المستقبل" تستشرف الواقع الإسلامي الحركي في ظل المتغيرات الاستراتيجية
"المستقبل" تستشرف الواقع الإسلامي الحركي في ظل المتغيرات الاستراتيجية (1)
أي مستقبل للحركات والقوى والهيئات الإسلاميةبعد اغتيال الرئيس الشهيد والانسحاب السوري من لبنان؟
المستقبل - الثلاثاء 10 أيار 2005 - العدد 1913 - شؤون لبنانية 2 - صفحة 7
إعداد: قاسم قصير
شكل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والانسحاب السوري الكامل من لبنان حدثين استراتيجيين على مستوى لبنان والمنطقة، وتركا انعكاسات وتداعيات كبيرة على المستوى السياسي والشعبي في لبنان، بدأ بعضها يظهر في واقع القوى السياسية والحزبية عامة، والإسلامية بشكل خاص.وخلال الشهرين المنصرمين شهد الواقع الإسلامي الحركي في لبنان الكثير من المتغيرات، سواء على مستوى الخطاب أو الأداء السياسي أو التحالفات السياسية، ونظراً للثقل الشعبي والامتداد الكبير الذي تشكله القوى والهيئات والحركات الإسلامية في لبنان، فإنه كان ضروريا رصد هذه المتغيرات وانعكاساتها المباشرة مع لحظ التحديات والإشكالات التي تواجهها هذه القوى في المرحلة المقبلة.ولذا أجرت "المستقبل" جولة واسعة من اللقاءات والمقابلات مع عدد من المسؤولين في الحركات الإسلامية وبعض الشخصيات الأكاديمية أو المعنية بالواقع الإسلامي من أجل الاطلاع على التطورات التي شهدها الواقع الإسلامي في الشهرين الماضيين ولاستشراف آفاق المرحلة المقبلة.وسيشمل هذا الملف قسمين أساسيين: الأول يعرض للمعطيات والمتغيرات التي طرأت على واقع القوى الإسلامية خلال الشهرين الماضيين، والثاني يشتمل على سلسلة مقابلات مع قيادات إسلامية أو مع شخصيات أكاديمية ومختصة أو ناشطة على الصعيد الإسلامي للاطلاع على رؤيتها حول هذه المتغيرات.وسيبقى المجال مفتوحاً لكل من يود أن يقدم وجهة نظره أو توضيحاً أو تعليقاً بعد نشر حلقات هذا التحقيق.خريطة القوى الإسلاميةتتوزع القوى الإسلامية في لبنان على أحزاب سياسية وتجمعات علمائية وجمعيات وهيئات تعمل تحت عناوين مختلفة وبعضها يتحرك بأسلوب العمل الحزبي وإن كان لم يطلق على نفسه اسم حزب أو تنظيم سياسي.ومن أبرز الأحزاب والهيئات والجمعيات الإسلامية في لبنان، حزب الله، الجماعة الإسلامية، حزب التحرير الإسلامي، تجمع العلماء المسلمين، جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، جمعية الفتوة الإسلامية (الرجبيون)، التيار السلفي (ويضم العديد من الهيئات والجمعيات والمعاهد الشرعية)، حركة التوحيد الإسلامي (الأمانة العامة)، حركة التوحيد الإسلامي (المكتب السياسي)، جند الله، اللجان الإسلامية، مسلمون بلا حدود، مجمع كلية الدعوة الإسلامية (الذي يشرف عليه الشيخ عبدالناصر جبري)، جمعية الاتحاد الإسلامي، جمعية الإصلاح الإسلامية، إضافة الى عشرات الجمعيات والهيئات والمساجد الإسلامية المنتشرة في معظم المناطق اللبنانية والتي تحوّلت الى مركز للنشاط والعمل السياسي والاجتماعي، كذلك يتحلق الكثير من الناشطين الإسلاميين حول بعض العلماء والقياديين الإسلاميين من دون أن يتخذ نشاطهم صفة حزبية مباشرة، على الرغم من أنهم يساهمون في الكثير من النشاطات والتحركات الإسلامية.لكن كيف يمكن رصد أبرز التحركات والمتغيرات التي أصابت القوى والحركات والجمعيات الإسلامية البارزة خلال الشهرين الماضيين؟"حزب الله"يعتبر "حزب الله" الحزب الإسلامي الأكثر امتداداً وحضوراً في لبنان والمنطقة، نظراً للدور الكبير الذي لعبه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ودحره، وبسبب حضوره السياسي والشعبي في لبنان.كذلك فإن حزب الله معني بشكل كبير على صعيد تداعيات اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان، لكون القرار 1559 يستهدفه بشكل مباشر، ومنذ اللحظة الأولى لاستشهاد الرئيس الحريري عمد حزب الله الى اتخاذ سلسلة خطوات وإجراءات داخلية وخارجية لمواكبة المتغيرات، بدأت بما أعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن سلسلة اللقاءات التي كان يعقدها مع الرئيس الحريري قبل استشهاده للاستعداد للتطورات السياسية المتسارعة منذ صدور القرار 1559 والتمديد للرئيس إميل لحود.ثم بدأنا نشهد أداء سياسياً وإعلامياً وديبلوماسياً جديداً للحزب حيث تعزز الاهتمام بالشأن الداخلي وتولى الحزب تفعيل "لقاء عين التينة" والنزول الى الشارع لإيجاد توازن شعبي مع قوى المعارضة، والمساهمة في دعم الرئيس عمر كرامي في البقاء في رئاسة الحكومة ولتشكيل حكومة جديدة بعد استقالته واعتذاره، وصولاً الى المشاركة في الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي عبر أحد أصدقاء الحزب الدكتور طراد حمادة، وأثار تزايد اهتمام الحزب بالشأن الداخلي الكثير من الأسئلة حول طبيعة هذا الدور وإيجابياته وسلبياته.أما على مستوى الخطاب السياسي والأداء الديبلوماسي فقد حرص السيد نصرالله على إطلاق سلسلة مواقف تؤكد التزام الحزب مجموعة ثوابت داخلية وخارجية وحصر مهمة المقاومة في الإطار اللبناني وعدم التدخل في الشؤون الخارجية لأي دولة أخرى، وصولاً الى نفي وجود أي فرع خارجي للحزب.ووصلت قمة الأداء الديبلوماسي من خلال الرسالة المفتوحة التي وجهها السيد نصرالله الى فرنسا عبر صحيفتي "السفير" و"الفيغارو"، التي اعتبرت تطوراً كبيراً في مواقف الحزب واستراتيجياته وعلاقاته الخارجية.اما في موضوع المقاومة وسلاحها، فقد حصلت نقاشات وسجالات عديدة، فيما اطلق مسؤولو الحزب مجموعة تصريحات ومواقف تؤكد إمكانية النقاش حول مستقبل المقاومة ووضع خيارات عدة في هذا الإطار، مع التأكيد على قناعة الحزب بدور المقاومة الردعي والإلتزام باستمرار الجهاد لتحرير الأسرى ومزارع شبعا.على مستوى الوضع الإسلامي، عمد حزب الله الى سلسلة خطوات عملية ولقاءات واتصالات لاستيعاب الأجواء المتشنجة وللتخفيف من حالة الاحتقان ولتعزيز الوحدة الشيعية والإسلامية والوطنية.وبالإجمال يبدو حزب الله اليوم، بعد مرور حوالى الشهرين ونيف على استشهاد الرئيس الحريري، وأيام قليلة على إكمال الانسحاب السوري، في وضع جديد وهو أمام تحديات عديدة، سواء لجهة دوره الداخلي أم لجهة مستقبل سلاح المقاومة أو لجهة علاقاته الدولية والإسلامية، وحزب الله معني بتقديم رؤية جديدة وأداء جديد لمواجهة كل هذه التحديات. ولدى قيادة الحزب حسبما يقول مسؤول كبير فيه "مجموعة خطط وتصورات عملية حول كل الاحتمالات المستقبلية ولتحديد كيفية التعاطي مع كافة الخيارات، وسيتم إعلانها في الوقت المناسب"."الجماعة الإسلامية"الجماعة الإسلامية من أوائل التنظيمات الإسلامية في لبنان، وهي الامتداد اللبناني لحركة الاخوان المسلمين التي أسسها الإمام الشهيد حسن البنا في مصر مطلع القرن العشرين، وان كانت عمدت الى اعتماد اسم مختلف وإطار خاص بها في لبنان لأسباب سياسية.وتمتد "الجماعة الإسلامية" الى معظم المناطق اللبنانية، وقد تمثلت في العام 1992 في المجلس النيابي بثلاثة نواب وان كان حالياً ليس لها أي تمثيل نيابي، لكنها حاضرة في عشرات البلديات في مختلف المناطق وتشرف على الكثير من الهيئات والجمعيات والمؤسسات الإعلامية والطبية والاجتماعية والطالبية والنسائية.وقد ترك استشهاد الرئيس الحريري إنعكاسات مباشرة على أداء الجماعة السياسي وخطابها الإعلامي، فقد كانت مشاركة في "لقاء عين التينة" ثم اضطرت للانسحاب بسبب خلافات سياسية وتحت ضغط قاعدتها وكوادرها. وشاركت لاحقاً في "لقاء الاحزاب اللبنانية" الذي دعا اليه السيد حسن نصرالله لتنظيم "مسيرة" رياض الصلح في 8 آذار الماضي، لكنها عادت وانكفأت عنه، لتشارك في مسيرة المعارضة في 14 شباط الى جانب تيار المستقبل. وان كان طلاب الجامعة لا يزالون يشاركون في التظاهرات الطالبية أمام السفارة الأميركية في عوكر.وقد أدت التغيرات في أداء خطاب الجماعة الى اتهام بعض الأوساط السياسية والشعبية لها بعدم الثبات وعدم وضوح الرؤية السياسية، وان كان قياديو الجماعة يعتبرون ان ما اتخذوه من مواقف يعبر عن رؤية الجماعة التي تجمع بين رفض أداء السلطة اللبنانية وبين عدم تبني كل مطالب المعارضة.وحرصت الجماعة على الاقتراب كثيراً من "تيار المستقبل" ونظمت العديد من النشاطات المشتركة مع هيئات التيار وذلك في إطار تثبيت العلاقة الشعبية.وقام الأمين العام للجماعة الشيخ فيصل المولوي بالعديد من اللقاءات والاتصالات لتوحيد الموقف الإسلامي والوطني ولاطلاق سلسلة مبادرات سياسية لحل الإشكالات التي واجهها الواقع السياسي، كما تبنت الجماعة مع أطراف إسلامية اخرى قضية "موقوفي الضنية ومجدل عنجر" تمهيداً لإصدار عفو عنهم بموازاة العمل لإصدار عفو عن قائد "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع.وتبدو الجماعة اليوم في حالة انتظار وترقب لما ستؤول اليه التطورات الداخلية لتحديد موقعها السياسي والحزبي وهي حائرة بين اتجاهين: الأول يدعوها للاقتراب أكثر من "تيار المستقبل" وقوى المعارضة والتماهي مع الأجواء الإسلامية السنية لكي تكون حاضرة بقوة في الواقع الشعبي، والآخر يدعوها للتمايز عن مواقف قوى المعارضة والاستمرار في تبني الثوابت الأساسية على صعيد العلاقة مع سوريا والدفاع عن المقاومة ورفض الانجرار وراء أية شعارات انفعالية.وقد أدى هذا التنازع بين الاتجاهين الى حالة من الارتباك السياسي والإعلامي، وان كانت قيادة الجماعة تتابع باهتمام التطورات الداخلية وتدرس بعمق ما يحدث من أجل تحديد رؤية مستقبلية واعتماد خيارات محددة، وستكون الجماعة معنية أكثر من غيرها من القوى الإسلامية السنية بتقديم مشروع سياسي متكامل لإعادة جمع الشمل واعتماد خيارات واضحة لكي تتمكن من استعادة زمام المبادرة، خصوصاً في ظل المتغيرات الداخلية وقبل أقل من شهر على إجراء الانتخابات النيابية التي ستشكل حدثاً سياسياً مفصلياً في مستقبل الجماعة.حركة التوحيد الإسلاميتأسست "حركة التوحيد الإسلامي" عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وضمت الشيخ سعيد شعبان ومجموعة من الفصائل الإسلامية أو ذات الاتجاه القومي (حركة لبنان العربي برئاسة خليل عكاوي، جند الله برئاسة الشيخ كنعان ناجي والشيخ هاشم منقارة بالإضافة لشخصيات إسلامية اخرى). ونجحت الحركة في استقطاب شعبية كبيرة في طرابلس وبيروت وصيدا ولكنها سرعان ما تعرضت الى مشكلات واغتيالات وخاضت معارك قاسية ضد الاحزاب اليسارية والوطنية والقوات السورية، ودخلت في الصراع الفلسطيني ـ السوري بعد ان عاد الرئيس ياسر عرفات الى طرابلس، وأدت كل هذه المشكلات الى حصول انشقاقات كثيرة داخل الحركة، فيما بقي الشيخ سعيد شعبان في موقع الأمير، واعتقل السوريون الشيخ منقارة، وغاب الشيخ ناجي عن الصورة لفترة طويلة.لكن منذ سنوات عدة عاد امراء الحركة السابقون الى طرابلس، وحرص الشيخ ناجي على البقاء في منزله من دون أي نشاط سياسي أو إعلامي، فيما أنشأ الشيخ منقارة مع الشيخ ابراهيم صالح وعامر ارناؤوط تنظيماً جديدا تحت اسم "حركة التوحيد الاسلامي ـ مجلس القيادة" وبدأت الخلافات مع "التوحيد" بامارة الشيخ بلال شعبان الذي تولى رئاسة الحركة بعد وفاة والده.وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومع بدء الحديث عن الانسحاب السوري من لبنان عاد امراء "التوحيد" الى اللقاء والحوار للبحث عن صيغة جديدة للعمل، وتردد انه تم الاتفاق على "توحيد حركات التوحيد" بامارة الشيخ ناجي، لكن ما لبث ان تبين عدم صحة هذه المعلومات وان ما تم الاتفاق عليه كان البحث عن اطار جبهوي جديد يجمع افرقاء "التوحيد" سياسيا واعلاميا من دون ان يتم التوصل الى صيغة موحدة للعمل، بحيث يبقى الشيخ شعبان أميرا لـ"حركة التوحيد" (مجلس الامناء) والشيخ منقارة رئيسا لمجلس قيادة "حركة التوحيد" (مجلس القيادة) ويعود الشيخ كنعان ناجي للعمل باسم "جند الله"، فيما تنشط اللجان الاسلامية ولجان الاحياء مجددا باشراف سمير الحسن.كذلك بدأ الشيخ شعبان الاتصال بقيادات اسلامية في المناطق اللبنانية للتعاون معها في المرحلة المقبلة، وهناك طموح كبير لدى اركان "التوحيد" الى استعادة دور اساسي في المرحلة المقبلة انطلاقا من طرابلس وامتدادا الى مناطق اخرى.حزب التحرير الاسلاميانشأ الشيخ تقي الدين النبهاني "حزب التحرير الاسلامي" في اواخر الخمسينات من القرن الماضي كرد فعل على عدم رضاه على تجربة الاخوان المسلمين التي تركز على الجوانب التربوية والاخلاقية في بنائها الداخلي، فيما انطلق "حزب التحرير" تحت شعار "استعادة الخلافة الاسلامية" من خلال العمل السياسي والفكري وعبر اعتماد اسلوب "طلب النصرة" للحصول على دعم ضباط الجيوش العربية والاسلامية للوصول الى السلطة.ونجح الحزب في الامتداد الى العديد من الدول العربية والاسلامية ومنها لبنان، وأصبح لديه آلاف الناشطين والكوادر ولكنه اصيب بالكثير من النكسات ما اضطره للجوء الى العمل السري بعدما سعى مناصروه للقيام بعدة محاولات انقلابية باءت بالفشل.وفي لبنان حاول الحزب الحصول على ترخيص رسمي لكن السلطات اللبنانية لم توافق على ذلك، وكان الحزب حريصا على التحرك غير المعلن من خلال توزيع البيانات وعقد الحلقات الثقافية والسياسية واصدار بعض المطبوعات لكنه بدأ في الاشهر الاخيرة تحركا شعبيا علنياً استهله باعتصام في طرابلس احتجاجا على زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي الى لبنان، وأعقبته تحركات عديدة في مناطق اخرى، وقامت الاجهزة الامنية اللبنانية باعتقال بعض شباب الحزب تمهيدا لتقديمهم الى المحاكمة.وكثف الحزب خلال الشهرين الماضيين من نشاطاته السياسية والاعلامية عبر توزيع البيانات المنددة بالتدخلات الاجنبية والداعية لتعزيز الوحدة الاسلامية واقامة الخلافة الاسلامية، وبدأ مناصروه بتنظيم مسيرات شعبية في بعض المناطق وخصوصا في طرابلس تحت عنوان "مسيرة راية العقاب" بمشاركة حشد من المواطنين الذين رفعوا رايات لا اله الا الله، واطلقوا الهتافات المطالبة بالخلافة الاسلامية وبتطبيق شرع الرسول محمد (ص).وفي المسيرة التي نظمت في منطقة التبانة مؤخرا تحدث الشيخ محمد ابراهيم الذي دعا الى "تحطيم الحدود التي قسمت بلاد المسلمين تحت رايات الجاهلية".والمعروف ان "حزب التحرير" يرفض تقسيم البلاد العربية والاسلامية ويدعو الى توحيدها، "انطلاقا من "وحدة لبنان وسوريا"، تحت راية الخلافة".وعلى الرغم من ان الحزب في لبنان بدأ يهتم اكثر بالقضايا والهموم الداخلية كقضايا الكهرباء والوضع الاقتصادي والمالي لكنه كان دائما في بياناته يعتبر "ان الحل الجذري لكل المشكلات يتم عبر تطبيق الخلافة".ويبدو ان الحزب بدأ يزيد وتيرة تحركه في الفترة الاخيرة خصوصا عندما بدأت عملية انسحاب الجيش السوري من لبنان، لان السلطات السورية كانت تعمد الى اعتقال عناصر الحزب ومناصريه سواء في لبنان او في سوريا.وقد تشهد المرحلة المقبلة المزيد من نشاطات الحزب غير المرخص، مما سيطرح الكثير من علامات الاستفهام حول كيفية تعاطي السلطات اللبنانية مع هذه النشاطات.تجمع العلماء المسلمينانطلق "تجمع العلماء المسلمين" في العام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان، حيث كان العديد من العلماء المسلمين السنة والشيعة يشاركون في احتفال اسلامي في طهران، وعندما بدأت اخبار الاجتياح الاسرائيلي للبنان تصل الى طهران عقد هؤلاء العلماء اجتماعا طارئا قرروا بنتيجته العودة السريعة للبنان وانشاء تجمع علماني يضم العلماء السنة والشيعة للحض على القتال ضد الجيش الاسرائيلي.وبدأ نشاط تجمع العلماء في بيروت من خلال المسيرات والبيانات والاعتصامات وكان ابرز هذه النشاطات الاعتصام الحاشد الذي اقيم في مسجد الامام الرضا في بئر العبد في 17 ايار 1983 احتجاجا على توقيع "اتفاق 17 ايار"، ورافقه اشتباك بين المعتصمين وعناصر الجيش اللبناني مما ادى لاستشهاد الشاب محمد نجدي وجرح العشرات.كذلك نظم التجمع مسيرة سيارة ضخمة الى صيدا بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي منها.وكان التجمع يتصدى للتطورات السياسية ويصدر البيانات والمواقف، ولعب دورا بارزا في مواجهة الفتن الداخلية وخصوصا خلال الاشتباكات التي جرت في بيروت عام 1984 وكذلك بين حركة امل والفلسطينيين، وقام عدد من العلماء بالدخول الى المخيمات الفلسطينية المحاصرة والعمل لتقديم المساعدات للفلسطينيين.لكن بعد الاعلان عن تأسيس حزب الله في العام 1985 وعودة الجماعة الاسلامية للتحرك بشكل علني، خفت دور التجمع وغادره بعض العلماء المؤسسين (الشيخ ماهر حمود، الشيخ زهير كنج، الشيخ محمد اسماعيل خليق) مما انعكس سلباً على مسيرة التجمع.وكان التجمع يصدر مجلة شهرية باسم "الوحدة الاسلامية" ثم اوقفها ليصدر مجلة سياسية باسم "البلاد"، والتي عادت للتوقف ليعيد اصدار المجلة الشهرية.وشهدت مسيرة التجمع في السنوات العشر ما بين 1990 ـ 2000 حالة من عدم الاستقرار على صعيد نشاطاته وكاد يتوقف نهائياً عن التحرك بسبب الخلاف حول دوره وموقعه، لكن منذ عدة سنوات اتخذ القرار بتفعيل التجمع وتم انتخاب هيئة ادارية جديدة برئاسة الشيخ حسان عبدالله، وانشئ مجلس للامناء برئاسة القاضي الشيخ احمد الزين وضم عدداً من العلماء المؤسسين. ونشط التجمع في مجالات عديدة في السنتين الماضيتين، الا انه بدأ في الفترة الاخيرة تحركاً قوياً على صعيد العلاقات والاتصالات لمواجهة حالة الفراغ في الساحة الاسلامية والتخفيف من حدة الاحتقان المذهبية.وقد عقد الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله اجتماعاً مطولاً مع علماء التجمع للاتفاق على خطة عمل متكاملة ثم البدء بتنفيذها خلال الاسبوعين الماضيين.ويبدو ان التجمع يستعد لسلسلة كبيرة من النشاطات على الصعيد الاسلامي بعد الانسحاب السوري من لبنان ولمواجهة تداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الاحباش)قد تكون "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" (الاحباش) من اكثر الجمعيات التي اثارت الالتباسات على الصعيد الاسلامي، سواء لجهة ظروف انطلاقتها او رؤيتها الفكرية او ادائها السياسي وارتباطاتها الامنية. والمعروف ان هذه الجمعية انشأت في اوائل القرن العشرين لتعليم القرآن الكريم والاهتمام بتربية المسلمين، وكان يرأسها في فترة من الوقت الشيخ احمد العجوز (رحمه الله)، لكن بعض العلماء الذين كانوا يعملون باسم "اتحاد العلماء المسلمين" ومنهم الشيخ نزار الحلبي (الذي اغتيل قبل سنوات عدة) طلب من الشيخ العجوز التنازل عن الترخيص من اجل تفعيل الجمعية.وبدأ هؤلاء العلماء بالعمل الثقافي والدعوي بالتعاون مع الشيخ عبدالله الحبشي الهرري الذي كان يعطي الدروس في مسجد برج ابي حيدر وفي منزله في الطريق الجديدة.ولم يقتصر عمل الجمعية على الجانب الديني والثقافي، بل انطلق الى الجوانب السياسية والامنية والتربوية والاقتصادية والاعلامية، وركزت الجمعية على موضوع "التوحيد" وحملت هذه الراية لتكفير كل من لا يوافق على آرائها ومعتقداتها، واستفادت الجمعية من علاقاتها بالسلطات اللبنانية والسورية للحصول على دعم سياسي وامني، وحققت انتشاراً واسعاً في العديد من المناطق وبدأت تخوض معارك قاسية ضد بقية الاطراف الاسلامية وصولاً لمواجهة دار الفتوى ونجحت في ايصال احد مسؤوليها الدكتور عدنان طرابلسي في العام 1992 الى المجلس النيابي. لكنها تعرضت لانتكاسة قوية بعد اغتيال الشيخ الحلبي.وتعتبر الاوساط الاسلامية ان احدى نقاط القوة لدى "جمعية المشاريع" كانت تكمن في علاقاتها بالاجهزة الامنية السورية واللبنانية وقيامها بأدوار سياسية او اعلامية لمواجهة القوى المعترضة على السياسة السورية او على اداء السلطة اللبنانية. وهذا ما جرى عندما قام عناصر من الجمعية بتنظيم تحركات شعبية ضد قوى المعارضة في بيروت وكذلك من خلال البيانات التي وزعت ضد "الجماعة الاسلامية" وامينها العام الشيخ فيصل المولوي بعد ان اعترضت "الجماعة" على التمديد للرئيس اميل لحود.وعلى الرغم من تأكيد مسؤولي الجمعية انهم يرفعون "راية الاعتدال الاسلامي في مواجهة التطرف الاسلامي الذي اسس له المفكر سيد قطب"، فإن اداء الجمعية على الارض لم يكن يتناسب مع هذا الشعار.وقد ادت تصرفات اعضاء الجمعية الى نشوب خلافات بينهم وبين معظم الحركات والقوى الاسلامية طوال السنوات الماضية، وقد حصلت بعض المحاولات لانهاء هذه الاشكالات لكنها لم تحقق النتائج المطلوبة.وسيشكل الانسحاب السوري من لبنان وتفكيك الجهاز الامني اللبناني عاملاً مؤثراً على دور الجمعية المستقبلي، وخصوصا على الصعيدين السياسي والامني وان كان لا بد من التأكيد بأن حجم الانتشار الشعبي للجمعية ما زال قوياً في العديد من المناطق وهي تمتلك عشرات المؤسسات الاعلامية والثقافية والاقتصادية والتربوية (اذاعة نداء الايمان، الجامعة العالمية، مجلة منار الهدى، سوبرماركت الديوان، مدارس الثقافة الاسلامية) وهذا يعطيها عامل قوة للاستمرار في نشاطاتها وتحركاتها لكن الايام المقبلة ستكشف مدى قدرة الجمعية على الحفاظ على قوتها وانتشارها الذي كانت تتمتع به سابقاً.التيار السلفييعتبر التيار السلفي في لبنان من ابرز التيارات الاسلامية، وان كان لا يشكل اطاراً منظماً وموحداً بل هو خليط من مجموعات وشخصيات ومدارس وجمعيات ومعاهد شرعية تختلف في ما بينها سواء على الصعد السياسية او الفكرية او حتى وصولاً الى الخلافات الشخصية.ويمكن تقسيم التيار السلفي في لبنان بين اتجاهين اساسيين:الاول ما يسمى السلفية الجهادية، وهو يضم المجموعات المتأثرة بتنظيم "القاعدة" وبعض الجماعات الاسلامية الجهادية في مصر والجزائر وحالياً في العراق.والثاني التيار السلفي الفكري ويضم شخصيات ومجموعات متنوعة تعمل في الاطر السياسية والفكرية والتربوية.ويبرز الاتجاه السلفي الجهادي من خلال بعض المجموعات التي تنفذ عمليات عسكرية او امنية ومنها عملية اغتيال الشيخ نزار الحلبي ومتفجرة البلمند ومحاولة اقتحام السفارة الروسية او تهريب الاسلحة الى الاردن وصولاً لمجموعات البقاع الغربي ومجدل عنجر ومجموعة احمد الميقاتي.وليس لهذا الاتجاه اطار معلن وان كان بعض افراده ارتبطوا عملياً بمجموعة "عصبة الانصار" الموجودة في مخيم عين الحلوة، كما برزت بعض المجموعات المنشقة عنها كـ"جماعة النور" وجماعة "جند الشام".وهذا الاتجاه يبرز في بعض المناسبات أو لتنفيذ عمليات محددة وإن كان نشاطه في لبنان ينطلق من اعتبار هذا البلد "ممراً وليس مقراً" للذهاب الى دول أخرى.وثمة تخوّف كبير من ازدياد نشاط هذه المجموعات في المرحلة المقبلة بعد الانسحاب السوري نظراً للدور الذي كانت تلعبه سوريا في لجم هذه المجموعات أو ضبط تحركاتها.وإن كانت محاولة ربط عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بهذا التيار من خلال قضية أحمد أبو عدس لم تنجح وأثبتت معظم الوقائع عدم صحتها.أما الاتجاه السلفي الفكري والسياسي فمن أبرز رموزه التاريخية الشيخ سالم الشهال الذي أسس في السبعينات "نواة جيش التحرير الإسلامي"، ثم بدأت تظهر شخصيات ومؤسسات جديدة أبرزها "معهد الدعوة والإرشاد"، و"جمعية دعوة الإيمان والعدل والإحسان" التي يرأسها الدكتور حسن الشهال، و"مركز حمزة للولاء" ويشرف عليه الشيخ زكريا المصري، و"معهد الأمين" و"معهد طرابلس الديني" و"معهد الإمام البخاري" و"مسجد أهل السنة" و"معهد الوقف الإسلامي". وتنتشر هذه المعاهد في بيروت وطرابلس وعكار وصيدا والبقاع الغربي.وقد بدأت التيارات الإسلامية في الأسابيع الماضية سلسلة اتصالات ولقاءات في ما بينها للتنسيق والتعاون وثم تشكيل "المكتب السياسي الإسلامي" برئاسة الدكتور حسن الشهال.ويبدو أن الانسحاب السوري من لبنان واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ساهما في تعزيز تحركات التيارات السلفية التي تسعى لتكثيف نشاطاتها وتحركاتها في المرحلة المقبلة، وهي تلقى دعماً مالياً ومعنويات من العديد من المؤسسات الإسلامية في الكويت والسعودية.جمعيات وتجمعات وهيئات إسلاميةإضافة للتيارات والحركات والجمعيات التي تحدثنا عنها سابقاً فإن هناك الكثير من المجموعات والجمعيات والهيئات الإسلامية الناشطة على الصعيد الإسلامي في مختلف المناطق اللبنانية، والتي ازداد نشاطها بعد اغتيال الرئيس الحريري واتخاذ قرار الانسحاب السوري، وبعض هذه الهيئات كان يعاني سابقاً الضغوط الأمنية والسياسية التي تعيق تحركه ويجد اليوم أنه أكثر قدرة على النشاط والحيوية.ومن هذه المجموعات والهيئات:1 ـ مسلمون بلا حدود: وهي مجموعة شبابية نشأت قبل عامين في البقاع الغربي وعقدت مؤتمراً عاماً وحاولت عقد مؤتمر ثان لكنها تعرّضت لضغوط أمنية، وهي تعمل لتنشيط دورها حالياً. ومن أبرز رموزها الشيخ رمزي ديشوم.2 ـ مجمع كلية الدعوة الإسلامية الذي يشرف عليه عضو "تجمع العلماء المسلمين" الشيخ عبدالناصر الجبري والذي لديه علاقات واسعة مع العديد من الدول العربية والإسلامية والهيئات الإسلامية. وقد قام بالعديد من النشاطات للدفاع عن الدور السوري في لبنان في مواجهة قوى المعارضة وإن كان الانسحاب السوري لن يؤثر على حيويته وتحركاته.3 ـ "جمعية الفتوة الإسلامية" (الرجبيون) ويشرف عليها الشيخ زياد الصاحب والشيخ أحمد البابا وتتأثر فكرياً بالشيخ محمد رجب (من علماء سوريا) وهي تهتم بالقضايا الفكرية والتربوية والدعوية.4 ـ "جمعية الاتحاد الإسلامي" ويرأسها الشيخ حسن القاطرجي وتصدر مجلة "منبر الداعيات" ولديها مراكز ومؤسسات تربوية واجتماعية في بيروت وتتسم مواقف الشيخ القاطرجي بالتشدد ورفض الديموقراطية الغربية.5 ـ "جمعية الإصلاح الإسلامي" وتشرف على مسجد السلطان سليم في منطقة الزيدانية واهتماماتها تربوية وثقافية ودينية.6 ـ "المركز الإسلامي للتربية" وجامعة الإمام الأوزاعي ويشرف عليهما الدكتور توفيق طبارة واهتماماتها تربوية وجامعية وأكاديمية.7 ـ "جمعية الإصلاح والإرشاد" في طرابلس وتشرف على معهد الإصلاح الجامعي ويرأسها الدكتور الشيخ محمد رشيد ميقاتي.8 ـ "جمعية الدعاة" ويرأسها الشيخ محمد أبو القطع ونشاطاتها تربوية ودينية.9 ـ "جماعة التبليغ والدعوة" وهي امتداد لـ"جماعة التبليغ" الموجودة في الهند وباكستان وهي جمعية تعبدية بعيدة عن مزاولة العمل السياسي.10 ـ "اتحاد المؤسسات الإسلامية" والذي يشرف عليه الدكتور محمد علي الضناوي ويضم "جبهة الانقاد الإسلامي اللبنانية" ومؤسسة "بيت الزكاة" و"جمعية النهضة" و"الوقف الإسلامي للعمل الاجتماعي".وبرز أخيراً في بيروت "تجمع الهيئات والجمعيات السنية الرعائية في بيروت" ويشرف عليه الشيخ خضر العبيدي، وأقام التجمع سلسلة نشاطات إسلامية وحدوية. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد بروز المزيد من المؤسسات والجمعيات الإسلامية، خصوصاً أن الفراغ الذي برز في الساحة الإسلامية بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان شكّلا دافعاً قوياً للعديد من الشخصيات والهيئات الإسلامية للتحرك بفعالية وحيوية، ما يعني أن الساحة الإسلامية ستشهد المزيد من المتغيرات في المرحلة المقبلة.غداً حلقة ثانيةحوارات مع شخصيات إسلامية حول مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري.
