سعد الدين خالد يروي القصة الكاملة للتهديدات السورية التي سبقت اغتيال
أسرار بالغة الخطورة ووقائع تنشر لأول مرة يكشفها في هذا الحوار سعد الدين حسن خالد، أخطرها وأهمها التهديدات السورية التي كانت وجهت للمفتي الشهيد حسن خالد قبل جريمة اغتياله النكراء عام 1989.
حوار ((الشراع)) مع نجل المفتي الشهيد تناول وبالتفصيل مواقف لوالده الراحل أزعجت السوريين ودفعتهم إلى إرسال رسائل تهديد وتحذير له، عبر الهاتف وعبر موفدين وعبر قصف منـزله في الرملة البيضاء أو مكتبه في دار الفتوى، إلى درجة دفعته إلى الطلب من شخصيات عدة ومنهم السفير الكويتي بإبلاغ من يريد قتله: ((ليقتلوني إذا أرادوا ولكن لماذا قصف الأبرياء والآمنين؟))
نجل المفتي الشهيد كشف كيف ان والده تصدى لنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في طرابلس عندما كان يؤنب زعماء المسلمين لأنهم اختاروا الرئيس سليم الحص خلفاً للرئيس الشهيد رشيد كرامي من دون العودة إليه، مشيراً إلى ان حالة من الانقطاع بين المفتي الشهيد وسوريا أعقبت هذه الواقعة، خصوصاً وان الشيخ الراحل حسن خالد كان يحتج على تخوين الناس وقيام ضباط المخابرات بتوزيع الشهادات بالعروبة التي كان يرى انها لا تنحصر بسوريا فقط بل تشمل كل العرب.
سعد الدين خالد يعرض في هذا الحوار شريطاً من المواقف الهامة للمفتي الشهيد الذي كان همه الأول وحدة اللبنانيين ووقف الحرب، فحرص على إبقاء تواصله مع كل القيادات المسيحية خلال الحرب، معتبراً انه مستهدف بالاغتيال هو والبطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير.
.. وهذا غيض من فيض في الحوار مع نجل المفتي الشهيد، نعرضه كما يلي:
# اليوم الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد المفتي الشهيد حسن خالد، هل كان المفتي الشهيد في حالة حذر من عملية اغتيال تطاله، وهل من تهديدات تلقاها؟ ممن؟ وماذا كان يقول عنها؟
- حتى نتكلم عن هذا الموضوع، يجب ان نعرف شخصية المفتي الشهيد حسن خالد وما هي الامور التي حكمت هذه الشخصية، لقد حكمت شخصيته ثلاثة امور: الامر الاول ايمانه المطلق بالله سبحانه وتعالى، وبالقضاء والقدر. ثانياً، تربيته الاسلامية والعربية المحافظة جداً. ثالثاً دراسته لعلم المنطق والتوحيد التي تركت اثراً على مناحي تفكيره وطريقة عمله وأسلوبه بالاستماع وقدرته على الحوار. فهذه الامور حكمت شخصيته في كل عملٍ كان يقوم به خلال توليه منصب الافتاء، وخلال عمله منذ تولي مناصب عدة في القضاء وغيره. من هنا نستطيع القول، ان المفتي خالد رحمه الله كان على علم بأن هناك محاولات كثيرة لاغتياله.
كان الشيخ الشهيد يعيش التهديدات بالقتل من خلال مراسلات ومن خلال اتصالات عبر الهاتف، كتهديدات مبطنة، ومن خلال اشخاص كانوا يوفدون اليه، وكان يستمع اليهم، بكل هدوء واصغاء وايماناً منه بالله تعالى، انه لن يغير موقفه مهما كلف الثمن، لان هذا الموقف ليس موقف حسن خالد، وانما هو موقف يشعر من خلاله مع اللبنانيين، مع ديمومة لبنان ومع الحفاظ على الحق والعدالة والمساواة والمحافظة على البلد والمفاهيم التي تكلمنا عنها.
# ممن كانت تأتيه هذه التهديدات؟
- كانت تأتيه بواسطة اشخاص من بعض اجهزة المخابرات السورية واللبنانية. منها ((رأفة بك يا شيخ حسن غيّر وبدِّل من مواقفك)).. ((هذه الامور عدّل وغيِّر فيها)). وكان رده الدائم ((ان هذا الموقف ليس ملكاً لي وانما هو ملك لله تعالى وانا مسؤول في هذا المنصب، ولا استطيع ان اغير شيئاً من قول كلمة الحق، اذا اخطأت فأنا مستعد للرجوع عن الخطأ انما فيما يخص الحق والعدل، فهذا لا يخصني وانما يخص الناس، ويخص بالنهاية موقفي وموقعي كمسؤول عن الناس)).
# اجهزة الاستخبارات السورية، كانت يومها برئاسة اللواء غازي كنعان.. هل كانت تأتيه تهديدات بواسطة اللواء كنعان؟
- لم تكن تهديدات..
# نصائح؟
- هذه النصائح كانت تدور حول ((لماذا تأخذ هذا الموقف.. لماذا لا تتعلم من كذا.. وكذا..
# ممن؟
- من كمال جنبلاط، مثلاً، وممن سبقوك بالعمل السياسي.. من هؤلاء المتشددين.. وكانوا يقولون له، تستطيع ان تصل الى ما تريد من خلال كونك رحوماً، ان تخفف من وطأة هذا العمل.
# من كان ينقل له هذه الرسائل هل كانوا لبنانيين؟
- الكثير منهم كان من اللبنانيين، والبعض كان حريصاً ومحباً، ويوصل له الكلام الذي سمعه.
# مثل من؟
- الكثير من الشخصيات اللبنانية في المخابرات، وبعضهم اشخاص عاديون، كانوا على علاقة مع الاجهزة السورية.
# هل كانوا ينقلون كلاماً مباشراً من اللواء كنعان بان يكون حذراً؟
- كانوا ينقلون كلاماً مباشراً من اللواء كنعان، وكلاماً عبر القنوات السورية من الرئيس حافظ الاسد، ومن الوزير السوري عبدالحليم خدام.
# رسائل من الرئيس الاسد ومن نائبه؟
- نعم.
# واعتبرت نوعاً من التهديد؟
- وفي بعض اللقاءات التي حصلت بينه وبينهم، كان يسمع بعض العبارات التي توجهه في ان لا يتحرك باتجاه ما، قبل ان تكون مدروسة معهم.
# هل تواصلت اللقاءات التي كانت تتم بينه وبين المسؤولين وخاصة الرئيس الاسد؟
- عقدت عدة لقاءات بين المفتي الشهيد حسن خالد والرئيس حافظ الاسد، وآخرها وبعد انقطاع طويل، هيىء له ودام لساعات عديدة. دار الحديث حول مواضيع مختلفة ليس لها علاقة بالقضية اللبنانية لا من قريب ولا من بعيد وكان الشيخ حسن خالد يومها، متضايقاً جداً لان زيارته حسمبا خطط كانت مخصصة للتكلم والتباحث في المواضيع التي تهم اللبنانيين والسوريين، وبعض الامور التي كانت تحدث على الساحة اللبنانية. انما كان الموضوع في ذلك الوقت غائباً تماماً عن هذا اللقاء، وعند الوداع وعلى الباب امسك الرئيس حافظ الاسد بيدي الشيخ حسن خالد قائلاً له: ((بيسوى يا سماحة المفتي قبل ما تعمل أي خطوة تخبرنا))..
# وكأنه تحذير بألا يفعل شيئاً بمفرده؟
- نعم.. يومها كان الشيخ حسن خالد في اسوأ ايامه، كان يتوقع ان يلقى صدراً واسعاً، لان الشيخ حسن خالد، لم ينطلق بعلاقته بسوريا من منطلق مصلحة شخصية وانما انطلق ايماناً من عروبته واسلامه، وبانفتاحه على هذا البلد الشقيق.
# لماذا تحدثت عن ان هناك انقطاعاً بينه وبين سوريا، ولماذا حصل هذا الانقطاع؟ وكيف رتب هذا اللقاء؟
- الكل كان يعلم بالتجاوزات الكثيرة التي كانت تحصل في الشارع اللبناني، ضد المواطنين في الاطار السياسي.
# انت تتحدث عن الفترة ما بين عامي 1985 و1989؟
- حتى ما قبل ذلك، كانت العلاقة التي تربط الشيخ حسن خالد بالدولة السورية علاقة تحكمها مصلحة الشعب اللبناني ومصلحة العرب في تلك المرحلة.
# وكان يرى ان هناك تجاوزات سورية؟
- عندما كان يرى ان هناك تجاوزات، كان يؤمن بأن عليه ان يبلغ عن هذه التجاوزات ويحاول الحد منها لان المصلحة العامة لنجاح مساعي سوريا لاعادة الوحدة اللبنانية وعودة المؤسسات، كما كنا نعتقد ان دور سوريا في لبنان، هو دور اسعافي لانقاذ لبنان من الطائفية ومن المناطقية، فإذا كان هذه هو المسعى او الغرض الرئيسي من الوجود السوري في لبنان فلماذا هذه التجاوزات ولماذا هذه الانتهاكات التي كانت ترتكب باسم السعي في هذا الاطار.
# وهذا قبل نظام الوصاية؟
- نتكلم عندما ناشدوا سوريا الدخول بين القوات المتحاربة على الارض اللبنانية.
# مع من كان يتكلم الشيخ حسن خالد، هل كان يخاطب اللواء غازي كنعان ام يلتقي مع ضباط سوريين في بيروت؟
- كان حريصاً جداً ان يكون لقاءه مع الرئيس حافظ الاسد او نائبه عبدالحليم خدام. الشيخ حسن خالد تركيبته لا تستطيع ان تتعامل مع اجهزة مخابرات، ولا تستطيع هذه الاجهزة ان تلزمه بكلمة او بحركة، وهو مرجع للمسلمين لم يكن لديه مشكلة ان يقابلهم، ولكنه لم يكن يستطيع ان يساومهم او يفاوضهم او يتكلم معهم بأمور يعتقد هو بأنها من مسؤولية الراعي الاول. انا اعتقد بأن الكثير مما جرى في لبنان في ذلك الوقت كان يصل الى الرئيس حافظ الاسد، وبأغلبيته كان يصل مشوهاً، كانت تركب الامور. الشيخ حسن خالد عانى كثيراً من تركيب الامور كما نعاني منها اليوم، توصيف الناس، وضعهم في خانة الخيانة، كا هذا يضايق الشيخ حسن كثيراً. واكثر ما كان يضايقه انه لا يستطيع ان يتحمل ان يتوسل الى شهادة بأنه عربي المنبت من ضابط مخابرات او أي شخص آخر. لان تربيته الاسلامية وتربيته العربية ومعاصرته لعبد الناصر وكل الثورات العربية في مواجهة الاستعمار ومواجهة ما كان يسمى في ذلك الوقت الرأسمالية وغيرها، كانت حياته اليومية ومأكله ومشربه، كل ساعة.. وعندما وصل الى منصب الافتاء، لم يصل الى هذا المنصب كونه طالب مناصب، بل أُجبر على اخذ المنصب، لأنه كان حلاً وسطاً بين كل المتنافرين على الساحة اللبنانية، ويومها رأى الرئيس جمال عبدالناصر فيه ذلك الرجل الذي لم يتوسل الى ذلك المنصب، فأرسل له سؤالاً لماذا لم تتقدم بترشيح نفسك لمنصب مفتي الجمهورية. فقال له انها مسؤولية أُعفي نفسي منها لانها تحملني طاقة يمكن الا اطيقها.
# هذا يعني ان جمال عبدالناصر استقبل الشيخ حسن خالد قبل ان يصبح مفتياً؟
- نعم، والكثير من القيادات في بيروت رأت في الشيخ حسن خالد ذلك الانسان البيروتي المميز، الذي له بصماته في الشارع البيروتي والشارع الاسلامي، والشارع اللبناني، عبر المنطق، وعبر الجمع، وعبر وحدة الكلمة، فرأوا فيه هذا الرجل الذي يمكن ان يوحد الصف الاسلامي الذي يساهم في وحدة الصف الوطني، وفعلاً نجح.
# عودة الى حواره مع السوريين.. اللقاء الاخير، قال له الرئيس الاسد انه ((بيسوى قبل ان تعمل شيئاً ان تراجعنا)) كأنه ضابط مخابرات يوصي احد اتباعه، ألا يفعل شيئاً الا بأمره قبل هذا اللقاء حصل انقطاع، لماذا هذا الانقطاع بين المفتي الشهيد والرئيس حافظ الاسد؟ هل طلب مواعيد ولم تحدد له مع الرئيس الاسد او مع نائبه؟
- حقيقة، ان هذا الانقطاع بدأ منذ اغتيال الرئيس رشيد كرامي عام 1987.
