عبد الحليم خدام: النظام السوري لم يبق سوى إسقاطه
عبد الحليم خدام: النظام السوري لم يبق سوى إسقاطه
GMT 10:15:00 2006 الجمعة 6 يناير
الشرق الاوسط اللندنية
قال إن المسؤوليات في اغتيال الحريري «لا يمكن أن تقف عند مستوى معين»
باريس ـ ميشال أبو نجم
صعد نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام، لهجة انتقاده للرئيس السوري بشار الاسد، ردا على الحملات التي تعرض لها من اركان النظام بعد مقابلته التلفزيونية مع قناة «العربية».
وفي حوار مع «الشرق الاوسط» في باريس أمس قال خدام ان بشار الاسد أتاح لعائلته وأصحابه «ان ينهبوا» سورية فيما وصل الفساد في لبنان (ابان الوجود السوري فيه) «الى حد العهر».
وقال خدام، ردا على الحملات السورية التي تخوِّنه، ان «الخائن هو رأس النظام» مضيفا انه «اذا كان هناك من تجب محاكمته فهو بشار الاسد». واعتبر ان النظام السوري «لا يمكن اصلاحه ولم يبق سوى اسقاطه». وفيما اعتبر ان التغيير في سورية يجب ان «ينضج من الداخل» أكد انه لا يسعى الى اسقاط النظام بانقلاب عسكري.
* كيف كان تقويمك لردود الفعل السورية الرسمية على تصريحاتك الأخيرة وإزاء الاتهامات التي وجهت إليك بالخيانة والفساد والبدء بإجراءات لمحاكمتك؟
ـ الحقيقة أن الإدارة السورية أسدت لي خدمة كبيرة، فقد كشفت زيف المؤسسات الدستورية وتغييب القيادات الحزبية تماما، وتبين أن دورها هو أن تكون فقط غطاء لما يقوله بشار الأسد . مشهد مجلس الشعب كان محزنا للسوريين الذين تساءلوا : هل هذا المجلس يمثلنا ؟ كانوا يرددون الشتائم كالببغاوات. كانت الشتائم تنهال على شخص كان له الدور الأساسي في رفع شأن سورية خلال 30 عاما، فحتى العام 1998 كانت سورية في الأوج وكل السوريين كانوا يتحدثون عن السياسة الخارجية ويشيدون بها فيما كانوا ينتقدون السياسة الداخلية. وأنا أسأل : من كان يخطط ويدير السياسة الخارجية طيلة هذه الفترة ؟ السوريون يعرفون الخدمات التي قدمتها للبلد. وأنا أسأل: هل أصبح نقد بشار الأسد الذي دفع بالبلد الى هذه الحالة كفرا ؟ لقد أتاح لعائلته وأصحابه أن ينهبوا البلد. هل نقدهم كفر؟
البلد يئن من الجوع وبشار الأسد أعطى أحد اقاربه امتياز الخليوي وامتيازا لصديقه وبموجبه تخسر الميزانية مبلغ 700 مليون دولار. وأتحدث أيضا عن الفساد في لبنان. وصل الفساد الى حد العهر: أمثلة؟ بنك المدينة. رستم غزالي أؤكد أنه أخذ 35 مليون دولار من هذا البنك.
* لكنه نفى أن يكون أخذ قرشا واحدا؟
ـ أنا أعرف حقيقة الأمر من شخص موثوق به جدا. ثم لماذا الإصرار على لحود؟ لأنهم أقنعوا بشار الأسد أن مجيء رئيس آخر يعني فتح الملفات. لقد سعيت أربع مرات لإقناع بشار الأسد بإزاحة رستم غزالي ولكن لم أنجح.
* أعود الى السؤال الأول، النظام يخونك وبدأت إجراءات محاكمتك.