أي مستقبل للحركات والقوى والهيئات الإسلاميةبعد اغتيال الرئيس الشهيد والانسحاب السوري من لبنان؟
المستقبل - الثلاثاء 10 أيار 2005 - العدد 1913 - شؤون لبنانية 2 - صفحة 7
إعداد: قاسم قصير
شكل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والانسحاب السوري الكامل من لبنان حدثين استراتيجيين على مستوى لبنان والمنطقة، وتركا انعكاسات وتداعيات كبيرة على المستوى السياسي والشعبي في لبنان، بدأ بعضها يظهر في واقع القوى السياسية والحزبية عامة، والإسلامية بشكل خاص.وخلال الشهرين المنصرمين شهد الواقع الإسلامي الحركي في لبنان الكثير من المتغيرات، سواء على مستوى الخطاب أو الأداء السياسي أو التحالفات السياسية، ونظراً للثقل الشعبي والامتداد الكبير الذي تشكله القوى والهيئات والحركات الإسلامية في لبنان، فإنه كان ضروريا رصد هذه المتغيرات وانعكاساتها المباشرة مع لحظ التحديات والإشكالات التي تواجهها هذه القوى في المرحلة المقبلة.ولذا أجرت "المستقبل" جولة واسعة من اللقاءات والمقابلات مع عدد من المسؤولين في الحركات الإسلامية وبعض الشخصيات الأكاديمية أو المعنية بالواقع الإسلامي من أجل الاطلاع على التطورات التي شهدها الواقع الإسلامي في الشهرين الماضيين ولاستشراف آفاق المرحلة المقبلة.وسيشمل هذا الملف قسمين أساسيين: الأول يعرض للمعطيات والمتغيرات التي طرأت على واقع القوى الإسلامية خلال الشهرين الماضيين، والثاني يشتمل على سلسلة مقابلات مع قيادات إسلامية أو مع شخصيات أكاديمية ومختصة أو ناشطة على الصعيد الإسلامي للاطلاع على رؤيتها حول هذه المتغيرات.وسيبقى المجال مفتوحاً لكل من يود أن يقدم وجهة نظره أو توضيحاً أو تعليقاً بعد نشر حلقات هذا التحقيق.خريطة القوى الإسلاميةتتوزع القوى الإسلامية في لبنان على أحزاب سياسية وتجمعات علمائية وجمعيات وهيئات تعمل تحت عناوين مختلفة وبعضها يتحرك بأسلوب العمل الحزبي وإن كان لم يطلق على نفسه اسم حزب أو تنظيم سياسي.ومن أبرز الأحزاب والهيئات والجمعيات الإسلامية في لبنان، حزب الله، الجماعة الإسلامية، حزب التحرير الإسلامي، تجمع العلماء المسلمين، جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، جمعية الفتوة الإسلامية (الرجبيون)، التيار السلفي (ويضم العديد من الهيئات والجمعيات والمعاهد الشرعية)، حركة التوحيد الإسلامي (الأمانة العامة)، حركة التوحيد الإسلامي (المكتب السياسي)، جند الله، اللجان الإسلامية، مسلمون بلا حدود، مجمع كلية الدعوة الإسلامية (الذي يشرف عليه الشيخ عبدالناصر جبري)، جمعية الاتحاد الإسلامي، جمعية الإصلاح الإسلامية، إضافة الى عشرات الجمعيات والهيئات والمساجد الإسلامية المنتشرة في معظم المناطق اللبنانية والتي تحوّلت الى مركز للنشاط والعمل السياسي والاجتماعي، كذلك يتحلق الكثير من الناشطين الإسلاميين حول بعض العلماء والقياديين الإسلاميين من دون أن يتخذ نشاطهم صفة حزبية مباشرة، على الرغم من أنهم يساهمون في الكثير من النشاطات والتحركات الإسلامية.لكن كيف يمكن رصد أبرز التحركات والمتغيرات التي أصابت القوى والحركات والجمعيات الإسلامية البارزة خلال الشهرين الماضيين؟"حزب الله"يعتبر "حزب الله" الحزب الإسلامي الأكثر امتداداً وحضوراً في لبنان والمنطقة، نظراً للدور الكبير الذي لعبه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ودحره، وبسبب حضوره السياسي والشعبي في لبنان.كذلك فإن حزب الله معني بشكل كبير على صعيد تداعيات اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان، لكون القرار 1559 يستهدفه بشكل مباشر، ومنذ اللحظة الأولى لاستشهاد الرئيس الحريري عمد حزب الله الى اتخاذ سلسلة خطوات وإجراءات داخلية وخارجية لمواكبة المتغيرات، بدأت بما أعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن سلسلة اللقاءات التي كان يعقدها مع الرئيس الحريري قبل استشهاده للاستعداد للتطورات السياسية المتسارعة منذ صدور القرار 1559 والتمديد للرئيس إميل لحود.ثم بدأنا نشهد أداء سياسياً وإعلامياً وديبلوماسياً جديداً للحزب حيث تعزز الاهتمام بالشأن الداخلي وتولى الحزب تفعيل "لقاء عين التينة" والنزول الى الشارع لإيجاد توازن شعبي مع قوى المعارضة، والمساهمة في دعم الرئيس عمر كرامي في البقاء في رئاسة الحكومة ولتشكيل حكومة جديدة بعد استقالته واعتذاره، وصولاً الى المشاركة في الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي عبر أحد أصدقاء الحزب الدكتور طراد حمادة، وأثار تزايد اهتمام الحزب بالشأن الداخلي الكثير من الأسئلة حول طبيعة هذا الدور وإيجابياته وسلبياته.أما على مستوى الخطاب السياسي والأداء الديبلوماسي فقد حرص السيد نصرالله على إطلاق سلسلة مواقف تؤكد التزام الحزب مجموعة ثوابت داخلية وخارجية وحصر مهمة المقاومة في الإطار اللبناني وعدم التدخل في الشؤون الخارجية لأي دولة أخرى، وصولاً الى نفي وجود أي فرع خارجي للحزب.ووصلت قمة الأداء الديبلوماسي من خلال الرسالة المفتوحة التي وجهها السيد نصرالله الى فرنسا عبر صحيفتي "السفير" و"الفيغارو"، التي اعتبرت تطوراً كبيراً في مواقف الحزب واستراتيجياته وعلاقاته الخارجية.اما في موضوع المقاومة وسلاحها، فقد حصلت نقاشات وسجالات عديدة، فيما اطلق مسؤولو الحزب مجموعة تصريحات ومواقف تؤكد إمكانية النقاش حول مستقبل المقاومة ووضع خيارات عدة في هذا الإطار، مع التأكيد على قناعة الحزب بدور المقاومة الردعي والإلتزام باستمرار الجهاد لتحرير الأسرى ومزارع شبعا.على مستوى الوضع الإسلامي، عمد حزب الله الى سلسلة خطوات عملية ولقاءات واتصالات لاستيعاب الأجواء المتشنجة وللتخفيف من حالة الاحتقان ولتعزيز الوحدة الشيعية والإسلامية والوطنية.وبالإجمال يبدو حزب الله اليوم، بعد مرور حوالى الشهرين ونيف على استشهاد الرئيس الحريري، وأيام قليلة على إكمال الانسحاب السوري، في وضع جديد وهو أمام تحديات عديدة، سواء لجهة دوره الداخلي أم لجهة مستقبل سلاح المقاومة أو لجهة علاقاته الدولية والإسلامية، وحزب الله معني بتقديم رؤية جديدة وأداء جديد لمواجهة كل هذه التحديات. ولدى قيادة الحزب حسبما يقول مسؤول كبير فيه "مجموعة خطط وتصورات عملية حول كل الاحتمالات المستقبلية ولتحديد كيفية التعاطي مع كافة الخيارات، وسيتم إعلانها في الوقت المناسب"."الجماعة الإسلامية"الجماعة الإسلامية من أوائل التنظيمات الإسلامية في لبنان، وهي الامتداد اللبناني لحركة الاخوان المسلمين التي أسسها الإمام الشهيد حسن البنا في مصر مطلع القرن العشرين، وان كانت عمدت الى اعتماد اسم مختلف وإطار خاص بها في لبنان لأسباب سياسية.وتمتد "الجماعة الإسلامية" الى معظم المناطق اللبنانية، وقد تمثلت في العام 1992 في المجلس النيابي بثلاثة نواب وان كان حالياً ليس لها أي تمثيل نيابي، لكنها حاضرة في عشرات البلديات في مختلف المناطق وتشرف على الكثير من الهيئات والجمعيات والمؤسسات الإعلامية والطبية والاجتماعية والطالبية والنسائية.وقد ترك استشهاد الرئيس الحريري إنعكاسات مباشرة على أداء الجماعة السياسي وخطابها الإعلامي، فقد كانت مشاركة في "لقاء عين التينة" ثم اضطرت للانسحاب بسبب خلافات سياسية وتحت ضغط قاعدتها وكوادرها. وشاركت لاحقاً في "لقاء الاحزاب اللبنانية" الذي دعا اليه السيد حسن نصرالله لتنظيم "مسيرة" رياض الصلح في 8 آذار الماضي، لكنها عادت وانكفأت عنه، لتشارك في مسيرة المعارضة في 14 شباط الى جانب تيار المستقبل. وان كان طلاب الجامعة لا يزالون يشاركون في التظاهرات الطالبية أمام السفارة الأميركية في عوكر.وقد أدت التغيرات في أداء خطاب الجماعة الى اتهام بعض الأوساط السياسية والشعبية لها بعدم الثبات وعدم وضوح الرؤية السياسية، وان كان قياديو الجماعة يعتبرون ان ما اتخذوه من مواقف يعبر عن رؤية الجماعة التي تجمع بين رفض أداء السلطة اللبنانية وبين عدم تبني كل مطالب المعارضة.وحرصت الجماعة على الاقتراب كثيراً من "تيار المستقبل" ونظمت العديد من النشاطات المشتركة مع هيئات التيار وذلك في إطار تثبيت العلاقة الشعبية.وقام الأمين العام للجماعة الشيخ فيصل المولوي بالعديد من اللقاءات والاتصالات لتوحيد الموقف الإسلامي والوطني ولاطلاق سلسلة مبادرات سياسية لحل الإشكالات التي واجهها الواقع السياسي، كما تبنت الجماعة مع أطراف إسلامية اخرى قضية "موقوفي الضنية ومجدل عنجر" تمهيداً لإصدار عفو عنهم بموازاة العمل لإصدار عفو عن قائد "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع.وتبدو الجماعة اليوم في حالة انتظار وترقب لما ستؤول اليه التطورات الداخلية لتحديد موقعها السياسي والحزبي وهي حائرة بين اتجاهين: الأول يدعوها للاقتراب أكثر من "تيار المستقبل" وقوى المعارضة والتماهي مع الأجواء الإسلامية السنية لكي تكون حاضرة بقوة في الواقع الشعبي، والآخر يدعوها للتمايز عن مواقف قوى المعارضة والاستمرار في تبني الثوابت الأساسية على صعيد العلاقة مع سوريا والدفاع عن المقاومة ورفض الانجرار وراء أية شعارات انفعالية.وقد أدى هذا التنازع بين الاتجاهين الى حالة من الارتباك السياسي والإعلامي، وان كانت قيادة الجماعة تتابع باهتمام التطورات الداخلية وتدرس بعمق ما يحدث من أجل تحديد رؤية مستقبلية واعتماد خيارات محددة، وستكون الجماعة معنية أكثر من غيرها من القوى الإسلامية السنية بتقديم مشروع سياسي متكامل لإعادة جمع الشمل واعتماد خيارات واضحة لكي تتمكن من استعادة زمام المبادرة، خصوصاً في ظل المتغيرات الداخلية وقبل أقل من شهر على إجراء الانتخابات النيابية التي ستشكل حدثاً سياسياً مفصلياً في مستقبل الجماعة.حركة التوحيد الإسلاميتأسست "حركة التوحيد الإسلامي" عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وضمت الشيخ سعيد شعبان ومجموعة من الفصائل الإسلامية أو ذات الاتجاه القومي (حركة لبنان العربي برئاسة خليل عكاوي، جند الله برئاسة الشيخ كنعان ناجي والشيخ هاشم منقارة بالإضافة لشخصيات إسلامية اخرى). ونجحت الحركة في استقطاب شعبية كبيرة في طرابلس وبيروت وصيدا ولكنها سرعان ما تعرضت الى مشكلات واغتيالات وخاضت معارك قاسية ضد الاحزاب اليسارية والوطنية والقوات السورية، ودخلت في الصراع الفلسطيني ـ السوري بعد ان عاد الرئيس ياسر عرفات الى طرابلس، وأدت كل هذه المشكلات الى حصول انشقاقات كثيرة داخل الحركة، فيما بقي الشيخ سعيد شعبان في موقع الأمير، واعتقل السوريون الشيخ منقارة، وغاب الشيخ ناجي عن الصورة لفترة طويلة.لكن منذ سنوات عدة عاد امراء الحركة السابقون الى طرابلس، وحرص الشيخ ناجي على البقاء في منزله من دون أي نشاط سياسي أو إعلامي، فيما أنشأ الشيخ منقارة مع الشيخ ابراهيم صالح وعامر ارناؤوط تنظيماً جديدا تحت اسم "حركة التوحيد الاسلامي ـ مجلس القيادة" وبدأت الخلافات مع "التوحيد" بامارة الشيخ بلال شعبان الذي تولى رئاسة الحركة بعد وفاة والده.وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومع بدء الحديث عن الانسحاب السوري من لبنان عاد امراء "التوحيد" الى اللقاء والحوار للبحث عن صيغة جديدة للعمل، وتردد انه تم الاتفاق على "توحيد حركات التوحيد" بامارة الشيخ ناجي، لكن ما لبث ان تبين عدم صحة هذه المعلومات وان ما تم الاتفاق عليه كان البحث عن اطار جبهوي جديد يجمع افرقاء "التوحيد" سياسيا واعلاميا من دون ان يتم التوصل الى صيغة موحدة للعمل، بحيث يبقى الشيخ شعبان أميرا لـ"حركة التوحيد" (مجلس الامناء) والشيخ منقارة رئيسا لمجلس قيادة "حركة التوحيد" (مجلس القيادة) ويعود الشيخ كنعان ناجي للعمل باسم "جند الله"، فيما تنشط اللجان الاسلامية ولجان الاحياء مجددا باشراف سمير الحسن.كذلك بدأ الشيخ شعبان الاتصال بقيادات اسلامية في المناطق اللبنانية للتعاون معها في المرحلة المقبلة، وهناك طموح كبير لدى اركان "التوحيد" الى استعادة دور اساسي في المرحلة المقبلة انطلاقا من طرابلس وامتدادا الى مناطق اخرى.حزب التحرير الاسلاميانشأ الشيخ تقي الدين النبهاني "حزب التحرير الاسلامي" في اواخر الخمسينات من القرن الماضي كرد فعل على عدم رضاه على تجربة الاخوان المسلمين التي تركز على الجوانب التربوية والاخلاقية في بنائها الداخلي، فيما انطلق "حزب التحرير" تحت شعار "استعادة الخلافة الاسلامية" من خلال العمل السياسي والفكري وعبر اعتماد اسلوب "طلب النصرة" للحصول على دعم ضباط الجيوش العربية والاسلامية للوصول الى السلطة.ونجح الحزب في الامتداد الى العديد من الدول العربية والاسلامية ومنها لبنان، وأصبح لديه آلاف الناشطين والكوادر ولكنه اصيب بالكثير من النكسات ما اضطره للجوء الى العمل السري بعدما سعى مناصروه للقيام بعدة محاولات انقلابية باءت بالفشل.وفي لبنان حاول الحزب الحصول على ترخيص رسمي لكن السلطات اللبنانية لم توافق على ذلك، وكان الحزب حريصا على التحرك غير المعلن من خلال توزيع البيانات وعقد الحلقات الثقافية والسياسية واصدار بعض المطبوعات لكنه بدأ في الاشهر الاخيرة تحركا شعبيا علنياً استهله باعتصام في طرابلس احتجاجا على زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي الى لبنان، وأعقبته تحركات عديدة في مناطق اخرى، وقامت الاجهزة الامنية اللبنانية باعتقال بعض شباب الحزب تمهيدا لتقديمهم الى المحاكمة.وكثف الحزب خلال الشهرين الماضيين من نشاطاته السياسية والاعلامية عبر توزيع البيانات المنددة بالتدخلات الاجنبية والداعية لتعزيز الوحدة الاسلامية واقامة الخلافة الاسلامية، وبدأ مناصروه بتنظيم مسيرات شعبية في بعض المناطق وخصوصا في طرابلس تحت عنوان "مسيرة راية العقاب" بمشاركة حشد من المواطنين الذين رفعوا رايات لا اله الا الله، واطلقوا الهتافات المطالبة بالخلافة الاسلامية وبتطبيق شرع الرسول محمد (ص).وفي المسيرة التي نظمت في منطقة التبانة مؤخرا تحدث الشيخ محمد ابراهيم الذي دعا الى "تحطيم الحدود التي قسمت بلاد المسلمين تحت رايات الجاهلية".والمعروف ان "حزب التحرير" يرفض تقسيم البلاد العربية والاسلامية ويدعو الى توحيدها، "انطلاقا من "وحدة لبنان وسوريا"، تحت راية الخلافة".وعلى الرغم من ان الحزب في لبنان بدأ يهتم اكثر بالقضايا والهموم الداخلية كقضايا الكهرباء والوضع الاقتصادي والمالي لكنه كان دائما في بياناته يعتبر "ان الحل الجذري لكل المشكلات يتم عبر تطبيق الخلافة".ويبدو ان الحزب بدأ يزيد وتيرة تحركه في الفترة الاخيرة خصوصا عندما بدأت عملية انسحاب الجيش السوري من لبنان، لان السلطات السورية كانت تعمد الى اعتقال عناصر الحزب ومناصريه سواء في لبنان او في سوريا.وقد تشهد المرحلة المقبلة المزيد من نشاطات الحزب غير المرخص، مما سيطرح الكثير من علامات الاستفهام حول كيفية تعاطي السلطات اللبنانية مع هذه النشاطات.تجمع العلماء المسلمينانطلق "تجمع العلماء المسلمين" في العام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان، حيث كان العديد من العلماء المسلمين السنة والشيعة يشاركون في احتفال اسلامي في طهران، وعندما بدأت اخبار الاجتياح الاسرائيلي للبنان تصل الى طهران عقد هؤلاء العلماء اجتماعا طارئا قرروا بنتيجته العودة السريعة للبنان وانشاء تجمع علماني يضم العلماء السنة والشيعة للحض على القتال ضد الجيش الاسرائيلي.وبدأ نشاط تجمع العلماء في بيروت من خلال المسيرات والبيانات والاعتصامات وكان ابرز هذه النشاطات الاعتصام الحاشد الذي اقيم في مسجد الامام الرضا في بئر العبد في 17 ايار 1983 احتجاجا على توقيع "اتفاق 17 ايار"، ورافقه اشتباك بين المعتصمين وعناصر الجيش اللبناني مما ادى لاستشهاد الشاب محمد نجدي وجرح العشرات.كذلك نظم التجمع مسيرة سيارة ضخمة الى صيدا بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي منها.وكان التجمع يتصدى للتطورات السياسية ويصدر البيانات والمواقف، ولعب دورا بارزا في مواجهة الفتن الداخلية وخصوصا خلال الاشتباكات التي جرت في بيروت عام 1984 وكذلك بين حركة امل والفلسطينيين، وقام عدد من العلماء بالدخول الى المخيمات الفلسطينية المحاصرة والعمل لتقديم المساعدات للفلسطينيين.لكن بعد الاعلان عن تأسيس حزب الله في العام 1985 وعودة الجماعة الاسلامية للتحرك بشكل علني، خفت دور التجمع وغادره بعض العلماء المؤسسين (الشيخ ماهر حمود، الشيخ زهير كنج، الشيخ محمد اسماعيل خليق) مما انعكس سلباً على مسيرة التجمع.وكان التجمع يصدر مجلة شهرية باسم "الوحدة الاسلامية" ثم اوقفها ليصدر مجلة سياسية باسم "البلاد"، والتي عادت للتوقف ليعيد اصدار المجلة الشهرية.وشهدت مسيرة التجمع في السنوات العشر ما بين 1990 ـ 2000 حالة من عدم الاستقرار على صعيد نشاطاته وكاد يتوقف نهائياً عن التحرك بسبب الخلاف حول دوره وموقعه، لكن منذ عدة سنوات اتخذ القرار بتفعيل التجمع وتم انتخاب هيئة ادارية جديدة برئاسة الشيخ حسان عبدالله، وانشئ مجلس للامناء برئاسة القاضي الشيخ احمد الزين وضم عدداً من العلماء المؤسسين. ونشط التجمع في مجالات عديدة في السنتين الماضيتين، الا انه بدأ في الفترة الاخيرة تحركاً قوياً على صعيد العلاقات والاتصالات لمواجهة حالة الفراغ في الساحة الاسلامية والتخفيف من حدة الاحتقان المذهبية.وقد عقد الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله اجتماعاً مطولاً مع علماء التجمع للاتفاق على خطة عمل متكاملة ثم البدء بتنفيذها خلال الاسبوعين الماضيين.ويبدو ان التجمع يستعد لسلسلة كبيرة من النشاطات على الصعيد الاسلامي بعد الانسحاب السوري من لبنان ولمواجهة تداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الاحباش)قد تكون "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" (الاحباش) من اكثر الجمعيات التي اثارت الالتباسات على الصعيد الاسلامي، سواء لجهة ظروف انطلاقتها او رؤيتها الفكرية او ادائها السياسي وارتباطاتها الامنية. والمعروف ان هذه الجمعية انشأت في اوائل القرن العشرين لتعليم القرآن الكريم والاهتمام بتربية المسلمين، وكان يرأسها في فترة من الوقت الشيخ احمد العجوز (رحمه الله)، لكن بعض العلماء الذين كانوا يعملون باسم "اتحاد العلماء المسلمين" ومنهم الشيخ نزار الحلبي (الذي اغتيل قبل سنوات عدة) طلب من الشيخ العجوز التنازل عن الترخيص من اجل تفعيل الجمعية.وبدأ هؤلاء العلماء بالعمل الثقافي والدعوي بالتعاون مع الشيخ عبدالله الحبشي الهرري الذي كان يعطي الدروس في مسجد برج ابي حيدر وفي منزله في الطريق الجديدة.ولم يقتصر عمل الجمعية على الجانب الديني والثقافي، بل انطلق الى الجوانب السياسية والامنية والتربوية والاقتصادية والاعلامية، وركزت الجمعية على موضوع "التوحيد" وحملت هذه الراية لتكفير كل من لا يوافق على آرائها ومعتقداتها، واستفادت الجمعية من علاقاتها بالسلطات اللبنانية والسورية للحصول على دعم سياسي وامني، وحققت انتشاراً واسعاً في العديد من المناطق وبدأت تخوض معارك قاسية ضد بقية الاطراف الاسلامية وصولاً لمواجهة دار الفتوى ونجحت في ايصال احد مسؤوليها الدكتور عدنان طرابلسي في العام 1992 الى المجلس النيابي. لكنها تعرضت لانتكاسة قوية بعد اغتيال الشيخ الحلبي.وتعتبر الاوساط الاسلامية ان احدى نقاط القوة لدى "جمعية المشاريع" كانت تكمن في علاقاتها بالاجهزة الامنية السورية واللبنانية وقيامها بأدوار سياسية او اعلامية لمواجهة القوى المعترضة على السياسة السورية او على اداء السلطة اللبنانية. وهذا ما جرى عندما قام عناصر من الجمعية بتنظيم تحركات شعبية ضد قوى المعارضة في بيروت وكذلك من خلال البيانات التي وزعت ضد "الجماعة الاسلامية" وامينها العام الشيخ فيصل المولوي بعد ان اعترضت "الجماعة" على التمديد للرئيس اميل لحود.وعلى الرغم من تأكيد مسؤولي الجمعية انهم يرفعون "راية الاعتدال الاسلامي في مواجهة التطرف الاسلامي الذي اسس له المفكر سيد قطب"، فإن اداء الجمعية على الارض لم يكن يتناسب مع هذا الشعار.وقد ادت تصرفات اعضاء الجمعية الى نشوب خلافات بينهم وبين معظم الحركات والقوى الاسلامية طوال السنوات الماضية، وقد حصلت بعض المحاولات لانهاء هذه الاشكالات لكنها لم تحقق النتائج المطلوبة.وسيشكل الانسحاب السوري من لبنان وتفكيك الجهاز الامني اللبناني عاملاً مؤثراً على دور الجمعية المستقبلي، وخصوصا على الصعيدين السياسي والامني وان كان لا بد من التأكيد بأن حجم الانتشار الشعبي للجمعية ما زال قوياً في العديد من المناطق وهي تمتلك عشرات المؤسسات الاعلامية والثقافية والاقتصادية والتربوية (اذاعة نداء الايمان، الجامعة العالمية، مجلة منار الهدى، سوبرماركت الديوان، مدارس الثقافة الاسلامية) وهذا يعطيها عامل قوة للاستمرار في نشاطاتها وتحركاتها لكن الايام المقبلة ستكشف مدى قدرة الجمعية على الحفاظ على قوتها وانتشارها الذي كانت تتمتع به سابقاً.التيار السلفييعتبر التيار السلفي في لبنان من ابرز التيارات الاسلامية، وان كان لا يشكل اطاراً منظماً وموحداً بل هو خليط من مجموعات وشخصيات ومدارس وجمعيات ومعاهد شرعية تختلف في ما بينها سواء على الصعد السياسية او الفكرية او حتى وصولاً الى الخلافات الشخصية.ويمكن تقسيم التيار السلفي في لبنان بين اتجاهين اساسيين:الاول ما يسمى السلفية الجهادية، وهو يضم المجموعات المتأثرة بتنظيم "القاعدة" وبعض الجماعات الاسلامية الجهادية في مصر والجزائر وحالياً في العراق.والثاني التيار السلفي الفكري ويضم شخصيات ومجموعات متنوعة تعمل في الاطر السياسية والفكرية والتربوية.ويبرز الاتجاه السلفي الجهادي من خلال بعض المجموعات التي تنفذ عمليات عسكرية او امنية ومنها عملية اغتيال الشيخ نزار الحلبي ومتفجرة البلمند ومحاولة اقتحام السفارة الروسية او تهريب الاسلحة الى الاردن وصولاً لمجموعات البقاع الغربي ومجدل عنجر ومجموعة احمد الميقاتي.وليس لهذا الاتجاه اطار معلن وان كان بعض افراده ارتبطوا عملياً بمجموعة "عصبة الانصار" الموجودة في مخيم عين الحلوة، كما برزت بعض المجموعات المنشقة عنها كـ"جماعة النور" وجماعة "جند الشام".وهذا الاتجاه يبرز في بعض المناسبات أو لتنفيذ عمليات محددة وإن كان نشاطه في لبنان ينطلق من اعتبار هذا البلد "ممراً وليس مقراً" للذهاب الى دول أخرى.وثمة تخوّف كبير من ازدياد نشاط هذه المجموعات في المرحلة المقبلة بعد الانسحاب السوري نظراً للدور الذي كانت تلعبه سوريا في لجم هذه المجموعات أو ضبط تحركاتها.وإن كانت محاولة ربط عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري بهذا التيار من خلال قضية أحمد أبو عدس لم تنجح وأثبتت معظم الوقائع عدم صحتها.أما الاتجاه السلفي الفكري والسياسي فمن أبرز رموزه التاريخية الشيخ سالم الشهال الذي أسس في السبعينات "نواة جيش التحرير الإسلامي"، ثم بدأت تظهر شخصيات ومؤسسات جديدة أبرزها "معهد الدعوة والإرشاد"، و"جمعية دعوة الإيمان والعدل والإحسان" التي يرأسها الدكتور حسن الشهال، و"مركز حمزة للولاء" ويشرف عليه الشيخ زكريا المصري، و"معهد الأمين" و"معهد طرابلس الديني" و"معهد الإمام البخاري" و"مسجد أهل السنة" و"معهد الوقف الإسلامي". وتنتشر هذه المعاهد في بيروت وطرابلس وعكار وصيدا والبقاع الغربي.وقد بدأت التيارات الإسلامية في الأسابيع الماضية سلسلة اتصالات ولقاءات في ما بينها للتنسيق والتعاون وثم تشكيل "المكتب السياسي الإسلامي" برئاسة الدكتور حسن الشهال.ويبدو أن الانسحاب السوري من لبنان واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ساهما في تعزيز تحركات التيارات السلفية التي تسعى لتكثيف نشاطاتها وتحركاتها في المرحلة المقبلة، وهي تلقى دعماً مالياً ومعنويات من العديد من المؤسسات الإسلامية في الكويت والسعودية.جمعيات وتجمعات وهيئات إسلاميةإضافة للتيارات والحركات والجمعيات التي تحدثنا عنها سابقاً فإن هناك الكثير من المجموعات والجمعيات والهيئات الإسلامية الناشطة على الصعيد الإسلامي في مختلف المناطق اللبنانية، والتي ازداد نشاطها بعد اغتيال الرئيس الحريري واتخاذ قرار الانسحاب السوري، وبعض هذه الهيئات كان يعاني سابقاً الضغوط الأمنية والسياسية التي تعيق تحركه ويجد اليوم أنه أكثر قدرة على النشاط والحيوية.ومن هذه المجموعات والهيئات:1 ـ مسلمون بلا حدود: وهي مجموعة شبابية نشأت قبل عامين في البقاع الغربي وعقدت مؤتمراً عاماً وحاولت عقد مؤتمر ثان لكنها تعرّضت لضغوط أمنية، وهي تعمل لتنشيط دورها حالياً. ومن أبرز رموزها الشيخ رمزي ديشوم.2 ـ مجمع كلية الدعوة الإسلامية الذي يشرف عليه عضو "تجمع العلماء المسلمين" الشيخ عبدالناصر الجبري والذي لديه علاقات واسعة مع العديد من الدول العربية والإسلامية والهيئات الإسلامية. وقد قام بالعديد من النشاطات للدفاع عن الدور السوري في لبنان في مواجهة قوى المعارضة وإن كان الانسحاب السوري لن يؤثر على حيويته وتحركاته.3 ـ "جمعية الفتوة الإسلامية" (الرجبيون) ويشرف عليها الشيخ زياد الصاحب والشيخ أحمد البابا وتتأثر فكرياً بالشيخ محمد رجب (من علماء سوريا) وهي تهتم بالقضايا الفكرية والتربوية والدعوية.4 ـ "جمعية الاتحاد الإسلامي" ويرأسها الشيخ حسن القاطرجي وتصدر مجلة "منبر الداعيات" ولديها مراكز ومؤسسات تربوية واجتماعية في بيروت وتتسم مواقف الشيخ القاطرجي بالتشدد ورفض الديموقراطية الغربية.5 ـ "جمعية الإصلاح الإسلامي" وتشرف على مسجد السلطان سليم في منطقة الزيدانية واهتماماتها تربوية وثقافية ودينية.6 ـ "المركز الإسلامي للتربية" وجامعة الإمام الأوزاعي ويشرف عليهما الدكتور توفيق طبارة واهتماماتها تربوية وجامعية وأكاديمية.7 ـ "جمعية الإصلاح والإرشاد" في طرابلس وتشرف على معهد الإصلاح الجامعي ويرأسها الدكتور الشيخ محمد رشيد ميقاتي.8 ـ "جمعية الدعاة" ويرأسها الشيخ محمد أبو القطع ونشاطاتها تربوية ودينية.9 ـ "جماعة التبليغ والدعوة" وهي امتداد لـ"جماعة التبليغ" الموجودة في الهند وباكستان وهي جمعية تعبدية بعيدة عن مزاولة العمل السياسي.10 ـ "اتحاد المؤسسات الإسلامية" والذي يشرف عليه الدكتور محمد علي الضناوي ويضم "جبهة الانقاد الإسلامي اللبنانية" ومؤسسة "بيت الزكاة" و"جمعية النهضة" و"الوقف الإسلامي للعمل الاجتماعي".وبرز أخيراً في بيروت "تجمع الهيئات والجمعيات السنية الرعائية في بيروت" ويشرف عليه الشيخ خضر العبيدي، وأقام التجمع سلسلة نشاطات إسلامية وحدوية. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد بروز المزيد من المؤسسات والجمعيات الإسلامية، خصوصاً أن الفراغ الذي برز في الساحة الإسلامية بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان شكّلا دافعاً قوياً للعديد من الشخصيات والهيئات الإسلامية للتحرك بفعالية وحيوية، ما يعني أن الساحة الإسلامية ستشهد المزيد من المتغيرات في المرحلة المقبلة.غداً حلقة ثانيةحوارات مع شخصيات إسلامية حول مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري.