# ماذا حصل، يبدو وكأن هناك صداماً حصل مع عبدالحليم خدام؟
- في حزيران/يونيو عام 1987 اغتيل الرئيس رشيد كرامي في ايام عصيبة. كان لبنان يتوقع نوعاً من حالة انتقالية الى الافضل.
# كان هناك حوار بين كميل شمعون ورشيد كرامي وقيل ان هناك اتفاقاً بين الاثنين؟
- الساحة كانت مؤهلة لحلٍ ما، لأن اللبنانيين يومها كما يقول المثل العامي: ((يتمسكون بحبال الهواء))..
# وكان هناك ثوابت اسلامية اعلنها المفتي الشهيد وبالاتفاق مع الامام محمد مهدي شمس الدين..
- نعم في العام 1982 اعلن الشهيد الثوابت الاسلامية العشر، بعد انتخاب الرئيس امين الجميل، وكان هناك تجاوب من الرئيس امين الجميل، بعد انقطاع طويل معه اصبح هناك فرصة للحوار وللحل في جو لبناني بمساعدة سورية، هذا الجو المطمئن دعا الشيخ حسن خالد الى الخروج من لبنان والقيام بجولة عربية لتأمين الدعم لهذا الحل.
# من زار؟
- زار بعض الملوك والرؤساء العرب، لوضعهم في هذا الجو الايجابي طالباً منهم ان يساهموا بكل امكاناتهم لدفع هذا الحوار، حيث زار السعودية ومصر والكويت والامارات العربية المتحدة.
# هل زار الاردن او العراق؟
- لم يزر العراق نظراً للخلاف السوري – العراقي، وهذا قسم من المشكلة العربية، وتجنباً للحساسيات.
اغتيل رشيد كرامي، وكان المفتي خارج لبنان، قطع زيارته للسعودية وعاد الى لبنان، وعند وصوله الى المطار، كانوا يعلمون انه يريد الذهاب الى طرابلس للمشاركة في التشييع فطلب منه احد الاجهزة اللبنانية نقلاً عن الاجهزة السورية عدم الذهاب الى طرابلس، وبعد اصراره كانت النصيحة الثانية، انه يتم تأمين طائرة مروحية لنقله الى الشمال، فأصر على الذهاب بالسيارة، ليقول لكل اللبنانيين بأن الاراضي اللبنانية هي اراض لكل اللبنانيين، وان كل اللبنانيين المتقاتلين هم ابنائي وهم اخواني وانا على استعداد لمواجهتهم ولاثبت للعالم اجمع بأن اللبنانيين هم في صف واحد انما بحاجة الى من يدفع هذه المسيرة الى الوحدة.
# كلامه جاء من وحي ما يعتقده اتفاقاً بين الراحلين رشيد كرامي وكميل شمعون؟
- اعتقد ان هذا هو اولاً ايمانه لانه لم يقطع مع كل القيادات المسيحية العقلانية منذ الحرب اللبنانية وحتى لحظة استشهاده. دائماً كان على تواصل تام. كان يقول بأن الحرب عليّ وعلى البطريرك صفير، وكان يقول لنا ان هناك محاولات لاغتياله ولاغتيال البطريرك صفير. ولماذا تقصف ((بكركي)) و((دار الفتوى)) في اليوم نفسه. انا افهم ان تقصف بكركي، ولكن من يقصفها ويقصف دار الفتوى، هذا يعني بأن المصدر واحد. فغادر الى طرابلس بسيارته، وفوجىء على الطريق بعكس ما صوروا له، في كل منطقة كان يمر بها، كانت الميليشيات المتحاربة تقف وتؤدي له التحية وتنـزله بالقوة من سيارته وتكرمه اشد التكريم. وهذا اثار نقمة الاجهزة الامنية. لان الشيخ المفتي حسن خالد فتح موضوعاً كان مطوياً وهو موضوع الحوار. وكان سلعة ليتاجروا بها ولتأجيج الحرب. وصل الشيخ حسن خالد الى طرابلس ودخل منـزل الشهيد رشيد كرامي فوجىء بنائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام واقفاً امام زعماء المسلمين في لبنان (اللقاء الاسلامي) وهم قابعون في اماكنهم ورؤوسهم في الارض وهو يحاضر بهم ويهددهم ويؤنبهم، ويقول لهم كيف تتجرأون على اختيار الرئيس سليم الحص رئيساً للحكومة من دون الرجوع اليّ، وهنا جن جنون المفتي حسن خالد لانه رأى في هذا المنظر الرهيب نهاية ليس للبنان بل نهاية للمبادىء والاخلاق والدين والعروبة ولكل مفهوم تربينا عليه، فوقف وبأعلى صوته حذر خدام ومن ارسله بأن هذا الكلام لن يقبل به ابداً، وان هذا الموضوع هو موضوع داخلي، يخص المسلمين واللبنانيين، وبأنهم سيختارون من يشاؤون لرئاسة الحكومة، وان هذا الكلام ليس موضعه اليوم، ولأن بين يدينا شهيد كبير، يجب ان نعلم لماذا قُتل. ليس المهم ان نعرف من قتله، بل يجب ان نعرف لماذا قتل الشيخ حسن خالد لم يكن يهاب من ذكر كلمة الحق.
# ماذا رد خدام؟
- في هذه الواقعة سأل خدام المفتي خالد.. بتهكم هل مررت على منطقة ((حالات)) يا شيخ حسن؟ هل عبرت سيارتك على دماء الشهيد رشيد كرامي؟ كان يريد ان يؤنب والدي كيف مر براً وفتح باباً لم يكن يراد فتحه..
# هذا الانقطاع حصل في العام 1987 بعد اغتيال الشهيد رشيد كرامي.
- عندها دخلت العلاقة بين الشيخ حسن خالد وسوريا وكل اجهزتها، المظهر الصحيح. اظهرت سوريا موقفها الحقيقي من الشيخ حسن خالد وان الشيخ حسن خالد رجل حوار، رجل عيش مشترك، رجل عربي ولكن عروبته هي سوريا ومصر والسعودية أي انها شاملة، وهذا غير مقبول، لان مفهوم العروبة عندهم ان تمر من سوريا، وان تقف في سوريا، كان الشيخ حسن خالد رجلاً لا يستطيع ان يضبط عروبته في مساحة ضيقة وهذا هو بعده الذي تربى عليه، البعد الذي يتكلمون عنه البعد الجغرافي والبعد التاريخي، البعد العربي، وكانت هذه مهمته في الحياة، كما كان يعتقد، وكان يعتقد ان ما فرقه الاجنبي في الحدود، كان يستطيع ان يثبته بالتواصل والتعايش والمشاركة والحوار.
# فماذا حصل من مظاهر العداء السوري للشيخ حسن خالد، ما الذي ظهر منها؟
- يومها، ابتدأت التهديدات، واحدى النصائح المؤكدة التي وصلت اليه قبل سنة او سنتين من الاغتيال، اننا ننصحك بمغادرة لبنان وان تسكن في فرنسا وان تناضل من اجل قضيتك من هناك.
# من الذي كان يحمل هذه النصائح؟
- المشتركون في الحوار معه، وكان احياناً يأتيه اتصال وعندما يسأل عن هوية المتصل يرد: ((إحم.. إحم.. فهِّموه)) بلهجة سورية او لبنانية، واحياناً يرد المتصل بالقول: ((قولوا له يغيِّر. والله نحنا بنحبه)) هذه رسائل. وهناك رسائل اخرى، احياناً عندما يعود المفتي الى منـزله وقت الغداء، كان يتم قصف المنـزل، في منطقة الرملة البيضاء، احياناً كان يذهب الى مكتبه فتقصف دار الفتوى، فأراد ان يختبر هذا الامر، فترك المنـزل وذهب الى دار الفتوى، فقصفت دار الفتوى، وترك دار الفتوى قبل موعد انتهاء عمله وتوجه الى بيته، فقصف البيت. فعلم وقتها وتأكد انه كان مقصوداً، واعلن يومها ((اذا اردتم قتلي، فاقتلوني لماذا قتل الابرياء)).
# هل ارسل الى سوريا من يبلغهم ان هذا هو رأي الشيخ حسن خالد؟
- نعم.
# من كان يرسل؟
- ارسل وراء قائد قوات الردع سامي الخطيب، واصطحبه الى دار الفتوى، واطلعه على القذائف التي منها ما هو منفجر ومنها ما هو غير منفجر في ساحة الدار، وأطلعه على العبارات المكتوبة على القذائف، واثبت لسامي الخطيب ان هذه القذائف ليست مرسلة من المنطقة الشرقية لبيروت، وانما هي قذائف سورية او ادوات سورية.
# ما هي واقعة الحديث الذي نقل على لسان السفير الكويتي احمد الجاسم الذي قال فيه ان المفتي اخبرني، وقيل انها ادت الى اغتياله.
- في هذا الجو زار السفير الكويتي احمد الجاسم سماحة المفتي في دار الفتوى، فأخبره بما يحصل وبما حصل خلال الاسابيع الماضية وبأن القصف هو قصف مركز يطال دار الفتوى ويطاله شخصياً، وقال له ان تقرير نوعية القذائف ومصدرها موجود ومعروف من اين انطلقت، فأرجو ان تخبروا من هو بصدد قتلي بأنني مستعد للموت، ولكن الا يذهب معي ضحايا ابرياء.
# كأنه يقول لهم، لا تقصفوا، بل اغتالوني وحدي.
- كأنه يقول انه حاضر للموت اذا كانت مشيئة رب العالمين ان يموت..
# ومع ذلك عندما استشهد، استشهد معه حوالى عشرة اشخاص وبينهم شقيق عماد الترك وابراهيم الترك من ابناء المنطقة وآخرين. عندما تبلغ الشهيد حسن خالد ان يرحل من لبنان، ماذا كان رده؟
- كان رده قاسياً جداً. قال فيه، اولاً لن اغادر لبنان لأي سبب كان، لانني اذا اردت ان اناضل كما تقولون فاذا كان نضالي من اجل الشعب، فيجب ان اكون بين الناس وأحس معهم في مشاكلهم وفي المصائب التي يعيشونها حتى استطيع ان اعبر عنهم بكل حرية.
# اغتيال الشهيد في 16 ايار/مايو 1989 خلال ما اطلق عليه (حرب التحرير) من عون ضد السوريين، او الحرب التي سميت بـ(حرب عون)، هل كان هناك تواصل بين المفتي الشهيد وبين ميشال عون؟
- بعد تعيين الرئيس امين الجميل للعماد ميشال عون لتشكيل حكومة، نشأ كما نعلم جميعاً وضع شاذ، وكان مؤسساً او منذراً بتقسيم لبنان، وكان هذا العمل يضايق سماحة المفتي كثيراً لان نضاله الاساسي هو اولاً عدم تدويل القضية اللبنانية، ثانياً عدم القبول بتقسيم لبنان، هذا نضاله منذ بداية الحرب.
فعندما أُلفت هذه الحكومة، كان هو الإنسان العاقل الذي يتعاطى مع وضع ميشال عون وسليم الحص (أي الحكومتان التي تم تشكيلهما) بشكل يساعد على التخفيف من أي أزمة يمكن ان تحصل في بداية شرخ ما. أي انه رجل حوار بين الاثنين.
# هل اتصل بميشال عون؟
- هناك اتصالات بين الشهيد وبين ميشال عون. وكان هناك ترتيب ما لم يحصل بسبب اغتيال الشيخ الشهيد.
# هل كانت هناك محاولات للقاء؟
- كانت هناك محاولات عديدة، كانت هناك اتصالات، كان هناك نوع من الارتياح لدى الشهيد حسن خالد على ان ميشال عون يمكن ان يكون هذا الرجل الوطني العسكري، الذي يمكن ان يلم الشمل ويكون رئيساً للجمهورية، لا مانع حيث انه ابن مؤسسة عسكرية يمكن الحوار معه.
وعندما جاء عهد العماد ميشال عون، بدا له ان بيروت الكبرى ربما أصبحت وشيكة، التزم الاعتدال وأخذ يدعو إلى إنهاء الحرب، ونشر السلام خاصة في بيروت وإجراء الانتخابات الرئاسية. كان المفتي خالد يؤمن بالمؤسسات والقانون. كان حلمه أن يكون الإنسان اللبناني مرجعيته الدولة وليس الزعيم فكان هذا متقارباً جداً مع العماد عون ولكن وللأسف فاجأته الحرب الدائرة بين الجنرال والنظام السوري، وشعر بالارتباك والحيرة فلا يستطيع السير بركاب سوريا على حساب بيروت الكبرى، ولا هو يمكنه تأييد الجنرال عون تأييداً واضحاً وصريحاً مع اقتناعه الضمني بطروحاته وصدقيته.
