المطلوب جلاء الطائفية
المطلوب جلاء الطائفية
المستقبل - الخميس 12 أيار 2005 - العدد 1915 - الصفحة الأولى - صفحة 1
ناصيف حتي
يفاجئك كل لبناني أو صديق للبنان بالسؤال: هل أنت متفائل أو متشائم في "اليوم التالي" أو مرحلة ما بعد الخروج السوري من لبنان وولوج سكة تطبيع الوضع اللبناني؟ لكن السؤال الذي يفترض أن يطرح قبل ذلك يتعلق بالتطبيع المطلوب أو المنحى الذي سيتخذه ذلك التطبيع والتوترات والأزمات والانسدادات التي قد يشهدها وتوفير الامكانات وابتكار الآليات لاحتوائها وتفكيكها أو تسويتها.لا داعي للتذكير بأن نهاية المرحلة السابقة، مرحلة الإدارة السورية للبنان، قد وفرت الشرط الضروري وليس الشرط الكافي لبناء الدولة اللبنانية الثانية بعد أن تحررت "السياسة" الشرط الضروري لإعادة البناء الوطني. ولا داعي للتذكير بأن عناصر الضعف والشقاق الهيكلي وأخطر هذه العناصر البنية الطائفية المسيطرة في الدولة الأولى، دولة الاستقلال، كانت عناصر جذب التدخل الخارجي القريب والبعيد، كانت العناصر التي أدت الى الحروب المختلفة التي شهدها لبنان وكان شعبه أطرافها ووقودها ومادتها. الحروب التي جعلت الدولة ساحة صراع بالواسطة وورقة مساومة استراتيجية ومسرح بديل للمواجهة.نهاية مرحلة الإدارة السورية للبنان وفرت الشرط الضروري وليس الكافي للتفاؤل، إلا إذا أردنا أن تكون دولة المستقبل نسخة مطابقة عن دولة الأمس متجاهلين من جهة دروساً وعبراً دفع لبنان ثمنها دماء وهجرة ودماراً، ومن جهة أخرى مستجدات ومتغيرات على الصعيد المجتمعي واعدة بالتغيير نحو الأفضل إذا ما جرى استثمارها في الطريق السليم.تحررت السياسة وعادت معها بقوة وبحدة لمصادرتها، عملية الاستنفار الطائفي باسم حقوق الطوائف. محاولات تهدف للحفاظ على مكاسب مهددة وتحقيقاً للمواقع في عملية إعادة التموضع الجارية. ونعترف أن "التطييف" أو التسعير الطائفي يبقى الوسيلة الأسهل للعمل السياسي ضمن المفهوم التقليدي للسياسة، في مجتمع ما زالت الطائفية إحدى سماته الأساسية وفي سلطة مطيفة مؤسسات وممارسة، وفي بئة إقليمية، بين المتوسط والخليج، تزداد فيها قوة الجغرافيا الطائفية على حساب الجغرافيا الوطنية، معرضة بعض الدول لمخاطر التفكك وبعضها الآخر لمخاطر التحول الى نموذج الدولة الفاضلة أو الدولة الصورية المعطلة وظائفها والمتصارعة جماعاتها المكونة لها. التطييف يجري أيضاً وأحياناً تحت عناوين بعيدة كل البعد عنه: عناوين استقلالية وسيادية وتحررية. والمفارقة المثيرة أن هذه العناوين لدولة واحدة موحدة، دول للكل، لكنها تخفي منطقة دولة الطوائفية، وهي الشرط المانع لبناء دولة المواطنة والدولة الحديثة.في "اليوم التالي" الذي بدأ، علينا أن نجيب عن أسئلة محددة: كيف ننتقل من الطائفية الى الوطنية أو كيف تنتقل "السياسة" من مصادرة الشأن العام لمصلحة الخواص باسم الحفاظ على حقوق طائفية تنهش جسم الدولة. الى السياسة كخدمة للشأن العام من خلال برامج وأفكار تحمل أهدافاً عابرة للطوائف تتنافس فيما بينها في إطار الدولة الواحدة. العبور من حالة الى أخرى يتطلب تعزيز دور القوى الاجتماعية والسياسية في المجتمع المدني التي تعبر عن مصالح وتطلعات وأهداف تمثل خيارات وبرامج تقطع عبر الطوائف ولا تصادر الطوائف باسم الحفاظ على حقوقها.