***********************************************************************************
"المستقبل" تستشرف الواقع الإسلامي الحركي في ظل المتغيرات الاستراتيجية (2)
الحركات الإسلامية في لبنان بعد استشهاد الحريري والانسحاب السوري
المستقبل - الاربعاء 11 أيار 2005 - العدد 1914 - شؤون لبنانية 2 - صفحة 7
إعداد: قاسم قصير
في إطار البحث في مستقبل الحركات الإسلامية في لبنان، وبعدما استعرضنا في الحلقة الأولى المتغيرات التي طرأت على واقع الحركات والجمعيات والقوى الإسلامية عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان، نستكمل البحث في هذا الموضوع من خلال سلسلة لقاءات أجريناها مع قيادات إسلامية وشخصيات معنية بالشأن الإسلامي، هي الأمين العام السابق لـ"الجماعة الإسلامية" الداعية الدكتور فتحي يكن، رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عضو المجلس السياسي في "حزب الله" الدكتور علي فياض، رئيس المكتب السياسي في "الجماعة الإسلامية" النائب السابق أسعد هرموش، والأمين العام لـ"حركة التوحيد الإسلامي" الشيخ بلال شعبان.وفي ما يأتي حصيلة اللقاءات والحوارات والتي سنستكملها غداً في حلقة ثالثة وأخيرة.يكنيعتبر الداعية فتحي يكن أن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري "أحدث زلزالاً كبيراً سياسياً واجتماعياً وأمنياً وطرح تساؤلات كثيرة حول هذه الجريمة ومن يقف وراءها، وإن كانت الحركات الإسلامية معنية اليوم بالبحث عن كيفية ملء الفراغ ومعالجة الواقع الإسلامي المشرذم.والحوار مع يكن بدأناه بالسؤال:كيف تقوّمون التطورات التي جرت في لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد الحريري وصولاً الى الانسحاب السوري الكامل؟ـ أحدث اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري زلزالاً سياسياً واجتماعياً وأمنياً غير مسبوق تجاوز الواقع اللبناني والواقع الإقليمي برمته حيث طال دول العالم، عظمى كانت أم وسطى أم صغرى، وصولاً الى المحافل الدولية ومؤسسات هيئة الأمم المتحدة كلها.هذه الزلزلة السياسية أعادت الى الأذهان مآسي الحرب الأهلية وما رافقها من شلالات دم طالت كل الطوائف وكل المناطق كان اللبنانيون فيها الخاسر الأكبر، مما فتح الطريق بعد ذلك أمام المشاريع الأميركية والصهيونية لدخول المنطقة عبر البوابة اللبنانية.. فكان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ثم اتفاق السابع عشر من أيار عام 1983.من قتل الرئيس الحريري؟وبقي السؤال العريض يتردد على أفواه اللبنانيين جميعاً، موالاة ومعارضة وأكثرية صامتة حتى غدا كاللازمة في كل حفل وخطاب.من قتل الحريري ومن هو المستفيد من ذلك، ولماذا تم الاغتيال في هذا الوقت؟لقد تنوعت الاتهامات..* فمن اتهام لسوريا وتحديداً أجهزة الاستخبارات اللبنانية ـ السورية.* الى اتهام الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتحديداً (السي آي إي والموساد) بالضلوع في عملية الاغتيال.* وذهب البعض الى اتهام جهات سعودية على خلاف بل عداء مع الرئيس الحريري بالوقوف وراء عملية الاغتيال!* ووجهت أصابع الاتهام كذلك الى مافيات مالية عالمية تعتبر الرئيس الحريري منافساً كبيراً لها، وسبباً فاعلاً في إعاقة تنامي ونجاح صفقاتها ومشاريعها!* وصولاً بالاتهام الى الساحة الإسلامية وتحميلها تبعات الجريمة عبر الشريط الذي أعلن فيه المدعو "أبو عدس" مسؤوليته عن الحادث!* ومن ثم الى استثمارات سياسية داخلية وخارجية حيث توالت مواقف كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمعارضة المسيحية في المنفى ممثلة بما يسمى (التيار الوطني الحر) الذي يتزعمه العماد ميشال عون والمشروع السياسي الخاص ببعض أقطاب المعارضة على الساحة الداخلية اللبنانية الذي سارعوا بتوجيه أصابع الاتهام رسمياً الى السلطات السورية واللبنانية والمطالبة الفورية بتدخل دولي لإنقاذ لبنان.إن اغتيال الرئيس رفيق الحريري عبر هكذا تفجير كبير ومدروس ومدبّر يقطع ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ في أن الجهات المستفيدة من تنفيذ القرار الدولي 1559 هي التي يجب أن توجه إليها أصابع الاتهام، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل..فاغتيال شخصية مرموقة كالرئيس الحريري، الذي تربطه صلات وعلاقات بقادة العديد من دول العالم، وفي هذا التوقيت بالذات، من شأنه أن يشكل ذريعة بامتياز للمباشرة بتنفيذ القرار المشؤوم، وبالتالي يبرر التدخل الأميركي والإسرائيلي ضد القوات السورية في لبنان، كما ضد المقاومة الإسلامية وحزب الله بالذات.إن من يتهم سوريا بجريمة الاغتيال إما عميل أجير أو فاقد للعقل والإدراك والتفكير!هل توافقون على وجهة نظر البعض حول الخوف من حصول متغيرات سياسية تؤدي الى التراجع عن اتفاق الطائف وإمكانية حصول اتفاق 17 أيار جديد؟ـ لقد حدث ما كنا نتوقعه، وإن لم نتوقعه بهذه السرعة!! فمع الانسحاب السوري، بدأت الخطى الأميركية تتسارع نحو لبنان، لملء الفراغ وتحقيق السيادة والحرية والديموقراطية وإعادة الاستقرار والاستقلال الى هذا البلد، ولكن هذه المرة وفق النموذج الأميركي الذي تمارسه الولايات المتحدة في العراق والذي مارسته قبل ذلك في أفغانستان، والتي كانت مارسته بغباء أكثر في فيتنام وكوريا وغيرها!المشروع الأميركي ـ الصهيوني يستدرج اللبنانيين الى مقاتلهم!!على الرغم من ادعاء البعض، وتأكيد البعض الآخر على وطنية تحركهم، وذاتية قراراتهم ومواقفهم، إلا أن محصلة ما يجري من ردود فعل قيادية وجماهيرية، وما تشهده الساحة اللبنانية من حملات ومسيرات تصعيدية، لن يخدم أياً من المصلحتين اللبنانية أو العربية بحال من الأحوال.الجميع يؤكدون أنهم مع اتفاق الطائف، وأنهم مع وحدة وسيادة واستقلال لبنان، وأهم منجزات الطائف أنه حسم عروبة لبنان.. وهو قطع الطريق على كل الخيارات الأخرى.. فلا تدويل، ولا أمركة، ولا صهينة..الذي يجري خلاف ذلك تماماً.. إنه تسويق لخيار التدويل الخياني، وهو طرح للقضية اللبنانية على الدول الأجنبية، بل هو استقواء بها، على غرار ما قامت به وفود المعارضة في جولاتها الخارجية!في المقابل، لا استعداد لدى السلطة للاعتراف بالخطأ، والمبادرة الى المعالجة والتصحيح، ابتداء بفتنة التمديد التي تسببت بكل التداعيات والمآسي والانقسامات التي يشهدها لبنان، والتي باتت تشكل خطراً على وجوده وكيانه ومصيره!ان المشروع الاميركي يرمي الى وضع اليد على لبنان وسوريا، والمدخل الاسهل لذلك احداث خرق في الصف الوطني على قاعدة فرّق تسد، وهذا حصل من خلال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما تبعه من تداعيات.يجب ان يدرك اللبنانيون جميعا ـ وعلى اختلاف مواقفهم ومواقعهم وشرائحهم ـ ان ما يجري في لبنان ـ وتحديدا منذ الحادث الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري ـ انما هو ترجمة ميدانية للسيناريو الاميركي، وحلقة في مسلسل استكمال المشروع الشرق اوسطي الذي يهدف الى ضرب البنى التحتية لحركات المقاومة الوطنية والاسلامية، بما يحقق قوامة الهيمنة الاميركية وسيادة الكيان الصهيوني في المنطقة واستكمال نشر القواعد العسكرية الاميركية في كل من لبنان وسوريا.انها الحقيقة التي تكشف شخصية وهوية وخلفية من قتل الحريري ومن له مصلحة حقيقية في مقتل الحريري حاضرا ومستقبلا، وبالتالي من خطط وحرض ونفذ وشارك وساهم في هذه الجريمة النكراء.الاغتيال وعودة عونكان اغتيال الحريري بمثابة كبش الفداء لعودة الجنرال عون ومشروعه السياسي. والولايات المتحدة التي قررت التحرك في هذا الوقت بالذات فمن اجل استكمال مشروعها الشرق اوسطي..ان الولايات المتحدة لن توجه ضربة عسكرية الى سوريا لان قواتها مستنزفة في العراق.. وخلافات الملف العراقي بينها وبين فرنسا والمانيا واضحة وعميقة، ولذلك فإن قمة بروكسل حاولت ان توحد الموقفين الفرنسي والاميركي لنزع الغِطاء الاوروبي كليا عن دمشق التي لم تكن موفقة!.فاذا انسحب السوريون ـ وهذا ما تحق وهو ما تريده واشنطن ـ فقد اصبح رأس حزب الله مكشوفا ومشروع اغراقه في حرب اهلية للقضاء عليه واشغاله عن التدخل في الساحة الفلسطينية وابعاده عن الجنوب، واذا لم ينسحب السوريون فربما يكون هناك عراق جديد، ولذلك لم تتهم الولايات المتحدة ـ في حينها ـ دمشق مباشرة، واكتفت بالتلميح لتعرف هل يغير السوريون موقفهم بعد ان فاجأهم زلزال اغتيال الحريري!!ما هو مستقبل الوضع الاسلامي في لبنان؟ـ ان مستقبل الوضع الاسلامي في لبنان، ان لجهة "الساحة الاسلامية" عموما او لجهة "حزب الله والمقاومة" خصوصا، يرتبط ارتباطا وثيقا بادراك الاسلاميين الصحيح والدقيق لطبيعة المرحلة ومتطلبات مواجهتها.ان من مطالع ما يفرض على الاسلاميين ادراكه ان المشروع الاميركي الصهيوني يستهدف الاسلام نفسه، وبالتالي فإنه يستهدف كل الاسلاميين فضلا عن المسلمين.وهو ان خصص حزب الله والمقاومة بالمواجهة فمن اجل اسقاط الغطاء الرادع عن الساحة الاسلامية، وتعرية الاسلاميين جميعا وفق معادلة: "أكلت يوم اكل الثور الأبيض". ثم ان من اولويات ما يفرضه الاسلام وتفرضه الظروف الاستثنائية على القوى الاسلامية المبادرة الى التمحور حول مشروع اسلامي مقاوم، تتكامل فيه كل انواع المقاومة وتتوحد عليه كل جبهاتها.ثوابت وخطوط حمرهناك ثوابت وخطوط حمر لا يجوز لاحد ان يتجاوزها بحال من الاحوال، سواء كان مع هذا الفريق او ذاك.ـ ميثاق الوفاق الوطني (الطائف):ان مما اكد عليه ميثاق الوفاق الوطني، والذي كان جوهر الصراع اللبناني اللبناني، هو الخروج من دائرة تصنيفات المواطنة، والتي جعلت فريقا من اللبنانيين ابناء بنت والآخرين ابناء جارية، بحيث تحققت المساواة في الصلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة فلا مكان بعد ذلك لرئاسة تحكم ولا تتحمل المسؤولية، او رئاسة فوق المساءلة والمحاسبة والقانون!.ـ عروبة لبنان: وان من اهم الثوابت على المستوى القومي، والتي حسمها ميثاق الطائف هي انتماء لبنان الى محيطه العربي، بعد جدل دام عقودا من الزمن، فلا مكان بعدها لاطروحات التدويل او التغريب، فضلا عن مقولة العودة الى الانتماء الفينيقي!ـ الموقف من الكيان الصهيوني: ومن الثوابت الوطنية والقومية التي لا تساهل معها، اعتبار الدولة العبرية دولة عدوة... مما يفرض بالتالي رفض كل شكل من اشكال الاعتراف او الاتفاق او التحالف او التطبيع مع العدو الصهيوني، الامر الذي يفرض التشبث بخيار المقاومة والابقاء على الجهوزية العسكرية الرسمية والشعبية، دفعا لكل عدوان، ورفضا لكل مشاريع الاذعان والتوطين.ـ الموقف من المشروع الاميركيومن الثوابت التي فرضتها وأكدتها الحقبة الاخيرة، رفض المشروع الاميركي الذي يهدف الى "امركة" الشخصية العربية، والعبث بالهوية الاسلامية، ومن ثم ترسيم المنطقة وفق صيغة شرق اوسطية تكون فيها الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل هي المهيمنة. وما يجري في لبنان اليوم يعتبر مقدمة السيناريو الاميركي في هذا الاتجاه.ـ الكونتونات الطائفية والمذهبية: وأخيرا فإن من الثوابت، اعلان رفض الانجرار او الاستدراج الى المشاريع التقسيمية، والسقوط في فَخ ومِصيدة الكونتونات الطائفية والمذهبية، سواء في لبنان او على مستوى المنطقة العربية..اننا من موقع مسؤوليتنا الاسلامية على الساحة اللبنانية ننتظر من اطراف الساحة الاسلامية كلها اجابات دقيقة ومواقف واضحة على كل تلكم التساؤلات..هل نحن امام احتمال عودة الحرب الأهلية؟ـ ان محركات الفتن الداخلية والمذهبية منها بشكل خاص ـ والتي يعتمد عليها المشروعان الاميركي والصهيوني ـ لم تتوقف عن العمل يوما، وستجد في مثل المناخات التي يعيشها لبنان اليوم مفازات ومجالات للتحرك، كما هو الحال في العراق اليوم.يبقى ان ما يميز لبنان من العراق ان المرجعيات الاسلامية السنية والشيعية على السواء ـ في لبنان ـ موحدة حول رفض التدخل الاميركي، والتشبث بالمقاومة خيارا استراتيجيا لا بديل منه في مواجهات الانتهاكات والاحتلالات الاسرائيلية، بل في مواجهة كل التعديات والمؤامرات الخارجية.ان هذا من شأنه ان يعصم الساحة الاسلامية من الانزلاق والوقوع في فخ الصراعات المذهبية.. انما نحن نطمح الى ابعد من هذا بكثير، حيث كان شغلنا الشاغل في الايام الماضية السعي الحثيث لوضع مشروع سياسي ووطني ينخرط فيه الجميع في مواجهة المرحلة الراهنة والقادمة وتحدياتها، وريثما يمكننا الانتقال في اجواء مريحة ومساعدة الى مرحلة مناقشة وحل مختلف الموضوعات المختلف عليها بين السنة والشيعة، والخروج من اسر التاريخ والاحداث التي من شأنها تفتيق الجروح واسترجاع ما يفرق ولا يوحد.كيف تعملون حاليا لمواجهة الاشكالات السياسية وهل هناك مشروع اسلامي لملء الفراغ؟ـ في اعتقادي ان الساحة الاسلامية تعج بالكثير من الاطراف والفئات، انما ليست كلها فاعلة وممتدة على كامل الساحة اللبنانية. وفي الوقت الذي تتمكن فيه الجماعة الاسلامية من تطوير ادائها ومنهجيتها وخطابها السياسي وتخرج من دائرة المأزِق الذي وضعت فيه منذ العام 1992 حتى اليوم، بحيث تشكل محورية مركزية للساحة الاسلامية السنية في لبنان وقادرة على استقطاب كافة الحركات الأخرى الموجودة يمكن بعد ذلك العمل لابراز مرجعية اسلامية عامة (سنية ـ شيعية) يكون لها القرار السياسي بلا منازع على امتداد الساحة اللبنانية كما الاثر البالغ على الساحتين العربية والاسلامية والدولية. ونحن من خلال اللقاءات الاخيرة التي عقدت والتقيت فيها اطراف الساحة الاسلامية كحركة التوحيد والسلفيين والتبليغيين وبحضور الاخوة في الجماعة كان الكلام يدور حول منهجية معينة لابراز مرجعية اسلامية عامة تكون الاولوية فيها كوحدة الحركات والفئات والمرجعياتالإسلامية الأهلية، تليها خطوة باتجاه المرجعيات الإسلامية الرسمية وخاصة دار الفتوى وما تمثله على كامل الساحة اللبنانية وصولاً لاستقطاب المرجعيات والزعامات السياسية كرؤساء الحكومات السابقين والقضاة والنواب الحاليين والسابقين ليتشكل من ذلك مجلس أعلى للطائفة تكون لديه ناحية القرار في أي شأن من شؤون الطائفة. ثم تكتمل هذه المرجعية وتتكامل مع مرجعية إسلامية شيعية على نفس الأسلوب أو المستوى بحيث تكون لهذه المرجعية الإسلامية العامة الدور الأكبر في الحفاظ على هذا البلد وإقامة أطيب العلاقات وارقاها وأكثرها حضارية مع الطوائف الاخرى.فياضرئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عضو المجلس السياسي في "حزب الله" علي فياض قدّم قراءة متكاملة للتطورات السياسية في لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ودعا الى إقامة معادلة جديدة على قاعدة "التوفيق بين بناء الدولة والمقاومة"، استكمالاً للقاعدة التي كانت قائمة قبل اغتيال الرئيس الحريري (التوفيق بين الإعمار والمقاومة). وفي ما يأتي نص اجابته عن مجمل الأسئلة:ربما، والآن تحديداً، بعد اغتيال الرئيس الحريري، يصبح الحديث أكثر تحرراً من حسابات السياسة وقيودها. ربما بات ممكناً لمثقف ينتمي الى حزب ديني، وأصولي الى حد ما أن يعطي لمكنوناته فرصة.لا شك في أن حزبنا تباين مع الرئيس الحريري، وقد احتاج هذا التباين زمناً كي يتحول الى تعايش، ثم راح هذا التعايش ينحو باتجاه أن يكون تقارباً واحتراماً متبادلاً ليتولد إحساس عميق مشترك، وهو نتاج إحاطة متعاظمة بالخصوصيات اللبنانية وموجبات اجتماعها السياسي، بأن تباين الظاهرتين الحريرية وحزب الله، هو أقرب الى أن يكون جدلياً لا تستقيم الطبيعة اللبنانية من دونه ولا تكتمل من غير بعديها. فالمنطق اللبناني في مرحلة ما بعد الطائف سيكون ناقصاً من غير احدى هاتين الظاهرتين المتفارقتين...كانت الحريرية تعبيراً عن حداثة ما، حداثة جارفة غائية ومأخوذة بالمستقبل، تتجاوز ما يبدو أنه أبسط تجلياتها وأكثرها مباشرة، أي الإعمار وإعادة البناء. في حين أن التكييف والعصرنة في طور تحولهما النيوليبرالي والعولمي كانا الغور الأعمق لهذه الظاهرة. لقد نجحت هذه الظاهرة في صناعة جاذبيتها رغم نزعة التفرد وإثارتها رغم أكلافها المثيرة للجدل، وحضورها رغم الاختلاف معها.في المقابل، أدت ظاهرة حزب الله دوراً مختلفاً، دوراً أكثر انجذاباً الى أسئلة الهوية والذات والوجود. وأكثر انشغالاً بالهواجس والمخاطر والتهديدات. أسئلة الأمة التي تريد أن تحمي وجودها وتصون ذاتها، والوطن الذي يخرج من عُقد الضعف والاستباحة الى حيث يكون رافعة نهوض كما كان رافعة نهضة إلا أن حزب الله أدى ايضاً دوره هذا بحداثة ما.فعلى الرغم من كونه، بمعنى ما، استمراراً لإرث نضالي كان حاضراً على مدى نصف قرن، إلا انه مارس نضاليته هذه بحداثة مجتمعية غير مسبوقة، سمحت للحزب العقائدي أن يشكل رهاناً وطنياً راسخاً.إذن كان ثمة حداثتان تمتلك كل منهما مفارقاتهما في وطن المفارقات. وكانت كلتا الحداثتان تستجيبان للتحديات كل بمنطقها وبأدواتها ووفقاً لأولويتها.ولقد كان تعبيراً رمزياً جذاباً وموفقاً الى حد ما، عندما جرت الإشارة الى تناقض نموذجي "هونغ كونغ وهانوي" للدلالة على ما يتنازع البلد من خيارات استراتيجية.إلا أن الإجابة بدت من خارج المتوقع، من خلال تجاوز التناقض الى حيث هذا الجدل البناء. لقد كانت بيروت لا "هونغ كونغ ولا هانوي"، مدينة بكامل تبرجها الإعماري في ظل خيار استراتيجي في المقاومة والمواجهة، فما كان يُظن انه معادلة مستحيلة بدا ممكناً بل ومثمراً ايضاً: "معادلة الإعمار والمقاومة".الحوار الشامل على تسويةيطرح اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مصير الحريرية. كما أن القرار 1559 يطرح، وفق كثيرين، مصير المقاومة. يكاد يكون مركب الظروف السياسية واحداً.لا تشي التطورات، رغم انطوائها على تحولات جسيمة، أن الحريرية الى انحسار، فيما أن واضعي القرار 1559 والمراهنين عليه، باتوا يدركون أن ظاهرة المقاومة هي أعقد كثيراً مما كانوا يفترضون، انها حقيقة شعبية أكثر مما هي حالة سياسية أو خيار أمني.الحريرية هي مركز الثقل الشعبي الأول في حالة المعارضة، فيما المقاومة هي الركيزة الشعبية الأساسية لكل أولئك الذين هم قبال المعارضة، موالاة وغير موالاة.إذن ثمة حيويات شعبية عديدة باتت تمتلك قدراً عالياً من الجهوزية لمواجهة المهمات الراهنة.إن الاقتصار على كون الحيوية شعبية غير كافٍ على الاطلاق، في ظل ظروف لا بد أن تنحكم لاستعدادات تسووية، ما لم تطور كل حيوية من هذه الحيويات شروط اندراجها السياسي في المشروع الإنقاذي. ولنقل إن ذلك بدأ بالفعل، إذا ما لاحظنا استعداد حزب الله الحواري، المراجعة الجنبلاطية، تطور الخطاب العوني، وتمسك تيار المستقبل بثوابت الموقف الوطني.لكن المفارقة الكبرى، أن هذا الحوار، رغم كل الضجيج والغبار، لم يبدأ جدياً بعد. ثمة مسافة تكاد تكون غير مفهومة، بين الجهوزية الحاضرة والمباشرة الفعلية الغائبة.والجواب لا بد أن يكون في نقص الشروط السياسية لبدء الحوار نفسه، فضلاً عن بلوغه غاياته. هنا علينا أن نلاحظ أن الملفات العالقة باتت على درجة عالية من التشابك بحيث أصبح من المتعذر فكها عن بعضها البعض، ولربما تقتضي المصلحة تشابكها، وبالتالي مقاربتها دفعة واحدة، كشف حقيقة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، العلاقات السورية ـ اللبنانية، النظام الانتخابي، الانتخابات النيابية، سلاح المقاومة ودورها، الطائف وتطبيق بنوده، مشروع إصلاح الدولة، وحتى تشكيل الحكومة بات جزءاً متداخلاً وربما معلقاً على الملفات الاخرى.إن ما نحتاجه هو حوار شامل على تسوية متكاملة. وسيكون خطأ كبيراً ترتكبه المعارضة عندما تحصر حوارها الفعلي، راهناً، بكيفية الإسراع في إجراء الانتخابات. إن ذلك يعطي لمفهوم الانقلاب مصداقية استثنائية، فيما حجم الأزمة يحتاج الى ما يتجاوز ذلك.كما أن التطمينات اللفظية أو إحالة الحوار حول المقاومة الى مرحلة لاحقة لا يشكلان ضمانات كافية ما دامت الديناميات التي أسهمت المعارضة بإطلاقها أكبر من قدرتها على الضبط والتحكم بمساراتها. وما دامت الأجندة الأميركية شديدة الحضور داخل السياق السياسي اللبناني الراهن.إن ما يستلزم الاعتراف به من قبل الجميع، هو أننا أما زمن سياسي جديد، وفي خضم تحولات لا تسمح بالعودة الى الوراء. كما انها قد تفتح على المجهول وعلى الفوضى. إن الخوف على استقرار البلد هو جدي ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.معادلة جديدةإذا كان التوازن السياسي اللبناني الذي كان سائداً إبان مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس الحريري وقبل الأزمة السياسية الراهنة يستند الى معادلة التوفيق بين الإعمار والمقاومة، فإننا نقترح معادلة جديدة تشكل عنواناً راهناً لتسوية ملحة وهي معادلة التوفيق بين "بناء الدولة والمقاومة". على النحو الذي يأخذ بعين الاعتبار المكونات الأساسية الاجتماعية والسياسية الداخلية، وضرورات الجغرافيا السياسية اللبنانية.وذلك وفق الخطوط العريضة التالية:1 ـ وضع استراتيجية أمن وطني لبناني، يتوافق اللبنانيون على دور المقاومة فيها بوصفها إحدى ركائزها الأساسية.2 ـ تطبيق بنود الطائف كافة وتأكيد مرجعيته دون زيادة أو نقصان.3 ـ رفض التدخل الأجنبي تطبيقاً لمبدأ السيادة.4 ـ الاتفاق على مشروع إصلاح الدولة وتحديثها وبناء المؤسسات وتحكيم القانون ومحاربة الفساد واستقلال القضاء ومعالجة الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية.5 ـ إجراء الانتخابات النيابية الحرة والنزيهة في ظل نظام انتخابي يؤمن صحة التمثيل وعدالته وفعاليته. ونرى أن ذلك لن يكون متيسراً خارج اعتماد نظام التمثيل النسبي.هرموشرئيس المكتب السياسي في الجماعة الاسلامية النائب السابق أسعد هرموش اعتبر "أن الساحة اللبنانية عامة والاسلامية خاصة تشعر بفراغ كبير بعد اغتيال الرئيس الحريري وان المطلوب العمل لاقامة مشروع اسلامي وطني لملء الفراغ ومواجهة التحديات المختلفة" واستبعد العودة للحرب الأهلية أو حصول خلافات داخلية.وهنا نص الحوار:بداية كيف تنظرون الى واقع الساحة الاسلامية بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان؟ـ لا شك ان الساحة اللبنانية عامة والاسلامية خاصة تشعر بفراغ كبير في ظل غياب الرئيس رفيق الحريري حيث كان بحضوره المتوهج استأثر بغالبية الكاريزما السياسية والحضور السياسي والاعلامي (ان لم نقل الرسمي) لما يسمى الساحة الاسلامية.