# هل كان يؤمن بدور المؤسسة العسكرية الوطنية اللبنانية في مواجهة الميليشيات؟
- كان أول من أنذر في بداية الحرب بالانتباه إلى المؤسسة العسكرية بأنها هي صمام الأمان الوحيد لعدم انهيار لبنان، ويومها طالب بمجلس عسكري من مختلف الطوائف حتى لا يصار إلى تقسيمه، ولكن في وقتها لم ينتبه أحد إلى هذه المشكلة.
# كان هناك مشروع فلسطيني لتقسيم الجيش وهذا ما حصل. بالمناسبة هل حصل صدام بين المفتي الشهيد وبين المنظمات التي كانت تسيطر على لبنان؟
- لا شك بأن إيمان الشيخ حسن خالد بالقضية الفلسطينية هو الذي دفعه في البداية إلى نصرة ومساندة العمل الفدائي الفلسطيني، انما عندما تجاوز العمل الفلسطيني حد التدخل في القضايا اللبنانية الداخلية، اصطدم الشهيد حسن خالد مرات عديدة مع الرئيس ياسر عرفات رحمه الله، شخصياً، وأنذره بأن ما يفعله هو خطر ليس على لبنان وانما على القضية الفلسطينية بشكل عام.
# هل هدده الفلسطينيون؟
- الفلسطينيون ضايقوا الشهيد حسن خالد كثيراً.
# كيف؟
- في تحركاته وأعماله وبعض الامور السياسية في لبنان وضايقوه عملاً، كانوا يظهرون له كل الود والاحترام، ولكن كانوا يرتبون له كل ما يضايقه في الخفاء.
كان يعلم
# كيف امضى الايام الاخيرة من حياته وهو يتنقل من مكان الى آخر، تحت القصف، هل جمعكم واوصاكم بشيء؟ هل نبهكم الى انه قد يغتال، وهل كتب وصية سياسية او شخصية على هذه القاعدة؟
- رحمه الله، كان يعلم ان هناك محاولة لاغتياله ولكنه في الوقت نفسه كان يعلم ان الموت يحدده رب العالمين، وكان يعلم ايضاً بأن من سيحاول اغتياله سيكون شديداً لدرجة انه سيؤكد هذا الاغتيال.
# لن تكون محاولة.. بل اغتيال؟
- لن تكون محاولة، وعندما تنفذ العملية ستنفذ بطريقة كاملة لدرجة ان لا تترك اثراً.
# تماماً كما فعلوا في عملية الشهيد الرئيس رفيق الحريري؟
- تماماً.. كان هم الشيخ الشهيد حسن خالد الا يذهب معه ضحايا، هذا كان همه الوحيد. لأنه كان يعتقد بما ان المحاولة يمكن أن تنجح أو لا تنجح، ان تؤذي المواطن البريء. فكاد أن يستجديهم بأن يطلقوا عليه النار بدل المحاولة التي قد تطال العشرات من الأبرياء.
# الشهيد في هذه الحالة وهو مدرك وواثق انه سيقتل ألم يبحث عن نقطة لقاء، لقطع الطريق على محاولة اغتياله، مع السوريين مثلاً، أو ألم يطلب حماية عربية من المملكة العربية السعودية وأصدقائه هناك، من مصر من الكويت ألم يحاول فتح حوار؟
- اعتقد بأنه وصل إلى نقطة لا نستطيع أن نقول انه يئس، لا، لم ييأس من رحمة الله. كان متفائلاً بأنه سيكون هناك غد أفضل للبنان. إنما كان يعلم بأن أي عمل في هذا الاتجاه لا يجدي. ولا يفيد، بل على العكس سينشغل بأمور دنيوية ستبعده عن الواقع الذي يعيشه.
# هل تعتقد انه كان يخشى في تلك اللحظة أن يقدم تنازلات عن أفكاره ومبادئه؟
- أبداً.. لأنه كان يعلم كل العلم انه إذا ما حاول الحوار كان الرد.. التنازل. وهو لم يكن ليتنازل قيد أنملة عن حق اللبنانيين في عيشهم السليم.
# ألم يتصل به مثلاً اللواء غازي كنعان؟
- أبداً كان هناك شبه انقطاع بالعلاقة.
# هل كان عندما تحصل تجاوزات يتصل بالسوريين ولا يجيبونه هاتفياً مثلاً؟ أو يرسل أحداً ولا يستقبلونه؟
- كان دائماً حريصاً على علاقته مع كل المسؤولين، سوريين وغيرهم، ويحكم هذه العلاقة، كما ذكرنا، الواقع اللبناني ومصالح اللبنانيين، لم يكن يتصل بالسوريين أو بغيرهم لمصلحة شخصية أو لمأرب خاص أو لوضع، لا سمح الله، خارج عن إطار مصلحة اللبنانيين جميعاً.
# البلاد العربية كلها، تقريباً، حذرت الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل اغتياله، هل جرى تحذير المفتي الشهيد حسن خالد عربياً؟
- لا اعتقد. هناك معلومات وصلت إليه من جهات عربية، ولكن غير رسمية، بأن هناك محاولات لاغتياله.. وكانت الإشارات والدلائل مادية، لم يهم الاتصال ولا الرسائل ولا التحذير، كان المفروض على الشيخ حسن خالد أن يقطع اتصاله بأمين الجميل، وبالبطريرك صفير، ويقطع اتصاله بميشال عون وبالعيش المشترك.. كان الشيخ حسن خالد يتعلق بحبال الهواء، من هو الإنسان الذي يستطيع أن يساهم معي في وحدة الصف الوطني، كان الشيخ حسن خالد لا يتردد في الاتصال به وفي الجلوس معه لينشىء حواراً ما أو حالة ما. كانوا يريدون من الشيخ حسن خالد أن يقبع في منـزله وأن يثبت أول أيام رمضان، وعيد الفطر وعيد الأضحى. وإذا قيل له أجِّل العيد ليومين كان المفروض عليه أن يسمع الكلام ويؤجله. وهذه ليست من شيمه وليست من تربيته. لذلك كان مؤهلاً ومستعداً للموت لأنه لن يتنازل عن هذا الإيمان. لأن هذه مسؤولية دينية. وأنا قلت لكم ان وصوله إلى منصب الافتاء في ذلك الوقت لم يحمل الفرحة له، كانت عبئاً عليه. كان يتأفف من بعض التصرفات التي كنا نعتبرها عابرة وكان هو يعتبرها مصيبة.
# لنتكلم عن المفتي بين أسرته، هل جلس إليكم المفتي حسن خالد في تلك الفترة الحرجة التي كانت تصله فيها تهديدات هاتفية أو رسائل مباشرة، وقال لكم استودعكم لأنني معرض للاغتيال، هل قال لكم من الذي يهدده، هل ذكر ان سوريا التي ستغتاله؟
- قلنا الإيمان يحتم على الإنسان أن يقدر ما سيحصل. فكان يقدر ان هناك محاولات وان إحداها ستكون نهائية، لأنه كان يزعج الكثيرين ممن لم يرغبوا بالصيغة التي ينادي بها. في أيامه الأخيرة كنا نشعر بأنه في صفاء تام مع نفسه ومع ربه ومعنا، كان يقوم بكثير من الأمور في البيت لإرضاء والدتي، لأول مرة كان يعمل أشياء غريبة، كأن يغسل الصحون مثلاً، هو هذا الرجل الذي لا يجد عيباً في أن يكون إنساناً عادياً.. ولكنه في ذلك الوقت أشغاله لم تكن تعينه على أن يقوم بمثل هذه الأعمال، ولكنه كان حريصاً في آخر ثلاثة أيام من حياته، وهذه لا أحد يعلمها، على ان يقوم بغسل الصحون لإرضاء والدتي، لتقول له ((أطال الله بعمرك))، كان ينظف السجاد مثلاً، استغربنا جميعاً، ما هذا الذي يفعله، كان يتمشى بيننا ويذكرنا انه ربانا على الصدق وعلينا أن نحافظ على الصدق ويقول ربيتكم على الاخلاص فحافظوا على الإخلاص. ربيتكم على الإيمان فكونوا مؤمنين، كان يذكرنا بالصلاة وبمسيرته، ويسألنا هل أخطأت معكم في مكان ما. إذا أخطأت سامحوني.
# دمعت عيناك يا أبا حسن..
- الحمد لله.. وكان يوصينا دائماً أدوا زكاة مالكم لأن هذا المال لن يساعدكم الا اذا نظفتموه، لدينا منـزل في منطقة عرمون، وكان حريصاً على ان يجمع العائلة يوم الاحد، وقبل اغتياله بيومين، جمع العائلة كلها، شقيقاتي وبعولهن، خالاتي وعماتي، جمعهم في عرمون وقام بصنع حلوى ((الكنافة)) بيديه ووقف معهم يتحدث في امور الحياة ودور الانسان في هذه الحياة، كيف يموت الانسان ويكون راضياً.
# خطبة وداع!
- وكأنها خطبة وداع، ردد كثيراً كيف يموت الانسان ويكون راضياً، واستشهد بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وقف ناظراً الى بيروت وتأملها وقال هذه المدينة حافظوا عليها بمبادئها لا تغيروا فيها ولا تقاليدها، وهذا كان يوم الاحد.
ويوم الاغتيال ترك مفاتيحه في خزانة والدتي وفيما بعد اكتشفتها.
# عادة كان يأخذها معه؟
- مفاتيح منـزله، وكان يضعها في جيبه، يوم الاغتيال ترك المفاتيح في البيت.
# عامداً؟
- اكيد والا لماذا يتركها في المنـزل، بعد الاغتيال فتحت والدتي خزانتها فوجدت المفاتيح في مكانها، وعكس الكثير من الاقوال الشيخ حسن خالد لم يحترق في سيارته وجثته لم يطلها أي اذى، الا تلك الشظية التي اخترقت رأسه وكانت قاتلة، وأخرجناه من السيارة وما زلت احتفظ بساعته وحواز سفره.
# لماذا كان جواز سفره في جيبه؟
- كان يستعد للذهاب الى المملكة العربية السعودية، لتوكيد ما طلبه من العاهل المغربي لاقامة قمة عربية من أجل لبنان. وبالمناسبة لقد اغتيل المفتي خالد قبل عشرة ايام من انعقاد القمة العربية التي انعقدت في الدار البيضاء وكان رئيس المؤتمر والداعي اليه العاهل المغربي الحسن الثاني من اكثر المؤتمرين حزناً على الشهيد الكبير اذ قيل لنا انه صعق عندما بلغه اغتيال المفتي الرجل السمح الذي كان احد ابرز رموز الاعتدال في لبنان، والداعية القوي لاعاة اللحمة الى شعبه وأرضه. كما حزن الملوك والرؤساء العرب، ان معظمهم اذا لم نقل كلهم، عرفوا الراحل الكبير، والتقوه مرات عديدة، وعرفوا فيه الاعتدال وبعد النظر في الامور الوطنية وساعياً قوياً الى اعادة السلام والوحدة في لبنان.
وهذا ما كان يحكم علاقته بالجميع المبادىء التي ترسي دعائم لبنان وتقوّيه وهذه مهمته في الحياة لأنه لم يكن يطلب شيئاً لنفسه، وفي هذا الاطار كان يحاول دائماً المحافظة على علاقات جيدة مع الجميع الا ان علاقته بسوريا وبقياداتها دخلت في تجارب كثيرة ومتنوعة.
# هذه القمة التي حصلت وأدت الى اللجنة الثلاثية ثم اتفاق الطائف؟
- نعم، ووصلت الرسالة بعد اغتياله بيوم واحد، ووافق ملك المغرب على استقبال قمة عربية لهذا الغرض، ويومها وقف الملك الحسن الثاني، كما اذكر، وقال لقد خسرنا رجل الحوار ورجل محبة وداعي سلام وايمان في احلك الظروف التي يعيشها لبنان وتعيشها الامة العربية لذلك ندعو اللبنانيين ان يحذوا حذوه وان يمشوا على مسيرته وان يمشوا على خطاه لأن لبنان لن يستقيم الا بهكذا رجال.
# عند اغتياله هل خرجت تظاهرات تشييع وهل حمّل المتظاهرون مسؤولية علنية لسوريا عنه؟
- كان هناك غضب عارم ونحن نعلم ان اغتيال الشيخ حسن خالد في وقتها تم في ظل الوجود السوري، أي الوجود الامني السوري، الذي كان في ذروة سيطرته على الامور.