ـ الخائن هو الذي يلحق الضرر بشعبه ووطنه. انظروا ماذا فعل بشار الأسد بالشعب السوري؟ زاد الفساد ونهب الأموال العامة من غير حدود. ثم انظروا أين أصبحت الأوضاع الاقتصادية. أكثر من نصف الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر. عشرات الآلاف من المتخرجين من الجامعات لا عمل لهم. في السياسة الخارجية: انظروا الكارثة التي وصلنا إليها. اتخذ قرار التمديد للحود ونبهته من أن سورية لا تستطيع تحمل تبعات هذا القرار. وهنا أكشف أنه جاءته فرصة قبل صدور القرار 1559 لتفادي ذلك ولكنها ضيعت. فقد طلب بشار الأسد من الشرع أن يتصل بوزير خارجية اسبانيا، موراتينوس، لمساعدة سورية على تفادي صدور القرار المذكور مقابل التخلي عن التمديد للحود. وطلب موراتينوس أن يتصل بشار برئيس الوزراء الإسباني. هذا ما تم. ومن جهته قام موراتينوس بمشاورة شيراك وبلير وشرويدر وبوش وتم التوصل الى اتفاق على أن يصرف النظر عن القرار شرط أن يلغي رئيس البرلمان اللبناني الدعوة لاجتماع البرلمان. وأبلغ موراتينوس هذا الموقف للشرع الذي أصر على أن يقوم موراتينوس شخصيا بالاتصال ببري. وعندما فعل أجابه هذا الأخير: لبنان بلد مستقل وسورية لا تستطيع أن «تمون» علينا. ولم يلغ الاجتماع. وبعد ساعتين اجتمع مجلس الأمن وصدر القرار المذكور. وهنا أنا أسأل: لماذا غير الأسد موقفه؟ وانظر نتائج التمديد: صدر القرار 1559، قتل الحريري، أخرجت القوات السورية من لبنان بمهانة، ضربت العلاقات مع لبنان ووجدت سورية نفسها في عزلة عربية ودولية. وأنا أقول: أليس ذلك إضرارا بالمصالح السورية؟ أليست هذه الخيانة؟ إذا كان هناك من تجب محاكمته، فهو رأس النظام.
* عم تسعى اليوم؟ هل تريد إصلاح النظام أم تغييره وإسقاطه؟
ـ هذا النظام لا يمكن إصلاحه فلا يبقى سوى إسقاطه.
* ولكن كيف ستسقطه؟
ـ الشعب السوري هو الذي سيسقط النظام. هناك تيار ينمو في البلد سريعا. المعارضة تنمو بسرعة. أنا لا أسعى الى التغيير عبر انقلاب عسكري، الانقلاب أخطر أنواع التغيير. لكن أنا اعمل لإنضاج الظروف من أجل أن ينزل السوريون الى الشارع وأن يتخذوا ما يجب اتخاذه من أجل إسقاط النظام وهذا الأمر يسير بشكل جدي.
* هل تسعى الى تشكيل جبهة معارضة؟ ـ قبل مقابلتي التلفزيونية، كانت المشكلة أنه لم يكن هناك شخص ذو وزن يمكن أن يقف بوجه النظام. المعارضة السورية تعرف مواقفي وأنا كنت على اتصال بها حتى يوم كنت في سورية. المقابلة زادت من ثقة المعارضة بنفسها وهي ستلتحم مع بعضها البعض بكل أطرافها وأنا أسعى الى ذلك.
* هل في سعيك لتوفير العوامل التي تنضج التغيير تقوم باتصالات عربية وأجنبية؟ ـ لم أتصل بأحد لأنني أعتقد أن التغيير يجب أن ينضج في الداخل.
* لكن هناك عوامل مساعدة ـ اسمها عوامل مساعدة. الأساس هو الداخل. إذا كان العامل الرئيسي للتغيير خارجيا سيكون مضرا بمصلحة البلد ومقيدا لحركته. الخارج إذا ما تدخل للتغيير فسيفرض شروطه على البلد وأنا أرفض ذلك.
* هل طلب لجنة التحقيق الدولية مقابلة الرئيس بشار الاسد من العوامل التي تضعف النظام، وما هو تأثيرها عليه؟ ـ نعم من الطبيعي أن تكون عامل إضعاف. مشكلة بشار ومن حوله أنهم سيقرأون الأمور بشكل خاطئ. لقد فسروا القرار 1644 بأنه انتصار لسورية وأشاعوا أنهم قادرون على التفاهم مع الأميركيين حول العراق وإرسال 50 الف جندي عربي الى هذا البلد. بشار الأسد سيكون مضطرا لاستقبال اللجنة والا ستقوم مشكلة مع مجلس الأمن. أميركا تريد سورية ضعيفة وإسرائيل ضد التغيير في دمشق.
