Thursday, May 12, 2005

ثلاثة أحداث من ذاكرة غسان تويني عن ريمون اده


"النهار"
الخميس 12 أيار 2005
ثلاثة أحداث من ذاكرة غسان تويني عن ريمون اده
كيف أقنع العميد الرئيس شهاب بالحكومة الرباعية
وكيف أقنع الرئيس الأسد... بفتح الحدود

في تغطية "النهار" لاحياء ذكرى العميد ريمون اده أمس في الجامعة اليسوعية، سقط قسم مهم، بل القسم الأهم مما ارتجله غسان تويني، ونثبته الآن نظراً الى المغازي التي له والى ضرورة تسجيله.
قال غسان تويني انه يريد ان يروي ثلاثة أحداث هي عصارة أمثولة العميد في التصرف الديموقراطي، خصوصاً ان شريعة ريمون اده كانت في التصرّف لا في النظريات.
الحدث الأول يتناول ترشيح ريمون اده لرئاسة الجمهورية ضد اللواء فؤاد شهاب في انتخابات 1958، فأوضح انه كان في طليعة الذين حاولوا ثني العميد عن الترشيح، على ما كان بينهما من روابط التأييد. ورد العميد على حجة غسان تويني بضرورة تأمين اجماع على الرئيس الذي سينتخب: "يا عيني عليك شو بتفهم بالديموقراطية... أنا فاهم ان شهاب صار في حكم المنتخب، ولكنني أترشح اياً كانت الأصوات الأقلية التي سأنال بالذات حتى يثبت في المحيط العسكريتاري العربي، ان قائد الجيش اللبناني يترشح في المجلس بدل القيام بانقلاب، وان ثمة نواباً لا تزال لهم حرية الاقتراع ضد ترشيحه، ولو كانت ثمة أكثرية تؤيد هذا الترشيح الذي جاء وليد توافق دولي – اقليمي".
وهكذا كان، ولم ينل الرئيس شهاب الاكثرية النيابية المطلوبة في الدورة الأولى، وأجريت دورة اقتراع ثانية فاز بنتيجتها اللواء شهاب بالأكثرية "المطلقة" (أي البسيطة) وليس بأكثرية الثلثين. واستمر العميد في قيادته للمعارضة، بينما كان الرئيس كميل شمعون قد أوعز الى نوابه بالاقتراع لشهاب.