# كانت هناك حرب علنية في بيروت بين عون وبين سوريا؟
- كان المفروض ان يحمل احدهما المسؤولية.
# لماذا لم يحمّل الشارع المسلم الذي كان يشيع المفتي الشهيد، ميشال عون مسؤولية الاغتيال؟
- لأن التاريخ الذي كان يحكم علاقة الشيخ حسن خالد بالسوريين كان واضحاً، الشارع كله كان يعلم بأن السوري لا يتوافق مع مواقف الشيخ حسن، فلما حدث الاغتيال كان من الطبيعي جداً ان توجه اصابع الاتهام الى سوريا، وفعلاً يوم اغتيال الشيخ حسن خالد آلاف الاشخاص اعتقلوا، الذين مشوا وساروا في الجنازة، بعض الناس رفعوا اعلاماً لم توافق عليها سوريا مثل اعلام ((المرابطون)) والحركات السياسية التي كانت على الارض انما الكم الهائل من الناس الذي سار في الجنازة، ولكن يجب ان نتذكر ان الشيخ حسن خالد كان ضد الميليشيات السنية قبل غيرها، لأنه كان يعلم ان هذا السلاح هو سم قاتل يقتل صاحبه قبل ان يقتل غيره.
# لعل هذه احدى نقاط اللقاء مع ميشال عون، الذي كان ضد الميليشيات؟
- لذلك كان يدعو الى عودة المؤسسات وعودة الجيش وعودة الشرعية، كان هو المغرد الوحيد خارج سربه من الطيور الهائمة والهائجة في مصالحها الشخصية.. فاعتقل الكثير من الاشخاص الذين هتفوا بحماس وهددوا وتوعدوا واتهموا .
# هل تعتقد ان احداً منهم ما زال موجوداً في السجون السورية؟
- لا اشك.. اعتقد ان هناك من هو معتقل في السجون السورية.
# هل اتصل احد من المسؤولين الامنيين السوريين بكم بعد استشهاد المفتي حسن خالد؟
- لم يتصل احد.
# وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري جاء نائب الرئيس عبد الحليم خدام ليؤدي واجب العزاء.. ولم يأت احد رسمياً..
- الى دار الفتوى جاء الكثير من الشخصيات السورية مثل غازي كنعان وغيره، اما الى منـزلنا فلم يأت احد.
# كيف فسرتم هذا الامر، هل رفضتم استقبال احد من المسؤولين السوريين كما رفضت اسرة الرئيس الحريري استقبال احد من المسؤولين السوريين؟
- في الوقت الذي اغتيل فيه الشيخ حسن خالد كانت بيروت لا تتحمل أي حركة او أي ضغط، وكنا على دراية بأن لا نحمِّل بيروت اكثر، لأننا واجهنا يوم الجنازة اعتقال الكثيرين، واي موقف خطأ كان يمكن ان يسبب لاهالينا وعائلاتنا الكثير من المآسي التي كنا نريد ان نتجنبها.
# خسرتم الشهيد المفتي وسكتم؟
- سكتنا لاننا علمنا بأن أي مطالبة بأي شيء لن تجدي نفعاً وانك كمن ينفخ في الهواء.
# ولكن حصل بعد ذلك اتصالات بينك وبين مسؤولين سوريين، هل جربت ان تفتح حواراً حول هذا الموضوع معهم؟
- الذي جعل الموضوع السوري يظهر الى السطح انني دخلت الانتخابات عام 1992 وأخذت شعار ((قدرك الشهادة وقدرنا متابعة المسيرة))، هذا الشعار ازعج الكثيرين.
# اعتبر استفزازاً للسوريين؟
- ووصلتني رسائل عديدة، ومنها كيف تعتقد انك ستكون نائباً وأنت تستفز سوريا، فقلت لهم انا صادق بهذا الشعار ولا اعني به شيئاً، لا شك بأن قدر الشيخ حسن خالد الشهادة، ولا شك بأنني سأتابع المسيرة مهما كلف الثمن، مع توصية كبيرة لوالدي بأن لا ادخل عالم السياسة، لأنه كان ينـزعج كثيراً من العمل السياسي حيث انه وجد فيه الكثير من الممالأة والكذب والرياء، فكان يحذرني من هذا، ويقول لي اذا كنت قادراً على ان تعمل في السياسة من الباب المختلف تماماً، فأنا معك، ولكن ستتعب كثيراً، وهذه وصيته لي وانا ما زلت محافظاً عليها، لذلك عندما دخلت المعترك السياسي عام 1992 وأسقطت جرت اتصالات عديدة معي وأرسل لي بعض الذين يرسلون عادة، انه لماذا لا تحسن علاقتك مع الاخوة السوريين، وكانوا ينفون عنهم تهمة اغتيال والدي، ويذكرون لي بأنني اثبت وجودي في بيروت وأنني من القيادات، فحسِّن العلاقة لانهم يستطيعون ان يؤمنوا لي الانفتاح على الاخرين، وكان ردي دائماً انه لا مانع من التواصل مع الناس ولكن ضمن اطار مفاهيمنا وتقاليدنا.. وفعلاً حصلت لقاءات عديدة مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام.
# هل حاول ان ينفي امامك مسألة اغتيال والدك الشهيد؟
- عدة مرات نفى قطعاً علاقة سوريا باغتيال الشهيد حسن خالد، وطمأنني.. ولكن كنت اشعر بأن هناك نوعاً من الامتعاض من كلمة بيروت، فعندما كنا نقول له ((نحن البيارتة)) كان يرد لا يوجد شيء اسمه بيروت.
# لم يكن يحب البيارتة؟
- كان يعتقد ان كل انسان يسكن بيروت هو بيروتي، فأجبته ان البيروتي لا اعني انه الانسان السني المتعصب، وانما الذي يعتبر ان بيروت عاصمة له ويؤمن بقضية العيش المشترك والتواصل مع الآخرين، هذا ما اعنيه، وليس المتعصب الذي يفكر بشكل خارج عن الاطار العقلاني، البيروتي هو الانسان المثقف المتعلم المنفتح ولاحظت حساسيتهم بهذا الموضوع.
# هل قابلت الرئيس بشار الاسد؟
- قابلت الرئيس بشار الاسد قبل استلامه منصب رئاسة الجمهورية.
# ألم يتم التطرق الى موضوع استشهاد الشيخ حسن خالد؟
- على العكس هو الذي بدأه، واعتبر ان الشهيد حسن خالد كان من الشخصيات اللبنانية العربية المميزة التي لم يخسرها لبنان وحسب وانما خسرتها سوريا وخسرها لبنان في الوقت الذي كان بحاجة الى هذا النوع من الشخصيات التي كانت تساعد، في هذا الوقت كان الوضع حساساً جداً وكان المطلوب اعادة الشخصيات التي خسرها لبنان واليوم مطلوبة اكثر.
# هل جرت مقارنة يوماً ما في الحوار بينك وبين عبد الحليم خدام، بين اغتيال الشهيد كمال جنبلاط وكيف تعامل السوريون مع وليد جنبلاط وماذا قالوا له، وبين اغتيال الشيخ حسن خالد وماذا قال لك السوريون؟
- عبد الحليم خدام قال لي: انه ليس لسوريا علاقة باغتيال الشهيد حسن خالد، لكن خدام كان منـزعجاً من بعض التحركات التي يقوم بها وليد جنبلاط وكان يتهم فيها السوريين باغتيال والده الشهيد كمال جنبلاط وكان هذا يزعج خدام كثيراً حتى انه في وقت من الاوقات قال لي خدام، انه ارسل لجنبلاط الذي كان يتهم السوريين باغتيال والده.. نعم قتلنا والدك وماذا تريد بعد، اسكت احسن لك..
# كأن خدام كان يقول لك بالا تمشي على طريق وليد جنبلاط؟
- ربما بطريقة غير مباشرة.. وحقيقة انا لم افتح هذا الموضوع معه بتاتاً.
# بالاجمال كيف تصف علاقة المفتي الشهيد بالسوريين؟
- كانت علاقته بالرئيس الاسد ونائب الرئيس السوري خدام قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان جيدة جداً وكانت علاقة جميع القوى السياسية الاخرى معهم سيئة، فعند حصول الاجتياح تم القضاء على الفلسطينيين، وتم سحب سلاح المرابطون وتم تزويد حركة امل والحزب الاشتراكي بالسلاح وابتدأوا بالهجوم على البيوت الآمنة في بيروت بدون أي منطق او سبب ومن هنا ساءت العلاقة بين المفتي خالد من جهة وبين السوريين والميليشيات من جهة اخرى، كان المفتي خالد يدافع عن الحق، حق المواطن وكرامته، حق المخطوفين والافراج عن المحتجزين، حق الطلب بفتح كل الملفات بلا تمييز والضرب بيد من حديد على يد كل غاصب وجانٍ، حق يرفع الظلم عن المواطنين الذين ما يزال بعض الممارسات الشاذة ترهق كواهلهم، فتهجر البعض وتكره البعض على بيع املاكه، حق رفع المظاهر المسلحة غير الشرعية التي تمتهن كرامة المواطن والوطن وتتحدى القوانين والاعراف.
# أنت كإبن الشهيد وكسياسي وانسان لمن تحمّل مسؤولية اغتيال الشهيد حسن خالد؟
- الذين كانوا يريدون اللاعقل، اللامنطق، اللاحوار الذين كانوا يريدون وطناً ممزقاً ليس فيه مؤسسات ولا قوانين بل زعامات تتبع الغريزة وليس العقل، هم المسؤولون عن هذا الاغتيال، نحن باعتقادنا كعائلة بأن كل شخص هو بريء حتى يثبت العكس، لكن عند الاغتيال كان المسؤول المباشر عن امن بيروت هم الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة امل والمخابرات السورية ونحملهم كامل المسؤولية بعدم تأمين الحماية له، وعند استشهاده لاحظنا بأن كثيراً من الشباب المناصرين له تم اعتقالهم بدون أي تهمة، او سبب، وتم ارسال نصائح لنا بعدم الخوض في السياسة لأنهم كانوا يريدون ان ينسوا خطه، خط الحقيقة والمواجهة والمنطق والوحدة والاعتدال والمساواة والعدالة بين الناس، أليس هذا مستغرباً!
# هل من كلمة توجهها الى روح الوالد؟
- بعد 16 عاماً من الاغتيال نقول للمفتي خالد وينك اليوم؟ نفتقد فيك الحكمة، نفتقد فيك انصاف المظلوم وانعاش الفقير نفتقد فيك المؤسسات والقوانين وليست الغرائز والمزاجات اللاعقلانية، ايها الشهيد الكبير كنت الشاهد الكبير على الجرح النازف، وصاحب المواقف الوطنية اليقظة، واغتيالك زحف بنا الى الهلاك والعار كل العار ان يبقى الوطن رهينة اهل الشر والحقد وان تبقى اعيننا معصوبة بالعمى عن الحقيقة، والبحث عن الذات، ان الذين اغتالوا شخصه لم يدركوا ان مثل هذا التراث الروحي والوطني هو حي في نفوسنا ولن يستطيع احد ان يغتاله ابداً، ونحن نشيد بهذا التراث، لا لنوفي فقيدنا العزيز بعض حقه علينا فحسب، بل لنذكِّر مواطنينا بأن وعيهم روح هذا التراث، والتزامهم بمبادئه يمكن ان يوجهاهم نحو بداية جديدة للبنان جديد.
اريد وضع حلقات العنف التي ابتدأت بإخفاء السيد موسى الصدر، إمام المحرومين وأحد رواد الحوار الاسلامي – المسيحي.
وتبعه كمال جنبلاط المتطلع الى جمهورية لبنانية تقدمية اشتراكية، والمناضل لتحرير الشعب العربي وسائر شعوب العالم الثالث.
ولحق بهما بشير الجميل، بعدما التزم جمهورية لبنانية موحدة ودولة عصرية لا سيادة فيها الا للشعب، ولا حكم الا للقانون.
وأدركهم رشيد كرامي المتفاني في سبيل الجمهورية الديموقراطية الوطنية التي يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وتوج باغتيال حسن خالد وهو يبشر بجمهورية لبنان الواحد التي تسودها القيم العلوية الاسلامية المسيحية، قيم التراحب والتحاب، ويتكامل مواطنوها المسلمون والمسيحيون في ظل الحرية والعدل والمساواة التامة في الحقوق والواجبات.
فهل تكون المصادفة وحدها هي التي جعلت قادة لبنان ذوي المشاريع الاحيائية، هم الذين يستهدفهم الاغتيال؟ وهل يكون من المصادفة ان الذين يحيق بهم الخطر، اشد الخطر هم القادة الذين يلتزمون العقل، ويستنكرون العنف، ويعتمدون التحاور ويستهجنون التقاتل منهجاً لتسوية الازمة اللبنانية.
