نوّاب المرسيدس السوريون: من منبر للتشريع إلى "بازار" للشتائم والتشنيع!
نوّاب المرسيدس السوريون: من منبر للتشريع إلى "بازار" للشتائم والتشنيع!
الكاتب: الطاهر ابراهيم
المصدر: أخبار الشرق
قبل أقل من عشرة أيام انعقد أول مؤتمر للبرلمانيين العرب في القاهرة. وكان قبل ذلك قد تم تحديد مدينة "دمشق" مقراً دائماً للمؤتمرات القادمة. وفي تعليق تلفزيوني لأحد أعضاء مجلس الشعب السوري حول ذلك، قال: هذا الاختيار تحصيل حاصل لأن سورية شهدت أول برلماني عربي منتخب في بداية القرن العشرين المنصرم. هذه المعلومة التي أدلى بها - مفتخراً - عضو مجلس الشعب الهمام ليست الشهادة الوحيدة التي يمكن أن تعلق تحت قبة مبنى البرلمان السوري بدمشق.ولعل أهم شهادة يفتخر بها البرلمانيون السوريون، هي ذلك "البيان الوطني" الذي صدر رداً على إنذار جيش الاحتلال الفرنسي، الذي حوى قائمة طلبات إذعان طويلة، رفضها جميعها البيان الذي أصدره أعضاء البرلمان. وقد قام جيش الاحتلال الفرنسي في 29 أيار 1945 بعدوان غاشم على المباني الحكومية، كان مبنى البرلمان في رأس قائمة الأهداف، وقد استشهد عدد من أفراد الدرك السوري الذين كانوا يحرسون مبنى البرلمان.عندما يتذكر المواطن السوري تلك المواقف المشرفة، فإنه يشعر بالأسى يعتصر فؤاده وهو يرى أعضاء مجلس الشعب في سورية،على مدى ثلث قرن، لم يقدموا للوطن عملاً يمكن أن يسجل في سجل مبنى البرلمان على أنه إنجاز وطني.بل إن أعضاء مجلس الشعب هؤلاء لا يُعرفون عند المواطن السوري إلا بأنهم "نواب المرسيدس". فكل عضو من هؤلاء النواب لا يدرج اسمه في قائمة أعضاء مجلس الشعب، إلا ويكون قد اندرج اسمه بشكل موازٍ في قائمة الذين يسمح لهم بشراء سيارة "مرسيدس" جديدة، معفاة من ضريبة الجمارك.وللعلم فقط، فإن ضريبة الجمارك هذه لا تقل بحال من الأحوال عن مائة ألف دولار، أي أن النظام السوري يدفع أكثر من مائة ألف دولار ثمناً لعضو مجلس الشعب - من خزانة الدولة التي يمولها الشعب - أو ثمناً لإصبعه التي ترتفع بشكل أوتوماتيكي عند كل تصويت على القضايا التي يطرحها النظام السوري، في الأوقات العصيبة التي يمر بها، مثل جلسة يوم السبت 31 كانون أول/ ديسمبر المنصرم أثناء حفلة السباب التي انعقدت لشتم "عبد الحليم خدام"، الذي كان لنصف سنة مضت نائباً لرئيس الجمهورية.جلسة يوم السبت الماضي، لم تكن الجلسة التاريخية الأولى في تاريخ مجلس الشعب، ولن تكون - للأسف الشديد- الأخيرة، طالما أن نظام حزب البعث لا يحسن إلا تمجيد من كان في الحكم، ثم شتمه عندما يصبح خارج الحكم.ومع أن "بازار" الشتائم الذي عقده رئيس المجلس "محمود الأبرش"، في هذه الجلسة، ليس مما يفتح النفس ويشجعها على الكتابة في هذا الشأن، فإننا سنبدي بعض الملاحظات التي لا بد منها حول ما ذكر في هذا "البازار":أولاً: لم يكن المواطن السوري ليستغرب إدانة نائب رئيس الجمهورية السابق "عبد الحليم خدام" بالخيانة العظمى، حسب ما قاله الأبرش في نهاية الجلسة: "إن مجلس الشعب صوت بالإجماع على الطلب من وزير العدل "محمد الغفري" تحريك دعوى على عبد الحليم خدام بتهمة الخيانة العظمى"، لأن هذا المواطن يعرف أن أعضاء المجلس جيء بهم إلى هذه الجلسة ليقولوا ما سمعناه منهم بحق من كانوا يتمسحون به ويطمعون بنظرة منه قبل أقل من سنة. ومع عدم استغرابه، فإن المواطن يأسف إلى ما وصل إليه الحال بعد أن غدا هذا المجلس "منديل زفر"، يمسح به النظام السوري ما يتلطخ به وجهه من سوء تصرفه داخلياً وعلى المستوى الإقليمي والدولي. ثانياً: ما ذكره بعض أعضاء مجلس الشعب عن سيرة "عبد الحليم خدام" هو بعض الحقيقة. وبعضها الأهم أنه كان الشريك الأصغر للرئيس الراحل "حافظ الأسد" في كل ما فعله خدام. ولم يكن الراحل لتفوته أية شاردة أو واردة مما كان يفعله "خدام".