حيث إن الحضور المتألق للرئيس الحريري وماكينته السياسية والمالية والاقتصادية حاولت أن تستأثر بجل النشاط الاسلامي الأمر الذي انعكس سلباً على حضور باقي المواقع السياسية والاجتماعية والاعلامية داخل الساحة. وبمقدار هذا الحضور الكبير وبمقدار ذلك الضمور الكبير نرى أن الساحة الآن تعاني من حالة "يتم" ان جاز التعبير او حالة فراغ تحاول لململة قواها الآن، لكن للأسف أقولها إنها تفتقد للمشروع الناظم الأساسي لحركتها ومن هنا نسعى لحركة اسلامية مع مختلف قيادات الساحة الاسلامية السنية والشيعية لمحاولة ملء الفراغ حيث تتوق الى ما يسمى بلقاء وطني اسلامي سياسي كبير يتخطى "اللقاء العلمائي" ليشكل نوعاً من الادارة السياسية للشأن العام مع هذه الساحة. حيث تبرز فيها اللقاءات المماثلة (كلقاء قرنة شهوان أو لقاء المعارضة ككل) في حين نرى ان "لقاء عين التينة" تتعثر وتتكرر عملية تسريب بعض القوى منه حفاظاً على مصالح انتخابية باتت معروفة لذلك بتقديرنا ان هناك مشكلة في العمل الاسلامي والوطني بسبب غياب الاطار الجامع لهذه القوى، علماً أن هذا الاطار الاسلامي الوطني الجامع مطلوب أكثر من أي وقت مضى بين يدي الاستحقاقات الواهمة الى المستوى الداخلي والخارجي، حيث تطرق بابنا بقوة قضايا ما بعد الانسحاب السوري والتعامل المباشر مع الحياة السياسية اللبنانية والذي كان سائداً في الماضي وأبرز تجلياتها افتقاد الموقف الموحد من قضايا قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة والتعامل مع المواقف الدولية المتصلة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وما استتبعها، حيث بالفعل يظهر مدى الانكشاف الكبير لموقع الداخل ويظهر كذلك العجز عن القيام بالدور المطلوب للقوى اللبنانية مما يؤسس لحالة من الارتباط والضعف يستدعي من كل المخلصين التعالي فوق كل الحسابات الخاصة ومحاولة تظهير موقف اسلامي يعنى بالوحدة الاسلامية أولاً وبالوحدة الوطنية ثانياً وبعمق العلاقة مع المحيط العربي ثالثاً حتى لا تغيب عن تفكيرنا وعن طروحاتنا وأدبياتنا السياسية تلك المحطات الأساسية في حركة النخبة السياسية المتنورة التي على الرغم مما أصابها وعلى الرغم من الخسارة التي منيت بها وعلى الرغم من العزل السياسي الذي طاولها جراء تغييب دورها لمصلحة قوى الأمر الواقع المدعومة والتي أطاحت بكل الجهد الوطني والاسلامي في زواريب السياسات الضيقة ولم تستطع أن تشكل اداة أو اطاراً سياسياً وإعلامياً واجتماعياً متيناً يستطيع أن يواجه المستجدات بمعزل عن الشعور المركز بالنقص والحاجة الدائمة للرعاية والتدخل.سقف الطائفهل تتخوفون من حصول تراجع عن اتفاق الطائف في المرحلة المقبلة؟ـ الحقيقة يشير البعض الى أن اتفاق الطائف قد جرى اطلاق النار عليه عندما جرى استهداف راعي هذا الاتفاق الرئيس رفيق الحريري، لكن اجماع غالبية القوى اللبنانية على أن اتفاق الطائف هو السقف السياسي وهو الذي تحول الى دستور لكل اللبنانيين ما زال هو الملاذ الآمن لانتظام الحياة العامة ولترسيخ مبادئ النظام العام مع المحافظة على اتفاق الطائف والالتزام به نصاً وروحاً لانه في ظل غياب "مشروع تسوية" شامل وجامع جديد في هذه الفترة العصيبة والحساسة في تاريخ لبنان لا يمكن أن نقوم بهدم بنود الطائف وترك لبنان والمجتمع اللبناني للمجهول، ونحن نؤكد على أهمية بقاء هذا الاتفاق وصلاحية التعامل مع الواقع اللبناني دون الى نغفل امكانية ان يتأتى في مقدمات الأيام ما يسمح بتطوير هذا الاتفاق اذا تأمنت ظروف الاجماع الوطني على هذا البديل.ما هو مستقبل الوضع الاسلامي في لبنان عامة وحزب الله والمقاومة الاسلامية خاصة وكيف يمكن للقوى الاسلامية مواجهة التطورات المستجدة؟ـ لا شك ان وضع القوى الاسلامية في الساحة اللبنانية هو أفضل من غيرها من القوى نتيجة اعتمادها على حضورها الذاتي في الفترات الماضية، ونتيجة الموقف السياسي الوطني الجامع الذي تحقق لها جراء موقفها الوسطي والمنفتح على العلاقة مع كافة أطياف الساحة اللبنانية، وكذلك أدائها المتميز خلال الفترة الماضية وعدم انقسامها في عملية تقاسم الجبنة التي كانت سائدة سابقاً، كما ان الرصيد الوطني للمقاومة ولمشروع التحرير أعطى للقوى الاسلامية حضوراً متميزاً، ويصعب التنكر له كما يصعب الاستغناء عن دوره في الفترة المقبلة. واعتبر أن المشروع الاسلامي اذا جاز التعبير واذا أحسنا صيانته وتقديمه للناس بأسلوب حضاري متميز وفق برامج ورؤى بعيداً عن خطاب الوعظ والارشاد، يمكن ان يكون أحد المساهمين التأسيسيين في بناء مستقبل هذا البلد.سلاح المقاومةهل توافقون على الدعوات الى سحب سلاح المقاومة وفقاً للقرار 1559؟بالنسبة الى موضوع المقاومة فلا شك أن القرار الاقليمي والدولي يهدف لتحجيم هذا الموضوع واسقاط هذا السلاح من أيدي اللبنانيين بين يدي تطبيق القرارات الدولية وما يخطط للمنطقة لكن حجم الاجماع الوطني المؤيد للمقاومة والداعم لجعل مصير هذا الدور بين اللبنانيين ضمن حوار وطني داخلي ليجعل من عملية استمرار دور المقاومة في ساحتنا دوراً جيداً ونعتبر أنه بمقدار ما تحافظ المقاومة على صفاء دورها وعدم استغراقها واستنزافها في الشأن الداخلي يشكل الضمانة الأساسية للحفاظ على هذا المكسب الكبير والاستراتيجي. وبتقديرنا أن موضوع المقاومة لا يمكن النظر اليه باعتباره مجرد عمل جهادي أو مسلح انطلق من فراغ. فعمل المقاومة هو مشروع سياسي وهو خلفية عقائدية وإيمانية وتيار شعبي عريض يحتضن هذا العمل الجهادي وبالتالي فهذه المجموعة من العوامل على كافة المستويات تشكل استنهاضاً للحالة الاسلامية، ولا يمكن مهما كانت الظروف ان نغفل الحضور السياسي والالتفاف الشعبي والمشروع الرؤيوي للحالة الاسلامية حتى في حالة ضمور الاداء الجهادي؟ مما يؤسس الى أن الحالة الاسلامية باتت بتمايزها وادائها في الفترة السابقة هي الحالة الأقل تضرراً من المستجدات الحاصلة وهي الحالة الأقل اصابة ان جاز التعبير من رذاذ الواقع السياسي المريض الذي كنا نعيشه.الفتنة أصبحت وراءناهل نحن أمام احتمال عودة الحرب الأهلية أو حصول فتن طائفية أو مذهبية؟ـ بتقديرنا ان اللبنانيين على اختلاف تنوعاتهم وتوجهاتهم الطائفية والسياسية يجمعون على أن أجواء الفتنة وحالات الاحتراب الداخلية قد أصبحت وراءنا نتيجة تلك القناعة المترسخة عندهم لمدى الخسائر الكبرى التي لحقت باللبنانيين على تنوعاتهم المختلفة من الخلافات الطائفية والمذهبية التي راجت في الماضي، ونعتبر أن حجم الوعي قد ازداد عند اللبنانيين لمخاطر هذه الأجواء كما أن المواقف السياسية لكافة القوى سواء في المعارضة والموالاة لا تشهد فرزاً طائفياً إن جاز التعبير، ونعتبر أن الحالة الآن هي حالة تنافس سياسي ومخاصمة سياسية بين كافة القوى وليست حالة تنافس وانقسام طائفي أو مذهبي، وأن على كافة المواقف السياسية والدينية التركيز على التنبه لمخاطر الانزلاق في التنافس السياسي نحو مهاوي التنافس الطائفي والمذهبي، واعتبار أن مستقبل البلد ومستقبل أبنائنا هو بين يدي طروحاتنا ومواقفنا وتصرفاتنا.ما هي صورة لبنان المستقبل في المرحلة المقبلة على ضوء المتغيرات الحاصلة؟ـ نحن نعتبر أن البلد مقبل على تغيرات جديدة تستند الى عوامل عدة مهمة منها: السعي لإعادة إنتاج حياة سياسية نظيفة عبر قانون انتخاب عادل ومتوازن عبر النسبية التي نعتبرها النظام الأكثر عدالة، والسعي كذلك لتفعيل الحياة السياسية وإشاعة أجواء الحرية والديموقراطية واستعادة نكهة السياسة اللبنانية المتميزة عبر تنافس القوى الشريف جميعها للوصول الى الدولة العادلة والمتوازنة، وللوصول أيضاً الى دولة القانون والمؤسسات فعلاً وقولاً بعيداً عن توغل الأجهزة الأمنية في الحياة السياسية العامة والسعي كذلك لتوظيف حالة التعاطف مع لبنان والمحافظة على دوره واقتصاده وإنمائه وعبر استعادة الشعور الأخوي الصادق والمخلص مع محيطنا العربي والإسلامي باعتبارنا جزءاً أساسياً من هذه الأمة والمطلوب أن نسعى لإرساء أفضل القواعد والعلاقات مع محيطنا العربي والاهتمام بقضايانا المشتركة كأمة.بتقديرنا إذا تحققت هذه الأمور مجتمعة، وهي ليست صعبة المنال، نستطيع أن نكون على موعد مع لبنان في مستقبل زاهر في أجواء جديدة من الأمن والأمان تستطيع أن تلبي حاجة الإنسان اللبناني في عيشه في وطن حر ومزدهر.شعبانأمير حركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان أوضح أن الجهود التي تبذل حالياً لإعادة تجميع مجموعات حركة التوحيد تهدف للتوافق على مشروع سياسي موحد وليس للوصول الى صيغة تنظيمية واحدة. ونفى كل الأخبار عن توزيع الأسلحة في طرابلس مؤكداً "إن الجميع حريص على الحفاظ على السلم الأهلي".وحول نظرة التوحيد للتطورات السياسية بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان قال:ـ ما يشهده لبنان من تطورات مرتبطة بالمشروع الأميركي لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة ويُراد للبنان أن يدخل في عين العاصفة الأميركية ومن أجل تحقيق سيطرة أميركا على سوريا ولبنان، والذي يقرأ الوثيقة الأميركية تحت عنوان "التغيير النظيف" يدرك أن الهدف إيجاد دويلات عرقية ومذهبية، وعندما تتحدث أميركا عن خارطة جديدة للمنطقة ندرك ما تريده أميركا وما تسعى إليه إسرائيل من تقسيم المنطقة الى دويلات صغيرة على أسس مذهبية وطائفية. ومن هنا سعينا الى البحث عن مشروع إسلامي يجمع كل القوى الإسلامية (حركة التوحيد، الجماعة الإسلامية، التيارات السلفية)، وكذلك اللقاء مع القوى السياسية الوطنية كافة، حيث بدأنا نعقد لقاءات مشتركة للوصول الى مشروع سياسي موحد.ما هي أبرز نقاط هذا المشروع السياسي؟ـ أبرز نقاط هذا المشروع:1 ـ رفض العدوان الأميركي على المنطقة ومواجهته.2 ـ رفض الاحتلال والتأكيد على مواجهة المحتلين ودعم المقاومة.3 ـ التأكيد على عروبة لبنان وإنه جزء من المشروع المقاوم للاحتلال.4 ـ رفض الانزلاق وراء أي فتن مذهبية أو داخلية أو عرقية.5 ـ البحث عن قواسم مشتركة مع كل القوى التي توافق على هذا المشروع.أين أصبحت الجهود لتجميع القوى التي كانت تعمل سابقاً باسم حركة التوحيد؟ـ حتى الآن ما زلنا نعقد لقاءات واجتماعات متواصلة للتوافق على المشروع السياسي وهناك اتجاه لتشكيل عمل جبهوي مشترك يضم حركة التوحيد (مجلس الأمناء) ولجان الأحياء وجند الله وحركة التوحيد (مجلس القيادة)، وحتى الآن ما زلنا في مرحلة اللقاءات ولم يتم التوصل الى صيغة تنظيمية واحدة وكل ما نشر من أخبار غير ذلك ليست دقيقة.هل هذه التحركات مرتبطة باغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان؟ـ الانسحاب السوري من لبنان واغتيال الرئيس رفيق الحريري وما حدث من تداعيات سياسية ترك فراغاً كبيراً في لبنان وأدى الى حصول مناخات جديدة في الساحة الإسلامية دفعت الجميع للبحث عن صيغ جديدة للعمل وللاتفاق على مشروع سياسي حول كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة.نشرت أخبار ومعلومات عن توزيع السلاح في طرابلس والشمال، خصوصاً من حركة التوحيد، فما صحة ذلك؟ـ هذه الأخبار غير صحيحة ولم يوزع السلاح في طرابلس، والمرحلة الحالية ليست مرحلة صراعات داخلية وإنما المطلوب مواجهة العدو الشرس القادم من وراء البحار من خلال توحيد كل القوى، مع التأكيد أن حركة التوحيد ليست صنيعة الحرب الأهلية وهي تأسست لمواجهة نتائج الاجتياح الإسرائيلي للبنان ولم تدخل في صراعات مذهبية أو طائفية، بل في صراعات حزبية أو سياسية حول النفوذ على طرابلس. وعلاقتنا اليوم ممتازة مع مختلف القوى السياسية والحزبية ولسنا في وارد الدخول في أي صراعات أمنية ونحن نشارك في لقاءات الأحزاب الدورية ونعمل للحفاظ على السلم الأهلي.كيف تنظرون الى دور حركة التوحيد في المرحلة المقبلة على ضوء مختلف التطورات؟ـ نحن مستعدون للمشاركة في كل الاستحقاقات السياسية والنيابية بالتعاون مع مختلف الأطراف ويمكن الاتفاق مع بقية القوى الإسلامية على خوض المعركة النيابية بشكل مشترك. ونحن نعتبر أن المطلوب حماية الثوابت الأساسية ورفض تبديل الأولويات وحماية سلاح المقاومة وندعو الجميع موالاة ومعارضة لقراءة الأحداث بشكل صحيح وتناسي كل الأمور الصغيرة.
الحركات الإسلامية في لبنان بعد استشهاد الحريري والانسحاب السوري
المستقبل - الاربعاء 11 أيار 2005 - العدد 1914 - شؤون لبنانية 2 - صفحة 7
إعداد: قاسم قصير
في إطار البحث في مستقبل الحركات الإسلامية في لبنان، وبعدما استعرضنا في الحلقة الأولى المتغيرات التي طرأت على واقع الحركات والجمعيات والقوى الإسلامية عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان، نستكمل البحث في هذا الموضوع من خلال سلسلة لقاءات أجريناها مع قيادات إسلامية وشخصيات معنية بالشأن الإسلامي، هي الأمين العام السابق لـ"الجماعة الإسلامية" الداعية الدكتور فتحي يكن، رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عضو المجلس السياسي في "حزب الله" الدكتور علي فياض، رئيس المكتب السياسي في "الجماعة الإسلامية" النائب السابق أسعد هرموش، والأمين العام لـ"حركة التوحيد الإسلامي" الشيخ بلال شعبان.وفي ما يأتي حصيلة اللقاءات والحوارات والتي سنستكملها غداً في حلقة ثالثة وأخيرة.يكنيعتبر الداعية فتحي يكن أن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري "أحدث زلزالاً كبيراً سياسياً واجتماعياً وأمنياً وطرح تساؤلات كثيرة حول هذه الجريمة ومن يقف وراءها، وإن كانت الحركات الإسلامية معنية اليوم بالبحث عن كيفية ملء الفراغ ومعالجة الواقع الإسلامي المشرذم.والحوار مع يكن بدأناه بالسؤال:كيف تقوّمون التطورات التي جرت في لبنان منذ اغتيال الرئيس الشهيد الحريري وصولاً الى الانسحاب السوري الكامل؟ـ أحدث اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري زلزالاً سياسياً واجتماعياً وأمنياً غير مسبوق تجاوز الواقع اللبناني والواقع الإقليمي برمته حيث طال دول العالم، عظمى كانت أم وسطى أم صغرى، وصولاً الى المحافل الدولية ومؤسسات هيئة الأمم المتحدة كلها.هذه الزلزلة السياسية أعادت الى الأذهان مآسي الحرب الأهلية وما رافقها من شلالات دم طالت كل الطوائف وكل المناطق كان اللبنانيون فيها الخاسر الأكبر، مما فتح الطريق بعد ذلك أمام المشاريع الأميركية والصهيونية لدخول المنطقة عبر البوابة اللبنانية.. فكان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ثم اتفاق السابع عشر من أيار عام 1983.من قتل الرئيس الحريري؟وبقي السؤال العريض يتردد على أفواه اللبنانيين جميعاً، موالاة ومعارضة وأكثرية صامتة حتى غدا كاللازمة في كل حفل وخطاب.من قتل الحريري ومن هو المستفيد من ذلك، ولماذا تم الاغتيال في هذا الوقت؟لقد تنوعت الاتهامات..* فمن اتهام لسوريا وتحديداً أجهزة الاستخبارات اللبنانية ـ السورية.* الى اتهام الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتحديداً (السي آي إي والموساد) بالضلوع في عملية الاغتيال.* وذهب البعض الى اتهام جهات سعودية على خلاف بل عداء مع الرئيس الحريري بالوقوف وراء عملية الاغتيال!* ووجهت أصابع الاتهام كذلك الى مافيات مالية عالمية تعتبر الرئيس الحريري منافساً كبيراً لها، وسبباً فاعلاً في إعاقة تنامي ونجاح صفقاتها ومشاريعها!* وصولاً بالاتهام الى الساحة الإسلامية وتحميلها تبعات الجريمة عبر الشريط الذي أعلن فيه المدعو "أبو عدس" مسؤوليته عن الحادث!* ومن ثم الى استثمارات سياسية داخلية وخارجية حيث توالت مواقف كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمعارضة المسيحية في المنفى ممثلة بما يسمى (التيار الوطني الحر) الذي يتزعمه العماد ميشال عون والمشروع السياسي الخاص ببعض أقطاب المعارضة على الساحة الداخلية اللبنانية الذي سارعوا بتوجيه أصابع الاتهام رسمياً الى السلطات السورية واللبنانية والمطالبة الفورية بتدخل دولي لإنقاذ لبنان.إن اغتيال الرئيس رفيق الحريري عبر هكذا تفجير كبير ومدروس ومدبّر يقطع ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ في أن الجهات المستفيدة من تنفيذ القرار الدولي 1559 هي التي يجب أن توجه إليها أصابع الاتهام، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل..فاغتيال شخصية مرموقة كالرئيس الحريري، الذي تربطه صلات وعلاقات بقادة العديد من دول العالم، وفي هذا التوقيت بالذات، من شأنه أن يشكل ذريعة بامتياز للمباشرة بتنفيذ القرار المشؤوم، وبالتالي يبرر التدخل الأميركي والإسرائيلي ضد القوات السورية في لبنان، كما ضد المقاومة الإسلامية وحزب الله بالذات.إن من يتهم سوريا بجريمة الاغتيال إما عميل أجير أو فاقد للعقل والإدراك والتفكير!هل توافقون على وجهة نظر البعض حول الخوف من حصول متغيرات سياسية تؤدي الى التراجع عن اتفاق الطائف وإمكانية حصول اتفاق 17 أيار جديد؟ـ لقد حدث ما كنا نتوقعه، وإن لم نتوقعه بهذه السرعة!! فمع الانسحاب السوري، بدأت الخطى الأميركية تتسارع نحو لبنان، لملء الفراغ وتحقيق السيادة والحرية والديموقراطية وإعادة الاستقرار والاستقلال الى هذا البلد، ولكن هذه المرة وفق النموذج الأميركي الذي تمارسه الولايات المتحدة في العراق والذي مارسته قبل ذلك في أفغانستان، والتي كانت مارسته بغباء أكثر في فيتنام وكوريا وغيرها!المشروع الأميركي ـ الصهيوني يستدرج اللبنانيين الى مقاتلهم!!على الرغم من ادعاء البعض، وتأكيد البعض الآخر على وطنية تحركهم، وذاتية قراراتهم ومواقفهم، إلا أن محصلة ما يجري من ردود فعل قيادية وجماهيرية، وما تشهده الساحة اللبنانية من حملات ومسيرات تصعيدية، لن يخدم أياً من المصلحتين اللبنانية أو العربية بحال من الأحوال.الجميع يؤكدون أنهم مع اتفاق الطائف، وأنهم مع وحدة وسيادة واستقلال لبنان، وأهم منجزات الطائف أنه حسم عروبة لبنان.. وهو قطع الطريق على كل الخيارات الأخرى.. فلا تدويل، ولا أمركة، ولا صهينة..الذي يجري خلاف ذلك تماماً.. إنه تسويق لخيار التدويل الخياني، وهو طرح للقضية اللبنانية على الدول الأجنبية، بل هو استقواء بها، على غرار ما قامت به وفود المعارضة في جولاتها الخارجية!في المقابل، لا استعداد لدى السلطة للاعتراف بالخطأ، والمبادرة الى المعالجة والتصحيح، ابتداء بفتنة التمديد التي تسببت بكل التداعيات والمآسي والانقسامات التي يشهدها لبنان، والتي باتت تشكل خطراً على وجوده وكيانه ومصيره!ان المشروع الاميركي يرمي الى وضع اليد على لبنان وسوريا، والمدخل الاسهل لذلك احداث خرق في الصف الوطني على قاعدة فرّق تسد، وهذا حصل من خلال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما تبعه من تداعيات.يجب ان يدرك اللبنانيون جميعا ـ وعلى اختلاف مواقفهم ومواقعهم وشرائحهم ـ ان ما يجري في لبنان ـ وتحديدا منذ الحادث الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري ـ انما هو ترجمة ميدانية للسيناريو الاميركي، وحلقة في مسلسل استكمال المشروع الشرق اوسطي الذي يهدف الى ضرب البنى التحتية لحركات المقاومة الوطنية والاسلامية، بما يحقق قوامة الهيمنة الاميركية وسيادة الكيان الصهيوني في المنطقة واستكمال نشر القواعد العسكرية الاميركية في كل من لبنان وسوريا.انها الحقيقة التي تكشف شخصية وهوية وخلفية من قتل الحريري ومن له مصلحة حقيقية في مقتل الحريري حاضرا ومستقبلا، وبالتالي من خطط وحرض ونفذ وشارك وساهم في هذه الجريمة النكراء.الاغتيال وعودة عونكان اغتيال الحريري بمثابة كبش الفداء لعودة الجنرال عون ومشروعه السياسي. والولايات المتحدة التي قررت التحرك في هذا الوقت بالذات فمن اجل استكمال مشروعها الشرق اوسطي..ان الولايات المتحدة لن توجه ضربة عسكرية الى سوريا لان قواتها مستنزفة في العراق.. وخلافات الملف العراقي بينها وبين فرنسا والمانيا واضحة وعميقة، ولذلك فإن قمة بروكسل حاولت ان توحد الموقفين الفرنسي والاميركي لنزع الغِطاء الاوروبي كليا عن دمشق التي لم تكن موفقة!.فاذا انسحب السوريون ـ وهذا ما تحق وهو ما تريده واشنطن ـ فقد اصبح رأس حزب الله مكشوفا ومشروع اغراقه في حرب اهلية للقضاء عليه واشغاله عن التدخل في الساحة الفلسطينية وابعاده عن الجنوب، واذا لم ينسحب السوريون فربما يكون هناك عراق جديد، ولذلك لم تتهم الولايات المتحدة ـ في حينها ـ دمشق مباشرة، واكتفت بالتلميح لتعرف هل يغير السوريون موقفهم بعد ان فاجأهم زلزال اغتيال الحريري!!ما هو مستقبل الوضع الاسلامي في لبنان؟ـ ان مستقبل الوضع الاسلامي في لبنان، ان لجهة "الساحة الاسلامية" عموما او لجهة "حزب الله والمقاومة" خصوصا، يرتبط ارتباطا وثيقا بادراك الاسلاميين الصحيح والدقيق لطبيعة المرحلة ومتطلبات مواجهتها.ان من مطالع ما يفرض على الاسلاميين ادراكه ان المشروع الاميركي الصهيوني يستهدف الاسلام نفسه، وبالتالي فإنه يستهدف كل الاسلاميين فضلا عن المسلمين.وهو ان خصص حزب الله والمقاومة بالمواجهة فمن اجل اسقاط الغطاء الرادع عن الساحة الاسلامية، وتعرية الاسلاميين جميعا وفق معادلة: "أكلت يوم اكل الثور الأبيض". ثم ان من اولويات ما يفرضه الاسلام وتفرضه الظروف الاستثنائية على القوى الاسلامية المبادرة الى التمحور حول مشروع اسلامي مقاوم، تتكامل فيه كل انواع المقاومة وتتوحد عليه كل جبهاتها.ثوابت وخطوط حمرهناك ثوابت وخطوط حمر لا يجوز لاحد ان يتجاوزها بحال من الاحوال، سواء كان مع هذا الفريق او ذاك.ـ ميثاق الوفاق الوطني (الطائف):ان مما اكد عليه ميثاق الوفاق الوطني، والذي كان جوهر الصراع اللبناني اللبناني، هو الخروج من دائرة تصنيفات المواطنة، والتي جعلت فريقا من اللبنانيين ابناء بنت والآخرين ابناء جارية، بحيث تحققت المساواة في الصلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة فلا مكان بعد ذلك لرئاسة تحكم ولا تتحمل المسؤولية، او رئاسة فوق المساءلة والمحاسبة والقانون!.ـ عروبة لبنان: وان من اهم الثوابت على المستوى القومي، والتي حسمها ميثاق الطائف هي انتماء لبنان الى محيطه العربي، بعد جدل دام عقودا من الزمن، فلا مكان بعدها لاطروحات التدويل او التغريب، فضلا عن مقولة العودة الى الانتماء الفينيقي!ـ الموقف من الكيان الصهيوني: ومن الثوابت الوطنية والقومية التي لا تساهل معها، اعتبار الدولة العبرية دولة عدوة... مما يفرض بالتالي رفض كل شكل من اشكال الاعتراف او الاتفاق او التحالف او التطبيع مع العدو الصهيوني، الامر الذي يفرض التشبث بخيار المقاومة والابقاء على الجهوزية العسكرية الرسمية والشعبية، دفعا لكل عدوان، ورفضا لكل مشاريع الاذعان والتوطين.ـ الموقف من المشروع الاميركيومن الثوابت التي فرضتها وأكدتها الحقبة الاخيرة، رفض المشروع الاميركي الذي يهدف الى "امركة" الشخصية العربية، والعبث بالهوية الاسلامية، ومن ثم ترسيم المنطقة وفق صيغة شرق اوسطية تكون فيها الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل هي المهيمنة. وما يجري في لبنان اليوم يعتبر مقدمة السيناريو الاميركي في هذا الاتجاه.ـ الكونتونات الطائفية والمذهبية: وأخيرا فإن من الثوابت، اعلان رفض الانجرار او الاستدراج الى المشاريع التقسيمية، والسقوط في فَخ ومِصيدة الكونتونات الطائفية والمذهبية، سواء في لبنان او على مستوى المنطقة العربية..اننا من موقع مسؤوليتنا الاسلامية على الساحة اللبنانية ننتظر من اطراف الساحة الاسلامية كلها اجابات دقيقة ومواقف واضحة على كل تلكم التساؤلات..هل نحن امام احتمال عودة الحرب الأهلية؟