حوار ((الشراع)) مع نجل المفتي الشهيد تناول وبالتفصيل مواقف لوالده الراحل أزعجت السوريين ودفعتهم إلى إرسال رسائل تهديد وتحذير له، عبر الهاتف وعبر موفدين وعبر قصف منـزله في الرملة البيضاء أو مكتبه في دار الفتوى، إلى درجة دفعته إلى الطلب من شخصيات عدة ومنهم السفير الكويتي بإبلاغ من يريد قتله: ((ليقتلوني إذا أرادوا ولكن لماذا قصف الأبرياء والآمنين؟))
نجل المفتي الشهيد كشف كيف ان والده تصدى لنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في طرابلس عندما كان يؤنب زعماء المسلمين لأنهم اختاروا الرئيس سليم الحص خلفاً للرئيس الشهيد رشيد كرامي من دون العودة إليه، مشيراً إلى ان حالة من الانقطاع بين المفتي الشهيد وسوريا أعقبت هذه الواقعة، خصوصاً وان الشيخ الراحل حسن خالد كان يحتج على تخوين الناس وقيام ضباط المخابرات بتوزيع الشهادات بالعروبة التي كان يرى انها لا تنحصر بسوريا فقط بل تشمل كل العرب.
سعد الدين خالد يعرض في هذا الحوار شريطاً من المواقف الهامة للمفتي الشهيد الذي كان همه الأول وحدة اللبنانيين ووقف الحرب، فحرص على إبقاء تواصله مع كل القيادات المسيحية خلال الحرب، معتبراً انه مستهدف بالاغتيال هو والبطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير.
.. وهذا غيض من فيض في الحوار مع نجل المفتي الشهيد، نعرضه كما يلي:
# اليوم الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد المفتي الشهيد حسن خالد، هل كان المفتي الشهيد في حالة حذر من عملية اغتيال تطاله، وهل من تهديدات تلقاها؟ ممن؟ وماذا كان يقول عنها؟
- حتى نتكلم عن هذا الموضوع، يجب ان نعرف شخصية المفتي الشهيد حسن خالد وما هي الامور التي حكمت هذه الشخصية، لقد حكمت شخصيته ثلاثة امور: الامر الاول ايمانه المطلق بالله سبحانه وتعالى، وبالقضاء والقدر. ثانياً، تربيته الاسلامية والعربية المحافظة جداً. ثالثاً دراسته لعلم المنطق والتوحيد التي تركت اثراً على مناحي تفكيره وطريقة عمله وأسلوبه بالاستماع وقدرته على الحوار. فهذه الامور حكمت شخصيته في كل عملٍ كان يقوم به خلال توليه منصب الافتاء، وخلال عمله منذ تولي مناصب عدة في القضاء وغيره. من هنا نستطيع القول، ان المفتي خالد رحمه الله كان على علم بأن هناك محاولات كثيرة لاغتياله.
كان الشيخ الشهيد يعيش التهديدات بالقتل من خلال مراسلات ومن خلال اتصالات عبر الهاتف، كتهديدات مبطنة، ومن خلال اشخاص كانوا يوفدون اليه، وكان يستمع اليهم، بكل هدوء واصغاء وايماناً منه بالله تعالى، انه لن يغير موقفه مهما كلف الثمن، لان هذا الموقف ليس موقف حسن خالد، وانما هو موقف يشعر من خلاله مع اللبنانيين، مع ديمومة لبنان ومع الحفاظ على الحق والعدالة والمساواة والمحافظة على البلد والمفاهيم التي تكلمنا عنها.
# ممن كانت تأتيه هذه التهديدات؟
- كانت تأتيه بواسطة اشخاص من بعض اجهزة المخابرات السورية واللبنانية. منها ((رأفة بك يا شيخ حسن غيّر وبدِّل من مواقفك)).. ((هذه الامور عدّل وغيِّر فيها)). وكان رده الدائم ((ان هذا الموقف ليس ملكاً لي وانما هو ملك لله تعالى وانا مسؤول في هذا المنصب، ولا استطيع ان اغير شيئاً من قول كلمة الحق، اذا اخطأت فأنا مستعد للرجوع عن الخطأ انما فيما يخص الحق والعدل، فهذا لا يخصني وانما يخص الناس، ويخص بالنهاية موقفي وموقعي كمسؤول عن الناس)).
# اجهزة الاستخبارات السورية، كانت يومها برئاسة اللواء غازي كنعان.. هل كانت تأتيه تهديدات بواسطة اللواء كنعان؟
- لم تكن تهديدات..
# نصائح؟
- هذه النصائح كانت تدور حول ((لماذا تأخذ هذا الموقف.. لماذا لا تتعلم من كذا.. وكذا..
# ممن؟
- من كمال جنبلاط، مثلاً، وممن سبقوك بالعمل السياسي.. من هؤلاء المتشددين.. وكانوا يقولون له، تستطيع ان تصل الى ما تريد من خلال كونك رحوماً، ان تخفف من وطأة هذا العمل.
# من كان ينقل له هذه الرسائل هل كانوا لبنانيين؟
- الكثير منهم كان من اللبنانيين، والبعض كان حريصاً ومحباً، ويوصل له الكلام الذي سمعه.
# مثل من؟
- الكثير من الشخصيات اللبنانية في المخابرات، وبعضهم اشخاص عاديون، كانوا على علاقة مع الاجهزة السورية.
# هل كانوا ينقلون كلاماً مباشراً من اللواء كنعان بان يكون حذراً؟
- كانوا ينقلون كلاماً مباشراً من اللواء كنعان، وكلاماً عبر القنوات السورية من الرئيس حافظ الاسد، ومن الوزير السوري عبدالحليم خدام.
# رسائل من الرئيس الاسد ومن نائبه؟
- نعم.
# واعتبرت نوعاً من التهديد؟
- وفي بعض اللقاءات التي حصلت بينه وبينهم، كان يسمع بعض العبارات التي توجهه في ان لا يتحرك باتجاه ما، قبل ان تكون مدروسة معهم.
# هل تواصلت اللقاءات التي كانت تتم بينه وبين المسؤولين وخاصة الرئيس الاسد؟
- عقدت عدة لقاءات بين المفتي الشهيد حسن خالد والرئيس حافظ الاسد، وآخرها وبعد انقطاع طويل، هيىء له ودام لساعات عديدة. دار الحديث حول مواضيع مختلفة ليس لها علاقة بالقضية اللبنانية لا من قريب ولا من بعيد وكان الشيخ حسن خالد يومها، متضايقاً جداً لان زيارته حسمبا خطط كانت مخصصة للتكلم والتباحث في المواضيع التي تهم اللبنانيين والسوريين، وبعض الامور التي كانت تحدث على الساحة اللبنانية. انما كان الموضوع في ذلك الوقت غائباً تماماً عن هذا اللقاء، وعند الوداع وعلى الباب امسك الرئيس حافظ الاسد بيدي الشيخ حسن خالد قائلاً له: ((بيسوى يا سماحة المفتي قبل ما تعمل أي خطوة تخبرنا))..
# وكأنه تحذير بألا يفعل شيئاً بمفرده؟
- نعم.. يومها كان الشيخ حسن خالد في اسوأ ايامه، كان يتوقع ان يلقى صدراً واسعاً، لان الشيخ حسن خالد، لم ينطلق بعلاقته بسوريا من منطلق مصلحة شخصية وانما انطلق ايماناً من عروبته واسلامه، وبانفتاحه على هذا البلد الشقيق.
# لماذا تحدثت عن ان هناك انقطاعاً بينه وبين سوريا، ولماذا حصل هذا الانقطاع؟ وكيف رتب هذا اللقاء؟
- الكل كان يعلم بالتجاوزات الكثيرة التي كانت تحصل في الشارع اللبناني، ضد المواطنين في الاطار السياسي.
# انت تتحدث عن الفترة ما بين عامي 1985 و1989؟
- حتى ما قبل ذلك، كانت العلاقة التي تربط الشيخ حسن خالد بالدولة السورية علاقة تحكمها مصلحة الشعب اللبناني ومصلحة العرب في تلك المرحلة.
# وكان يرى ان هناك تجاوزات سورية؟
- عندما كان يرى ان هناك تجاوزات، كان يؤمن بأن عليه ان يبلغ عن هذه التجاوزات ويحاول الحد منها لان المصلحة العامة لنجاح مساعي سوريا لاعادة الوحدة اللبنانية وعودة المؤسسات، كما كنا نعتقد ان دور سوريا في لبنان، هو دور اسعافي لانقاذ لبنان من الطائفية ومن المناطقية، فإذا كان هذه هو المسعى او الغرض الرئيسي من الوجود السوري في لبنان فلماذا هذه التجاوزات ولماذا هذه الانتهاكات التي كانت ترتكب باسم السعي في هذا الاطار.
# وهذا قبل نظام الوصاية؟
- نتكلم عندما ناشدوا سوريا الدخول بين القوات المتحاربة على الارض اللبنانية.
# مع من كان يتكلم الشيخ حسن خالد، هل كان يخاطب اللواء غازي كنعان ام يلتقي مع ضباط سوريين في بيروت؟
- كان حريصاً جداً ان يكون لقاءه مع الرئيس حافظ الاسد او نائبه عبدالحليم خدام. الشيخ حسن خالد تركيبته لا تستطيع ان تتعامل مع اجهزة مخابرات، ولا تستطيع هذه الاجهزة ان تلزمه بكلمة او بحركة، وهو مرجع للمسلمين لم يكن لديه مشكلة ان يقابلهم، ولكنه لم يكن يستطيع ان يساومهم او يفاوضهم او يتكلم معهم بأمور يعتقد هو بأنها من مسؤولية الراعي الاول. انا اعتقد بأن الكثير مما جرى في لبنان في ذلك الوقت كان يصل الى الرئيس حافظ الاسد، وبأغلبيته كان يصل مشوهاً، كانت تركب الامور. الشيخ حسن خالد عانى كثيراً من تركيب الامور كما نعاني منها اليوم، توصيف الناس، وضعهم في خانة الخيانة، كا هذا يضايق الشيخ حسن كثيراً. واكثر ما كان يضايقه انه لا يستطيع ان يتحمل ان يتوسل الى شهادة بأنه عربي المنبت من ضابط مخابرات او أي شخص آخر. لان تربيته الاسلامية وتربيته العربية ومعاصرته لعبد الناصر وكل الثورات العربية في مواجهة الاستعمار ومواجهة ما كان يسمى في ذلك الوقت الرأسمالية وغيرها، كانت حياته اليومية ومأكله ومشربه، كل ساعة.. وعندما وصل الى منصب الافتاء، لم يصل الى هذا المنصب كونه طالب مناصب، بل أُجبر على اخذ المنصب، لأنه كان حلاً وسطاً بين كل المتنافرين على الساحة اللبنانية، ويومها رأى الرئيس جمال عبدالناصر فيه ذلك الرجل الذي لم يتوسل الى ذلك المنصب، فأرسل له سؤالاً لماذا لم تتقدم بترشيح نفسك لمنصب مفتي الجمهورية. فقال له انها مسؤولية أُعفي نفسي منها لانها تحملني طاقة يمكن الا اطيقها.
# هذا يعني ان جمال عبدالناصر استقبل الشيخ حسن خالد قبل ان يصبح مفتياً؟
- نعم، والكثير من القيادات في بيروت رأت في الشيخ حسن خالد ذلك الانسان البيروتي المميز، الذي له بصماته في الشارع البيروتي والشارع الاسلامي، والشارع اللبناني، عبر المنطق، وعبر الجمع، وعبر وحدة الكلمة، فرأوا فيه هذا الرجل الذي يمكن ان يوحد الصف الاسلامي الذي يساهم في وحدة الصف الوطني، وفعلاً نجح.
# عودة الى حواره مع السوريين.. اللقاء الاخير، قال له الرئيس الاسد انه ((بيسوى قبل ان تعمل شيئاً ان تراجعنا)) كأنه ضابط مخابرات يوصي احد اتباعه، ألا يفعل شيئاً الا بأمره قبل هذا اللقاء حصل انقطاع، لماذا هذا الانقطاع بين المفتي الشهيد والرئيس حافظ الاسد؟ هل طلب مواعيد ولم تحدد له مع الرئيس الاسد او مع نائبه؟
- حقيقة، ان هذا الانقطاع بدأ منذ اغتيال الرئيس رشيد كرامي عام 1987.
