Sunday, March 04, 2007

هل هناك صفقة

هل هناك صفقة

يعرضها جميل السيد

لاطلاق سراحه مقابل اطلاق لسانه؟

كتب حسن صبرا

هل عرض مدير عام الامن العام السابق اللواء جميل السيد صفقة لاطلاق سراحه من تهمة المشاركة في الاعداد لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم 14/2/2005، مقابل اطلاق لسانه في كل ما يعرفه عن كل من أمر وخطط ودبر ونفذ وضلل في هذه الجريمة الارهابية التي ما زال لبنان وسوريا يدفعان ثمناً غالياً لها؟

المعلومات التي تسربت عن استعداد السيد للاعتراف، اضافت بأن اللواء المعتقل مع قادة اجهزة امنية اخرى تحت الشبهة نفسها، يؤكد انه لم يكن له أي دور في هذه الجريمة، لكنه يعد بأن يقدم معلوماته كواحد من المسؤولين عن اهم جهاز امن في لبنان خلال سنوات كان يعرف كل شيء، وكان وضعه الامني والسياسي والشخصي يسمح له بأن يطلع على كل شاردة امنية وواردة.. وأنه لم يضطلع بأي دور في هذه الجريمة الارهابية.

واذا كانت هذه المعلومة عن الصفقة ما زالت قيد الكتمان وسط حلقة ضيقة جداً، مع ميل كما تقول مصادر مطلعة الى رفضها، فإن تردادها فتح المجال واسعاً لإعادة مناقشة دور اللواء السيد في ارتكابها، مع نقاش آخر يتناول تفسير استعداده لهذه الصفقة، مع ميل اكبر هذه المرة الى الغوص فيه وتقديم مبرراته.

يدور النقاش في حلقة ضيقة حول دور اللواء السابق جميل السيد في تسعير العداء للرئيس الشهيد في كل مناسبة سياسية، وعبر اوسع حملة تحريض كان السيد يتولاها بنفسه ضد الحريري، عبر كتابات كان يرسلها الى صحف يومية ليتم نشرها اما في الصفحة الاولى تحت عنوان ((كتب المحرر السياسي))، واما بتوقيع مخبرين صحافيين في الصفحة الثانية تولى السيد رعايتهم وأدخلهم ضمن منظومته الاخبارية التي شملت مخبرين وصحافيين واعلاميين او اعلاميات في المرئيات فضلاً عن اكثر من رئيس تحرير هنا او هناك.

ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن بعض القيمين على هذه الصحف او وسائل الاعلام كانوا يبررون لأنفسهم نشر مقالات لمدير عام الامن العام بأسماء صحافيين يعملون عندهم بأنه مصدر اخبار مهم لصحفهم، ولذلك فقد تمادوا في قبول هذا التبرير، بفتح المجال واسعاً امام مخبري السيد ليرسموا نهج الجريدة كما يريد هؤلاء نيابة عن معلمهم..

والذين يؤكدون تورط اللواء السيد في جريمة قتل الشهيد الحريري، يرددون معلومات يملكونها او سمعوا عنها، بأن السيد كان واحداً من ثلاثة ضباط هم العميد مصطفى حمدان (قائد الحرس الجمهوري السابق) والعميد ريمون عازار (رئيس جهاز استخبارات الجيش سابقاً) ظلوا لمدة اسبوع يتشاركون في الاطلاع على مسرح جريمة اغتيال الحريري في عين المريسة – قبالة فندق سان جورج.. وان هناك آلات تصوير مثبتة في احد المباني الكاشفة جيداً لمسرح الجريمة، سجلت بوضوح وجوه الشخصيات الامنية وغير الامنية التي كانت تحضر ليلاً لتهيئة المسرح، وبحث تفاصيل التحرك، وما يستدعيه التصرف قبل وبعد التفجير الارهابي المروع.

والرافضون لقبول صفقة السيد يقولون انها مناورة منه لكسب الوقت لمصلحة الذين امروه بتنفيذ الجريمة، او لدوره فيها، كما هي عادتهم في كسب الوقت انتظاراً للمجهول الذي ربما يحمل خيراً لهم، لأن المعلوم لا يحمل لهم الا نتائج اعمالهم الارهابية منذ اكثر من 30 سنة ضد لبنان وقادته وأمنه ومصالحه وأرزاق ابنائه.. وحياتهم.

وبعض الرافضين يتحدثون ايضاً عن معلومات توافرت منذ اللحظة الاولى للجريمة الارهابية، وتتحدث عن دور الاجهزة الامنية الرسمية.. وغير الرسمية التي ساهمت كل في موقعها ومعلوماتها وأدواتها في ارتكاب الجريمة.. وكان اوضح تعبير رسمي دولي في معرفة مرتكبي الجريمة.. وأدواتهم في لبنان ما اعلنه وزير خارجية بريطانيا يومها جاك سترو بعد اسبوع واحد على حدوث التفجير الارهابي من ان ((الاستخبارات السورية هي التي نفذت هذه الجريمة)).