ـ ان محركات الفتن الداخلية والمذهبية منها بشكل خاص ـ والتي يعتمد عليها المشروعان الاميركي والصهيوني ـ لم تتوقف عن العمل يوما، وستجد في مثل المناخات التي يعيشها لبنان اليوم مفازات ومجالات للتحرك، كما هو الحال في العراق اليوم.يبقى ان ما يميز لبنان من العراق ان المرجعيات الاسلامية السنية والشيعية على السواء ـ في لبنان ـ موحدة حول رفض التدخل الاميركي، والتشبث بالمقاومة خيارا استراتيجيا لا بديل منه في مواجهات الانتهاكات والاحتلالات الاسرائيلية، بل في مواجهة كل التعديات والمؤامرات الخارجية.ان هذا من شأنه ان يعصم الساحة الاسلامية من الانزلاق والوقوع في فخ الصراعات المذهبية.. انما نحن نطمح الى ابعد من هذا بكثير، حيث كان شغلنا الشاغل في الايام الماضية السعي الحثيث لوضع مشروع سياسي ووطني ينخرط فيه الجميع في مواجهة المرحلة الراهنة والقادمة وتحدياتها، وريثما يمكننا الانتقال في اجواء مريحة ومساعدة الى مرحلة مناقشة وحل مختلف الموضوعات المختلف عليها بين السنة والشيعة، والخروج من اسر التاريخ والاحداث التي من شأنها تفتيق الجروح واسترجاع ما يفرق ولا يوحد.كيف تعملون حاليا لمواجهة الاشكالات السياسية وهل هناك مشروع اسلامي لملء الفراغ؟ـ في اعتقادي ان الساحة الاسلامية تعج بالكثير من الاطراف والفئات، انما ليست كلها فاعلة وممتدة على كامل الساحة اللبنانية. وفي الوقت الذي تتمكن فيه الجماعة الاسلامية من تطوير ادائها ومنهجيتها وخطابها السياسي وتخرج من دائرة المأزِق الذي وضعت فيه منذ العام 1992 حتى اليوم، بحيث تشكل محورية مركزية للساحة الاسلامية السنية في لبنان وقادرة على استقطاب كافة الحركات الأخرى الموجودة يمكن بعد ذلك العمل لابراز مرجعية اسلامية عامة (سنية ـ شيعية) يكون لها القرار السياسي بلا منازع على امتداد الساحة اللبنانية كما الاثر البالغ على الساحتين العربية والاسلامية والدولية. ونحن من خلال اللقاءات الاخيرة التي عقدت والتقيت فيها اطراف الساحة الاسلامية كحركة التوحيد والسلفيين والتبليغيين وبحضور الاخوة في الجماعة كان الكلام يدور حول منهجية معينة لابراز مرجعية اسلامية عامة تكون الاولوية فيها كوحدة الحركات والفئات والمرجعياتالإسلامية الأهلية، تليها خطوة باتجاه المرجعيات الإسلامية الرسمية وخاصة دار الفتوى وما تمثله على كامل الساحة اللبنانية وصولاً لاستقطاب المرجعيات والزعامات السياسية كرؤساء الحكومات السابقين والقضاة والنواب الحاليين والسابقين ليتشكل من ذلك مجلس أعلى للطائفة تكون لديه ناحية القرار في أي شأن من شؤون الطائفة. ثم تكتمل هذه المرجعية وتتكامل مع مرجعية إسلامية شيعية على نفس الأسلوب أو المستوى بحيث تكون لهذه المرجعية الإسلامية العامة الدور الأكبر في الحفاظ على هذا البلد وإقامة أطيب العلاقات وارقاها وأكثرها حضارية مع الطوائف الاخرى.فياضرئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عضو المجلس السياسي في "حزب الله" علي فياض قدّم قراءة متكاملة للتطورات السياسية في لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ودعا الى إقامة معادلة جديدة على قاعدة "التوفيق بين بناء الدولة والمقاومة"، استكمالاً للقاعدة التي كانت قائمة قبل اغتيال الرئيس الحريري (التوفيق بين الإعمار والمقاومة). وفي ما يأتي نص اجابته عن مجمل الأسئلة:ربما، والآن تحديداً، بعد اغتيال الرئيس الحريري، يصبح الحديث أكثر تحرراً من حسابات السياسة وقيودها. ربما بات ممكناً لمثقف ينتمي الى حزب ديني، وأصولي الى حد ما أن يعطي لمكنوناته فرصة.لا شك في أن حزبنا تباين مع الرئيس الحريري، وقد احتاج هذا التباين زمناً كي يتحول الى تعايش، ثم راح هذا التعايش ينحو باتجاه أن يكون تقارباً واحتراماً متبادلاً ليتولد إحساس عميق مشترك، وهو نتاج إحاطة متعاظمة بالخصوصيات اللبنانية وموجبات اجتماعها السياسي، بأن تباين الظاهرتين الحريرية وحزب الله، هو أقرب الى أن يكون جدلياً لا تستقيم الطبيعة اللبنانية من دونه ولا تكتمل من غير بعديها. فالمنطق اللبناني في مرحلة ما بعد الطائف سيكون ناقصاً من غير احدى هاتين الظاهرتين المتفارقتين...كانت الحريرية تعبيراً عن حداثة ما، حداثة جارفة غائية ومأخوذة بالمستقبل، تتجاوز ما يبدو أنه أبسط تجلياتها وأكثرها مباشرة، أي الإعمار وإعادة البناء. في حين أن التكييف والعصرنة في طور تحولهما النيوليبرالي والعولمي كانا الغور الأعمق لهذه الظاهرة. لقد نجحت هذه الظاهرة في صناعة جاذبيتها رغم نزعة التفرد وإثارتها رغم أكلافها المثيرة للجدل، وحضورها رغم الاختلاف معها.في المقابل، أدت ظاهرة حزب الله دوراً مختلفاً، دوراً أكثر انجذاباً الى أسئلة الهوية والذات والوجود. وأكثر انشغالاً بالهواجس والمخاطر والتهديدات. أسئلة الأمة التي تريد أن تحمي وجودها وتصون ذاتها، والوطن الذي يخرج من عُقد الضعف والاستباحة الى حيث يكون رافعة نهوض كما كان رافعة نهضة إلا أن حزب الله أدى ايضاً دوره هذا بحداثة ما.فعلى الرغم من كونه، بمعنى ما، استمراراً لإرث نضالي كان حاضراً على مدى نصف قرن، إلا انه مارس نضاليته هذه بحداثة مجتمعية غير مسبوقة، سمحت للحزب العقائدي أن يشكل رهاناً وطنياً راسخاً.إذن كان ثمة حداثتان تمتلك كل منهما مفارقاتهما في وطن المفارقات. وكانت كلتا الحداثتان تستجيبان للتحديات كل بمنطقها وبأدواتها ووفقاً لأولويتها.ولقد كان تعبيراً رمزياً جذاباً وموفقاً الى حد ما، عندما جرت الإشارة الى تناقض نموذجي "هونغ كونغ وهانوي" للدلالة على ما يتنازع البلد من خيارات استراتيجية.إلا أن الإجابة بدت من خارج المتوقع، من خلال تجاوز التناقض الى حيث هذا الجدل البناء. لقد كانت بيروت لا "هونغ كونغ ولا هانوي"، مدينة بكامل تبرجها الإعماري في ظل خيار استراتيجي في المقاومة والمواجهة، فما كان يُظن انه معادلة مستحيلة بدا ممكناً بل ومثمراً ايضاً: "معادلة الإعمار والمقاومة".الحوار الشامل على تسويةيطرح اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مصير الحريرية. كما أن القرار 1559 يطرح، وفق كثيرين، مصير المقاومة. يكاد يكون مركب الظروف السياسية واحداً.لا تشي التطورات، رغم انطوائها على تحولات جسيمة، أن الحريرية الى انحسار، فيما أن واضعي القرار 1559 والمراهنين عليه، باتوا يدركون أن ظاهرة المقاومة هي أعقد كثيراً مما كانوا يفترضون، انها حقيقة شعبية أكثر مما هي حالة سياسية أو خيار أمني.الحريرية هي مركز الثقل الشعبي الأول في حالة المعارضة، فيما المقاومة هي الركيزة الشعبية الأساسية لكل أولئك الذين هم قبال المعارضة، موالاة وغير موالاة.إذن ثمة حيويات شعبية عديدة باتت تمتلك قدراً عالياً من الجهوزية لمواجهة المهمات الراهنة.إن الاقتصار على كون الحيوية شعبية غير كافٍ على الاطلاق، في ظل ظروف لا بد أن تنحكم لاستعدادات تسووية، ما لم تطور كل حيوية من هذه الحيويات شروط اندراجها السياسي في المشروع الإنقاذي. ولنقل إن ذلك بدأ بالفعل، إذا ما لاحظنا استعداد حزب الله الحواري، المراجعة الجنبلاطية، تطور الخطاب العوني، وتمسك تيار المستقبل بثوابت الموقف الوطني.لكن المفارقة الكبرى، أن هذا الحوار، رغم كل الضجيج والغبار، لم يبدأ جدياً بعد. ثمة مسافة تكاد تكون غير مفهومة، بين الجهوزية الحاضرة والمباشرة الفعلية الغائبة.والجواب لا بد أن يكون في نقص الشروط السياسية لبدء الحوار نفسه، فضلاً عن بلوغه غاياته. هنا علينا أن نلاحظ أن الملفات العالقة باتت على درجة عالية من التشابك بحيث أصبح من المتعذر فكها عن بعضها البعض، ولربما تقتضي المصلحة تشابكها، وبالتالي مقاربتها دفعة واحدة، كشف حقيقة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، العلاقات السورية ـ اللبنانية، النظام الانتخابي، الانتخابات النيابية، سلاح المقاومة ودورها، الطائف وتطبيق بنوده، مشروع إصلاح الدولة، وحتى تشكيل الحكومة بات جزءاً متداخلاً وربما معلقاً على الملفات الاخرى.إن ما نحتاجه هو حوار شامل على تسوية متكاملة. وسيكون خطأ كبيراً ترتكبه المعارضة عندما تحصر حوارها الفعلي، راهناً، بكيفية الإسراع في إجراء الانتخابات. إن ذلك يعطي لمفهوم الانقلاب مصداقية استثنائية، فيما حجم الأزمة يحتاج الى ما يتجاوز ذلك.كما أن التطمينات اللفظية أو إحالة الحوار حول المقاومة الى مرحلة لاحقة لا يشكلان ضمانات كافية ما دامت الديناميات التي أسهمت المعارضة بإطلاقها أكبر من قدرتها على الضبط والتحكم بمساراتها. وما دامت الأجندة الأميركية شديدة الحضور داخل السياق السياسي اللبناني الراهن.إن ما يستلزم الاعتراف به من قبل الجميع، هو أننا أما زمن سياسي جديد، وفي خضم تحولات لا تسمح بالعودة الى الوراء. كما انها قد تفتح على المجهول وعلى الفوضى. إن الخوف على استقرار البلد هو جدي ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.معادلة جديدةإذا كان التوازن السياسي اللبناني الذي كان سائداً إبان مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس الحريري وقبل الأزمة السياسية الراهنة يستند الى معادلة التوفيق بين الإعمار والمقاومة، فإننا نقترح معادلة جديدة تشكل عنواناً راهناً لتسوية ملحة وهي معادلة التوفيق بين "بناء الدولة والمقاومة". على النحو الذي يأخذ بعين الاعتبار المكونات الأساسية الاجتماعية والسياسية الداخلية، وضرورات الجغرافيا السياسية اللبنانية.وذلك وفق الخطوط العريضة التالية:1 ـ وضع استراتيجية أمن وطني لبناني، يتوافق اللبنانيون على دور المقاومة فيها بوصفها إحدى ركائزها الأساسية.2 ـ تطبيق بنود الطائف كافة وتأكيد مرجعيته دون زيادة أو نقصان.3 ـ رفض التدخل الأجنبي تطبيقاً لمبدأ السيادة.4 ـ الاتفاق على مشروع إصلاح الدولة وتحديثها وبناء المؤسسات وتحكيم القانون ومحاربة الفساد واستقلال القضاء ومعالجة الأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية.5 ـ إجراء الانتخابات النيابية الحرة والنزيهة في ظل نظام انتخابي يؤمن صحة التمثيل وعدالته وفعاليته. ونرى أن ذلك لن يكون متيسراً خارج اعتماد نظام التمثيل النسبي.هرموشرئيس المكتب السياسي في الجماعة الاسلامية النائب السابق أسعد هرموش اعتبر "أن الساحة اللبنانية عامة والاسلامية خاصة تشعر بفراغ كبير بعد اغتيال الرئيس الحريري وان المطلوب العمل لاقامة مشروع اسلامي وطني لملء الفراغ ومواجهة التحديات المختلفة" واستبعد العودة للحرب الأهلية أو حصول خلافات داخلية.وهنا نص الحوار:بداية كيف تنظرون الى واقع الساحة الاسلامية بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان؟ـ لا شك ان الساحة اللبنانية عامة والاسلامية خاصة تشعر بفراغ كبير في ظل غياب الرئيس رفيق الحريري حيث كان بحضوره المتوهج استأثر بغالبية الكاريزما السياسية والحضور السياسي والاعلامي (ان لم نقل الرسمي) لما يسمى الساحة الاسلامية.حيث إن الحضور المتألق للرئيس الحريري وماكينته السياسية والمالية والاقتصادية حاولت أن تستأثر بجل النشاط الاسلامي الأمر الذي انعكس سلباً على حضور باقي المواقع السياسية والاجتماعية والاعلامية داخل الساحة. وبمقدار هذا الحضور الكبير وبمقدار ذلك الضمور الكبير نرى أن الساحة الآن تعاني من حالة "يتم" ان جاز التعبير او حالة فراغ تحاول لململة قواها الآن، لكن للأسف أقولها إنها تفتقد للمشروع الناظم الأساسي لحركتها ومن هنا نسعى لحركة اسلامية مع مختلف قيادات الساحة الاسلامية السنية والشيعية لمحاولة ملء الفراغ حيث تتوق الى ما يسمى بلقاء وطني اسلامي سياسي كبير يتخطى "اللقاء العلمائي" ليشكل نوعاً من الادارة السياسية للشأن العام مع هذه الساحة. حيث تبرز فيها اللقاءات المماثلة (كلقاء قرنة شهوان أو لقاء المعارضة ككل) في حين نرى ان "لقاء عين التينة" تتعثر وتتكرر عملية تسريب بعض القوى منه حفاظاً على مصالح انتخابية باتت معروفة لذلك بتقديرنا ان هناك مشكلة في العمل الاسلامي والوطني بسبب غياب الاطار الجامع لهذه القوى، علماً أن هذا الاطار الاسلامي الوطني الجامع مطلوب أكثر من أي وقت مضى بين يدي الاستحقاقات الواهمة الى المستوى الداخلي والخارجي، حيث تطرق بابنا بقوة قضايا ما بعد الانسحاب السوري والتعامل المباشر مع الحياة السياسية اللبنانية والذي كان سائداً في الماضي وأبرز تجلياتها افتقاد الموقف الموحد من قضايا قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة والتعامل مع المواقف الدولية المتصلة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري وما استتبعها، حيث بالفعل يظهر مدى الانكشاف الكبير لموقع الداخل ويظهر كذلك العجز عن القيام بالدور المطلوب للقوى اللبنانية مما يؤسس لحالة من الارتباط والضعف يستدعي من كل المخلصين التعالي فوق كل الحسابات الخاصة ومحاولة تظهير موقف اسلامي يعنى بالوحدة الاسلامية أولاً وبالوحدة الوطنية ثانياً وبعمق العلاقة مع المحيط العربي ثالثاً حتى لا تغيب عن تفكيرنا وعن طروحاتنا وأدبياتنا السياسية تلك المحطات الأساسية في حركة النخبة السياسية المتنورة التي على الرغم مما أصابها وعلى الرغم من الخسارة التي منيت بها وعلى الرغم من العزل السياسي الذي طاولها جراء تغييب دورها لمصلحة قوى الأمر الواقع المدعومة والتي أطاحت بكل الجهد الوطني والاسلامي في زواريب السياسات الضيقة ولم تستطع أن تشكل اداة أو اطاراً سياسياً وإعلامياً واجتماعياً متيناً يستطيع أن يواجه المستجدات بمعزل عن الشعور المركز بالنقص والحاجة الدائمة للرعاية والتدخل.سقف الطائفهل تتخوفون من حصول تراجع عن اتفاق الطائف في المرحلة المقبلة؟ـ الحقيقة يشير البعض الى أن اتفاق الطائف قد جرى اطلاق النار عليه عندما جرى استهداف راعي هذا الاتفاق الرئيس رفيق الحريري، لكن اجماع غالبية القوى اللبنانية على أن اتفاق الطائف هو السقف السياسي وهو الذي تحول الى دستور لكل اللبنانيين ما زال هو الملاذ الآمن لانتظام الحياة العامة ولترسيخ مبادئ النظام العام مع المحافظة على اتفاق الطائف والالتزام به نصاً وروحاً لانه في ظل غياب "مشروع تسوية" شامل وجامع جديد في هذه الفترة العصيبة والحساسة في تاريخ لبنان لا يمكن أن نقوم بهدم بنود الطائف وترك لبنان والمجتمع اللبناني للمجهول، ونحن نؤكد على أهمية بقاء هذا الاتفاق وصلاحية التعامل مع الواقع اللبناني دون الى نغفل امكانية ان يتأتى في مقدمات الأيام ما يسمح بتطوير هذا الاتفاق اذا تأمنت ظروف الاجماع الوطني على هذا البديل.ما هو مستقبل الوضع الاسلامي في لبنان عامة وحزب الله والمقاومة الاسلامية خاصة وكيف يمكن للقوى الاسلامية مواجهة التطورات المستجدة؟ـ لا شك ان وضع القوى الاسلامية في الساحة اللبنانية هو أفضل من غيرها من القوى نتيجة اعتمادها على حضورها الذاتي في الفترات الماضية، ونتيجة الموقف السياسي الوطني الجامع الذي تحقق لها جراء موقفها الوسطي والمنفتح على العلاقة مع كافة أطياف الساحة اللبنانية، وكذلك أدائها المتميز خلال الفترة الماضية وعدم انقسامها في عملية تقاسم الجبنة التي كانت سائدة سابقاً، كما ان الرصيد الوطني للمقاومة ولمشروع التحرير أعطى للقوى الاسلامية حضوراً متميزاً، ويصعب التنكر له كما يصعب الاستغناء عن دوره في الفترة المقبلة. واعتبر أن المشروع الاسلامي اذا جاز التعبير واذا أحسنا صيانته وتقديمه للناس بأسلوب حضاري متميز وفق برامج ورؤى بعيداً عن خطاب الوعظ والارشاد، يمكن ان يكون أحد المساهمين التأسيسيين في بناء مستقبل هذا البلد.سلاح المقاومةهل توافقون على الدعوات الى سحب سلاح المقاومة وفقاً للقرار 1559؟بالنسبة الى موضوع المقاومة فلا شك أن القرار الاقليمي والدولي يهدف لتحجيم هذا الموضوع واسقاط هذا السلاح من أيدي اللبنانيين بين يدي تطبيق القرارات الدولية وما يخطط للمنطقة لكن حجم الاجماع الوطني المؤيد للمقاومة والداعم لجعل مصير هذا الدور بين اللبنانيين ضمن حوار وطني داخلي ليجعل من عملية استمرار دور المقاومة في ساحتنا دوراً جيداً ونعتبر أنه بمقدار ما تحافظ المقاومة على صفاء دورها وعدم استغراقها واستنزافها في الشأن الداخلي يشكل الضمانة الأساسية للحفاظ على هذا المكسب الكبير والاستراتيجي. وبتقديرنا أن موضوع المقاومة لا يمكن النظر اليه باعتباره مجرد عمل جهادي أو مسلح انطلق من فراغ. فعمل المقاومة هو مشروع سياسي وهو خلفية عقائدية وإيمانية وتيار شعبي عريض يحتضن هذا العمل الجهادي وبالتالي فهذه المجموعة من العوامل على كافة المستويات تشكل استنهاضاً للحالة الاسلامية، ولا يمكن مهما كانت الظروف ان نغفل الحضور السياسي والالتفاف الشعبي والمشروع الرؤيوي للحالة الاسلامية حتى في حالة ضمور الاداء الجهادي؟ مما يؤسس الى أن الحالة الاسلامية باتت بتمايزها وادائها في الفترة السابقة هي الحالة الأقل تضرراً من المستجدات الحاصلة وهي الحالة الأقل اصابة ان جاز التعبير من رذاذ الواقع السياسي المريض الذي كنا نعيشه.الفتنة أصبحت وراءناهل نحن أمام احتمال عودة الحرب الأهلية أو حصول فتن طائفية أو مذهبية؟ـ بتقديرنا ان اللبنانيين على اختلاف تنوعاتهم وتوجهاتهم الطائفية والسياسية يجمعون على أن أجواء الفتنة وحالات الاحتراب الداخلية قد أصبحت وراءنا نتيجة تلك القناعة المترسخة عندهم لمدى الخسائر الكبرى التي لحقت باللبنانيين على تنوعاتهم المختلفة من الخلافات الطائفية والمذهبية التي راجت في الماضي، ونعتبر أن حجم الوعي قد ازداد عند اللبنانيين لمخاطر هذه الأجواء كما أن المواقف السياسية لكافة القوى سواء في المعارضة والموالاة لا تشهد فرزاً طائفياً إن جاز التعبير، ونعتبر أن الحالة الآن هي حالة تنافس سياسي ومخاصمة سياسية بين كافة القوى وليست حالة تنافس وانقسام طائفي أو مذهبي، وأن على كافة المواقف السياسية والدينية التركيز على التنبه لمخاطر الانزلاق في التنافس السياسي نحو مهاوي التنافس الطائفي والمذهبي، واعتبار أن مستقبل البلد ومستقبل أبنائنا هو بين يدي طروحاتنا ومواقفنا وتصرفاتنا.ما هي صورة لبنان المستقبل في المرحلة المقبلة على ضوء المتغيرات الحاصلة؟ـ نحن نعتبر أن البلد مقبل على تغيرات جديدة تستند الى عوامل عدة مهمة منها: السعي لإعادة إنتاج حياة سياسية نظيفة عبر قانون انتخاب عادل ومتوازن عبر النسبية التي نعتبرها النظام الأكثر عدالة، والسعي كذلك لتفعيل الحياة السياسية وإشاعة أجواء الحرية والديموقراطية واستعادة نكهة السياسة اللبنانية المتميزة عبر تنافس القوى الشريف جميعها للوصول الى الدولة العادلة والمتوازنة، وللوصول أيضاً الى دولة القانون والمؤسسات فعلاً وقولاً بعيداً عن توغل الأجهزة الأمنية في الحياة السياسية العامة والسعي كذلك لتوظيف حالة التعاطف مع لبنان والمحافظة على دوره واقتصاده وإنمائه وعبر استعادة الشعور الأخوي الصادق والمخلص مع محيطنا العربي والإسلامي باعتبارنا جزءاً أساسياً من هذه الأمة والمطلوب أن نسعى لإرساء أفضل القواعد والعلاقات مع محيطنا العربي والاهتمام بقضايانا المشتركة كأمة.بتقديرنا إذا تحققت هذه الأمور مجتمعة، وهي ليست صعبة المنال، نستطيع أن نكون على موعد مع لبنان في مستقبل زاهر في أجواء جديدة من الأمن والأمان تستطيع أن تلبي حاجة الإنسان اللبناني في عيشه في وطن حر ومزدهر.شعبانأمير حركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان أوضح أن الجهود التي تبذل حالياً لإعادة تجميع مجموعات حركة التوحيد تهدف للتوافق على مشروع سياسي موحد وليس للوصول الى صيغة تنظيمية واحدة. ونفى كل الأخبار عن توزيع الأسلحة في طرابلس مؤكداً "إن الجميع حريص على الحفاظ على السلم الأهلي".وحول نظرة التوحيد للتطورات السياسية بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان قال:ـ ما يشهده لبنان من تطورات مرتبطة بالمشروع الأميركي لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة ويُراد للبنان أن يدخل في عين العاصفة الأميركية ومن أجل تحقيق سيطرة أميركا على سوريا ولبنان، والذي يقرأ الوثيقة الأميركية تحت عنوان "التغيير النظيف" يدرك أن الهدف إيجاد دويلات عرقية ومذهبية، وعندما تتحدث أميركا عن خارطة جديدة للمنطقة ندرك ما تريده أميركا وما تسعى إليه إسرائيل من تقسيم المنطقة الى دويلات صغيرة على أسس مذهبية وطائفية. ومن هنا سعينا الى البحث عن مشروع إسلامي يجمع كل القوى الإسلامية (حركة التوحيد، الجماعة الإسلامية، التيارات السلفية)، وكذلك اللقاء مع القوى السياسية الوطنية كافة، حيث بدأنا نعقد لقاءات مشتركة للوصول الى مشروع سياسي موحد.ما هي أبرز نقاط هذا المشروع السياسي؟ـ أبرز نقاط هذا المشروع:1 ـ رفض العدوان الأميركي على المنطقة ومواجهته.2 ـ رفض الاحتلال والتأكيد على مواجهة المحتلين ودعم المقاومة.3 ـ التأكيد على عروبة لبنان وإنه جزء من المشروع المقاوم للاحتلال.4 ـ رفض الانزلاق وراء أي فتن مذهبية أو داخلية أو عرقية.5 ـ البحث عن قواسم مشتركة مع كل القوى التي توافق على هذا المشروع.أين أصبحت الجهود لتجميع القوى التي كانت تعمل سابقاً باسم حركة التوحيد؟ـ حتى الآن ما زلنا نعقد لقاءات واجتماعات متواصلة للتوافق على المشروع السياسي وهناك اتجاه لتشكيل عمل جبهوي مشترك يضم حركة التوحيد (مجلس الأمناء) ولجان الأحياء وجند الله وحركة التوحيد (مجلس القيادة)، وحتى الآن ما زلنا في مرحلة اللقاءات ولم يتم التوصل الى صيغة تنظيمية واحدة وكل ما نشر من أخبار غير ذلك ليست دقيقة.هل هذه التحركات مرتبطة باغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان؟ـ الانسحاب السوري من لبنان واغتيال الرئيس رفيق الحريري وما حدث من تداعيات سياسية ترك فراغاً كبيراً في لبنان وأدى الى حصول مناخات جديدة في الساحة الإسلامية دفعت الجميع للبحث عن صيغ جديدة للعمل وللاتفاق على مشروع سياسي حول كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة.نشرت أخبار ومعلومات عن توزيع السلاح في طرابلس والشمال، خصوصاً من حركة التوحيد، فما صحة ذلك؟ـ هذه الأخبار غير صحيحة ولم يوزع السلاح في طرابلس، والمرحلة الحالية ليست مرحلة صراعات داخلية وإنما المطلوب مواجهة العدو الشرس القادم من وراء البحار من خلال توحيد كل القوى، مع التأكيد أن حركة التوحيد ليست صنيعة الحرب الأهلية وهي تأسست لمواجهة نتائج الاجتياح الإسرائيلي للبنان ولم تدخل في صراعات مذهبية أو طائفية، بل في صراعات حزبية أو سياسية حول النفوذ على طرابلس. وعلاقتنا اليوم ممتازة مع مختلف القوى السياسية والحزبية ولسنا في وارد الدخول في أي صراعات أمنية ونحن نشارك في لقاءات الأحزاب الدورية ونعمل للحفاظ على السلم الأهلي.كيف تنظرون الى دور حركة التوحيد في المرحلة المقبلة على ضوء مختلف التطورات؟ـ نحن مستعدون للمشاركة في كل الاستحقاقات السياسية والنيابية بالتعاون مع مختلف الأطراف ويمكن الاتفاق مع بقية القوى الإسلامية على خوض المعركة النيابية بشكل مشترك. ونحن نعتبر أن المطلوب حماية الثوابت الأساسية ورفض تبديل الأولويات وحماية سلاح المقاومة وندعو الجميع موالاة ومعارضة لقراءة الأحداث بشكل صحيح وتناسي كل الأمور الصغيرة.