# ماذا حصل، يبدو وكأن هناك صداماً حصل مع عبدالحليم خدام؟
- في حزيران/يونيو عام 1987 اغتيل الرئيس رشيد كرامي في ايام عصيبة. كان لبنان يتوقع نوعاً من حالة انتقالية الى الافضل.
# كان هناك حوار بين كميل شمعون ورشيد كرامي وقيل ان هناك اتفاقاً بين الاثنين؟
- الساحة كانت مؤهلة لحلٍ ما، لأن اللبنانيين يومها كما يقول المثل العامي: ((يتمسكون بحبال الهواء))..
# وكان هناك ثوابت اسلامية اعلنها المفتي الشهيد وبالاتفاق مع الامام محمد مهدي شمس الدين..
- نعم في العام 1982 اعلن الشهيد الثوابت الاسلامية العشر، بعد انتخاب الرئيس امين الجميل، وكان هناك تجاوب من الرئيس امين الجميل، بعد انقطاع طويل معه اصبح هناك فرصة للحوار وللحل في جو لبناني بمساعدة سورية، هذا الجو المطمئن دعا الشيخ حسن خالد الى الخروج من لبنان والقيام بجولة عربية لتأمين الدعم لهذا الحل.
# من زار؟
- زار بعض الملوك والرؤساء العرب، لوضعهم في هذا الجو الايجابي طالباً منهم ان يساهموا بكل امكاناتهم لدفع هذا الحوار، حيث زار السعودية ومصر والكويت والامارات العربية المتحدة.
# هل زار الاردن او العراق؟
- لم يزر العراق نظراً للخلاف السوري – العراقي، وهذا قسم من المشكلة العربية، وتجنباً للحساسيات.
اغتيل رشيد كرامي، وكان المفتي خارج لبنان، قطع زيارته للسعودية وعاد الى لبنان، وعند وصوله الى المطار، كانوا يعلمون انه يريد الذهاب الى طرابلس للمشاركة في التشييع فطلب منه احد الاجهزة اللبنانية نقلاً عن الاجهزة السورية عدم الذهاب الى طرابلس، وبعد اصراره كانت النصيحة الثانية، انه يتم تأمين طائرة مروحية لنقله الى الشمال، فأصر على الذهاب بالسيارة، ليقول لكل اللبنانيين بأن الاراضي اللبنانية هي اراض لكل اللبنانيين، وان كل اللبنانيين المتقاتلين هم ابنائي وهم اخواني وانا على استعداد لمواجهتهم ولاثبت للعالم اجمع بأن اللبنانيين هم في صف واحد انما بحاجة الى من يدفع هذه المسيرة الى الوحدة.
# كلامه جاء من وحي ما يعتقده اتفاقاً بين الراحلين رشيد كرامي وكميل شمعون؟
- اعتقد ان هذا هو اولاً ايمانه لانه لم يقطع مع كل القيادات المسيحية العقلانية منذ الحرب اللبنانية وحتى لحظة استشهاده. دائماً كان على تواصل تام. كان يقول بأن الحرب عليّ وعلى البطريرك صفير، وكان يقول لنا ان هناك محاولات لاغتياله ولاغتيال البطريرك صفير. ولماذا تقصف ((بكركي)) و((دار الفتوى)) في اليوم نفسه. انا افهم ان تقصف بكركي، ولكن من يقصفها ويقصف دار الفتوى، هذا يعني بأن المصدر واحد. فغادر الى طرابلس بسيارته، وفوجىء على الطريق بعكس ما صوروا له، في كل منطقة كان يمر بها، كانت الميليشيات المتحاربة تقف وتؤدي له التحية وتنـزله بالقوة من سيارته وتكرمه اشد التكريم. وهذا اثار نقمة الاجهزة الامنية. لان الشيخ المفتي حسن خالد فتح موضوعاً كان مطوياً وهو موضوع الحوار. وكان سلعة ليتاجروا بها ولتأجيج الحرب. وصل الشيخ حسن خالد الى طرابلس ودخل منـزل الشهيد رشيد كرامي فوجىء بنائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام واقفاً امام زعماء المسلمين في لبنان (اللقاء الاسلامي) وهم قابعون في اماكنهم ورؤوسهم في الارض وهو يحاضر بهم ويهددهم ويؤنبهم، ويقول لهم كيف تتجرأون على اختيار الرئيس سليم الحص رئيساً للحكومة من دون الرجوع اليّ، وهنا جن جنون المفتي حسن خالد لانه رأى في هذا المنظر الرهيب نهاية ليس للبنان بل نهاية للمبادىء والاخلاق والدين والعروبة ولكل مفهوم تربينا عليه، فوقف وبأعلى صوته حذر خدام ومن ارسله بأن هذا الكلام لن يقبل به ابداً، وان هذا الموضوع هو موضوع داخلي، يخص المسلمين واللبنانيين، وبأنهم سيختارون من يشاؤون لرئاسة الحكومة، وان هذا الكلام ليس موضعه اليوم، ولأن بين يدينا شهيد كبير، يجب ان نعلم لماذا قُتل. ليس المهم ان نعرف من قتله، بل يجب ان نعرف لماذا قتل الشيخ حسن خالد لم يكن يهاب من ذكر كلمة الحق.
# ماذا رد خدام؟
- في هذه الواقعة سأل خدام المفتي خالد.. بتهكم هل مررت على منطقة ((حالات)) يا شيخ حسن؟ هل عبرت سيارتك على دماء الشهيد رشيد كرامي؟ كان يريد ان يؤنب والدي كيف مر براً وفتح باباً لم يكن يراد فتحه..
# هذا الانقطاع حصل في العام 1987 بعد اغتيال الشهيد رشيد كرامي.
- عندها دخلت العلاقة بين الشيخ حسن خالد وسوريا وكل اجهزتها، المظهر الصحيح. اظهرت سوريا موقفها الحقيقي من الشيخ حسن خالد وان الشيخ حسن خالد رجل حوار، رجل عيش مشترك، رجل عربي ولكن عروبته هي سوريا ومصر والسعودية أي انها شاملة، وهذا غير مقبول، لان مفهوم العروبة عندهم ان تمر من سوريا، وان تقف في سوريا، كان الشيخ حسن خالد رجلاً لا يستطيع ان يضبط عروبته في مساحة ضيقة وهذا هو بعده الذي تربى عليه، البعد الذي يتكلمون عنه البعد الجغرافي والبعد التاريخي، البعد العربي، وكانت هذه مهمته في الحياة، كما كان يعتقد، وكان يعتقد ان ما فرقه الاجنبي في الحدود، كان يستطيع ان يثبته بالتواصل والتعايش والمشاركة والحوار.
# فماذا حصل من مظاهر العداء السوري للشيخ حسن خالد، ما الذي ظهر منها؟
- يومها، ابتدأت التهديدات، واحدى النصائح المؤكدة التي وصلت اليه قبل سنة او سنتين من الاغتيال، اننا ننصحك بمغادرة لبنان وان تسكن في فرنسا وان تناضل من اجل قضيتك من هناك.
# من الذي كان يحمل هذه النصائح؟
- المشتركون في الحوار معه، وكان احياناً يأتيه اتصال وعندما يسأل عن هوية المتصل يرد: ((إحم.. إحم.. فهِّموه)) بلهجة سورية او لبنانية، واحياناً يرد المتصل بالقول: ((قولوا له يغيِّر. والله نحنا بنحبه)) هذه رسائل. وهناك رسائل اخرى، احياناً عندما يعود المفتي الى منـزله وقت الغداء، كان يتم قصف المنـزل، في منطقة الرملة البيضاء، احياناً كان يذهب الى مكتبه فتقصف دار الفتوى، فأراد ان يختبر هذا الامر، فترك المنـزل وذهب الى دار الفتوى، فقصفت دار الفتوى، وترك دار الفتوى قبل موعد انتهاء عمله وتوجه الى بيته، فقصف البيت. فعلم وقتها وتأكد انه كان مقصوداً، واعلن يومها ((اذا اردتم قتلي، فاقتلوني لماذا قتل الابرياء)).
# هل ارسل الى سوريا من يبلغهم ان هذا هو رأي الشيخ حسن خالد؟
- نعم.
# من كان يرسل؟
- ارسل وراء قائد قوات الردع سامي الخطيب، واصطحبه الى دار الفتوى، واطلعه على القذائف التي منها ما هو منفجر ومنها ما هو غير منفجر في ساحة الدار، وأطلعه على العبارات المكتوبة على القذائف، واثبت لسامي الخطيب ان هذه القذائف ليست مرسلة من المنطقة الشرقية لبيروت، وانما هي قذائف سورية او ادوات سورية.
# ما هي واقعة الحديث الذي نقل على لسان السفير الكويتي احمد الجاسم الذي قال فيه ان المفتي اخبرني، وقيل انها ادت الى اغتياله.
- في هذا الجو زار السفير الكويتي احمد الجاسم سماحة المفتي في دار الفتوى، فأخبره بما يحصل وبما حصل خلال الاسابيع الماضية وبأن القصف هو قصف مركز يطال دار الفتوى ويطاله شخصياً، وقال له ان تقرير نوعية القذائف ومصدرها موجود ومعروف من اين انطلقت، فأرجو ان تخبروا من هو بصدد قتلي بأنني مستعد للموت، ولكن الا يذهب معي ضحايا ابرياء.
# كأنه يقول لهم، لا تقصفوا، بل اغتالوني وحدي.
- كأنه يقول انه حاضر للموت اذا كانت مشيئة رب العالمين ان يموت..
# ومع ذلك عندما استشهد، استشهد معه حوالى عشرة اشخاص وبينهم شقيق عماد الترك وابراهيم الترك من ابناء المنطقة وآخرين. عندما تبلغ الشهيد حسن خالد ان يرحل من لبنان، ماذا كان رده؟
- كان رده قاسياً جداً. قال فيه، اولاً لن اغادر لبنان لأي سبب كان، لانني اذا اردت ان اناضل كما تقولون فاذا كان نضالي من اجل الشعب، فيجب ان اكون بين الناس وأحس معهم في مشاكلهم وفي المصائب التي يعيشونها حتى استطيع ان اعبر عنهم بكل حرية.
# اغتيال الشهيد في 16 ايار/مايو 1989 خلال ما اطلق عليه (حرب التحرير) من عون ضد السوريين، او الحرب التي سميت بـ(حرب عون)، هل كان هناك تواصل بين المفتي الشهيد وبين ميشال عون؟
- بعد تعيين الرئيس امين الجميل للعماد ميشال عون لتشكيل حكومة، نشأ كما نعلم جميعاً وضع شاذ، وكان مؤسساً او منذراً بتقسيم لبنان، وكان هذا العمل يضايق سماحة المفتي كثيراً لان نضاله الاساسي هو اولاً عدم تدويل القضية اللبنانية، ثانياً عدم القبول بتقسيم لبنان، هذا نضاله منذ بداية الحرب.
فعندما أُلفت هذه الحكومة، كان هو الإنسان العاقل الذي يتعاطى مع وضع ميشال عون وسليم الحص (أي الحكومتان التي تم تشكيلهما) بشكل يساعد على التخفيف من أي أزمة يمكن ان تحصل في بداية شرخ ما. أي انه رجل حوار بين الاثنين.
# هل اتصل بميشال عون؟
- هناك اتصالات بين الشهيد وبين ميشال عون. وكان هناك ترتيب ما لم يحصل بسبب اغتيال الشيخ الشهيد.
# هل كانت هناك محاولات للقاء؟
- كانت هناك محاولات عديدة، كانت هناك اتصالات، كان هناك نوع من الارتياح لدى الشهيد حسن خالد على ان ميشال عون يمكن ان يكون هذا الرجل الوطني العسكري، الذي يمكن ان يلم الشمل ويكون رئيساً للجمهورية، لا مانع حيث انه ابن مؤسسة عسكرية يمكن الحوار معه.
وعندما جاء عهد العماد ميشال عون، بدا له ان بيروت الكبرى ربما أصبحت وشيكة، التزم الاعتدال وأخذ يدعو إلى إنهاء الحرب، ونشر السلام خاصة في بيروت وإجراء الانتخابات الرئاسية. كان المفتي خالد يؤمن بالمؤسسات والقانون. كان حلمه أن يكون الإنسان اللبناني مرجعيته الدولة وليس الزعيم فكان هذا متقارباً جداً مع العماد عون ولكن وللأسف فاجأته الحرب الدائرة بين الجنرال والنظام السوري، وشعر بالارتباك والحيرة فلا يستطيع السير بركاب سوريا على حساب بيروت الكبرى، ولا هو يمكنه تأييد الجنرال عون تأييداً واضحاً وصريحاً مع اقتناعه الضمني بطروحاته وصدقيته.
