Thursday, January 05, 2006

نوّاب المرسيدس السوريون: من منبر للتشريع إلى "بازار" للشتائم والتشنيع!


نوّاب المرسيدس السوريون: من منبر للتشريع إلى "بازار" للشتائم والتشنيع!
الكاتب: الطاهر ابراهيم
المصدر: أخبار الشرق
قبل أقل من عشرة أيام انعقد أول مؤتمر للبرلمانيين العرب في القاهرة. وكان قبل ذلك قد ‏تم تحديد مدينة "دمشق" مقراً دائماً للمؤتمرات القادمة. وفي تعليق تلفزيوني لأحد أعضاء ‏مجلس الشعب السوري حول ذلك، قال: هذا الاختيار تحصيل حاصل لأن سورية شهدت ‏أول برلماني عربي منتخب في بداية القرن العشرين المنصرم. هذه المعلومة التي أدلى بها ‏‏- مفتخراً - عضو مجلس الشعب الهمام ليست الشهادة الوحيدة التي يمكن أن تعلق تحت ‏قبة مبنى البرلمان السوري بدمشق.ولعل أهم شهادة يفتخر بها البرلمانيون السوريون، هي ذلك "البيان الوطني" الذي صدر رداً ‏على إنذار جيش الاحتلال الفرنسي، الذي حوى قائمة طلبات إذعان طويلة، رفضها جميعها ‏البيان الذي أصدره أعضاء البرلمان. وقد قام جيش الاحتلال الفرنسي في 29 أيار 1945 ‏بعدوان غاشم على المباني الحكومية، كان مبنى البرلمان في رأس قائمة الأهداف، وقد ‏استشهد عدد من أفراد الدرك السوري الذين كانوا يحرسون مبنى البرلمان.عندما يتذكر المواطن السوري تلك المواقف المشرفة، فإنه يشعر بالأسى يعتصر فؤاده وهو ‏يرى أعضاء مجلس الشعب في سورية،على مدى ثلث قرن، لم يقدموا للوطن عملاً يمكن ‏أن يسجل في سجل مبنى البرلمان على أنه إنجاز وطني.‏بل إن أعضاء مجلس الشعب هؤلاء لا يُعرفون عند المواطن السوري إلا بأنهم "نواب ‏المرسيدس". فكل عضو من هؤلاء النواب لا يدرج اسمه في قائمة أعضاء مجلس الشعب، ‏إلا ويكون قد اندرج اسمه بشكل موازٍ في قائمة الذين يسمح لهم بشراء سيارة "مرسيدس" ‏جديدة، معفاة من ضريبة الجمارك.وللعلم فقط، فإن ضريبة الجمارك هذه لا تقل بحال من الأحوال عن مائة ألف دولار، أي أن ‏النظام السوري يدفع أكثر من مائة ألف دولار ثمناً لعضو مجلس الشعب - من خزانة الدولة ‏التي يمولها الشعب - أو ثمناً لإصبعه التي ترتفع بشكل أوتوماتيكي عند كل تصويت على ‏القضايا التي يطرحها النظام السوري، في الأوقات العصيبة التي يمر بها، مثل جلسة يوم ‏السبت 31 كانون أول/ ديسمبر المنصرم أثناء حفلة السباب التي انعقدت لشتم "عبد الحليم ‏خدام"، الذي كان لنصف سنة مضت نائباً لرئيس الجمهورية.جلسة يوم السبت الماضي، لم تكن الجلسة التاريخية الأولى في تاريخ مجلس الشعب، ولن ‏تكون - للأسف الشديد- الأخيرة، طالما أن نظام حزب البعث لا يحسن إلا تمجيد من كان ‏في الحكم، ثم شتمه عندما يصبح خارج الحكم.ومع أن "بازار" الشتائم الذي عقده رئيس المجلس "محمود الأبرش"، في هذه الجلسة، ليس ‏مما يفتح النفس ويشجعها على الكتابة في هذا الشأن، فإننا سنبدي بعض الملاحظات التي لا ‏بد منها حول ما ذكر في هذا "البازار":أولاً: لم يكن المواطن السوري ليستغرب إدانة نائب رئيس الجمهورية السابق "عبد الحليم ‏خدام" بالخيانة العظمى، حسب ما قاله الأبرش في نهاية الجلسة: "إن مجلس الشعب صوت ‏بالإجماع على الطلب من وزير العدل "محمد الغفري" تحريك دعوى على عبد الحليم خدام ‏بتهمة الخيانة العظمى"، لأن هذا المواطن يعرف أن أعضاء المجلس جيء بهم إلى هذه ‏الجلسة ليقولوا ما سمعناه منهم بحق من كانوا يتمسحون به ويطمعون بنظرة منه قبل أقل ‏من سنة. ومع عدم استغرابه، فإن المواطن يأسف إلى ما وصل إليه الحال بعد أن غدا هذا ‏المجلس "منديل زفر"، يمسح به النظام السوري ما يتلطخ به وجهه من سوء تصرفه داخلياً ‏وعلى المستوى الإقليمي والدولي. ‏ثانياً: ما ذكره بعض أعضاء مجلس الشعب عن سيرة "عبد الحليم خدام" هو بعض الحقيقة. ‏وبعضها الأهم أنه كان الشريك الأصغر للرئيس الراحل "حافظ الأسد" في كل ما فعله خدام. ‏ولم يكن الراحل لتفوته أية شاردة أو واردة مما كان يفعله "خدام".