهب بين تكفير أبي بكر وعمر ونفاقهما وفسقهما، بل وصل الأمر بأحد المراجع الكبار إلى أن تجرأ على القول بأنه يكفر بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم رضيا خلافة أبي بكر!!!كما في الأنوار النعمانية (2/278): «إنا لا نجتمع معهم - أهل السنة - على إله ولا على نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم الذي كان محمد نبيّه ، خليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بذلك الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خلق خليفة نبيه أبا بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا».
فهل يُعقل أن يبلغ كره الصديق بالبعض مبلغاً يؤدي بصاحبه إلى الكفر بالله وبرسوله إذا رضيا بخلافته ؟.

نتمنى أن لا يوجد من يحتج بهذا الكتاب .

وماذا لو ثبت أن الله تعالى رضي بخلافة أبي بكر ؟.

إن العقل ليحار في التوفيق بين هذا الكلام وبين فعل الإمام علي عليه السلام الذي بايع الصديق على الخلافة ثم بايع عمر، ثم بايع عثمان.. وكان لهم وزيراً ناصحاً ومستشاراً أميناً ، ولم يخرج عليهم أو يدعو أحداً إلى ذلك !!.

فهل يعقل أن يبايع الإمام المعصوم الكفار، ويسلّم شؤون الأمة إليهم ليعيثوا فيها كفراً وفساداً ؟.

وهل كفر الإمام علي عليه السلام بإقراره بخلافتهم طيلة هذه المدة ؟.

ولماذا استجاز الإمام عليّ لنفسه أن يزوج ابنته أمَّ كلثوم شقيقة الحسن والحسين عليهم السلام من عمر بن الخطاب إذا كان كافراً ؟.

هل أخطأ ـ وهو المعصوم ـ أم أن ما فعله من البيعة والتزويج هو عين الصواب ؟!!.

كلام المراجع في الصحابة لا ينسجم البتة مع ما ثبت عنه عليه السلام من مدح المهاجرين بقوله : فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم كما ورد في نهج البلاغة( ص 383 ).

ومدح الأنصار من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام بقوله :هم والله رَبَّوُا الإسلام كما يربى الفلو ...» ( المصدر السابق557 ) .

ولا ينسجم أيضاً مع ما ثبت عن الإمام جعفر بن محمد أنه كان يتولاهما ، ليس ذلك فحسب، بل كان يأمر بتوليهما أيضاً، فعندما سألته امرأة «عنهما (أي أبى بكر وعمر) قال لها: توليهما، قالت : فأقول لربي إذا لقيته: إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم». والقصة بتمامها في كتاب الروضة من الكافي (8 /101) .

فأي المذهبين نتبع : سبيل الإمام علي والإمام جعفر بن محمد عليهما السلام في الثناء على الخليفتين وتوليهما ، أم مذهب من كفَّرهما وتبرأ منهما وسبهما ؟!!.


ثالثاً : لقد استقر في عقيدة كثير منا جيلاً بعد جيل أن أهل البيت كانوا يكرهون الصحابة وأن الصحابة يكرهون أهل البيت ، لكننا لم نستطع فهم ذلك في ضوء ما ثبت عن الإمام الأول عليه السلام أنه سمّى أحد أبنائه أبا بكر، كما في كتاب الإرشاد للمفيد (ص 186) ، وأكد ذلك المؤرخ اليعقوبي في تاريخه( 2 / 213) بقوله : وكان له من الولد الذكور أربعة عشر، وذكر الحسن والحسين …… وعبيد الله وأبو بكر لا عقب لهما أمهما يعلى بنت مسعود الحنظلية من بني تيم».
وهنا سؤال محيّر ينتظر الإجابة الصريحة الواضحة : ألا يدل هذا الفعل من الإمام علي عليه السلام على مدى الحب والتقدير الذي كان يحمله في قلبه للصديق حتى سمّى أحد أولاده بكنيته ؟ .

وكذلك فعل الإمام الثاني الحسن بن علي عليهما السلام فسمّى أحد أبنائه باسم الخليفة الأول أبي بكر، وكان ممن قتل في كربلاء مع الحسين قتله عقبة الغنوي ،كما في مقاتل الطالبيين. (ص 87 ) .

والحسين بن علي أيضاً سمّى أحد أبنائه أبا بكر ، وكان ممن قتلوا معه عليهم السلام كما يذكر المؤرخ المسعودي في التنبيه والإشراف ( ص263) . وزين العابدين بن الحسن كان يكنى «أبا بكر» أيضاً ، كما في كتاب كشف الغمة (2 /74) .

وسمى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إحدى بناته عائشة .

فهل يجوز لنا أن نتبع أئمتنا بأن نسمّي أبناءنا أبا بكر وعمر ، وأن نسمّي بناتنا عائشة ؟.

أم أن سبّهم وشتمهم بات ركيزة من ركائز التشيّع وضرورة من ضرورات المذهب ؟.


رابعاً : ما هو الموقف السليم مما ذكرته المصادر التاريخية المعتمدة أن الصحابة وأبناءهم قد تصاهروا مع أئمة أهل البيت . حيث « تزوج عمر من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه .وتزوج مروان بن أبان بن عثمان من أم القاسم بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب . وتزوج زيد بن عمر بن عثمان من سكينة بنت الحسين. وتزوج عبد الله بن عمر بن عثمان من فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب «.
فهل يعقل أن أهل البيت المعصومين يزوّجون بناتهم من الصحابة وأبنائهم إذا كانوا يكفِّرونهم ويلعنونهم ويتبرأون منهم ؟!!.

ألا يمكن أن نتعايش مع أهل السنَّة بسلام وأمان، وأن نتزوج منهم ويتزوجوا منا بعيداً عن الحقد والبغضاء، كما فعل أئمتنا الذين ندين الله بتوليهم واتباعهم وحبهم ؟.


خامساً : إن حب آل البيت من صميم عقيدتنا، وعلى رأسهم أمير المؤمنين عليه السلام، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وكذلك الطاهرة البتول فاطمة الزهراء ، فهي سيدة نساء أهل الجنة ، ريحانة النبي ( وقرة عينه، صاحبة الخلق الرفيع، والأدب الجم، تربت في حجر النبوة ، فكيف يسوغ وصفها بأنها « تشاجر الخلفاء وتعارضهم حتى أحرقوا بيتها، وضُربت ووجع جنبها، وكسر ضلعها، وألقت جنينها من بطنها، وماتت في مثل هذه الظروف ونتيجة هذه الصدمات» . كما ورد في كتاب سليم بن قيس. (84ص،85 ) .
وهل يليق هذا الوصف بمن كانت في هذه المكانة ؟.

بل هل يليق بمن هن دونها في التقوى وحسن الديانة ؟.

وأين كان زوجها الإمام الكرار الفرار الشجاع عليه السلام ؟ .

وهل كان تقاعسه عن نصرتها تقيةً وجبناً ؟.

أم كان عن ذلة وضعف ؟.

حاشاه عليه السلام .

إذا كانت الإجابة بالنفي.. فلمْ يبق حينئذ إلا أن البيان الصريح الواضح بعدم صحة هذه الروايات .

وإلا لماذا رضي أبناؤها وأحفادها أن يسمّوا أبناءهم بأبي بكر وعمر وعثمان ، إذا كانوا قد ظلموا فاطمة وضروبها، وكسروا أضلاعها، وكان ذلك الضرب سبباً في موتها ؟!!.

شكراً جزيلاً لعقلاء الشيعة على تجرّدهم للحق الذي يرضي الله عز وجل، وليس لأجل سواد عيون أهل السنَّة أو الشيعة.

وللحديث تتمة.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home