كيف نميز بين التنوع الطائفي، كمصدر غنى نحافظ على مقوماته ونحترم مكوناته، وليس كمصدر خلاف سياسي مصطنع، يغطي خلافات مصلحية ضيقة وشخصية؟ فالخلافات المطلوب إدارتها كسمة صحية وطبيعية في المجتمعات الحية والمقتوحة هي خلافات السياسة بالمفهوم الحديث: خلافات الأفكار والمشاريع المتعددة لتنشيط الاقتصاد وتنظيم الاجتماع وإدارة العلاقات مع الخارج. سؤال آخر يحير الكثيرين من اللبنانيين وأصدقاء لبنان، سؤال يتعلق بمدى التحاق السياسة بمعناها الحديث بالاقتصاد وببعض الاجتماع المتقدمين عنها جداً في لبنان؟ كيف يتم ردم هذه الفجوة المعيقة أساساً للتنمية الإنسانية الشاملة في لبنان؟إنها جملة من الأسئلة موجهة بامتياز ليس الى لبنان فحسب بل الى الكل العربي طالما أن الخروج من النفق المظلم يفترض خياراً ثالثاً غير خياري مصادرة الدولة للمجتمع، وإلغاء المجتمع للدولة أو تهميش دورها كلياً: خياراً الدولة شديدة السلطوية أو الفوضى المفتوحة.الخيار الثالث: خيار دولة المواطنة والازدهار تستدعي مصالحة الدولة مع المجتمع، حتى لا تبقى الديموقراطية الفعلية مستحيلة والتنمية الشاملة ممنوعة. الأمر الذي يستدعي في الحالة اللبنانية التخلص من الطائفية أساساً. سيكون الجواب عن السؤال الأول، جواباً متفائلاً يوم جلاء الطائفية عن لبنان وتحرير الطائفة منها قبل تحرير الوطن والدولة. عند ذلك نبني الاستقلال الداخلي الذي هو التحدي الأصعب. ناصيف حتي
المستقبل - الخميس 12 أيار 2005 - العدد 1915 - الصفحة الأولى - صفحة 1
ناصيف حتي
يفاجئك كل لبناني أو صديق للبنان بالسؤال: هل أنت متفائل أو متشائم في "اليوم التالي" أو مرحلة ما بعد الخروج السوري من لبنان وولوج سكة تطبيع الوضع اللبناني؟ لكن السؤال الذي يفترض أن يطرح قبل ذلك يتعلق بالتطبيع المطلوب أو المنحى الذي سيتخذه ذلك التطبيع والتوترات والأزمات والانسدادات التي قد يشهدها وتوفير الامكانات وابتكار الآليات لاحتوائها وتفكيكها أو تسويتها.لا داعي للتذكير بأن نهاية المرحلة السابقة، مرحلة الإدارة السورية للبنان، قد وفرت الشرط الضروري وليس الشرط الكافي لبناء الدولة اللبنانية الثانية بعد أن تحررت "السياسة" الشرط الضروري لإعادة البناء الوطني. ولا داعي للتذكير بأن عناصر الضعف والشقاق الهيكلي وأخطر هذه العناصر البنية الطائفية المسيطرة في الدولة الأولى، دولة الاستقلال، كانت عناصر جذب التدخل الخارجي القريب والبعيد، كانت العناصر التي أدت الى الحروب المختلفة التي شهدها لبنان وكان شعبه أطرافها ووقودها ومادتها. الحروب التي جعلت الدولة ساحة صراع بالواسطة وورقة مساومة استراتيجية ومسرح بديل للمواجهة.نهاية مرحلة الإدارة السورية للبنان وفرت الشرط الضروري وليس الكافي للتفاؤل، إلا إذا أردنا أن تكون دولة المستقبل نسخة مطابقة عن دولة الأمس متجاهلين من جهة دروساً وعبراً دفع لبنان ثمنها دماء وهجرة ودماراً، ومن جهة أخرى مستجدات ومتغيرات على الصعيد المجتمعي واعدة بالتغيير نحو الأفضل إذا ما جرى استثمارها في الطريق السليم.