* هل قمت باتصالات عربية أو أجنبية؟ حكي عن اتصال الرئيس مبارك بك؟ ـ كلا الرئيس مبارك لم يتصل بي. وأنا أركز في الوقت الحاضر على الداخل السوري والعمل فيه.
* ما الذي يسعى اليه الرئيس مبارك؟
ـ الرئيس مبارك بحسب تقديري لا يعمل لتجنيب بشار الأسد الاجتماع بلجنة التحقيق. ولكن فقط من أجل مراعاة الشكليات المتعلقة بكرامته كرئيس. المشكلة أن حدود المسؤوليات في اغتيال الحريري لا يمكن أن تقف عند مستوى معين لأن اتخاذ قرار بحجم اغتيال الرئيس الحريري لا يمكن أن يتم من غير معرفة الرئيس. القرار يأتي من رأس الهرم. لماذا يريد رستم غزالة أن يقتل رفيق الحريري؟ هل ينافسه على رئاسة الوزارة؟
* هل تريد ان تضيف شيئا حول اغتيال الحريري؟ ـ لجنة التحقيق هي مولجة بالقول من قتل الحريري.
* قلت إنك تعلم أشياء خطيرة ستعلن عنها في وقت لاحق، ما هي طبيعة هذه المعلومات؟
ـ منها ما يتناول اغتيال الحريري ومنها يتناول الوضع في سورية.
* متى ستلتقي لجنة التحقيق الدولية ؟ ـ سأراها في الأيام القليلة المقبلة. أنا أعطيت إشارات وسردت بعض الوقائع. أنا لا أستطيع الاتهام. هذا دور لجنة التحقيق. أنا ذكرت وقائع يعود للجنة أن تقدر قيمتها. جريمة اغتيال الحريري سياسية. يجب البحث عن الدوافع ثم عن القرائن. ـ اغتيال الحريري عملية تطلبت 1000 كلغ من المتفجرات، ولا أقل من 20 شخصا لعمليات الرصد والمراقبة، وأجهزة عالية التقنية لتعطيل تجهيزات الحريري لكشف المتفجرات. هل هناك شخص أو تنظيم قادر على تأمين كل ذلك؟ هذه عملية لا تستطيع تنفيذها سوى دولة. فمن هي هذه الدولة؟ هذه مهمة التحقيق. عليه ان يأخذ الدوافع والقرائن والأدلة المادية على اختلافها.
* هل تعتبر ان الدولة السورية انقلبت عليك، ام انك انقلبت عليها؟
ـ علينا التمييز بين الدولة والنظام، أنا تركت النظام أيام الرئيس الاسد، كنت متفقا معه على كل المسائل الخارجية، وكنت اختلف معه في الامور الداخلية. الرئيس حافظ الأسد كان رجلا مهما في تاريخ سورية، لكنه كان ضعيفا أمام عائلته، ترك الفرصة لآل الأسد في الساحل وغير الساحل لكل الممارسات الشاذة، فكر بالتوريث وهذا يتعارض مع كل القيم السياسية التي عرفتها سورية.
* ولكنك شخصيا ساعدته في ذلك؟
ـ ساعدته لأنه كان هناك وضع لم يكن فيه أمامنا خيار. ساعدته بعد أن مات، قبل ان يتوفى لم يناقش الامر معنا، رتب الأمور من جانبه، الأجهزة الأمنية والمواقع العسكرية التي تشكلت بالطريقة التي يورث ابنه فيها بالقوة رئيسا في الدستور.
كانت لنا خلافات في مؤتمرات الحزب المختلفة، وفي اجتماعات القيادة القطرية، حيث كنت أطرح باستمرار الوضع الداخلي ووجهات نظري المختلفة، لكن الرئيس الأسد كان متميزا في تفكيره الوطني والقومي المرتبط بالسياسة الخارجية.
الآن هناك سياسة خارجية لتخريب البلد. من أتى بالقرار 1559، لقد طبخ في واشنطن وباريس ولندن وبرلين، لكنه أخرج في دمشق.
بشار الاسد لو لم يتراجع عن مبادرته، لما صدر القرار المذكور ولم تكن سورية تعاني، ولم يكن قتل رفيق الحريري، ولا خرج الجيش السوري بهذا الشكل المذل.