ثالثاً: ذكر أحد النواب أن "الخدام" كان محافظاً لمدينة القنيطرة عام 1964، مذكراً بشكل أو بآخر بأن ذلك قد يكون له علاقة باحتلال هذه المحافظة في عام 1967. والصحيح أن خدام كان محافظاً لها عام 1967. ولا نستطيع أن ننفي أو نثبت علاقة مزعومة حول دور له في ما وجهه وزير الصحة "عبد الكريم الأكتع" إلى وزير الدفاع حافظ الأسد بأنه تسبب بسقوط "القنيطرة" في البلاغ العسكري الذي أعلن فيه عن سقوط القنيطرة بيد الإسرائيليين، قبل يومين من دخولهم إليها، ما أثار أزمة داخل الحكومة السورية البعثية ".وعندما جاء "حافظ الأسد" إلى السلطة بانقلاب تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1970، كان "عبد الحليم خدام" واحداً من أربعة أيدوا الأسد في انقلابه في مواجهة ثمانين من أعضاء المؤتمر القومي الذي انعقد في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1970. وفي هذا إشارة إلى ما قاله بعض البعثيين بأن القنيطرة قد تم بيعها قبل سقوطها.رابعاً: كل ما اتهم به عبد الحليم خدام من قبل أعضاء مجلس الشعب كان معروفاً للمواطن السوري، بما فيها النفايات النووية التي جاءت عبر الساحل السوري واتهم بها أحد أبنائه، وأنه قد قبض ثمن دفن تلك النفايات في سورية. فأبناؤه، على كل حال، اتهموا بالفساد، مثلهم مثل غيرهم من أبناء المسئولين البعثيين، لأن الفساد كان "الماركة المسجلة" لمعظم المسئولين وأبنائهم منذ استلم حزب البعث السلطة في عام 1963.خامساً: غير أن القضية الأبرز في المحاكمة التلفزيونية التي أجراها أعضاء مجلس الشعب بحق نائب الرئيس السابق، أن النواب "الأشاوس" لم يتنبه أي واحد منهم إلى ما ذكره "خدام" من تهم خطيرة بالفساد بحق المقربين من الرئيس السوري، حيث زادت ثروات بعضهم عن بضع مليارات دولار. وكان يجب عليهم أن يطالبوا بتشكيل لجان قضائية تحقق فيما زعمه "خدام" على الأقل إبراء لذمة الرئيس وأقربائه.وأخيراً وليس آخراً نتساءل: أين أنت يا لجنة التحقيق السورية التي شكلوك للتحقيق في التهم التي وجهت إلى بعض المسؤولين السوريين بشأن مقتل "الحريري"؟ ألا يثير كلامُ نائب الرئيس عندك أيَّ إشارة استفهام يمكن أن تحققي فيها، على الأقل، درءاً للتهمة؟عبد الحليم خدام صاحب دور مشهود في قمع الحرية وملاحقة المعارضين السوريين. وكان سيفاً أدّب به الرئيس الراحل الكثير من اللبنانيين والفلسطينيين في ثمانينيات القرن العشرين في لبنان. أما في سورية فلعل آخر بطولاته تلك الحرب الشعواء التي شنها على ناشطي المجتمع المدني من ربيع دمشق في عام 2001، عندما اتهمهم بالجزأرة.ومع كل ما قيل عنه، مما نعرفه ولم يُذكره النواب في حفلة الشتائم، وكان فيه شريكاً للرئيس الراحل، فقد يكون الرجل قد صحا ضميره مما كان يثقله من آثام، فأحب أن يبرئ ذمته. ومن يستطيع أن يحول بين العبد المثقل بالخطايا وبين التوبة؟ومهما كانت ملاحظاتنا على عبد الحليم خدام، فإن هذا لا يجعلنا ننسى أنه كان أول من حاول أن ينهي "الفصام النكد" بين عروبة البعثيين وبين الإسلام. ومن يدخل إلى موقع حزب البعث على الإنترنت يجد بعضاً من الطروحات الهامّة التي حاول فيها خدام التوأمة بين العروبة والإسلام، حيث كان محرماً قبل ذلك في عقيدتهم البعثية الفاسدة.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home