تحررت السياسة وعادت معها بقوة وبحدة لمصادرتها، عملية الاستنفار الطائفي باسم حقوق الطوائف. محاولات تهدف للحفاظ على مكاسب مهددة وتحقيقاً للمواقع في عملية إعادة التموضع الجارية. ونعترف أن "التطييف" أو التسعير الطائفي يبقى الوسيلة الأسهل للعمل السياسي ضمن المفهوم التقليدي للسياسة، في مجتمع ما زالت الطائفية إحدى سماته الأساسية وفي سلطة مطيفة مؤسسات وممارسة، وفي بئة إقليمية، بين المتوسط والخليج، تزداد فيها قوة الجغرافيا الطائفية على حساب الجغرافيا الوطنية، معرضة بعض الدول لمخاطر التفكك وبعضها الآخر لمخاطر التحول الى نموذج الدولة الفاضلة أو الدولة الصورية المعطلة وظائفها والمتصارعة جماعاتها المكونة لها. التطييف يجري أيضاً وأحياناً تحت عناوين بعيدة كل البعد عنه: عناوين استقلالية وسيادية وتحررية. والمفارقة المثيرة أن هذه العناوين لدولة واحدة موحدة، دول للكل، لكنها تخفي منطقة دولة الطوائفية، وهي الشرط المانع لبناء دولة المواطنة والدولة الحديثة.في "اليوم التالي" الذي بدأ، علينا أن نجيب عن أسئلة محددة: كيف ننتقل من الطائفية الى الوطنية أو كيف تنتقل "السياسة" من مصادرة الشأن العام لمصلحة الخواص باسم الحفاظ على حقوق طائفية تنهش جسم الدولة. الى السياسة كخدمة للشأن العام من خلال برامج وأفكار تحمل أهدافاً عابرة للطوائف تتنافس فيما بينها في إطار الدولة الواحدة. العبور من حالة الى أخرى يتطلب تعزيز دور القوى الاجتماعية والسياسية في المجتمع المدني التي تعبر عن مصالح وتطلعات وأهداف تمثل خيارات وبرامج تقطع عبر الطوائف ولا تصادر الطوائف باسم الحفاظ على حقوقها.كيف نميز بين التنوع الطائفي، كمصدر غنى نحافظ على مقوماته ونحترم مكوناته، وليس كمصدر خلاف سياسي مصطنع، يغطي خلافات مصلحية ضيقة وشخصية؟ فالخلافات المطلوب إدارتها كسمة صحية وطبيعية في المجتمعات الحية والمقتوحة هي خلافات السياسة بالمفهوم الحديث: خلافات الأفكار والمشاريع المتعددة لتنشيط الاقتصاد وتنظيم الاجتماع وإدارة العلاقات مع الخارج. سؤال آخر يحير الكثيرين من اللبنانيين وأصدقاء لبنان، سؤال يتعلق بمدى التحاق السياسة بمعناها الحديث بالاقتصاد وببعض الاجتماع المتقدمين عنها جداً في لبنان؟ كيف يتم ردم هذه الفجوة المعيقة أساساً للتنمية الإنسانية الشاملة في لبنان؟إنها جملة من الأسئلة موجهة بامتياز ليس الى لبنان فحسب بل الى الكل العربي طالما أن الخروج من النفق المظلم يفترض خياراً ثالثاً غير خياري مصادرة الدولة للمجتمع، وإلغاء المجتمع للدولة أو تهميش دورها كلياً: خياراً الدولة شديدة السلطوية أو الفوضى المفتوحة.الخيار الثالث: خيار دولة المواطنة والازدهار تستدعي مصالحة الدولة مع المجتمع، حتى لا تبقى الديموقراطية الفعلية مستحيلة والتنمية الشاملة ممنوعة. الأمر الذي يستدعي في الحالة اللبنانية التخلص من الطائفية أساساً. سيكون الجواب عن السؤال الأول، جواباً متفائلاً يوم جلاء الطائفية عن لبنان وتحرير الطائفة منها قبل تحرير الوطن والدولة. عند ذلك نبني الاستقلال الداخلي الذي هو التحدي الأصعب. ناصيف حتي
0 Comments:
Post a Comment
<< Home