كان امراً لافتاً للنظر ان يكون وزير خارجية دولة معروفة بمحافظتها وتقاليدها الصارمة وحسن التدقيق في كل كلمة تصدر عنها، دون السماح بزلة لسان عبر تاريخ مؤسساتها الدستورية او الدبلوماسية.. هو الذي يعلن ويكشف معلومات كان من البديهي ان يتولى الاعلان عنها مسؤول امني او عسكري او متحدث اعلامي مكلف.. مثلاً.

وكان امراً لافتاً للنظر ايضاً، ان بريطانيا وسترو نفسه لم يُعد هذا الحديث علناً على الاقل مرة اخرى.. فقد كان ما اعلنه بنظره، وعلى لسان وزير خارجية دولة عظمى كافياً ولو كان لمرة واحدة لاتهام من يريد ان يفهم، اننا نعرف واننا الآن ندقق، واننا بصدد الاعداد لنحاسب.. ونحاكم.



لماذا بريطانيا؟

من قاعدة ((اكروتيري)) البريطانية في قبرص تم رصد 60 الف حديث متبادل من اصل ملايين الاحاديث – كلها انصبت حول الاعداد لقتل رفيق الحريري.

وقبل هذه الجريمة بستة اشهر، وتحديداً منذ صدور القرار 1559، الذي جاء رداً على تمديد بشار الاسد القسري لاميل لحود 3 سنوات في حكم لبنان بواسطة الجهاز الامني السوري وتابعه اللبناني الرسمي وغير الرسمي.. اخضعت الاجواء والاراضي اللبنانية لرقابة محكمة دولية تحسباً لما كان الجميع يترقبه.. وأولهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري من ردود فعل ارهابية ضد كل الذين اعترضوا على التمديد لاميل لحود.

فالذين عرفوا ودرسوا سلوك وردود فعل بشار الاسد.. لم يستبعدوا ابداً فرضية لجوئه الى القتل والاغتيال تنفيساً عن كراهية لأي انسان رفض او عارض قراره بالتمديد لاميل لحود..

كان الشهيد رفيق الحريري متأكداً بأن الاسد سيقتل احداً من قادة الذين رفضوا التمديد.. وعلى رأسهم الزعيم الوطني وليد جنبلاط.. وقد حذره شخصياً.. وبعض المعلومات تقول ان الرقابة الدولية للأجواء والاراضي اللبنانية اقرت سرياً لحظة بل وقبل صدور القرار 1559 لأنه كان يعني بوضوح سحب قوات الوصاية السورية الكريهة على لبنان.. وكان يعني التحسب لردود فعل بشار الاسد.. وقد وصل الى قادة العالم كله عربه وغربه وشرقه تهديد بشار الاسد لرفيق الحريري حين استقبله في احدى حالاته العصبية الشرسة وفيها استعداده لحرق لبنان وتكسيره فوق رأسه اذا ناقش مجرد النقاش في قراره التمديد القسري لتابعه الصغير في قصر بعبدا.

كانت محاولة اغتيال الشهيد الحي مروان حماده يوم 1/10/2004، توكيداً لمعلومات الحريري، وتشجيعاً للقوى الدولية التي أصدرت القرار 1559 للتعجيل بفرض الرقابة التي بدأت خجولة ثم تعممت بواسطة الأقمار الصناعية لترصد كل حركة في لبنان.. ودائماً عبر الحدود مع سوريا.. ولترصد بيروت، ودائماً عبر ضواحيها.

رصدت الرقابة الدولية تحركات بالملايين عبر ستة أشهر لسيارات ومركبات كما لغيرها، من أين تأتي وكيف تركن، وكيف وأين تبيت؟ وكان من المستحيل في حالة الهدوء أن تعلم نية أصحابها أو توجهاتهم إلى ان حصل التفجير الإرهابي يوم 14/2/2005.

فالتفجير ضخم جداً ونتج عن تفجير 1800 كلغ، والحدث أضخم وهو استهداف قامة بحجم وهالة ومكانة رفيق الحريري.. وحيث ان الجميع كان يتوقع رد فعل استخباراتي سوري وتوابعه في لبنان على تعاظم النقمة ضد سلوكيات نظام بشار الأسد في لبنان.

التفجير الضخم ونتائجه فتح الباب واسعاً أمام استعادة أشرطة الرقابة الدولية التي عملت عبر أحدث أجهزة التنصت والمراقبة والمشاهدة على كشف الحافلة البيضاء الصغيرة التي حملت 1800 كلغ من أفظع مواد التفجير.. كيف دخلت إلى لبنان؟ وأين استقرت؟ وأين جرى تفخيخها، وكيف كانت تجول في لبنان.. وتمر دون حسيب أو رقيب، وما هي المركبات سواء كانت سيارات أو دراجات نارية أو هوائية كانت تسبقها وتلحقها لتأمين الحماية لها، حتى لا تتعرض لحادث بالصدفة، أو توقيف من جانب شرطة سير دون قصد أو تعرض لمعرفة أو مراقبة أي كان..