************************************************************************************
المستقبل" تستشرف الواقع الإسلامي الحركي في ظل المتغيرات الاستراتيجية (3)
الحركات الإسلامية في لبنان بعد استشهاد الحريري والانسحاب السوري
المستقبل - الخميس 12 أيار 2005 - العدد 1915 - شؤون لبنانية 2 - صفحة 7
اعداد: قاسم قصير
استكمالاً للتحقيق الذي بدأته "المستقبل" حول مستقبل الحركات الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان، نتابع اليوم نشر وجهة نظر عدد من القيادات الإسلامية والشخصيات الأكاديمية المعنية بالواقع الإسلامي ومواقفها. وتتضمن حلقة اليوم لقاءات مع رئيس المكتب السياسي الإسلامي (التيار السلفي) الدكتور حسن الشهال، مدير الهيئة الإدارية لـ"تجمع العلماء المسلمين" الشيخ حسان عبدالله، الباحث والأستاذ الجامعي المتخصص بالحركات الإسلامية الدكتور أحمد موصللي، المدير العام لصندوق الزكاة التابع لدار الفتوى الدكتور مروان قباني ومدير معهد العلوم الاجتماعية (الفرع الأول) في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي.التيار السلفييتولى الدكتور حسن الشهال الإشراف على جمعية "دعوة الإيمان والعدل والإحسان" ورئاسة المكتب السياسي الإسلامي (الذين يضم مجموعات سلفية عدة) ويعتبر الشهال "إن اغتيال الرئيس الحريري أحدث فراغاً كبيراً في الساحة الإسلامية السنية، وأشعر المسلمين السنّة بالاستهداف، وأن التيار السلفي يعمل لتنشيط دوره في المرحلة المقبلة عبر الوسائل كافة".وحول تأثير اغتيال الرئيس الشهيد على الوضع الإسلامي في لبنان، قال الشهال: "أهم ما نتج عن اغتيال الرئيس الحريري هو شعور المسلمين السنّة بالاستهداف من جهة، والفراغ من جهة أخرى، لأنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اغتيال شخصية سنية ذات حجم كبير في لبنان، وهذا الأمر أدى الى تداعي المسلمين السنّة الى وجوب البحث عن كيفية لملمة صفهم وجمع كلمتهم على صعيد الوطن كله من شماله الى جنوبه. من هنا تسمعون بكثير من الاجتماعات والمشاورات تجري هنا وهناك، خصوصاً في طرابلس والشمال. فحسب علمنا يتداعى أركان حركة التوحيد الإسلامي الى التشاور والتعاون والتلاحم مجدداً في إطار جديد ـ يُبحث عنه.والتيار السلفي أجرى أيضاً لقاءات عدة، واسعة وضيّقة بحثاً عن صيغة شرعية وسياسية يحكمها العلم الشرعي من خلال إشراف كبار أهل العلم في هذا الخط، والاجتماعات لا تزال مستمرة على قدم وساق، وقد نتج عنها إنشاء "المكتب السياسي الإسلامي" (برئاسة الشهال) الذي يضم عدداً من الأساتذة الجامعيين والثانويين وقادة الرأي في هذا التيار ممن يتولون إرشاد الجماهير عبر خطب الجمعة وما الى ذلك".ما هو الهدف من إنشاء المكتب السياسي الإسلامي؟ـ الهدف من إنشاء هذا المكتب متابعة الأحوال السياسية التي يمر بها لبنان متابعة يومية واتخاذ المواقف الشرعية السياسية في ضوء ما يستجد في البلد. فلم يعد مقبولاً تهميش دور أهل السنة في لبنان بعدما جرى ما جرى. فلبنان لا يمكن أن يقوم من جديد إلا ولهذه الطائفة فيه دور فاعل مؤثر وأساسي. ومن هذا المنطلق أصدر المكتب السياسي الإسلامي أكثر من موقف وتصريح سعياً الى تحقيق أهدافه، ومنها دعم منصب رئاسة الحكومة الذي يؤكد المكتب ضرورة ألا يكون مكسر عصا في كل أزمة سياسية تعصف بالبلد.هل أنتم مستعدون للتعاون مع القوى الإسلامية الأخرى؟ـ من جهتنا نرحب بالتعاون مع كل الفئات الإسلامية إلا فئة واحدة تخالفنا منهجاً وعقيدة وهي "الأحباش"، لأن فكرها يقوم على مبدأ التكفير لكل من لا يحمل فكرها وينهج منهجها ويتبع طريقها وشيخها. واللقاءات التي تجري الآن هي لقاءات خاصة، بمعنى أن كل تيار يعقد لقاءاته الخاصة بحالته وأجوائه، وإن كنا ندعو الى هيئة عامة. تجمع الجميع تحت راية الشورى والتعاون الإسلامي الصادق والاحترام المتبادل والتناصر والدفاع عن مصالح المسلمين بصورة جماعية.نشرت أخبار وتصريحات عن توزيع سلاح في طرابلس والشمال، خصوصاً من القوى الإسلامية، فما مدى صحة ذلك؟ـ نحن أصدرنا رداً على التصريحات التي أطلقها بعض السياسيين ووسائل الإعلام فأنكرنا هذا التضخيم الإعلامي الذي صدر عن هؤلاء السياسيين ورأينا فيه إساءة الى سمعة طرابلس وأمنها وهويتها وتاريخها. فطرابلس تنعم الآن والحمد لله بأمن جيد، ولا يعكر صفوها شيء، بل إن هذه التصريحات أثارت استغرابنا لأنها في رأينا تفتح باب الشر وتثير لغطاً غير مبرر. والأغرب من هذا أن أحد النواب الطرابلسيين المعروفين طالب بإنزال الجيش الى شوارع طرابلس بالرغم مما تنعم به من أمن قد لا نجده في مدن أخرى من لبنان.هل تتخوفون من حصول فتن داخلية أو حرب أهلية؟ـ نحن من جهتنا نحذر من الفتن، ونعتقد أن عهدها ولّى الى غير رجعة بإذن الله، لأن اللبنانيين بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم قد ذاقوا ويلات الحرب الأهلية، فمن يفكر في أن يوقد نارها من جديد لا شك في أنه في رأي غالبية اللبنانيين لا يتمتع بعقل سوي فلبنان بلد الطوائف المتعددة لا يقوم إلا على مبدأ الحوار والتسامح والاعتراف بالآخر.نحن في طرابلس لا نشعر بشيء من أي خلافات مذهبية سنية ـ شيعية، وإن حصلت بعض الأجواء السلبية سبب الخطأ الذي ارتكبه السيد حسن نصر الله بإعلانه عن موعد مهرجان للموالاة في طرابلس، الأمر الذي أثار حفيظة الطرابلسيين، وأول المحتجين كان علماء المدينة لأن لطرابلس مراجعها الدينية والسياسية.ونحن ندعو الآن، وبلسان المكتب السياسي الإسلامي الذي لنا شرف رئاسته، الى مصالحة وطنية عامة، منتهزين فرصة العمل على إخراج الدكتور سمير جعجع من السجن للإفراج عن كل سجين سياسي من كل الفئات والطوائف عبر عفو عام يصدره مجلس النواب الحالي أو المستقبلي، وفي مقدمة هؤلاء السجناء السياسيون من الشباب المعتقلين في حوادث الضنية (فرّج الله عنهم)، وكل من ماثلهم من الشباب المسلم في لبنان كله، ومن هؤلاء شباب مجدل عنجر.كيف تنظرون الى مستقبل الدور الإسلامي في لبنان؟ـ نحن نعتقد أن المسلمين بوعيهم وحسن تخطيطهم سيسهمون إسهاماً كبيراً في حل مشكلات الوطن وازدهاره، ونعتقد أن الطائفة السنية التي بدأت تستعيد دورها بعدما همشت طويلاً، سيكون لها باذن الله أكبر الأثر في رفع شأن لبنان أمناً وازدهاراً واستثماراً وجلباً للمستثمرين من اخواننا العرب الذين يتأثرون بموقف أهل السنة من لبنان سلباً وايجاباً.ما هو واقع الحالة السلفية في لبنان، وكيف ستتعاطى مع الاستحقاقات السياسية؟ـ الحالة السلفية توسعت وامتدت، فهناك في الشمال أربعة معاهد: معهد الدعوة والإرشاد، معهد الأمين، معهد طرابلس ومعهد الإمام البخاري (عكار)، وهناك مركز مسجد أهل السنّة الذي يحتوي على مسجد ومركز لرعاية الأيتام وسائر الأعمال الخيرية ومختبر "رعاية المرضى" ومركز العيادات الطبية النسائية الخاص بالنساء من طبيبات ومريضات، وهناك مشروع جامعي قيد الإنشاء والبناء في منطقة ابي سمرا، إضافة الى عدد من المساجد المنتشرة في طرابلس والشمال والضنية وعكار والمنية مع ما يتبعها من أنشطة وقاعات، وإذا انتقلنا الى بيروت وصيدا، نجد معهداً وقفياً في بيروت (معهد الوقف الإسلامي) وجمعية بفروع متعددة في صيدا باسم "جمعية الاستجابة الإسلامية" برئاسة الشيخ نديم حجازي. وتتبع هذه الجمعية مراكز تحفيظ ومدرسة ومساجد مع رعاية الأيتام، وفرع للدفاع المدني.وهناك مدرسة في البقاع تتبع المنهج الرسمي وتدرّس العلوم الشرعية في مجدل عنجر.والسلفيون يتطلعون الى المشاركة في الانتخابات النيابية متحالفين مع من يجدونه منسجماً مع توجههم الإسلامي.عبداللهويوضح مدير الهيئة الادارية لـ"تجمع العلماء المسلمين" الشيخ حسان عبدالله ان التجمع قام منذ اغتيال الرئيس الحريري بالعديد من التحركات السياسية والعلمائية، وهو يعد لخطة متكاملة من أجل تنشيط دوره في المرحلة المقبلة، في ظل التطورات المتسارعة بعد الانسحاب السوري من لبنان والخوف من حصول ضغوط دولية على المقاومة، حول دور التجمع ونشاطاته، تحدث مدير الهيئة الإدارية الشيخ حسان عبدالله ومما قاله: "منذ أن حصلت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أصبنا بصدمة كبيرة. إن تداعيات اللحظة الأولى كانت على المستوى المذهبي سيئة جداً، وخفنا من أن يقوم بعض من لا يريد خيراً للساحة الإسلامية باستغلال هذه الجريمة النكراء لبث الفتنة المذهبية وعقدنا اجتماعاً طويلاً لوضع أسس التعامل مع المرحلة المقبلة لأننا كنا على قناعة تامة بأن الوضع في لبنان، قبل اغتيال الرئيس الحريري هو غيره بعده، وبالتالي يجب أن يكون هناك تحرك عملي يمنع حصول فتنة في الساحة الإسلامية، واتخذنا القرارات الآتية:1 ـ الدعوة الى لقاء علمائي موسع سني ـ شيعي في قصر "الاونيسكو" وكانت هذه الدعوة بمثابة تحد، إذ اننا كنا نواجه من البعض بعدم إمكان جمع عدد يتناسب مع ضخامة قاعة "الاونيسكو" ولكننا، اعتماداً على أن العلماء يتصدون في اللحظات الحرجة ويؤدون الدور المطلوب منهم، قررنا القيام بهذا الأمر، وكان اللقاء ناجحاً، وشارك فيه نحو 570 عالماً سنياً وشيعياً، (ومن أقصى الشمال الى الجنوب والبقاع، ومن بيروت وجبل لبنان، وقد وجدنا ان العلماء يجمعهم في المبادئ العامة الاستراتيجية رأي واحد، فلا هم يوافقون على إعادة اخراج لبنان من الحضن العربي، ولا هم في وارد السماح بتمرير فتنة مذهبية، وهم متنبهون جداً للمؤامرة الأميركية المتعلقة بمسألة نزع سلاح المقاومة وفرض حلول من دون رعاية مصالح المسلمين لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في المنطقة عموماً. ثم كانت الخطوة التالية عبر القيام بزيارات لكل القيادات الفاعلة من رسميين وعلماء من أجل ان نوضح لهم اننا كتجمع نحذر من خطر فتنة داخلية سواء على المستوى الوطني العام أو على المستوى الإسلامي.والتقينا سماحة المفتي محمد رشيد قباني والشيخ عبد الأمير قبلان والرؤساء سليم الحص، ورشيد الصلح، ونبيه بري والسيد حسن نصرالله والسيد محمد حسين فضل الله (نحو ثلاثين زيارة) والمحصلة العامة للحديث مع كل هؤلاء كانت انهم يركزون على ان هذه المرحلة هي مرحلة عمل "تجمع العلماء المسلمين"، وأن المطلوب منا أكثر بكثير مما كان مطلوباً سابقاً.ما هي أبرز العناوين التي ينطلق منها التجمع في المرحلة المقبلة؟ـ أبرز العناوين التي نعمل على أساسها في المرحلة المقبلة هي الآتية:1 ـ التصدي لكل الأفكار غير الوحدوية والتي تسيء الى الاسلام لايقاع الفتنة بين بنيه، في حين انه لا يوجد أي سبب أو مبرر لطرح مثل هذه الأمور وخصوصاً موضوع التكفير.2 ـ عقد مؤتمرات علمية من أجل وضع النقاط على الحروف في مسائل من هذا النوع ومنها مؤتمر عُقد في الثالث من أيار تحت عنوان "الوحدة الإسلامية في مواجهة التكفير"، تحدث فيه العلماء المشاركون في مسألة التكفير والأسس العلمية لها ونظرة كل من السنّة والشيعة لبعضهم البعض، انطلاقاً مما صح عندهم.3 ـ سيقوم التجمع خلال الفترة المقبلة بضخ دم جديد. وحاجة التجمع الى القيام بدور أكبر لفتح باب الانتساب اليه بعدما أغلق سابقاً لأكثر من عشر سنوات. وهذا تفرضه طبيعة الظروف الصعبة التي نمر بها.4 ـ الحرص على ألا تبقى الوحدة الإسلامية حكراً على مجتمع العلماء وانزالها الى كل فئات الشعب اللبناني وخصوصاً الفئات المثقفة، مما جعلنا نفكر في تشكيل الهيئات الشعبية الداعمة لفكرة الوحدة الإسلامية والتي تضم أطباء ومهندسين وطلاباً وإعلاميين وأصحاب المهن الحرة وقسماً للنشاطات النسائية، لاننا وجدنا اننا عندما نجتمع كعلماء فالوضع سليم ولا شائبة فيه، لكن المشكلة تكون في غالب الأحيان عند بعض الشباب الذين لا يفهمون طبيعة الاختلاف في الإسلام على انه قيمة للتطور الفكري وليس مدعاة للتناحر والتنافر.5 ـ نفكر عملياً في أن ندعو الجهات الإسلامية الحزبية الى لقاء لا يكتسب صفة العلنية لتدارس كيفية مواجهة المرحلة المقبلة، ونكون كعلماء من خلال تواصلنا مع هذه القوى كضابط ايقاع لأي خلاف يمكن ان يحصل. وقد بدأنا بتنفيذ بعض الخطوات العملية في هذا الإطار، ونحرص على إبقائها بعيداً عن الأضواء.6 ـ بدأنا بالتحضير لإعادة إصدار مجلة "البلاد" السياسية الأسبوعية بحلة جديدة، لأن الصوت الإعلامي المميز الذي كانت تقوم به المجلة لم يُسدّ في الساحة الإعلامية الإسلامية بحسب رؤيتنا. اما بالنسبة الى مجلة "الوحدة الإسلامية" فسنستمر في إصدارها كونها متخصصة في الشأن الفكري المتعلق بالوحدة الإسلامية، لكي توزع في كل العالم الإسلامي، وبدأنا بتوزيعها في سوريا والمغرب وكانت النتائج جيدة. وخلال الشهر المقبل سنطلق مجلة "الوحدة الاسلامية" في سوريا من خلال مؤتمر عام يعقد في مقر اتحاد الكتاب العرب بمشاركة وجوه سورية ثقافية وبيئية.البعض يعتبر ان دور التجمع تراجع في السنوات الماضية، فما مدى صحة ذلك؟ـ في السنوات السابقة كان هذا الكلام صحيحاً، وذلك بسبب عدم وضوح الدور المطلوب من التجمع. فهو كان يتغنى بأمجاد نشاطاته السابقة قبل أكثر من 15 سنة ولا يريد ان يترك العمل السياسي المباشر لمصلحة العمل المتخصص. ولكن في المرحلة الأخيرة اتخذ قرار بحصر جهود عمل التجمع في مسألة تنشيط فكرة الوحدة الاسلامية والقيام بمواجهة أي أفكار أو مشاريع تستمد من هذه الوحدة. ولذلك كان النشاط كبيراً بدءاً من مؤتمر العلماء المسلمين وصولاً الى اليوم.ما هي انعكاسات اغتيال الرئيس الحريري على الأوضاع الاسلامية في لبنان؟ـ اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري ترك في الساحة الاسلامية السنية خصوصاً، والاسلامية والوطنية عموماً، فراغاً كبيراً من الصعب ان يملأه شخص آخر، ذلك أن الامكانات الشخصية والمادية والعلاقات التي كان يتمتع بها الرئيس الشهيد لا تتوافر في أي شخصية سياسية مطروحة أو موجودة في الساحة، مما يفترض ان تتضافر عوامل متعددة لانتاج قيادة في الساحة، ليست بالضرورة ان تكون قيادة فردية، بل أن تكون قيادة موحدة منسجمة في ما بينها تستطيع أن تملأ الفراغ الكبير الذي أحدثته هذه الجريمة المروعة. وهنا أكدنا لسماحة المفتي الشيخ محمد رشيد قباني أهمية ان تبادر دار الفتوى الى أخذ موقعها التاريخي الذي كانت تقوم به لاحتضان كل أطراف الساحة الاسلامية السنية كجزء من مشروع اسلامي ووطني كبير.هل تتخوفون من عودة الحرب الأهلية الى لبنان؟ـ كل العوامل الداخلية والخارجية تؤكد حتى الآن استبعاد العودة الى الحرب الأهلية وما يحصل الآن من تطورات سياسية والعودة الى الحوار والمؤسسات الدستورية يؤكد أن القرار الخارجي والعمل الداخلي يسعى الى ابعاد هذه الكأس المرة عن لبنان وعن المواطنين. ونحن لا نرى أن هناك خطراً أو خوفاً من حرب أهلية، ولكننا نحذر من أصوات الفتنة المستقلة بين الطوائف والمذاهب والمناطق، وندعو كل المخلصين الى مواجهة ذلك بكل الوسائل الممكنة، لأن المستفيد الوحيد من اقتتال اللبنانيين هو اسرائيل والمشروع الأميركي.ما هي رؤيتكم لمستقبل الحركات الاسلامية في لبنان؟ـ مع كل التخطيط الذي تعد له الولايات المتحدة الأميركية بايعاز وتشجيع اسرائيلي من أجل ضرب الحركات الاسلامية، خصوصاً تلك التي تحمل مشروع تحرير فلسطين، الا انني أجد ان هذه الحركات قوية ومتماسكة الى حد لن تنفع معها كل المحاولات، بل ان التجربة اثبتت انه كلما ازداد الضغط، زادت الصلابة والمنعة. والمهم ان تحذر الحركات الاسلامية ممن يحاول الايقاع بينها وبين بعضها البعض، وبعد ذلك لن يكون هناك أي مشكلة، حتى وإن قدرنا أن الظروف ستكون في الفترة المقبلة أصعب مما هي عليه الآن.وما أراه ان هناك خبرة كبيرة اكتسبتها الحركات الاسلامية في طريقة ادارة العمل السياسي والافادة من التناقضات الدولية والتصرف بوعي وحزم مع المخاطر التي تواجهها. واعتبر ان الرسالة المفتوحة التي وجهها السيد حسن نصر الله الى فرنسا هي مؤشر الى طريقة جديدة في التعامل مع القوى الدولية على طريقة نعادي من يعادينا ولا مانع لدينا من صداقة من لا يريد بنا سوءاً أو يسعى الى صداقتنا".قبانييعتبر المدير العام لصندوق الزكاة التابع لدار الفتوى والأستاذ الجامعي الشيخ الدكتور مروان قباني "ان الوضع الإسلامي في لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري دقيق جداً تبعاً للمتغيرات الحاصلة، وينبغي على القوى الإسلامية أن تعي خطورة هذا الموضوع، وأن تنطلق في حوار مع جميع المعنيين للوصول الى رؤية متكاملة ترضي الجميع وتحقق المصلحة العامة والوطنية".ورداً على سؤال حول انعكاسات التطورات السياسية الأخيرة على الوضع الإسلامي في لبنان قال: "لا شك في أن ما يحدث في لبنان من تطورات سريعة تحدث تغييرات عميقة في الواقع اللبناني، وهي من الأمور التي يصعب من حيث المبدأ ان تقوّم تقويماً دقيقاً، فمن سرعة التغيير انه يؤشر على رؤية المتابع للأحداث وليس من الضروري أن يصيب في تقويمه لها، بل ربما تحدث هذه الحركة السريعة إرباكاً في الرؤية، والدليل على ذلك ان ما كنت قبل شهر تراه من المستحيلات أصبح من الأمور البديهية الواقعة.ولكن يمكن النظر الى ان ما يحدث حالياً في لبنان قد يكون انعكاسه على الواقع اللبناني انعكاساً مقبولاً الى حد بعيد، هذا إذا استبعدنا محاولة التشكيك بطرف أو بآخر من خلال الظن بأن جميع الأطراف تعمل على تحقيق المصالحة الوطنية، وان كان كل فريق يعمل من وجهة نظره أو من منطقه.إذن نحن أمام واقع جديد، خصوصاً بعد الانسحاب السوري من لبنان، حيث يظل توقع صورة ما يحدث في الأيام المقبلة من الصعوبة بمكان.ماذا على صعيد عملية اغتيال الرئيس الحريري وما تركته على الصعيد الإسلامي والوطني؟ـ من ناحية اخرى ان افتقاد لبنان الى شخص مثل الرئيس رفيق الحريري يحدث فراغاً ليس من السهل ملؤه في أيام قليلة، وكذلك الأمر ينطبق على الوجود السوري الذي كانت بصماته واضحة في كثير من المواقع التي أصبحت الآن من دون راعٍ لها. إذن، نحن أمام حالة من الفراغ الكبير، ينبغي وضع تصور من القيادات الوطنية لما يمكن أن يجري في ظله.هل تتخوفون من حصول تراجع على صعيد استكمال تطبيق اتفاق الطائف والدعوة الى تغييره، وهل يمكن العودة الى اتفاق 17 أيار؟ـ مسألة اتفاق الطائف أصلاً خضعت الى شد وجذب من كل الأطراف، وإلى حالة انتقاء لبعض المبادئ التي وردت في الاتفاق، مارستها كل الأطراف.وأرى ان الفرصة متاحة الآن أكثر لأن يطبق اتفاق الطائف بشكله الصحيح من دون تعريضه للتشويه الذي كان قائماً في السابق، خصوصاً انه يعبّر عن إرادة اللبنانيين للخروج من أزمتهم. فهو وإن كان لا يلبي الطموح الأبعد، إلا انه يؤمن الحد الأدنى من مقومات المصالحة الوطنية واستقرار السلم الأهلي.أما عن إمكان حصول اتفاق 17 أيار جديد، فأرى أن الأيام قد تجاوزت هذا الموضوع، إلا إذا انطلقنا من التشكيك القائم من كل طرف بالطرف الآخر، وهذا لا يؤدي الى ما يخدم المصلحة الوطنية وينبغي أن تبنى المواقف على ما يقوم به كل طرف عملياً. اما الادعاء بمعرفة نوايا الأطراف الاخرى، فهذا الأمر مربك للوضع السياسي ولأي عمل مشترك يكون بين عموم الناس.وأظن ان اللبنانيين بكل أطيافهم ذاقوا من الإسرائيليين الشيء الكثير، فلن يجرؤ أحد له وزنه في البلد على أن يطرح هذا الموضوع مجدداً.ما هي رؤيتكم لمستقبل الحركة الإسلامية في لبنان في ضوء هذه المتغيرات؟ـ لا شك في ان الوضع الإسلامي في لبنان دقيق تبعاً للمتغيرات المتسارعة والحاصلة إضافة إلى الفراغ الحاصل على الصعيد السياسي. وينبغي للقوى الإسلامية ان تعي خطورة هذا الموضوع، وان تنطلق في عملية حوار مع جميع المعنيين للوصول الى رؤية متكاملة ترضي الجميع وتحقق المصلحة الاسلامية العامة وبالتالي الوطنية. اذن التفرد في المواقف يعتبر الان مقتلا للوضع الاسلامي. لا يجوز لاي قوة ان تقوم به مهما كان لديها من حضور وفاعلية، فللجميع الحق في المشاركة وابداء الرأي وصولا الى رسم واقع جديد تتعامل معه كل الاطراف.ولا شك في ان الحركة الاسلامية تعاني حاليا ضغوطا في اكثر من اتجاه، وهذا يرتب عليها مسؤولية مضاعفة من حيث الوعي لما يجري وحسن التعامل مع الواقع من دون بطولات مدعاة مع تفاعل مع الواقع السياسي الجديد.وليس هذا معناه تبديل للثوابت السياسية التي تعمل ضمنها، الا ان الواقع السياسي يفرض احيانا امورا ينبغي تقديم بعضها وتأخير البعض الاخر مما هو معروف في "فقه الاولويات" والحوار هو الاسلوب الوحيد بين الجميع للوصول الي صيغة عمل جديدة.هل تتخوفون من حصول فتن مذهبية او طائفية بعد كل هذه التطورات؟ـ ربما ظهرت بعض ملامح الاثارة المذهبية والطائفية عقب استشهاد الرئيس رفيق الحريري (رحمه الله)، وظني ان هذا الامر لا يعدو كونه مجرد اثارة لا فتنة واقعية، واعتقد ان الوضع المذهبي في لبنان غير معرض مطلقا للفتن.وأرى ان القيادات الاسلامية في مختلف مواقعها الرسمية والشعبية والحركية تعي خطورة هذا الموضوع، وانها لا يمكن ان تعتمد على توجه تحريك الفتن والعصبيات، وما حدث ليس الا مجرد اقوال من هنا وهناك من افراد موتورين يجهلون المفاهيم الاسلامية وتحركهم انفعالاتهم،. هذا ان احسنا الظن، وربما رسم الاعلام اللبناني صورة مضخمة بهذه الاثارة فتخوق الناس من مسألة الفتنة، والتي اراها بعيدة كل البعد عن الواقع اللبناني ان شاء الله.كيف تنظرون الى مستقبل لبنان في المرحلة المقبلة؟ـ الصورة المستقبلية في لبنان غير واضحة المعالم في ضوء ما قلناه من متغيرات سريعة، ولكن ان صدقت الاطراف اللبنانية في نقل ما قالته الى الواقع الحقيقي فإني ارى مستقبلا طيبا لهذا البلد، ويبقى الخوف من تدخلات اجنبية من اي مصدر كان، تؤثر في هذا الواقع فتعمل على تأجيج او اعادة تأجيج الحالة اللبنانية، كما نرى في العراق والتطبيق الاميركي للديموقراطية، اذن ينبغي على كل الاطراف ان تعي خطورة هذا الموضوع، واذا كانت لدينا الرغبة بالسير في طريق الديموقراطية والحرية فليس معنى ذلك ان نتبع هذه الجهة او تلك، ولنكن في قراراتنا احرارا كما ندعي عادة وبناء على هذا فإذا ما وصفنا ما حدث في لبنان بأنه كان ضارا، الا ان الضرر ينقلب احيانا الى نفع اذا احسنت القيادات التعاطي مع الواقع الجديد، وبالتالي صدقت في انها تعمل للمصلحة الوطنية العامة.ولا شك في انه اذا كان استشهاد الحريري ساهم في اصلاح الوضع اللبناني وبناء مستقبل جديد صالح للبنان، فإن هذا سيكون في ميزان حسناته ان شاء الله.موصلليالأستاذ في الجامعة الأميركية والمختص بمتابعة الحركات الاسلامية الدكتور أحمد موصللي يتوقع "أن يكون للحركات الاسلامية دور كبير في المرحلة المقبلة في عملية المعارضة الداخلية، وان كان من الصعب تحديد المسار الذي ستسلكه هذه الحركات في المرحلة المقبلة، نظراً الى علاقتها بطبيعة الصراع على السلطة وبالصراع العربي ـ الاسرائيلي".