ثالثاً: ذكر أحد النواب أن "الخدام" كان محافظاً لمدينة القنيطرة عام 1964، مذكراً بشكل أو ‏بآخر بأن ذلك قد يكون له علاقة باحتلال هذه المحافظة في عام 1967. والصحيح أن خدام ‏كان محافظاً لها عام 1967. ولا نستطيع أن ننفي أو نثبت علاقة مزعومة حول دور له في ‏ما وجهه وزير الصحة "عبد الكريم الأكتع" إلى وزير الدفاع حافظ الأسد بأنه تسبب بسقوط ‏‏"القنيطرة" في البلاغ العسكري الذي أعلن فيه عن سقوط القنيطرة بيد الإسرائيليين، قبل ‏يومين من دخولهم إليها، ما أثار أزمة داخل الحكومة السورية البعثية ".وعندما جاء "حافظ الأسد" إلى السلطة بانقلاب تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1970، كان "عبد الحليم خدام" ‏واحداً من أربعة أيدوا الأسد في انقلابه في مواجهة ثمانين من أعضاء المؤتمر القومي الذي ‏انعقد في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1970. وفي هذا إشارة إلى ما قاله بعض البعثيين بأن القنيطرة ‏قد تم بيعها قبل سقوطها.رابعاً: كل ما اتهم به عبد الحليم خدام من قبل أعضاء مجلس الشعب كان معروفاً للمواطن ‏السوري، بما فيها النفايات النووية التي جاءت عبر الساحل السوري واتهم بها أحد أبنائه، ‏وأنه قد قبض ثمن دفن تلك النفايات في سورية. فأبناؤه، على كل حال، اتهموا بالفساد، ‏مثلهم مثل غيرهم من أبناء المسئولين البعثيين، لأن الفساد كان "الماركة المسجلة" لمعظم ‏المسئولين وأبنائهم منذ استلم حزب البعث السلطة في عام 1963.خامساً: غير أن القضية الأبرز في المحاكمة التلفزيونية التي أجراها أعضاء مجلس الشعب ‏بحق نائب الرئيس السابق، أن النواب "الأشاوس" لم يتنبه أي واحد منهم إلى ما ذكره "خدام" ‏من تهم خطيرة بالفساد بحق المقربين من الرئيس السوري، حيث زادت ثروات بعضهم عن ‏بضع مليارات دولار. وكان يجب عليهم أن يطالبوا بتشكيل لجان قضائية تحقق فيما زعمه ‏‏"خدام" على الأقل إبراء لذمة الرئيس وأقربائه.وأخيراً وليس آخراً نتساءل: أين أنت يا لجنة التحقيق السورية التي شكلوك للتحقيق في التهم ‏التي وجهت إلى بعض المسؤولين السوريين بشأن مقتل "الحريري"؟ ألا يثير كلامُ نائب ‏الرئيس عندك أيَّ إشارة استفهام يمكن أن تحققي فيها، على الأقل، درءاً للتهمة؟عبد الحليم خدام صاحب دور مشهود في قمع الحرية وملاحقة المعارضين السوريين. وكان ‏سيفاً أدّب به الرئيس الراحل الكثير من اللبنانيين والفلسطينيين في ثمانينيات القرن العشرين ‏في لبنان. أما في سورية فلعل آخر بطولاته تلك الحرب الشعواء التي شنها على ناشطي ‏المجتمع المدني من ربيع دمشق في عام 2001، عندما اتهمهم بالجزأرة.ومع كل ما قيل عنه، مما نعرفه ولم يُذكره النواب في حفلة الشتائم، وكان فيه شريكاً للرئيس ‏الراحل، فقد يكون الرجل قد صحا ضميره مما كان يثقله من آثام، فأحب أن يبرئ ذمته. ‏ومن يستطيع أن يحول بين العبد المثقل بالخطايا وبين التوبة؟ومهما كانت ملاحظاتنا على عبد الحليم خدام، فإن هذا لا يجعلنا ننسى أنه كان أول من حاول ‏أن ينهي "الفصام النكد" بين عروبة البعثيين وبين الإسلام. ومن يدخل إلى موقع حزب البعث ‏على الإنترنت يجد بعضاً من الطروحات الهامّة التي حاول فيها خدام التوأمة بين العروبة ‏والإسلام، حيث كان محرماً قبل ذلك في عقيدتهم البعثية الفاسدة.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home