تأليف الحكومة الأولى
وعلى رغم ذلك، ما ان تأزم تأليف الحكومة الشهابية الأولى بعد انتقال الرئاسة في أيلول (أي بعد الفترة الانتقالية الدستورية) وقيام "الثورة المضادة" بقيادة الكتائب اللبنانية والتي أدت الى فشل الرئيس رشيد كرامي في تأليف حكومة تبقى بعد صدور بيان عنه يقول انه "آن أوان قطاف ثمار الثورة"...
ما ان تأزم الوضع وبدأ العهد يتعثر بصعوبات تشكيل الحكومة ومضاعفات الثورة عليها وخطر توجهها ضد العهد (الجديد) حتى هبّ العميد يعتبر ان عليه المساهمة في الحل. اتصل بالرئيس شهاب مساء وقال له انه قادم الى الاجتماع به لانه "عنده حل" للأزمة الحكومية... وعلّق تويني، الذي كان يقلّد لهجة العميد في الكلام واشاراته في التصرف: لأنّو طبيعي انو العسكر ما بيعرفوا يؤلفوا حكومات، والافندي ملتزم حكومته السابقة و"ثمار الثورة"...
وصل العميد الى جونية، حيث كان شهاب في منزله وبادره قائلاً: "بتسمحلي أتدخل؟ أنا عندي حل واسمحلي انا احكي مع يللي بنتفق على تكليفهم، وخليهم يرفضوا لي مش الك".
وهكذا كان. عرض العميد حكومة رباعية قال للرئيس انه مستعد للاشتراك فيها على رغم معارضته لانتخابه. واقترح ان يكون الوزير الماروني الثاني بيار الجميل "يللي أنت بتحبّو وعامل عليك ثورة، وأنا أساساً ضدّه". واستطرد مقترحاً ان يبقى في رئاسة الحكومة الرئيس المكلف رشيد كرامي ويضاف اليه وزير مسلم آخر هو الحاج حسين العويني الذي كان أحد زعماء المسلمين، انما بترفع عن العنف.
- "والباقي؟ بقية الطوائف؟" سأل شهاب.
جواب العميد: بدهم ما يواخذونا. هيدي وزارة خروج من الحرب والثورة. استثنائية، مش قاعدة. ما عندنا وقت !
وبينما كان الرئيس يبتسم مستغرباً هذه الطريقة في التفكير والتصرّف التي لم يعتدها، كان العميد يأخذ سماعة الهاتف قائلاً: "بتسمح لي؟ راح بلّش بالشيخ بيار يللّي قلة ما بحكي معه !". ودعا العميد الشيخ بيار – الذي استغرب المكالمة بالطبع – الى جونية قائلاً له ان الرئيس يجري اتصالات لتأليف الحكومة، وانه هو (أي العميد) في القصر ينتظره حتى يكونا كلاهما معاً.
ثم طلب العميد الرئيس كرامي الذي كانت تربطه به صلة صداقة قوية، فوافق. كما اتصل بالحاج حسين وشرح له بأسلوبه الخاص ان عليه "انقاذ الوضع" المتوقف على اشتراكه. وحضر الحاج حسين، وكان الرئيس كرامي والشيخ بيار قد وصلا كذلك، فجرى توزيع الحقائب بسرعة. وكانت الساعة قد قاربت منتصف الليل، فأذيع الخبر من الاذاعة في النشرة الليلية، وسرعان ما انهالت التلفونات من الصحافة على جونية وتقاسم الموجودون الرد على المكالمات، كل مع مَن له !
"شو بتربح من قفل الحدود؟"
الحدث الثالث، ولعله الأهم، يتناول العلاقات مع سوريا التي لم يكن لها بعد في لبنان لا جيش ولا مخابرات، ولا في متناولها اذا غضبت سوى اقفال الحدود.
كان ذلك أوائل عهد الرئيس سليمان فرنجيه، الصديق الشخصي للرئيس الاسد (الأب، طبعاً). ومع ذلك نشأت أزمة بين البلدين ادرك العميد ان شيئاً ما استثنائياً يجب ان يقوم به أحد لمعالجتها.
ولم تكن علاقات العميد مع الرئيس الاسد أسوأ مما كانت في آخر زمانه، لكنها لم تكن افضل كذلك، انما كانت تسمح له بالاتصال بالقصر في دمشق، وعلى طريقته طلب موعداً عاجلاً مع الرئيس السوري. استغربت دمشق طبعاً، لكنها استجابت، وهي التي لم يكن قد سبق للعميد ان زارها ولا مرة.
واستقبل العميد على الحدود استقبالاً رسمياً بـ"سجاد أحمر – قال - والى آخره". ثم اجتماع فوري أشاع خلاله العميد بسرعة جواً حميمياً اذ صارح الاسد بأنه غير مكلف من أحد وان قراره بالزيارة جاء هكذا، كمواطن لبناني يرى ان من واجبه منع المسألة من التأزم أكثر.
- "وأبو طوني؟" سأل الرئيس الأسد.
أجاب العميد انه، كي لا يحرج رئيس الجمهورية اللبنانية، قام بهذه المبادرة التلقائية من غير ان يعلمه بها، فيضطر فرنجيه الى "شرح القصة له" وربما الاختلاف معه على الأسباب والحلول...
لذلك – وهنا تلتقي الديبلوماسية المترفعة والديموقراطية – أضاف العميد: "انا بترجاك ما تشرح لي شو القصة ولا شو الخلاف ولا شو شروط الحل... هيدا مش شغلتي، وأنا مش وسيط ولا بصلح وسيط...".
جواب الأسد: "شو بتطلب اذا؟"
- شي بسيط كتير: "تفتح الحدود، بترفع هيدي الخشبة، وانا بروح دغري لعند الرئيس فرنجيه بخبّره... لانه لا فائدة من ابقاء الحدود مقفلة، وليس من حل للمسألة لا يمكن الوصول اليه بعد فتح الحدود مما كان يكون أسهل اذا ظلت مقفلة".
وختم العميد قائلاً: "بعدين، فيك تؤكد لي يا سيادة الرئيس انك انت بتربح من اقفال الحدود اكثر مما بنربح نحن الربح كالخسارة مشتركة. فخلينا نحلها والقلوب مفتوحة، مثل الحدود".
وهكذا كان وانصرف العميد، ولم تضطره الظروف (أو لم تسمح له) بزيارة دمشق ثانية !!!. وتوجه تواً الى بعبدا التي كان بالطبع قد بلغها نبأ نجاح العميد. استقبله الرئيس فرنجيه شاكراً.
لكن ذلك لم يمنع كثيرين من المصطادين في الماء العكر من القول ان "اكرام الاسد للعميد" زاد الطين بلّة.
الامر الذي كذّبته الأحداث، لأن الأزمة انتهت باتفاق و... زيارة من نجل الرئيس فرنجيه، المرحوم طوني، الذي اكد ان المياه بين العائلتين ستبقى صافية في مجاريها، ولا اقفال حدود، ولا من يحزنون للأمر ولا من يفرحون.
وختم غسان تويني هذا القسم من حديثه متسائلاً كم من السياسيين، والزعماء بنوع أخص، كانوا اليوم يتصرفون على هذا النحو؟

0 Comments:

Post a Comment

<< Home