هذه الأشرطة ساعدت على كشف الكثير الكثير في معرفة الجريمة، ومرتكبيها ومن هم وراءها، وما بعدها.. حتى انها عرضت على مسؤولين عرب كبار.. مما جعل وزير خارجية دولة عربية كان دائماً متحفظاً في توجيه أي تهمة للاستخبارات السورية، يجزم بعد مشاهدته بعض الوقائع بأن عملاً إجرامياً متقناً كهذا في بلد كلبنان لا يمكن إلا لهذه الاستخبارات أن تنفذه اعتماداً على ما لها من سطوة ونفوذ وأجهزة وعملاء على كل المستويات.

والذي ينفذ جريمة بهذا الحجم يستند أولاً إلى أجهزة أمنية موثوقة جداً.. وأبرز هذه الأجهزة هو جهاز الأمن العام، وهو مشارك مع كل الأجهزة في حكم لبنان نيابة عن أجهزة النظام السوري في دمشق وفي لبنان أيضاً.

وحيث ان كثيرين يعتبرون ان اللواء جميل السيد هو الأبرع، وهو الأكثر ثقة عند الأجهزة السورية، ولديه اطلاع بسبب هذه الثقة على أدق الأمور التي يريدها نظام الأسد، بعد ان باتت صلة السيد مباشرة بماهر الأسد، فإن توقيفه مع المشتبه بهم في التخطيط لجريمة اغتيال الحريري هو أمر منطقي وبديهي.. ومع هذا فهو لم يعترف حتى الآن.

إذن

لماذا يعرض جميل السيد صفقته الآن؟

المفسرون الذين يريدون عقد الصفقة لهم أسبابهم ومنها شخصي وبعضها سياسي وأمني..

1- في الشخصي يقول المفسرون بأن الرجل إذا كان واثقاً من براءته، يريد أن ينأى بنفسه عن هذه التهمة.

2- في الشخصي أيضاً يقول المفسرون بأن جميل السيد يريد الخروج من السجن ليستعيد حياته العادية كمواطن خارج لبنان، في ظل حماية أمنية من الجهات القادرة على حمايته.

3- في الشخصي ثالثاً ان جميل السيد يعتبر ان من حقه أن يتمتع بما حققه في لبنان خلال فترة وجيزة لتمضية بقية عمره وسط انجازاته المادية.

4- في السياسي يقول المفسرون بأن جميل السيد الذي يقرأ تطورات الأمور جيداً، بات يدرك بأن قيام المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بات قاب قوسين او ادنى، وانها اذا لم تنجز محلياً فإنها ستنجز دولياً وعندها لن يكون هناك مناص أو ملجأ لأحد حيث ان المحكمة وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ستكون ملزمة وتتجاوز حدود لبنان إلى ما شاء الله بين دمشق وطهران وما بينهما.

5- في السياسي أيضاً يقول المفسرون بأن اللواء السيد يعرف أكثر من غيره استعداد نظام بشار الأسد للمقايضة وعقد الصفقات على حساب ضباط معينين في سوريا وفي لبنان لحماية نفسه، وانه سريع التضحية بجماعته في لبنان خطوة أولى تسبق تضحيته بضباطه داخل سوريا نفسها.

6- وفي السياسي ثالثاً ان اللواء السيد أكثر من غيره دراية بضعف النظام السوري وتبعيته لإيران، وان هذه الأخيرة لا مانع لديها من التضحية بنظام دمشق لحماية ملفها النووي، وان أسهل الأمور أو التنازلات عند الإيرانيين تلك التي تأتي من كيس غيرهم.. في سوريا أو في لبنان، وانه سيقع كبش فداء مرتين أو بالإجماع بين سوريا وإيران.

7- وفي السياسي – الشخصي يبدو – كما يقول المفسرون – بأن اللواء السيد حسم أمره، بالرهان على حصان رابح قادم هو حصان المواجهة الأميركية ضد طهران لإرباكها وإسقاط بشار الأسد.. ولن يجد عندها حصاناً أفضل من حصان الحماية الشخصية التي توفرها له الجهة المنتصرة في المواجهة المقبلة.. وهو يعرف نتيجتها!

وأخيراً

لماذا يتم كشف هذه الصفقة إذا كانت صحيحة، هل يتم تسريبها لحماية أم لتهديد جميل السيد؟ أم لإرباك معلميه في دمشق؟ أم لإفشالها.. ومن له مصلحة في ذلك؟

أسئلة عديدة تطرح لتستعيد السؤال الأهم قبلها وهو هل هناك فعلاً صفقة معروضة؟

0 Comments:

Post a Comment

<< Home