# هل كان يؤمن بدور المؤسسة العسكرية الوطنية اللبنانية في مواجهة الميليشيات؟
- كان أول من أنذر في بداية الحرب بالانتباه إلى المؤسسة العسكرية بأنها هي صمام الأمان الوحيد لعدم انهيار لبنان، ويومها طالب بمجلس عسكري من مختلف الطوائف حتى لا يصار إلى تقسيمه، ولكن في وقتها لم ينتبه أحد إلى هذه المشكلة.
# كان هناك مشروع فلسطيني لتقسيم الجيش وهذا ما حصل. بالمناسبة هل حصل صدام بين المفتي الشهيد وبين المنظمات التي كانت تسيطر على لبنان؟
- لا شك بأن إيمان الشيخ حسن خالد بالقضية الفلسطينية هو الذي دفعه في البداية إلى نصرة ومساندة العمل الفدائي الفلسطيني، انما عندما تجاوز العمل الفلسطيني حد التدخل في القضايا اللبنانية الداخلية، اصطدم الشهيد حسن خالد مرات عديدة مع الرئيس ياسر عرفات رحمه الله، شخصياً، وأنذره بأن ما يفعله هو خطر ليس على لبنان وانما على القضية الفلسطينية بشكل عام.
# هل هدده الفلسطينيون؟
- الفلسطينيون ضايقوا الشهيد حسن خالد كثيراً.
# كيف؟
- في تحركاته وأعماله وبعض الامور السياسية في لبنان وضايقوه عملاً، كانوا يظهرون له كل الود والاحترام، ولكن كانوا يرتبون له كل ما يضايقه في الخفاء.
كان يعلم
# كيف امضى الايام الاخيرة من حياته وهو يتنقل من مكان الى آخر، تحت القصف، هل جمعكم واوصاكم بشيء؟ هل نبهكم الى انه قد يغتال، وهل كتب وصية سياسية او شخصية على هذه القاعدة؟
- رحمه الله، كان يعلم ان هناك محاولة لاغتياله ولكنه في الوقت نفسه كان يعلم ان الموت يحدده رب العالمين، وكان يعلم ايضاً بأن من سيحاول اغتياله سيكون شديداً لدرجة انه سيؤكد هذا الاغتيال.
# لن تكون محاولة.. بل اغتيال؟
- لن تكون محاولة، وعندما تنفذ العملية ستنفذ بطريقة كاملة لدرجة ان لا تترك اثراً.
# تماماً كما فعلوا في عملية الشهيد الرئيس رفيق الحريري؟
- تماماً.. كان هم الشيخ الشهيد حسن خالد الا يذهب معه ضحايا، هذا كان همه الوحيد. لأنه كان يعتقد بما ان المحاولة يمكن أن تنجح أو لا تنجح، ان تؤذي المواطن البريء. فكاد أن يستجديهم بأن يطلقوا عليه النار بدل المحاولة التي قد تطال العشرات من الأبرياء.
# الشهيد في هذه الحالة وهو مدرك وواثق انه سيقتل ألم يبحث عن نقطة لقاء، لقطع الطريق على محاولة اغتياله، مع السوريين مثلاً، أو ألم يطلب حماية عربية من المملكة العربية السعودية وأصدقائه هناك، من مصر من الكويت ألم يحاول فتح حوار؟
- اعتقد بأنه وصل إلى نقطة لا نستطيع أن نقول انه يئس، لا، لم ييأس من رحمة الله. كان متفائلاً بأنه سيكون هناك غد أفضل للبنان. إنما كان يعلم بأن أي عمل في هذا الاتجاه لا يجدي. ولا يفيد، بل على العكس سينشغل بأمور دنيوية ستبعده عن الواقع الذي يعيشه.
# هل تعتقد انه كان يخشى في تلك اللحظة أن يقدم تنازلات عن أفكاره ومبادئه؟
- أبداً.. لأنه كان يعلم كل العلم انه إذا ما حاول الحوار كان الرد.. التنازل. وهو لم يكن ليتنازل قيد أنملة عن حق اللبنانيين في عيشهم السليم.
# ألم يتصل به مثلاً اللواء غازي كنعان؟
- أبداً كان هناك شبه انقطاع بالعلاقة.
# هل كان عندما تحصل تجاوزات يتصل بالسوريين ولا يجيبونه هاتفياً مثلاً؟ أو يرسل أحداً ولا يستقبلونه؟
- كان دائماً حريصاً على علاقته مع كل المسؤولين، سوريين وغيرهم، ويحكم هذه العلاقة، كما ذكرنا، الواقع اللبناني ومصالح اللبنانيين، لم يكن يتصل بالسوريين أو بغيرهم لمصلحة شخصية أو لمأرب خاص أو لوضع، لا سمح الله، خارج عن إطار مصلحة اللبنانيين جميعاً.
# البلاد العربية كلها، تقريباً، حذرت الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل اغتياله، هل جرى تحذير المفتي الشهيد حسن خالد عربياً؟
- لا اعتقد. هناك معلومات وصلت إليه من جهات عربية، ولكن غير رسمية، بأن هناك محاولات لاغتياله.. وكانت الإشارات والدلائل مادية، لم يهم الاتصال ولا الرسائل ولا التحذير، كان المفروض على الشيخ حسن خالد أن يقطع اتصاله بأمين الجميل، وبالبطريرك صفير، ويقطع اتصاله بميشال عون وبالعيش المشترك.. كان الشيخ حسن خالد يتعلق بحبال الهواء، من هو الإنسان الذي يستطيع أن يساهم معي في وحدة الصف الوطني، كان الشيخ حسن خالد لا يتردد في الاتصال به وفي الجلوس معه لينشىء حواراً ما أو حالة ما. كانوا يريدون من الشيخ حسن خالد أن يقبع في منـزله وأن يثبت أول أيام رمضان، وعيد الفطر وعيد الأضحى. وإذا قيل له أجِّل العيد ليومين كان المفروض عليه أن يسمع الكلام ويؤجله. وهذه ليست من شيمه وليست من تربيته. لذلك كان مؤهلاً ومستعداً للموت لأنه لن يتنازل عن هذا الإيمان. لأن هذه مسؤولية دينية. وأنا قلت لكم ان وصوله إلى منصب الافتاء في ذلك الوقت لم يحمل الفرحة له، كانت عبئاً عليه. كان يتأفف من بعض التصرفات التي كنا نعتبرها عابرة وكان هو يعتبرها مصيبة.
# لنتكلم عن المفتي بين أسرته، هل جلس إليكم المفتي حسن خالد في تلك الفترة الحرجة التي كانت تصله فيها تهديدات هاتفية أو رسائل مباشرة، وقال لكم استودعكم لأنني معرض للاغتيال، هل قال لكم من الذي يهدده، هل ذكر ان سوريا التي ستغتاله؟
- قلنا الإيمان يحتم على الإنسان أن يقدر ما سيحصل. فكان يقدر ان هناك محاولات وان إحداها ستكون نهائية، لأنه كان يزعج الكثيرين ممن لم يرغبوا بالصيغة التي ينادي بها. في أيامه الأخيرة كنا نشعر بأنه في صفاء تام مع نفسه ومع ربه ومعنا، كان يقوم بكثير من الأمور في البيت لإرضاء والدتي، لأول مرة كان يعمل أشياء غريبة، كأن يغسل الصحون مثلاً، هو هذا الرجل الذي لا يجد عيباً في أن يكون إنساناً عادياً.. ولكنه في ذلك الوقت أشغاله لم تكن تعينه على أن يقوم بمثل هذه الأعمال، ولكنه كان حريصاً في آخر ثلاثة أيام من حياته، وهذه لا أحد يعلمها، على ان يقوم بغسل الصحون لإرضاء والدتي، لتقول له ((أطال الله بعمرك))، كان ينظف السجاد مثلاً، استغربنا جميعاً، ما هذا الذي يفعله، كان يتمشى بيننا ويذكرنا انه ربانا على الصدق وعلينا أن نحافظ على الصدق ويقول ربيتكم على الاخلاص فحافظوا على الإخلاص. ربيتكم على الإيمان فكونوا مؤمنين، كان يذكرنا بالصلاة وبمسيرته، ويسألنا هل أخطأت معكم في مكان ما. إذا أخطأت سامحوني.
# دمعت عيناك يا أبا حسن..
- الحمد لله.. وكان يوصينا دائماً أدوا زكاة مالكم لأن هذا المال لن يساعدكم الا اذا نظفتموه، لدينا منـزل في منطقة عرمون، وكان حريصاً على ان يجمع العائلة يوم الاحد، وقبل اغتياله بيومين، جمع العائلة كلها، شقيقاتي وبعولهن، خالاتي وعماتي، جمعهم في عرمون وقام بصنع حلوى ((الكنافة)) بيديه ووقف معهم يتحدث في امور الحياة ودور الانسان في هذه الحياة، كيف يموت الانسان ويكون راضياً.
# خطبة وداع!
- وكأنها خطبة وداع، ردد كثيراً كيف يموت الانسان ويكون راضياً، واستشهد بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وقف ناظراً الى بيروت وتأملها وقال هذه المدينة حافظوا عليها بمبادئها لا تغيروا فيها ولا تقاليدها، وهذا كان يوم الاحد.
ويوم الاغتيال ترك مفاتيحه في خزانة والدتي وفيما بعد اكتشفتها.
# عادة كان يأخذها معه؟
- مفاتيح منـزله، وكان يضعها في جيبه، يوم الاغتيال ترك المفاتيح في البيت.
# عامداً؟
- اكيد والا لماذا يتركها في المنـزل، بعد الاغتيال فتحت والدتي خزانتها فوجدت المفاتيح في مكانها، وعكس الكثير من الاقوال الشيخ حسن خالد لم يحترق في سيارته وجثته لم يطلها أي اذى، الا تلك الشظية التي اخترقت رأسه وكانت قاتلة، وأخرجناه من السيارة وما زلت احتفظ بساعته وحواز سفره.
# لماذا كان جواز سفره في جيبه؟
- كان يستعد للذهاب الى المملكة العربية السعودية، لتوكيد ما طلبه من العاهل المغربي لاقامة قمة عربية من أجل لبنان. وبالمناسبة لقد اغتيل المفتي خالد قبل عشرة ايام من انعقاد القمة العربية التي انعقدت في الدار البيضاء وكان رئيس المؤتمر والداعي اليه العاهل المغربي الحسن الثاني من اكثر المؤتمرين حزناً على الشهيد الكبير اذ قيل لنا انه صعق عندما بلغه اغتيال المفتي الرجل السمح الذي كان احد ابرز رموز الاعتدال في لبنان، والداعية القوي لاعاة اللحمة الى شعبه وأرضه. كما حزن الملوك والرؤساء العرب، ان معظمهم اذا لم نقل كلهم، عرفوا الراحل الكبير، والتقوه مرات عديدة، وعرفوا فيه الاعتدال وبعد النظر في الامور الوطنية وساعياً قوياً الى اعادة السلام والوحدة في لبنان.
وهذا ما كان يحكم علاقته بالجميع المبادىء التي ترسي دعائم لبنان وتقوّيه وهذه مهمته في الحياة لأنه لم يكن يطلب شيئاً لنفسه، وفي هذا الاطار كان يحاول دائماً المحافظة على علاقات جيدة مع الجميع الا ان علاقته بسوريا وبقياداتها دخلت في تجارب كثيرة ومتنوعة.
# هذه القمة التي حصلت وأدت الى اللجنة الثلاثية ثم اتفاق الطائف؟
- نعم، ووصلت الرسالة بعد اغتياله بيوم واحد، ووافق ملك المغرب على استقبال قمة عربية لهذا الغرض، ويومها وقف الملك الحسن الثاني، كما اذكر، وقال لقد خسرنا رجل الحوار ورجل محبة وداعي سلام وايمان في احلك الظروف التي يعيشها لبنان وتعيشها الامة العربية لذلك ندعو اللبنانيين ان يحذوا حذوه وان يمشوا على مسيرته وان يمشوا على خطاه لأن لبنان لن يستقيم الا بهكذا رجال.
# عند اغتياله هل خرجت تظاهرات تشييع وهل حمّل المتظاهرون مسؤولية علنية لسوريا عنه؟
- كان هناك غضب عارم ونحن نعلم ان اغتيال الشيخ حسن خالد في وقتها تم في ظل الوجود السوري، أي الوجود الامني السوري، الذي كان في ذروة سيطرته على الامور.
# كانت هناك حرب علنية في بيروت بين عون وبين سوريا؟
- كان المفروض ان يحمل احدهما المسؤولية.