وحول انعكاس اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري على الواقع الاسلامي في لبنان، قال: "لا شك في ان اغتيال الرئيس الشيخ رفيق الحريري أدى ويؤدي الى تغيير اساسي في البُنية اللبنانية. ونمر اليوم، خصوصاً بعد الانسحاب السوري من لبنان، في مرحلة اعادة تركيب السلطة، ويتوقع حصول تغيير بارز في دور الفئات الاجتماعية والسياسية.أما على صعيد مستقبل العمل السياسي في لبنان فغير واضح، خصوصاً على صعيد طبيعة التحالفات التي ستنشأ بعد الانتخابات. وأنا أعتقد انه سيكون للحركات الاسلامية دور كبير في عملية المعارضة الداخلية في لبنان، لأن الرؤية العامة عند الحركات الاسلامية هي رؤية تشتمل على نواة معارضة للوضع القائم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. لكن من الصعب اليوم تحديد طبيعة التطورات المقبلة، والى اين ستتجه الحركات الاسلامية، لأن هذه الحركات ليست حركات داخلية فحسب، بل هي مرتبطة بطبيعة الصراع على السلطة في المنطقة، ولها علاقة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي، وبالصراع مع الولايات المتحدة.لكن ماهي طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الاسلامية في المرحلة المقبلة؟ـ أعتقد ان الحركات الاسلامية لن تكون جزءاً من القوى التي ستسيطر على البلد، بل ستكون في غالبيتها في مواجهة السلطة، حتى لو حصلت مشاركة في الحكومة (كما حصل مع "حزب الله")، لأن لهذه الحركات مصالح عريضة لا ترتبط فقط بمصالح السلطة التي ستتم اعادة تركيبها.فالوضع الداخلي لـ"حزب الله" والمقاومة اختلف بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري، وأصبح الحزب اليوم تحت ضغط داخلي من اجل اعادة رسم دوره في اللعبة الداخلية وعلاقة كل ذلك بالمقاومة والصراع العربي الاسرائيلي. وكل ذلك يطرح سؤالاً أساسياً حول طبيعة الدور الجديد لـ"حزب الله"، وهل ستقبل السلطة الجديدة استمرارية مقاومة "حزب الله"، خصوصاً مع تصاعد الضغط الخارجي والاقليمي من أجل تجريد الحزب من سلاح المقاومة.هل تعتبرون ان هناك فراغاً كبيراً في الواقع السياسي بعد التطورات التي حصلت؟ـ ليس هناك فراغ بالمعنى الشامل، وان كان اغتيال الرئيس الحريري والخروج السوري من لبنان خلط الأوراق كلها، وبالتالي، فإن الحركات الاسلامية عموماً والسنية خصوصاً هي في مرحلة انتقالية لبلورة رؤية جديدة في كيفية التعاطي مع القوى اللبنانية ومع السلطة. ليس هناك وضوح الى أين ستتجه الأمور حالياً. ولا بد من انتظار نتائج الانتخابات لمعرفة التوجهات المستقبلية للحركات الاسلامية. ولذلك فإن اعادة النظر في دور كل حركة وحزب سترتبط بما سينتج عن الانتخابات.هل ستفرز الانتخابات وقائع سياسية جديدة؟ـ في المرحلة المقبلة، وبسبب حالة التعاطف الشعبي التي برزت بعد اغتيال الرئيس الحريري، فإن "تيار المستقبل" سيحصد جزءاً كبيراً من المقاعد الانتخابية، لكن بعد ذلك قد نشهد بروز قوى معارضة جديدة، مما يتطلب من "تيار المستقبل" اعادة النظر في اولويات مشروعه، بحيث يجب أن يشتمل على معالجة حقيقية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان والتي ستبرز مجدداً بعد الانتخابات.البعض يتخوف من حصول فتن مذهبية أو حرب أهلية جديدة، فما مدى صحة ذلك؟ـ هناك توترات مذهبية وطائفية برزت أخيراً، لكنني اعتقد ان البلد مُجمع على عدم الوقوع في اي حرب داخلية أو نزعات طائفية ومذهبية. وهناك شعور لبناني عام برفض ذلك. وأستبعد حصول اية حرب او فتنة على الرغم من وجود مجموعات صغيرة تحاول اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي.ولبنان لن يكون أسوأ مما كان، بل انه في بداية مرحلة جديدة، والمهم ان على اللبنانيين ان يرتبوا اوضاعهم الداخلية بشكل يسمح لهم بالخروج من الانتماءات الطائفية والمذهبية والوصول الى مجتمع حر ومنفتح وله ضوابط اقتصادية واجتماعية.نحن أمام تحول جذري في البلد، لكن اذا اعدنا انتاج الطبقة الحاكمة نذهب نحو التغيير في ظل وجود دولي داعم.الصورة ليست متشائمة، وهناك عناصر ايجابية كثيرة، وعلى اللبنانيين ان يحسنوا الافادة منها للتغيير.عتريسيمدير معهد العلوم الاجتماعية (الفرع الأول) في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي يعتبر "ان لبنان دخل بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري مشهداً جديداً لم نعرفه منذ ثلاثين عاماً، مما طرح اسئلة وإشكالات عديدة على القوى المحلية، وجعلها تبالغ في رهاناتها وتتقلب في مواقفها، وكل ذلك يفرض على القوى الاسلامية مسؤولية خاصة في المرحلة المقبلة.وحول انعكاس اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري على لبنان، قال: "السمة الأبرز لما جرى في لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري هو دخول العامل الدولي (الأميركي ـ الفرنسي) بقوة غير معهودة طيلة السنوات الماضية على خط التدخل المباشر في ما يجري في لبنان. وفي ما يفترض ان تؤدي اليه التحركات السياسية والشعبية من تغيير في موازين القوى وفي طبيعة المعادلة الداخلية وارتباطاتها السورية المباشرة.وقد اختبر اللبنانيون "حافة الهوية" طيلة الأسابيع التي أعقبت الاغتيال. الا ان حكمة معظم القيادات السياسية، وقناعتها بلا جدوى الاحتكام مجدداً الى لغة السلاح، وغياب القرار الاقليمي، ساهم في تجاوز تلك الحافة، على الرغم من آثار الاحتقان التي تركتها في اكثر من اتجاه".أضاف: "لقد دخل لبنان بعد الانسحاب السوري مشهداً جديداً، لم يعرفه منذ نحو ثلاثين عاماً، سماته غياب قوة الضبط والتدخل السياسي والأمني في ادارة الحياة اللبنانية، واستبدالها أو مشاركتها بأكثر من قوة اقليمية ودولية في ادارة تلك الحياة، ونموذجه التوافق الفرنسي ـ السعودي ـ الأميركي ـ السوري، (الأمم المتحدة) على حكومة الرئيس ميقاتي، وعلى سرعة ولادتها. كما وجدت القوى السياسية اللبنانية، وزعماء الطوائف أنفسها وجهاً لوجه امام اعادة "تركيب" لأحجامها ولحصصها ما أربك الكثير من تلك القوى وأولئك الزعماء، وجعلها تبالغ في رهاناتها حيناً وتتقلب في مواقفها حيناً آخر. كما أرغمت تطورات ما بعد اغتيال الرئيس الحريري "حزب الله" على الانتقال بقوة الى "المعادلة الداخلية" في محاولة لاستباق استهدافه المعلن، ولسد الفراغ السياسي الذي نجم عن الانسحاب السوري من لبنان.ان التحولات التي كان يفترض ان تحصل بسرعة بعد اغتيال الرئيس الحريري من خلال التظاهرات الشعبية والاعتصامات المتواصلة التي دعمتها وسائل الإعلام كافة، أغفلت واقع القوى الاخرى (مثل "حزب الله") وقدرتها على تعطيل تلك المحاولات. كما أغفلت خصوصية الواقع الطوائفي اللبناني الذي يطل برأسه عند أي مشروع لتغيير المعادلة الداخلية. ولهذا السبب اتسمت مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الحريري الى الانسحاب السوري، باندفاعة قوية من أجل التغيير (قادتها المعارضة) قبل ان نتحول بعد أسابيع قليلة الى ارتباك داخلي، يتناقض تماماً مع حسابات بيدر "انتفاضة الاستقلال".هل تتخوفون من العودة عن اتفاق الطائف أو إعادة طرح اتفاق 17 أيار جديد؟ـ في ذروة التركيز السياسي والإعلامي على استعجال خروج الجيش السوري من لبنان، الذي ترافق مع فتح الأبواب السياسية على احتمالات التغيير الداخلية والاقليمية، تحركت دوافع بعض القوى للانقلاب التام والكامل على كل المعادلة التي ارتبطت بهذا الوجود السوري في لبنان، وتحديداً اتفاقات الطائف، لإعادة توليف موازين القوى الجديدة (الغلبة المحلية ـ الدولية) في اتفاقات جديدة تنهي آثار "المرحلة السورية" وفي مقدمتها ظاهرة المقاومة في جنوب لبنان. إلا ان مثل تلك الأفكار والدعوات، ومعها الاستعداد لتوقيع اتفاقات جديدة مع إسرائيل، بقيت، محصورة، ولم تتحول الى مشروع جدي عند المعارضة اللبنانية خصوصاً وان الانقلاب على الطائف، لم يلق أي تجاوب في الإطار اللبناني الواسع، لما يحمله من مخاطر عدم الاستقرار، وايقاد فتنة الحرب من جديد. ولا يبدو بعد ما جرى داخلياً ودولياً ان لهذا الاتجاه "الانقلابي" أي فرصة في التأثير على الحركة السياسية العامة.ما هو مستقبل الحركات الإسلامية في لبنان بعد هذه التطورات؟ـ شهدت الساحة الإسلامية بعد اغتيال الرئيس الحريري شعوراً مذهبياً حاداً اثار مخاوف جدية من مشروع لفتنة داخلية بين المسلمين لا تبقي ولا تذر. وسبق عملية الاغتيال صدور القرار الدولي 1559 الذي أثار المخاوف بدوره من نزع سلاح "حزب الله" وإنهاء "ظاهرة" المقاومة ضد إسرائيل. وترافق ذلك مع ما أشرنا اليه من دخول أميركي قوي على الواقع الداخلي اللبناني. ما أدى ايضاً الى ارتباك في الساحة الإسلامية، على غرار الساحات اللبنانية الاخرى، والى انتقال "حزب الله" تحديداً الى الموقع الدفاعي والى نزع فتيل التوتر المذهبي الداخلي بالتعاون مع القيادات الإسلامية الاخرى.كما استبق "حزب الله" المشاريع المختلفة لبحث مستقبله ومستقبل سلاحه بالدعوات المتكررة المبكرة الى الحوار حول وظيفة هذا السلاح، وحول كيفية التعامل مع التهديد الإسرائيلي للبنان. وربما أمكن القول انه نجح الى حد بعيد، وساعده في ذلك عدم الرغبة الدولية في تعجيل تفجير هذا الملف الخلافي، في جعل هذه القضية، قضية داخلية لبنانية ـ لبنانية قبل ان تكون مطلباً دولياً. ولا يعني ذلك ان الأصوات الداخلية والخارجية لن تعلو مجدداً حول وظيفة هذا السلاح، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية المقبلة. وهذه قضية من أعقد القضايا التي لا يمكن انهاؤها بمجرد قرار دولي لأنها باتت جزءاً عضوياً من النسيج اللبناني الداخلي. وتقع على القوى الإسلامية مسؤولية خاصة في هذا المجال سواء على مستوى الإعلان الصريح عن التمسك بخيار عدم الخضوع للضغوط الدولية بشأن المقاومة وسلاحها، على أساس ان ذلك يشكل حماية للوطن وليس لأي طائفة من الطوائف، أو على مستوى تعزيز مناخ التلاقي والتشاور للانتقال الى استعادة بيئة الثقة الى أكبر حد ممكن. وعلى هذه القاعدة يمكن ان تنفتح أبواب الحوار مع الطوائف الاخرى، بعيداً عن التشنج الذي أعقب اغتيال الرئيس الحريري.ان "الحسابات" الإسلامية المتفاوتة من خروج سوريا من لبنان سلباً أو إيجاباً، ينبغي ان تدفع الى المزيد من التلاقي والنقاش حول مشاريع التغيير الخارجية وحول مصلحة اللبنانيين عموماً في عدم الانخراط في تلك المشاريع.ولا شك في ان "حزب الله" سيواجه وضعاً جديداً يدعوه الى الانخراط أكثر فأكثر في رمال السياسة الداخلية، بعد غياب الراعي السوري الذي كان يؤمن الحماية من تلك السياسات. وسيبقى "حزب الله" والمقاومة الإسلامية في المرحلة المقبلة في حالة دفاعية تقتضيها الضغوط الدولية الشديدة، مع الحرص الشديد على أوسع قاعدة من الحوار والانفتاح على الجميع من دون استثناء.هل تتخوفون من عودة الحرب الأهلية أوحصول فتن داخلية؟ـ لقد طويت صفحة الحرب الأهلية، ولا خوف اليوم من فتنة طائفية أو مذهبية، خصوصاً وان الانتخابات المقبلة ستبدل من طبيعة التحالفات والاستقطابات التي كانت حادة بعد اغتيال الرئيس الحريري وما يمكن رصده في المدى المنظور ان لبنان لن ينعم بالاستقرار السياسي التام. فالضغوط الأميركية لن تتوقف، ولكن الرهان يبقى على وعي اللبنانيين بأهمية التسويات الداخلية التي تحفظ الجميع، لأن أي مشروع اقصائي أو تهميشي للآخر، لن يحقق أي انتصار، ولن يجلب للبلاد سوى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
الحركات الإسلامية في لبنان بعد استشهاد الحريري والانسحاب السوري
المستقبل - الخميس 12 أيار 2005 - العدد 1915 - شؤون لبنانية 2 - صفحة 7
اعداد: قاسم قصير
استكمالاً للتحقيق الذي بدأته "المستقبل" حول مستقبل الحركات الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان، نتابع اليوم نشر وجهة نظر عدد من القيادات الإسلامية والشخصيات الأكاديمية المعنية بالواقع الإسلامي ومواقفها. وتتضمن حلقة اليوم لقاءات مع رئيس المكتب السياسي الإسلامي (التيار السلفي) الدكتور حسن الشهال، مدير الهيئة الإدارية لـ"تجمع العلماء المسلمين" الشيخ حسان عبدالله، الباحث والأستاذ الجامعي المتخصص بالحركات الإسلامية الدكتور أحمد موصللي، المدير العام لصندوق الزكاة التابع لدار الفتوى الدكتور مروان قباني ومدير معهد العلوم الاجتماعية (الفرع الأول) في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي.التيار السلفييتولى الدكتور حسن الشهال الإشراف على جمعية "دعوة الإيمان والعدل والإحسان" ورئاسة المكتب السياسي الإسلامي (الذين يضم مجموعات سلفية عدة) ويعتبر الشهال "إن اغتيال الرئيس الحريري أحدث فراغاً كبيراً في الساحة الإسلامية السنية، وأشعر المسلمين السنّة بالاستهداف، وأن التيار السلفي يعمل لتنشيط دوره في المرحلة المقبلة عبر الوسائل كافة".وحول تأثير اغتيال الرئيس الشهيد على الوضع الإسلامي في لبنان، قال الشهال: "أهم ما نتج عن اغتيال الرئيس الحريري هو شعور المسلمين السنّة بالاستهداف من جهة، والفراغ من جهة أخرى، لأنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اغتيال شخصية سنية ذات حجم كبير في لبنان، وهذا الأمر أدى الى تداعي المسلمين السنّة الى وجوب البحث عن كيفية لملمة صفهم وجمع كلمتهم على صعيد الوطن كله من شماله الى جنوبه. من هنا تسمعون بكثير من الاجتماعات والمشاورات تجري هنا وهناك، خصوصاً في طرابلس والشمال. فحسب علمنا يتداعى أركان حركة التوحيد الإسلامي الى التشاور والتعاون والتلاحم مجدداً في إطار جديد ـ يُبحث عنه.والتيار السلفي أجرى أيضاً لقاءات عدة، واسعة وضيّقة بحثاً عن صيغة شرعية وسياسية يحكمها العلم الشرعي من خلال إشراف كبار أهل العلم في هذا الخط، والاجتماعات لا تزال مستمرة على قدم وساق، وقد نتج عنها إنشاء "المكتب السياسي الإسلامي" (برئاسة الشهال) الذي يضم عدداً من الأساتذة الجامعيين والثانويين وقادة الرأي في هذا التيار ممن يتولون إرشاد الجماهير عبر خطب الجمعة وما الى ذلك".ما هو الهدف من إنشاء المكتب السياسي الإسلامي؟ـ الهدف من إنشاء هذا المكتب متابعة الأحوال السياسية التي يمر بها لبنان متابعة يومية واتخاذ المواقف الشرعية السياسية في ضوء ما يستجد في البلد. فلم يعد مقبولاً تهميش دور أهل السنة في لبنان بعدما جرى ما جرى. فلبنان لا يمكن أن يقوم من جديد إلا ولهذه الطائفة فيه دور فاعل مؤثر وأساسي. ومن هذا المنطلق أصدر المكتب السياسي الإسلامي أكثر من موقف وتصريح سعياً الى تحقيق أهدافه، ومنها دعم منصب رئاسة الحكومة الذي يؤكد المكتب ضرورة ألا يكون مكسر عصا في كل أزمة سياسية تعصف بالبلد.هل أنتم مستعدون للتعاون مع القوى الإسلامية الأخرى؟ـ من جهتنا نرحب بالتعاون مع كل الفئات الإسلامية إلا فئة واحدة تخالفنا منهجاً وعقيدة وهي "الأحباش"، لأن فكرها يقوم على مبدأ التكفير لكل من لا يحمل فكرها وينهج منهجها ويتبع طريقها وشيخها. واللقاءات التي تجري الآن هي لقاءات خاصة، بمعنى أن كل تيار يعقد لقاءاته الخاصة بحالته وأجوائه، وإن كنا ندعو الى هيئة عامة. تجمع الجميع تحت راية الشورى والتعاون الإسلامي الصادق والاحترام المتبادل والتناصر والدفاع عن مصالح المسلمين بصورة جماعية.نشرت أخبار وتصريحات عن توزيع سلاح في طرابلس والشمال، خصوصاً من القوى الإسلامية، فما مدى صحة ذلك؟ـ نحن أصدرنا رداً على التصريحات التي أطلقها بعض السياسيين ووسائل الإعلام فأنكرنا هذا التضخيم الإعلامي الذي صدر عن هؤلاء السياسيين ورأينا فيه إساءة الى سمعة طرابلس وأمنها وهويتها وتاريخها. فطرابلس تنعم الآن والحمد لله بأمن جيد، ولا يعكر صفوها شيء، بل إن هذه التصريحات أثارت استغرابنا لأنها في رأينا تفتح باب الشر وتثير لغطاً غير مبرر. والأغرب من هذا أن أحد النواب الطرابلسيين المعروفين طالب بإنزال الجيش الى شوارع طرابلس بالرغم مما تنعم به من أمن قد لا نجده في مدن أخرى من لبنان.هل تتخوفون من حصول فتن داخلية أو حرب أهلية؟ـ نحن من جهتنا نحذر من الفتن، ونعتقد أن عهدها ولّى الى غير رجعة بإذن الله، لأن اللبنانيين بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم قد ذاقوا ويلات الحرب الأهلية، فمن يفكر في أن يوقد نارها من جديد لا شك في أنه في رأي غالبية اللبنانيين لا يتمتع بعقل سوي فلبنان بلد الطوائف المتعددة لا يقوم إلا على مبدأ الحوار والتسامح والاعتراف بالآخر.نحن في طرابلس لا نشعر بشيء من أي خلافات مذهبية سنية ـ شيعية، وإن حصلت بعض الأجواء السلبية سبب الخطأ الذي ارتكبه السيد حسن نصر الله بإعلانه عن موعد مهرجان للموالاة في طرابلس، الأمر الذي أثار حفيظة الطرابلسيين، وأول المحتجين كان علماء المدينة لأن لطرابلس مراجعها الدينية والسياسية.ونحن ندعو الآن، وبلسان المكتب السياسي الإسلامي الذي لنا شرف رئاسته، الى مصالحة وطنية عامة، منتهزين فرصة العمل على إخراج الدكتور سمير جعجع من السجن للإفراج عن كل سجين سياسي من كل الفئات والطوائف عبر عفو عام يصدره مجلس النواب الحالي أو المستقبلي، وفي مقدمة هؤلاء السجناء السياسيون من الشباب المعتقلين في حوادث الضنية (فرّج الله عنهم)، وكل من ماثلهم من الشباب المسلم في لبنان كله، ومن هؤلاء شباب مجدل عنجر.كيف تنظرون الى مستقبل الدور الإسلامي في لبنان؟ـ نحن نعتقد أن المسلمين بوعيهم وحسن تخطيطهم سيسهمون إسهاماً كبيراً في حل مشكلات الوطن وازدهاره، ونعتقد أن الطائفة السنية التي بدأت تستعيد دورها بعدما همشت طويلاً، سيكون لها باذن الله أكبر الأثر في رفع شأن لبنان أمناً وازدهاراً واستثماراً وجلباً للمستثمرين من اخواننا العرب الذين يتأثرون بموقف أهل السنة من لبنان سلباً وايجاباً.ما هو واقع الحالة السلفية في لبنان، وكيف ستتعاطى مع الاستحقاقات السياسية؟ـ الحالة السلفية توسعت وامتدت، فهناك في الشمال أربعة معاهد: معهد الدعوة والإرشاد، معهد الأمين، معهد طرابلس ومعهد الإمام البخاري (عكار)، وهناك مركز مسجد أهل السنّة الذي يحتوي على مسجد ومركز لرعاية الأيتام وسائر الأعمال الخيرية ومختبر "رعاية المرضى" ومركز العيادات الطبية النسائية الخاص بالنساء من طبيبات ومريضات، وهناك مشروع جامعي قيد الإنشاء والبناء في منطقة ابي سمرا، إضافة الى عدد من المساجد المنتشرة في طرابلس والشمال والضنية وعكار والمنية مع ما يتبعها من أنشطة وقاعات، وإذا انتقلنا الى بيروت وصيدا، نجد معهداً وقفياً في بيروت (معهد الوقف الإسلامي) وجمعية بفروع متعددة في صيدا باسم "جمعية الاستجابة الإسلامية" برئاسة الشيخ نديم حجازي. وتتبع هذه الجمعية مراكز تحفيظ ومدرسة ومساجد مع رعاية الأيتام، وفرع للدفاع المدني.وهناك مدرسة في البقاع تتبع المنهج الرسمي وتدرّس العلوم الشرعية في مجدل عنجر.والسلفيون يتطلعون الى المشاركة في الانتخابات النيابية متحالفين مع من يجدونه منسجماً مع توجههم الإسلامي.عبداللهويوضح مدير الهيئة الادارية لـ"تجمع العلماء المسلمين" الشيخ حسان عبدالله ان التجمع قام منذ اغتيال الرئيس الحريري بالعديد من التحركات السياسية والعلمائية، وهو يعد لخطة متكاملة من أجل تنشيط دوره في المرحلة المقبلة، في ظل التطورات المتسارعة بعد الانسحاب السوري من لبنان والخوف من حصول ضغوط دولية على المقاومة، حول دور التجمع ونشاطاته، تحدث مدير الهيئة الإدارية الشيخ حسان عبدالله ومما قاله: "منذ أن حصلت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أصبنا بصدمة كبيرة. إن تداعيات اللحظة الأولى كانت على المستوى المذهبي سيئة جداً، وخفنا من أن يقوم بعض من لا يريد خيراً للساحة الإسلامية باستغلال هذه الجريمة النكراء لبث الفتنة المذهبية وعقدنا اجتماعاً طويلاً لوضع أسس التعامل مع المرحلة المقبلة لأننا كنا على قناعة تامة بأن الوضع في لبنان، قبل اغتيال الرئيس الحريري هو غيره بعده، وبالتالي يجب أن يكون هناك تحرك عملي يمنع حصول فتنة في الساحة الإسلامية، واتخذنا القرارات الآتية:1 ـ الدعوة الى لقاء علمائي موسع سني ـ شيعي في قصر "الاونيسكو" وكانت هذه الدعوة بمثابة تحد، إذ اننا كنا نواجه من البعض بعدم إمكان جمع عدد يتناسب مع ضخامة قاعة "الاونيسكو" ولكننا، اعتماداً على أن العلماء يتصدون في اللحظات الحرجة ويؤدون الدور المطلوب منهم، قررنا القيام بهذا الأمر، وكان اللقاء ناجحاً، وشارك فيه نحو 570 عالماً سنياً وشيعياً، (ومن أقصى الشمال الى الجنوب والبقاع، ومن بيروت وجبل لبنان، وقد وجدنا ان العلماء يجمعهم في المبادئ العامة الاستراتيجية رأي واحد، فلا هم يوافقون على إعادة اخراج لبنان من الحضن العربي، ولا هم في وارد السماح بتمرير فتنة مذهبية، وهم متنبهون جداً للمؤامرة الأميركية المتعلقة بمسألة نزع سلاح المقاومة وفرض حلول من دون رعاية مصالح المسلمين لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في المنطقة عموماً. ثم كانت الخطوة التالية عبر القيام بزيارات لكل القيادات الفاعلة من رسميين وعلماء من أجل ان نوضح لهم اننا كتجمع نحذر من خطر فتنة داخلية سواء على المستوى الوطني العام أو على المستوى الإسلامي.والتقينا سماحة المفتي محمد رشيد قباني والشيخ عبد الأمير قبلان والرؤساء سليم الحص، ورشيد الصلح، ونبيه بري والسيد حسن نصرالله والسيد محمد حسين فضل الله (نحو ثلاثين زيارة) والمحصلة العامة للحديث مع كل هؤلاء كانت انهم يركزون على ان هذه المرحلة هي مرحلة عمل "تجمع العلماء المسلمين"، وأن المطلوب منا أكثر بكثير مما كان مطلوباً سابقاً.ما هي أبرز العناوين التي ينطلق منها التجمع في المرحلة المقبلة؟