Wednesday, April 27, 2005

على الطريق لبنان بعروبته .. والتدخل الدولي هو الخطر


على الطريق لبنان بعروبته .. والتدخل الدولي هو الخطر!
طلال سلمان
النهايات تتوالى سريعة لتشكل خاتمة لمرحلة كاملة صارت من التاريخ... ولقد استدرك المجلس النيابي أمر ذاته بأن اختتم عهده الممدد أصلاً بإنجاز مزدوج: فهو قد منح الثقة بأكثرية غير مسبوقة لحكومة هبطت عليه من فوق، بعدما استولدها توافق دولي عربي وفّر مخرجاً من الأزمة السياسية الخانقة التي كان لبنان محاصراً داخلها، ثم إنه حسم أمر الانتخابات النيابية بموعدها وقانونها بسرعة قياسية. وسواء أكان ذلك <<أمراً دبر بليل>> أم أن ذلك تمّ مصادفة وتحت تأثير التخوف من تعاظم التدخل الدولي، فإن النتيجة العملية أن أوراق المعارضات والموالاة قد اختلطت بحيث بات رسم الحدود بينها أكثر صعوبة، خصوصاً أن كتلها الرئيسية من الطينة ذاتها. إن عصراً جديداً قد بدأ على أنقاض ما كان، وهو عصر يأتي محمولاً على ظهر قرارات دولية من شأنها أن ترسم مساراً إلى مستقبل لبنان السياسي يكاد يتناقض مع موقعه ومع حقائق الحياة ومع هوية شعبه التي لا تفيد التكتكات السياسية أو حمى الغرائز المذهبية والطائفية في تغييرها مهما نجحت في محاولة تزويرها. لقد انتهت الحقبة السورية بطريقة لا تليق بسوريا ولا بالعلاقات بين الشعبين الشقيقين. وهذا أمر واقعي برغم أنه يثير الأوجاع والكثير من القلق. لكن هوية لبنان لم ترحل مع <<القوات السورية>> التي غادرتنا بطريقة لم نكن نرغب فيها، ولم نكن لنتوقعها أن تأتي على هذا الشكل المسيء إلى علاقات الأخوة والمصير المشترك. فالعروبة لم تدخل إلى لبنان محمولة على ظهر الدبابات السورية، ولا هي أنزلت بالمظلات... بل إن العروبة في لبنان أصيلة وعميقة الجذور تماماً كما هي في سوريا. وهذه العروبة بالذات هي التي مكّنت للقوات السورية أن تدخل وتتدخل، باسم الأخوة والمصير المشترك، لكي توقف الحرب الأهلية وتثبت التوافق الذي توصل اليه اللبنانيون، برعاية عربية ودولية في الطائف، وتسهم في اقامة <<دولته>> التي أساء اليها بعض من حكمها بأكثر ممن تحكم فيها. وليس من شك في ان هذه النهاية البائسة للحقبة السورية قد اساءت إلى صورة العروبة، في لبنان كما في سوريا، خصوصاً مع انفلات الغرائز ومع توظيف هذا الانفلات، في محاولة تشويه هوية لبنان الأصلية وتنفير أهلها منها. على ان أية نظرة متأنية إلى نتائج هذا الانفلات على الأرض تثبت ان البدائل التي رشحت لتحل محل العروبة تؤدي جميعاً إلى تجديد الحرب الأهلية، يستوي في ذلك الفحيح الطائفي والمذهبي، ومحاولة تبرير التدخل الدولي وتظهيره كأنه الحل الوحيد والأخير لمشكلة <<الموزاييك اللبناني>> الذي لا تحمى هشاشته إلا بفرض وصاية الدول ولو ملخصة الآن بالدولة الأعظم وإدارتها العبقرية ممثلة بجورج بوش والمحافظين الجدد من حوله. لقد خرجت القوات السورية من لبنان، وكان لا بد ان تخرج، وإن كان من المؤسف ان تكون قد رافقت خروجها تلك المشاهد المسيئة إلى اللبنانيين بقدر ما تسيء إلى السوريين.. لكن العروبة ليست جالية أجنبية في لبنان، وليست حالة طارئة أو وافدة اليه من خارجه. انها هوية أهله وأرضه، بعاصمته وجبله وبقاعه وشماله وجنوبه. إنها مصدر شرفه بمقاومته الاحتلال الإسرائيلي حتى إجلائه بدماء الشهداء. أكثر من ذلك: ان هذه العروبة قد تضررت مرتين، مرة حين صورت كأنها <<صناعة سورية>> وافدة، ومرة حين خرجت سوريا من لبنان مثخنة بجراحها.. كذلك فإن هذه العروبة قد تلقت ضربة عنيفة باغتيال أحد أبنائها البررة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم بتوجيه الاتهام (ولو ضمناً) إلى بعض الاطراف العربية بارتكاب هذه الجريمة الزلزال. وليست الانتخابات مصدر خطر على العروبة، بل إن هذا الانتماء القومي العريق إنما يتأكد بالديموقراطية ويتعزز بسيادة مناخها، في حين أن سيادة المنطق الأقلوي والفئوي، مذهبياً كان أم طائفياً، إنما تسيء إليها وتضعفها في مواجهة التدخل الدولي. كذلك فليس المعارضون جميعاً من أعداء العروبة ومن أنصار التدخل الدولي... بل إن أكثرية اللبنانيين الساحقة ستحمي هويتها الأصيلة، مؤكدة لسوريا أنها وإن خرجت بجيشها من أرض لبنان، فإن أشقاءها فيه سيحمونها وهم يحمون أنفسهم من مخاطر هذا <<التدخل>> ... و<<التدخل>> ليس أكثر من <<اسم الدلع>> للاحتلال الأجنبي. ولن يكون التدخل الدولي هو البديل من سوريا في لبنان، مهما تبدى قوياً وكأنه القدر الذي لا يرد!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home