# لماذا لم يحمّل الشارع المسلم الذي كان يشيع المفتي الشهيد، ميشال عون مسؤولية الاغتيال؟
- لأن التاريخ الذي كان يحكم علاقة الشيخ حسن خالد بالسوريين كان واضحاً، الشارع كله كان يعلم بأن السوري لا يتوافق مع مواقف الشيخ حسن، فلما حدث الاغتيال كان من الطبيعي جداً ان توجه اصابع الاتهام الى سوريا، وفعلاً يوم اغتيال الشيخ حسن خالد آلاف الاشخاص اعتقلوا، الذين مشوا وساروا في الجنازة، بعض الناس رفعوا اعلاماً لم توافق عليها سوريا مثل اعلام ((المرابطون)) والحركات السياسية التي كانت على الارض انما الكم الهائل من الناس الذي سار في الجنازة، ولكن يجب ان نتذكر ان الشيخ حسن خالد كان ضد الميليشيات السنية قبل غيرها، لأنه كان يعلم ان هذا السلاح هو سم قاتل يقتل صاحبه قبل ان يقتل غيره.
# لعل هذه احدى نقاط اللقاء مع ميشال عون، الذي كان ضد الميليشيات؟
- لذلك كان يدعو الى عودة المؤسسات وعودة الجيش وعودة الشرعية، كان هو المغرد الوحيد خارج سربه من الطيور الهائمة والهائجة في مصالحها الشخصية.. فاعتقل الكثير من الاشخاص الذين هتفوا بحماس وهددوا وتوعدوا واتهموا .
# هل تعتقد ان احداً منهم ما زال موجوداً في السجون السورية؟
- لا اشك.. اعتقد ان هناك من هو معتقل في السجون السورية.
# هل اتصل احد من المسؤولين الامنيين السوريين بكم بعد استشهاد المفتي حسن خالد؟
- لم يتصل احد.
# وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري جاء نائب الرئيس عبد الحليم خدام ليؤدي واجب العزاء.. ولم يأت احد رسمياً..
- الى دار الفتوى جاء الكثير من الشخصيات السورية مثل غازي كنعان وغيره، اما الى منـزلنا فلم يأت احد.
# كيف فسرتم هذا الامر، هل رفضتم استقبال احد من المسؤولين السوريين كما رفضت اسرة الرئيس الحريري استقبال احد من المسؤولين السوريين؟
- في الوقت الذي اغتيل فيه الشيخ حسن خالد كانت بيروت لا تتحمل أي حركة او أي ضغط، وكنا على دراية بأن لا نحمِّل بيروت اكثر، لأننا واجهنا يوم الجنازة اعتقال الكثيرين، واي موقف خطأ كان يمكن ان يسبب لاهالينا وعائلاتنا الكثير من المآسي التي كنا نريد ان نتجنبها.
# خسرتم الشهيد المفتي وسكتم؟
- سكتنا لاننا علمنا بأن أي مطالبة بأي شيء لن تجدي نفعاً وانك كمن ينفخ في الهواء.
# ولكن حصل بعد ذلك اتصالات بينك وبين مسؤولين سوريين، هل جربت ان تفتح حواراً حول هذا الموضوع معهم؟
- الذي جعل الموضوع السوري يظهر الى السطح انني دخلت الانتخابات عام 1992 وأخذت شعار ((قدرك الشهادة وقدرنا متابعة المسيرة))، هذا الشعار ازعج الكثيرين.
# اعتبر استفزازاً للسوريين؟
- ووصلتني رسائل عديدة، ومنها كيف تعتقد انك ستكون نائباً وأنت تستفز سوريا، فقلت لهم انا صادق بهذا الشعار ولا اعني به شيئاً، لا شك بأن قدر الشيخ حسن خالد الشهادة، ولا شك بأنني سأتابع المسيرة مهما كلف الثمن، مع توصية كبيرة لوالدي بأن لا ادخل عالم السياسة، لأنه كان ينـزعج كثيراً من العمل السياسي حيث انه وجد فيه الكثير من الممالأة والكذب والرياء، فكان يحذرني من هذا، ويقول لي اذا كنت قادراً على ان تعمل في السياسة من الباب المختلف تماماً، فأنا معك، ولكن ستتعب كثيراً، وهذه وصيته لي وانا ما زلت محافظاً عليها، لذلك عندما دخلت المعترك السياسي عام 1992 وأسقطت جرت اتصالات عديدة معي وأرسل لي بعض الذين يرسلون عادة، انه لماذا لا تحسن علاقتك مع الاخوة السوريين، وكانوا ينفون عنهم تهمة اغتيال والدي، ويذكرون لي بأنني اثبت وجودي في بيروت وأنني من القيادات، فحسِّن العلاقة لانهم يستطيعون ان يؤمنوا لي الانفتاح على الاخرين، وكان ردي دائماً انه لا مانع من التواصل مع الناس ولكن ضمن اطار مفاهيمنا وتقاليدنا.. وفعلاً حصلت لقاءات عديدة مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام.
# هل حاول ان ينفي امامك مسألة اغتيال والدك الشهيد؟
- عدة مرات نفى قطعاً علاقة سوريا باغتيال الشهيد حسن خالد، وطمأنني.. ولكن كنت اشعر بأن هناك نوعاً من الامتعاض من كلمة بيروت، فعندما كنا نقول له ((نحن البيارتة)) كان يرد لا يوجد شيء اسمه بيروت.
# لم يكن يحب البيارتة؟
- كان يعتقد ان كل انسان يسكن بيروت هو بيروتي، فأجبته ان البيروتي لا اعني انه الانسان السني المتعصب، وانما الذي يعتبر ان بيروت عاصمة له ويؤمن بقضية العيش المشترك والتواصل مع الآخرين، هذا ما اعنيه، وليس المتعصب الذي يفكر بشكل خارج عن الاطار العقلاني، البيروتي هو الانسان المثقف المتعلم المنفتح ولاحظت حساسيتهم بهذا الموضوع.
# هل قابلت الرئيس بشار الاسد؟
- قابلت الرئيس بشار الاسد قبل استلامه منصب رئاسة الجمهورية.
# ألم يتم التطرق الى موضوع استشهاد الشيخ حسن خالد؟
- على العكس هو الذي بدأه، واعتبر ان الشهيد حسن خالد كان من الشخصيات اللبنانية العربية المميزة التي لم يخسرها لبنان وحسب وانما خسرتها سوريا وخسرها لبنان في الوقت الذي كان بحاجة الى هذا النوع من الشخصيات التي كانت تساعد، في هذا الوقت كان الوضع حساساً جداً وكان المطلوب اعادة الشخصيات التي خسرها لبنان واليوم مطلوبة اكثر.
# هل جرت مقارنة يوماً ما في الحوار بينك وبين عبد الحليم خدام، بين اغتيال الشهيد كمال جنبلاط وكيف تعامل السوريون مع وليد جنبلاط وماذا قالوا له، وبين اغتيال الشيخ حسن خالد وماذا قال لك السوريون؟
- عبد الحليم خدام قال لي: انه ليس لسوريا علاقة باغتيال الشهيد حسن خالد، لكن خدام كان منـزعجاً من بعض التحركات التي يقوم بها وليد جنبلاط وكان يتهم فيها السوريين باغتيال والده الشهيد كمال جنبلاط وكان هذا يزعج خدام كثيراً حتى انه في وقت من الاوقات قال لي خدام، انه ارسل لجنبلاط الذي كان يتهم السوريين باغتيال والده.. نعم قتلنا والدك وماذا تريد بعد، اسكت احسن لك..
# كأن خدام كان يقول لك بالا تمشي على طريق وليد جنبلاط؟
- ربما بطريقة غير مباشرة.. وحقيقة انا لم افتح هذا الموضوع معه بتاتاً.
# بالاجمال كيف تصف علاقة المفتي الشهيد بالسوريين؟
- كانت علاقته بالرئيس الاسد ونائب الرئيس السوري خدام قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان جيدة جداً وكانت علاقة جميع القوى السياسية الاخرى معهم سيئة، فعند حصول الاجتياح تم القضاء على الفلسطينيين، وتم سحب سلاح المرابطون وتم تزويد حركة امل والحزب الاشتراكي بالسلاح وابتدأوا بالهجوم على البيوت الآمنة في بيروت بدون أي منطق او سبب ومن هنا ساءت العلاقة بين المفتي خالد من جهة وبين السوريين والميليشيات من جهة اخرى، كان المفتي خالد يدافع عن الحق، حق المواطن وكرامته، حق المخطوفين والافراج عن المحتجزين، حق الطلب بفتح كل الملفات بلا تمييز والضرب بيد من حديد على يد كل غاصب وجانٍ، حق يرفع الظلم عن المواطنين الذين ما يزال بعض الممارسات الشاذة ترهق كواهلهم، فتهجر البعض وتكره البعض على بيع املاكه، حق رفع المظاهر المسلحة غير الشرعية التي تمتهن كرامة المواطن والوطن وتتحدى القوانين والاعراف.
# أنت كإبن الشهيد وكسياسي وانسان لمن تحمّل مسؤولية اغتيال الشهيد حسن خالد؟
- الذين كانوا يريدون اللاعقل، اللامنطق، اللاحوار الذين كانوا يريدون وطناً ممزقاً ليس فيه مؤسسات ولا قوانين بل زعامات تتبع الغريزة وليس العقل، هم المسؤولون عن هذا الاغتيال، نحن باعتقادنا كعائلة بأن كل شخص هو بريء حتى يثبت العكس، لكن عند الاغتيال كان المسؤول المباشر عن امن بيروت هم الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة امل والمخابرات السورية ونحملهم كامل المسؤولية بعدم تأمين الحماية له، وعند استشهاده لاحظنا بأن كثيراً من الشباب المناصرين له تم اعتقالهم بدون أي تهمة، او سبب، وتم ارسال نصائح لنا بعدم الخوض في السياسة لأنهم كانوا يريدون ان ينسوا خطه، خط الحقيقة والمواجهة والمنطق والوحدة والاعتدال والمساواة والعدالة بين الناس، أليس هذا مستغرباً!
# هل من كلمة توجهها الى روح الوالد؟
- بعد 16 عاماً من الاغتيال نقول للمفتي خالد وينك اليوم؟ نفتقد فيك الحكمة، نفتقد فيك انصاف المظلوم وانعاش الفقير نفتقد فيك المؤسسات والقوانين وليست الغرائز والمزاجات اللاعقلانية، ايها الشهيد الكبير كنت الشاهد الكبير على الجرح النازف، وصاحب المواقف الوطنية اليقظة، واغتيالك زحف بنا الى الهلاك والعار كل العار ان يبقى الوطن رهينة اهل الشر والحقد وان تبقى اعيننا معصوبة بالعمى عن الحقيقة، والبحث عن الذات، ان الذين اغتالوا شخصه لم يدركوا ان مثل هذا التراث الروحي والوطني هو حي في نفوسنا ولن يستطيع احد ان يغتاله ابداً، ونحن نشيد بهذا التراث، لا لنوفي فقيدنا العزيز بعض حقه علينا فحسب، بل لنذكِّر مواطنينا بأن وعيهم روح هذا التراث، والتزامهم بمبادئه يمكن ان يوجهاهم نحو بداية جديدة للبنان جديد.
اريد وضع حلقات العنف التي ابتدأت بإخفاء السيد موسى الصدر، إمام المحرومين وأحد رواد الحوار الاسلامي – المسيحي.
وتبعه كمال جنبلاط المتطلع الى جمهورية لبنانية تقدمية اشتراكية، والمناضل لتحرير الشعب العربي وسائر شعوب العالم الثالث.
ولحق بهما بشير الجميل، بعدما التزم جمهورية لبنانية موحدة ودولة عصرية لا سيادة فيها الا للشعب، ولا حكم الا للقانون.
وأدركهم رشيد كرامي المتفاني في سبيل الجمهورية الديموقراطية الوطنية التي يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وتوج باغتيال حسن خالد وهو يبشر بجمهورية لبنان الواحد التي تسودها القيم العلوية الاسلامية المسيحية، قيم التراحب والتحاب، ويتكامل مواطنوها المسلمون والمسيحيون في ظل الحرية والعدل والمساواة التامة في الحقوق والواجبات.
فهل تكون المصادفة وحدها هي التي جعلت قادة لبنان ذوي المشاريع الاحيائية، هم الذين يستهدفهم الاغتيال؟ وهل يكون من المصادفة ان الذين يحيق بهم الخطر، اشد الخطر هم القادة الذين يلتزمون العقل، ويستنكرون العنف، ويعتمدون التحاور ويستهجنون التقاتل منهجاً لتسوية الازمة اللبنانية.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home