ـ أبرز العناوين التي نعمل على أساسها في المرحلة المقبلة هي الآتية:1 ـ التصدي لكل الأفكار غير الوحدوية والتي تسيء الى الاسلام لايقاع الفتنة بين بنيه، في حين انه لا يوجد أي سبب أو مبرر لطرح مثل هذه الأمور وخصوصاً موضوع التكفير.2 ـ عقد مؤتمرات علمية من أجل وضع النقاط على الحروف في مسائل من هذا النوع ومنها مؤتمر عُقد في الثالث من أيار تحت عنوان "الوحدة الإسلامية في مواجهة التكفير"، تحدث فيه العلماء المشاركون في مسألة التكفير والأسس العلمية لها ونظرة كل من السنّة والشيعة لبعضهم البعض، انطلاقاً مما صح عندهم.3 ـ سيقوم التجمع خلال الفترة المقبلة بضخ دم جديد. وحاجة التجمع الى القيام بدور أكبر لفتح باب الانتساب اليه بعدما أغلق سابقاً لأكثر من عشر سنوات. وهذا تفرضه طبيعة الظروف الصعبة التي نمر بها.4 ـ الحرص على ألا تبقى الوحدة الإسلامية حكراً على مجتمع العلماء وانزالها الى كل فئات الشعب اللبناني وخصوصاً الفئات المثقفة، مما جعلنا نفكر في تشكيل الهيئات الشعبية الداعمة لفكرة الوحدة الإسلامية والتي تضم أطباء ومهندسين وطلاباً وإعلاميين وأصحاب المهن الحرة وقسماً للنشاطات النسائية، لاننا وجدنا اننا عندما نجتمع كعلماء فالوضع سليم ولا شائبة فيه، لكن المشكلة تكون في غالب الأحيان عند بعض الشباب الذين لا يفهمون طبيعة الاختلاف في الإسلام على انه قيمة للتطور الفكري وليس مدعاة للتناحر والتنافر.5 ـ نفكر عملياً في أن ندعو الجهات الإسلامية الحزبية الى لقاء لا يكتسب صفة العلنية لتدارس كيفية مواجهة المرحلة المقبلة، ونكون كعلماء من خلال تواصلنا مع هذه القوى كضابط ايقاع لأي خلاف يمكن ان يحصل. وقد بدأنا بتنفيذ بعض الخطوات العملية في هذا الإطار، ونحرص على إبقائها بعيداً عن الأضواء.6 ـ بدأنا بالتحضير لإعادة إصدار مجلة "البلاد" السياسية الأسبوعية بحلة جديدة، لأن الصوت الإعلامي المميز الذي كانت تقوم به المجلة لم يُسدّ في الساحة الإعلامية الإسلامية بحسب رؤيتنا. اما بالنسبة الى مجلة "الوحدة الإسلامية" فسنستمر في إصدارها كونها متخصصة في الشأن الفكري المتعلق بالوحدة الإسلامية، لكي توزع في كل العالم الإسلامي، وبدأنا بتوزيعها في سوريا والمغرب وكانت النتائج جيدة. وخلال الشهر المقبل سنطلق مجلة "الوحدة الاسلامية" في سوريا من خلال مؤتمر عام يعقد في مقر اتحاد الكتاب العرب بمشاركة وجوه سورية ثقافية وبيئية.البعض يعتبر ان دور التجمع تراجع في السنوات الماضية، فما مدى صحة ذلك؟ـ في السنوات السابقة كان هذا الكلام صحيحاً، وذلك بسبب عدم وضوح الدور المطلوب من التجمع. فهو كان يتغنى بأمجاد نشاطاته السابقة قبل أكثر من 15 سنة ولا يريد ان يترك العمل السياسي المباشر لمصلحة العمل المتخصص. ولكن في المرحلة الأخيرة اتخذ قرار بحصر جهود عمل التجمع في مسألة تنشيط فكرة الوحدة الاسلامية والقيام بمواجهة أي أفكار أو مشاريع تستمد من هذه الوحدة. ولذلك كان النشاط كبيراً بدءاً من مؤتمر العلماء المسلمين وصولاً الى اليوم.ما هي انعكاسات اغتيال الرئيس الحريري على الأوضاع الاسلامية في لبنان؟ـ اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري ترك في الساحة الاسلامية السنية خصوصاً، والاسلامية والوطنية عموماً، فراغاً كبيراً من الصعب ان يملأه شخص آخر، ذلك أن الامكانات الشخصية والمادية والعلاقات التي كان يتمتع بها الرئيس الشهيد لا تتوافر في أي شخصية سياسية مطروحة أو موجودة في الساحة، مما يفترض ان تتضافر عوامل متعددة لانتاج قيادة في الساحة، ليست بالضرورة ان تكون قيادة فردية، بل أن تكون قيادة موحدة منسجمة في ما بينها تستطيع أن تملأ الفراغ الكبير الذي أحدثته هذه الجريمة المروعة. وهنا أكدنا لسماحة المفتي الشيخ محمد رشيد قباني أهمية ان تبادر دار الفتوى الى أخذ موقعها التاريخي الذي كانت تقوم به لاحتضان كل أطراف الساحة الاسلامية السنية كجزء من مشروع اسلامي ووطني كبير.هل تتخوفون من عودة الحرب الأهلية الى لبنان؟ـ كل العوامل الداخلية والخارجية تؤكد حتى الآن استبعاد العودة الى الحرب الأهلية وما يحصل الآن من تطورات سياسية والعودة الى الحوار والمؤسسات الدستورية يؤكد أن القرار الخارجي والعمل الداخلي يسعى الى ابعاد هذه الكأس المرة عن لبنان وعن المواطنين. ونحن لا نرى أن هناك خطراً أو خوفاً من حرب أهلية، ولكننا نحذر من أصوات الفتنة المستقلة بين الطوائف والمذاهب والمناطق، وندعو كل المخلصين الى مواجهة ذلك بكل الوسائل الممكنة، لأن المستفيد الوحيد من اقتتال اللبنانيين هو اسرائيل والمشروع الأميركي.ما هي رؤيتكم لمستقبل الحركات الاسلامية في لبنان؟ـ مع كل التخطيط الذي تعد له الولايات المتحدة الأميركية بايعاز وتشجيع اسرائيلي من أجل ضرب الحركات الاسلامية، خصوصاً تلك التي تحمل مشروع تحرير فلسطين، الا انني أجد ان هذه الحركات قوية ومتماسكة الى حد لن تنفع معها كل المحاولات، بل ان التجربة اثبتت انه كلما ازداد الضغط، زادت الصلابة والمنعة. والمهم ان تحذر الحركات الاسلامية ممن يحاول الايقاع بينها وبين بعضها البعض، وبعد ذلك لن يكون هناك أي مشكلة، حتى وإن قدرنا أن الظروف ستكون في الفترة المقبلة أصعب مما هي عليه الآن.وما أراه ان هناك خبرة كبيرة اكتسبتها الحركات الاسلامية في طريقة ادارة العمل السياسي والافادة من التناقضات الدولية والتصرف بوعي وحزم مع المخاطر التي تواجهها. واعتبر ان الرسالة المفتوحة التي وجهها السيد حسن نصر الله الى فرنسا هي مؤشر الى طريقة جديدة في التعامل مع القوى الدولية على طريقة نعادي من يعادينا ولا مانع لدينا من صداقة من لا يريد بنا سوءاً أو يسعى الى صداقتنا".قبانييعتبر المدير العام لصندوق الزكاة التابع لدار الفتوى والأستاذ الجامعي الشيخ الدكتور مروان قباني "ان الوضع الإسلامي في لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري دقيق جداً تبعاً للمتغيرات الحاصلة، وينبغي على القوى الإسلامية أن تعي خطورة هذا الموضوع، وأن تنطلق في حوار مع جميع المعنيين للوصول الى رؤية متكاملة ترضي الجميع وتحقق المصلحة العامة والوطنية".ورداً على سؤال حول انعكاسات التطورات السياسية الأخيرة على الوضع الإسلامي في لبنان قال: "لا شك في أن ما يحدث في لبنان من تطورات سريعة تحدث تغييرات عميقة في الواقع اللبناني، وهي من الأمور التي يصعب من حيث المبدأ ان تقوّم تقويماً دقيقاً، فمن سرعة التغيير انه يؤشر على رؤية المتابع للأحداث وليس من الضروري أن يصيب في تقويمه لها، بل ربما تحدث هذه الحركة السريعة إرباكاً في الرؤية، والدليل على ذلك ان ما كنت قبل شهر تراه من المستحيلات أصبح من الأمور البديهية الواقعة.ولكن يمكن النظر الى ان ما يحدث حالياً في لبنان قد يكون انعكاسه على الواقع اللبناني انعكاساً مقبولاً الى حد بعيد، هذا إذا استبعدنا محاولة التشكيك بطرف أو بآخر من خلال الظن بأن جميع الأطراف تعمل على تحقيق المصالحة الوطنية، وان كان كل فريق يعمل من وجهة نظره أو من منطقه.إذن نحن أمام واقع جديد، خصوصاً بعد الانسحاب السوري من لبنان، حيث يظل توقع صورة ما يحدث في الأيام المقبلة من الصعوبة بمكان.ماذا على صعيد عملية اغتيال الرئيس الحريري وما تركته على الصعيد الإسلامي والوطني؟ـ من ناحية اخرى ان افتقاد لبنان الى شخص مثل الرئيس رفيق الحريري يحدث فراغاً ليس من السهل ملؤه في أيام قليلة، وكذلك الأمر ينطبق على الوجود السوري الذي كانت بصماته واضحة في كثير من المواقع التي أصبحت الآن من دون راعٍ لها. إذن، نحن أمام حالة من الفراغ الكبير، ينبغي وضع تصور من القيادات الوطنية لما يمكن أن يجري في ظله.هل تتخوفون من حصول تراجع على صعيد استكمال تطبيق اتفاق الطائف والدعوة الى تغييره، وهل يمكن العودة الى اتفاق 17 أيار؟ـ مسألة اتفاق الطائف أصلاً خضعت الى شد وجذب من كل الأطراف، وإلى حالة انتقاء لبعض المبادئ التي وردت في الاتفاق، مارستها كل الأطراف.وأرى ان الفرصة متاحة الآن أكثر لأن يطبق اتفاق الطائف بشكله الصحيح من دون تعريضه للتشويه الذي كان قائماً في السابق، خصوصاً انه يعبّر عن إرادة اللبنانيين للخروج من أزمتهم. فهو وإن كان لا يلبي الطموح الأبعد، إلا انه يؤمن الحد الأدنى من مقومات المصالحة الوطنية واستقرار السلم الأهلي.أما عن إمكان حصول اتفاق 17 أيار جديد، فأرى أن الأيام قد تجاوزت هذا الموضوع، إلا إذا انطلقنا من التشكيك القائم من كل طرف بالطرف الآخر، وهذا لا يؤدي الى ما يخدم المصلحة الوطنية وينبغي أن تبنى المواقف على ما يقوم به كل طرف عملياً. اما الادعاء بمعرفة نوايا الأطراف الاخرى، فهذا الأمر مربك للوضع السياسي ولأي عمل مشترك يكون بين عموم الناس.وأظن ان اللبنانيين بكل أطيافهم ذاقوا من الإسرائيليين الشيء الكثير، فلن يجرؤ أحد له وزنه في البلد على أن يطرح هذا الموضوع مجدداً.ما هي رؤيتكم لمستقبل الحركة الإسلامية في لبنان في ضوء هذه المتغيرات؟ـ لا شك في ان الوضع الإسلامي في لبنان دقيق تبعاً للمتغيرات المتسارعة والحاصلة إضافة إلى الفراغ الحاصل على الصعيد السياسي. وينبغي للقوى الإسلامية ان تعي خطورة هذا الموضوع، وان تنطلق في عملية حوار مع جميع المعنيين للوصول الى رؤية متكاملة ترضي الجميع وتحقق المصلحة الاسلامية العامة وبالتالي الوطنية. اذن التفرد في المواقف يعتبر الان مقتلا للوضع الاسلامي. لا يجوز لاي قوة ان تقوم به مهما كان لديها من حضور وفاعلية، فللجميع الحق في المشاركة وابداء الرأي وصولا الى رسم واقع جديد تتعامل معه كل الاطراف.ولا شك في ان الحركة الاسلامية تعاني حاليا ضغوطا في اكثر من اتجاه، وهذا يرتب عليها مسؤولية مضاعفة من حيث الوعي لما يجري وحسن التعامل مع الواقع من دون بطولات مدعاة مع تفاعل مع الواقع السياسي الجديد.وليس هذا معناه تبديل للثوابت السياسية التي تعمل ضمنها، الا ان الواقع السياسي يفرض احيانا امورا ينبغي تقديم بعضها وتأخير البعض الاخر مما هو معروف في "فقه الاولويات" والحوار هو الاسلوب الوحيد بين الجميع للوصول الي صيغة عمل جديدة.هل تتخوفون من حصول فتن مذهبية او طائفية بعد كل هذه التطورات؟ـ ربما ظهرت بعض ملامح الاثارة المذهبية والطائفية عقب استشهاد الرئيس رفيق الحريري (رحمه الله)، وظني ان هذا الامر لا يعدو كونه مجرد اثارة لا فتنة واقعية، واعتقد ان الوضع المذهبي في لبنان غير معرض مطلقا للفتن.وأرى ان القيادات الاسلامية في مختلف مواقعها الرسمية والشعبية والحركية تعي خطورة هذا الموضوع، وانها لا يمكن ان تعتمد على توجه تحريك الفتن والعصبيات، وما حدث ليس الا مجرد اقوال من هنا وهناك من افراد موتورين يجهلون المفاهيم الاسلامية وتحركهم انفعالاتهم،. هذا ان احسنا الظن، وربما رسم الاعلام اللبناني صورة مضخمة بهذه الاثارة فتخوق الناس من مسألة الفتنة، والتي اراها بعيدة كل البعد عن الواقع اللبناني ان شاء الله.كيف تنظرون الى مستقبل لبنان في المرحلة المقبلة؟ـ الصورة المستقبلية في لبنان غير واضحة المعالم في ضوء ما قلناه من متغيرات سريعة، ولكن ان صدقت الاطراف اللبنانية في نقل ما قالته الى الواقع الحقيقي فإني ارى مستقبلا طيبا لهذا البلد، ويبقى الخوف من تدخلات اجنبية من اي مصدر كان، تؤثر في هذا الواقع فتعمل على تأجيج او اعادة تأجيج الحالة اللبنانية، كما نرى في العراق والتطبيق الاميركي للديموقراطية، اذن ينبغي على كل الاطراف ان تعي خطورة هذا الموضوع، واذا كانت لدينا الرغبة بالسير في طريق الديموقراطية والحرية فليس معنى ذلك ان نتبع هذه الجهة او تلك، ولنكن في قراراتنا احرارا كما ندعي عادة وبناء على هذا فإذا ما وصفنا ما حدث في لبنان بأنه كان ضارا، الا ان الضرر ينقلب احيانا الى نفع اذا احسنت القيادات التعاطي مع الواقع الجديد، وبالتالي صدقت في انها تعمل للمصلحة الوطنية العامة.ولا شك في انه اذا كان استشهاد الحريري ساهم في اصلاح الوضع اللبناني وبناء مستقبل جديد صالح للبنان، فإن هذا سيكون في ميزان حسناته ان شاء الله.موصلليالأستاذ في الجامعة الأميركية والمختص بمتابعة الحركات الاسلامية الدكتور أحمد موصللي يتوقع "أن يكون للحركات الاسلامية دور كبير في المرحلة المقبلة في عملية المعارضة الداخلية، وان كان من الصعب تحديد المسار الذي ستسلكه هذه الحركات في المرحلة المقبلة، نظراً الى علاقتها بطبيعة الصراع على السلطة وبالصراع العربي ـ الاسرائيلي".وحول انعكاس اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري على الواقع الاسلامي في لبنان، قال: "لا شك في ان اغتيال الرئيس الشيخ رفيق الحريري أدى ويؤدي الى تغيير اساسي في البُنية اللبنانية. ونمر اليوم، خصوصاً بعد الانسحاب السوري من لبنان، في مرحلة اعادة تركيب السلطة، ويتوقع حصول تغيير بارز في دور الفئات الاجتماعية والسياسية.أما على صعيد مستقبل العمل السياسي في لبنان فغير واضح، خصوصاً على صعيد طبيعة التحالفات التي ستنشأ بعد الانتخابات. وأنا أعتقد انه سيكون للحركات الاسلامية دور كبير في عملية المعارضة الداخلية في لبنان، لأن الرؤية العامة عند الحركات الاسلامية هي رؤية تشتمل على نواة معارضة للوضع القائم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. لكن من الصعب اليوم تحديد طبيعة التطورات المقبلة، والى اين ستتجه الحركات الاسلامية، لأن هذه الحركات ليست حركات داخلية فحسب، بل هي مرتبطة بطبيعة الصراع على السلطة في المنطقة، ولها علاقة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي، وبالصراع مع الولايات المتحدة.لكن ماهي طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الاسلامية في المرحلة المقبلة؟ـ أعتقد ان الحركات الاسلامية لن تكون جزءاً من القوى التي ستسيطر على البلد، بل ستكون في غالبيتها في مواجهة السلطة، حتى لو حصلت مشاركة في الحكومة (كما حصل مع "حزب الله")، لأن لهذه الحركات مصالح عريضة لا ترتبط فقط بمصالح السلطة التي ستتم اعادة تركيبها.فالوضع الداخلي لـ"حزب الله" والمقاومة اختلف بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري، وأصبح الحزب اليوم تحت ضغط داخلي من اجل اعادة رسم دوره في اللعبة الداخلية وعلاقة كل ذلك بالمقاومة والصراع العربي الاسرائيلي. وكل ذلك يطرح سؤالاً أساسياً حول طبيعة الدور الجديد لـ"حزب الله"، وهل ستقبل السلطة الجديدة استمرارية مقاومة "حزب الله"، خصوصاً مع تصاعد الضغط الخارجي والاقليمي من أجل تجريد الحزب من سلاح المقاومة.هل تعتبرون ان هناك فراغاً كبيراً في الواقع السياسي بعد التطورات التي حصلت؟ـ ليس هناك فراغ بالمعنى الشامل، وان كان اغتيال الرئيس الحريري والخروج السوري من لبنان خلط الأوراق كلها، وبالتالي، فإن الحركات الاسلامية عموماً والسنية خصوصاً هي في مرحلة انتقالية لبلورة رؤية جديدة في كيفية التعاطي مع القوى اللبنانية ومع السلطة. ليس هناك وضوح الى أين ستتجه الأمور حالياً. ولا بد من انتظار نتائج الانتخابات لمعرفة التوجهات المستقبلية للحركات الاسلامية. ولذلك فإن اعادة النظر في دور كل حركة وحزب سترتبط بما سينتج عن الانتخابات.هل ستفرز الانتخابات وقائع سياسية جديدة؟ـ في المرحلة المقبلة، وبسبب حالة التعاطف الشعبي التي برزت بعد اغتيال الرئيس الحريري، فإن "تيار المستقبل" سيحصد جزءاً كبيراً من المقاعد الانتخابية، لكن بعد ذلك قد نشهد بروز قوى معارضة جديدة، مما يتطلب من "تيار المستقبل" اعادة النظر في اولويات مشروعه، بحيث يجب أن يشتمل على معالجة حقيقية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان والتي ستبرز مجدداً بعد الانتخابات.البعض يتخوف من حصول فتن مذهبية أو حرب أهلية جديدة، فما مدى صحة ذلك؟ـ هناك توترات مذهبية وطائفية برزت أخيراً، لكنني اعتقد ان البلد مُجمع على عدم الوقوع في اي حرب داخلية أو نزعات طائفية ومذهبية. وهناك شعور لبناني عام برفض ذلك. وأستبعد حصول اية حرب او فتنة على الرغم من وجود مجموعات صغيرة تحاول اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي.ولبنان لن يكون أسوأ مما كان، بل انه في بداية مرحلة جديدة، والمهم ان على اللبنانيين ان يرتبوا اوضاعهم الداخلية بشكل يسمح لهم بالخروج من الانتماءات الطائفية والمذهبية والوصول الى مجتمع حر ومنفتح وله ضوابط اقتصادية واجتماعية.نحن أمام تحول جذري في البلد، لكن اذا اعدنا انتاج الطبقة الحاكمة نذهب نحو التغيير في ظل وجود دولي داعم.الصورة ليست متشائمة، وهناك عناصر ايجابية كثيرة، وعلى اللبنانيين ان يحسنوا الافادة منها للتغيير.عتريسيمدير معهد العلوم الاجتماعية (الفرع الأول) في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي يعتبر "ان لبنان دخل بعد اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري مشهداً جديداً لم نعرفه منذ ثلاثين عاماً، مما طرح اسئلة وإشكالات عديدة على القوى المحلية، وجعلها تبالغ في رهاناتها وتتقلب في مواقفها، وكل ذلك يفرض على القوى الاسلامية مسؤولية خاصة في المرحلة المقبلة.وحول انعكاس اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري على لبنان، قال: "السمة الأبرز لما جرى في لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري هو دخول العامل الدولي (الأميركي ـ الفرنسي) بقوة غير معهودة طيلة السنوات الماضية على خط التدخل المباشر في ما يجري في لبنان. وفي ما يفترض ان تؤدي اليه التحركات السياسية والشعبية من تغيير في موازين القوى وفي طبيعة المعادلة الداخلية وارتباطاتها السورية المباشرة.وقد اختبر اللبنانيون "حافة الهوية" طيلة الأسابيع التي أعقبت الاغتيال. الا ان حكمة معظم القيادات السياسية، وقناعتها بلا جدوى الاحتكام مجدداً الى لغة السلاح، وغياب القرار الاقليمي، ساهم في تجاوز تلك الحافة، على الرغم من آثار الاحتقان التي تركتها في اكثر من اتجاه".أضاف: "لقد دخل لبنان بعد الانسحاب السوري مشهداً جديداً، لم يعرفه منذ نحو ثلاثين عاماً، سماته غياب قوة الضبط والتدخل السياسي والأمني في ادارة الحياة اللبنانية، واستبدالها أو مشاركتها بأكثر من قوة اقليمية ودولية في ادارة تلك الحياة، ونموذجه التوافق الفرنسي ـ السعودي ـ الأميركي ـ السوري، (الأمم المتحدة) على حكومة الرئيس ميقاتي، وعلى سرعة ولادتها. كما وجدت القوى السياسية اللبنانية، وزعماء الطوائف أنفسها وجهاً لوجه امام اعادة "تركيب" لأحجامها ولحصصها ما أربك الكثير من تلك القوى وأولئك الزعماء، وجعلها تبالغ في رهاناتها حيناً وتتقلب في مواقفها حيناً آخر. كما أرغمت تطورات ما بعد اغتيال الرئيس الحريري "حزب الله" على الانتقال بقوة الى "المعادلة الداخلية" في محاولة لاستباق استهدافه المعلن، ولسد الفراغ السياسي الذي نجم عن الانسحاب السوري من لبنان.ان التحولات التي كان يفترض ان تحصل بسرعة بعد اغتيال الرئيس الحريري من خلال التظاهرات الشعبية والاعتصامات المتواصلة التي دعمتها وسائل الإعلام كافة، أغفلت واقع القوى الاخرى (مثل "حزب الله") وقدرتها على تعطيل تلك المحاولات. كما أغفلت خصوصية الواقع الطوائفي اللبناني الذي يطل برأسه عند أي مشروع لتغيير المعادلة الداخلية. ولهذا السبب اتسمت مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الحريري الى الانسحاب السوري، باندفاعة قوية من أجل التغيير (قادتها المعارضة) قبل ان نتحول بعد أسابيع قليلة الى ارتباك داخلي، يتناقض تماماً مع حسابات بيدر "انتفاضة الاستقلال".هل تتخوفون من العودة عن اتفاق الطائف أو إعادة طرح اتفاق 17 أيار جديد؟ـ في ذروة التركيز السياسي والإعلامي على استعجال خروج الجيش السوري من لبنان، الذي ترافق مع فتح الأبواب السياسية على احتمالات التغيير الداخلية والاقليمية، تحركت دوافع بعض القوى للانقلاب التام والكامل على كل المعادلة التي ارتبطت بهذا الوجود السوري في لبنان، وتحديداً اتفاقات الطائف، لإعادة توليف موازين القوى الجديدة (الغلبة المحلية ـ الدولية) في اتفاقات جديدة تنهي آثار "المرحلة السورية" وفي مقدمتها ظاهرة المقاومة في جنوب لبنان. إلا ان مثل تلك الأفكار والدعوات، ومعها الاستعداد لتوقيع اتفاقات جديدة مع إسرائيل، بقيت، محصورة، ولم تتحول الى مشروع جدي عند المعارضة اللبنانية خصوصاً وان الانقلاب على الطائف، لم يلق أي تجاوب في الإطار اللبناني الواسع، لما يحمله من مخاطر عدم الاستقرار، وايقاد فتنة الحرب من جديد. ولا يبدو بعد ما جرى داخلياً ودولياً ان لهذا الاتجاه "الانقلابي" أي فرصة في التأثير على الحركة السياسية العامة.ما هو مستقبل الحركات الإسلامية في لبنان بعد هذه التطورات؟ـ شهدت الساحة الإسلامية بعد اغتيال الرئيس الحريري شعوراً مذهبياً حاداً اثار مخاوف جدية من مشروع لفتنة داخلية بين المسلمين لا تبقي ولا تذر. وسبق عملية الاغتيال صدور القرار الدولي 1559 الذي أثار المخاوف بدوره من نزع سلاح "حزب الله" وإنهاء "ظاهرة" المقاومة ضد إسرائيل. وترافق ذلك مع ما أشرنا اليه من دخول أميركي قوي على الواقع الداخلي اللبناني. ما أدى ايضاً الى ارتباك في الساحة الإسلامية، على غرار الساحات اللبنانية الاخرى، والى انتقال "حزب الله" تحديداً الى الموقع الدفاعي والى نزع فتيل التوتر المذهبي الداخلي بالتعاون مع القيادات الإسلامية الاخرى.كما استبق "حزب الله" المشاريع المختلفة لبحث مستقبله ومستقبل سلاحه بالدعوات المتكررة المبكرة الى الحوار حول وظيفة هذا السلاح، وحول كيفية التعامل مع التهديد الإسرائيلي للبنان. وربما أمكن القول انه نجح الى حد بعيد، وساعده في ذلك عدم الرغبة الدولية في تعجيل تفجير هذا الملف الخلافي، في جعل هذه القضية، قضية داخلية لبنانية ـ لبنانية قبل ان تكون مطلباً دولياً. ولا يعني ذلك ان الأصوات الداخلية والخارجية لن تعلو مجدداً حول وظيفة هذا السلاح، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية المقبلة. وهذه قضية من أعقد القضايا التي لا يمكن انهاؤها بمجرد قرار دولي لأنها باتت جزءاً عضوياً من النسيج اللبناني الداخلي. وتقع على القوى الإسلامية مسؤولية خاصة في هذا المجال سواء على مستوى الإعلان الصريح عن التمسك بخيار عدم الخضوع للضغوط الدولية بشأن المقاومة وسلاحها، على أساس ان ذلك يشكل حماية للوطن وليس لأي طائفة من الطوائف، أو على مستوى تعزيز مناخ التلاقي والتشاور للانتقال الى استعادة بيئة الثقة الى أكبر حد ممكن. وعلى هذه القاعدة يمكن ان تنفتح أبواب الحوار مع الطوائف الاخرى، بعيداً عن التشنج الذي أعقب اغتيال الرئيس الحريري.ان "الحسابات" الإسلامية المتفاوتة من خروج سوريا من لبنان سلباً أو إيجاباً، ينبغي ان تدفع الى المزيد من التلاقي والنقاش حول مشاريع التغيير الخارجية وحول مصلحة اللبنانيين عموماً في عدم الانخراط في تلك المشاريع.ولا شك في ان "حزب الله" سيواجه وضعاً جديداً يدعوه الى الانخراط أكثر فأكثر في رمال السياسة الداخلية، بعد غياب الراعي السوري الذي كان يؤمن الحماية من تلك السياسات. وسيبقى "حزب الله" والمقاومة الإسلامية في المرحلة المقبلة في حالة دفاعية تقتضيها الضغوط الدولية الشديدة، مع الحرص الشديد على أوسع قاعدة من الحوار والانفتاح على الجميع من دون استثناء.هل تتخوفون من عودة الحرب الأهلية أوحصول فتن داخلية؟ـ لقد طويت صفحة الحرب الأهلية، ولا خوف اليوم من فتنة طائفية أو مذهبية، خصوصاً وان الانتخابات المقبلة ستبدل من طبيعة التحالفات والاستقطابات التي كانت حادة بعد اغتيال الرئيس الحريري وما يمكن رصده في المدى المنظور ان لبنان لن ينعم بالاستقرار السياسي التام. فالضغوط الأميركية لن تتوقف، ولكن الرهان يبقى على وعي اللبنانيين بأهمية التسويات الداخلية التي تحفظ الجميع، لأن أي مشروع اقصائي أو تهميشي للآخر، لن يحقق أي انتصار، ولن يجلب للبلاد سوى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home