* هل أنت خائف على نفسك؟ هل تلقيت تهديدات؟
ـ هناك إشارات، وجهات عديدة أوصلت رسائل حتى أنتبه للوضع. لكن مسألة الخوف عندي غير واردة. فأنا رجل مؤمن بقضاء الله. الأمر الآخر، من المفترض أن أكون مقتولا منذ عام 1976، حيث تعرضت لأول محاولة اغتيال. المحاولة الثانية كانت عام 1977، والثالثة العام نفسه في لبنان، والرابعة في سورية عام 1984، والخامسة في دولة أوروبية. لم يكتب لي الموت وعندما يكتب لي، قد اموت وأنا جالس على كرسي في منزلي.
وصلتني إشارات لإمكانية تعرضي لمحاولة اغتيال.
* هل ترى نفسك رئيسا للدولة السورية؟
ـ هذا الأمر لا يشغل بالي. أنا عندي مشروع سياسي ولكن ليس لأصبح رئيسا للجمهورية، بل من أجل إنقاذ البلد.
* في لبنان درج تعبير «مصالحة وطنية»، هل في سورية يمكن الحديث عن مصالحة وطنية تشمل الاخوان المسلمين؟
ـ وجهة نظري هي التالية: اليوم هناك إحباط في سورية، ثمة تصدع في الوحدة الوطنية بسبب سياسة العزل التي يتبعها النظام. سورية في خطر، وعندما يكون البلد في خطر يجب السعي الى الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية مع كل القوى. كل القوى التي تبدي استعدادا لمواجهة الخطر يجب أن تتفق مع بعضها البعض، سواء أكان الخطر داخليا أم خارجيا.
* تقول كل القوى؟
ـ نعم كل القوى: يجب الاستفادة من كل طاقات البلد بغض النظر عن الخلافات الفكرية أو السياسية.
أنا أسأل: هل نحن مختلفون على حماية البلد من الخارج؟ هل نحن مختلفون على وجوب إقامة نظام ديمقراطي، او حول حق الشعب السوري في تقرير مصيره؟ هل نختلف حول انه يعود للشعب اختيار قادته؟ كل هذه الامور الوطنية في سورية، نحن متفقون عليها.
الاساس هو التغيير، وأهلا وسهلا بكل الناس الذين يريدون السير في هذا التغيير. في سورية تيار إسلامي واسع جدا، وهذا التيار يتضمن قوى متعددة. الآن كل هذا التيار معزول. وأنا أسأل: سورية بلد مسلم وبين السوريين مسلمون ومسيحيون متدينون غير متعصبين. فهل يجوز استبعاد مدرسة لأنها تلبس غطاء للرأس؟ سياسة العزل تهز الوحدة الوطنية. يفترض أن نأتي بسياسة نقيضة، سياسة توحيد التيارات والاتجاهات لهدف واحد هو إنقاذ البلد وتطويره.
* وماذا عن حزب البعث؟
ـ الحزب بالعقلية التي تديره الآن لا يستطيع مسايرة العصر، ولا أن يخطو خطوة واحدة باتجاه تحقيق اهدافه البعيدة، لا بد من تغيير جذري في الفكر والنهج. ولكن حزب البعث يضم عشرات الالوف من الاشخاص القيمين، والى جانبهم مجموعة متحجرة في القيادات. قواعد الحزب تتضمن شرائح واسعة من العناصر الجيدة، ويفترض ان يكونوا جزءا من عملية النهوض بسورية.
* النظام في سورية قائم على ولاء الأجهزة الامنية وعلى الحزب. هل يمكن ان تحصل انشقاقات داخل هذه الاجهزة؟
ـ الأمن هو الذي يمسك بالسلطة، وللأجهزة الأمنية مصالحها ولقادتها مصالحهم، وبالتالي دور الأمن يضعف مع استقواء شعور الناس بالقدرة على مواجهة الاخطاء التي ارتكبت. لا أتصور أن تحصل انشقاقات بمعنى حركات تمرد لأن هذه الأجهزة لا حيلة لها، هي قادرة فقط على فرض سطوتها على الناس.
* والمؤسسة العسكرية في ذلك؟
ـ هي كبيرة جدا، ولكنها أصبحت خارج دائرة الفعل في ما يخص السياسة الداخلية. ثم نحن لا نحبذ إطلاقا اي تغيير عبر العمل العسكري. لقد عانينا كثيرا من الانقلابات العسكرية، ولا نريد تكرار التجربة.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home