ثلاثية الحرب الاهلية في لبنان
ثلاثية الحرب الاهلية في لبنان
خطف ميشال ابو جودة، اغتيال معروف سعد ثم بوسطة عين الرمانة
رواية اختطاف الصحافي ميشال أبو جودة كما يرويها ابن شقيقته وليد عون:
خطفته الصاعقة ونقلته في تابوت الى سوريا
*سكرتير رفعت الاسد حقق معه لأربعة ايام ورفعت اخبره بنفسه نبأ اطلاق سراحه
*كمال جنبلاط تعهد امام الرئيس حافظ الاسد بإغلاق ملف القضية كشرط لاطلاق سراح ابو جودة
*الاجهزة الامنية حاولت تضليل التحقيق باتهام الفلسطينيين بعملية الاختطاف
*كمال جنبلاط يشير الى ضلوع مدير عام الامن العام انطوان دحداح بالقضية امام رئيس الجمهورية سليمان فرنجية
*ميشال ابو جودة يضع احتمال مشاركة طوني فرنجية بالقضية انتقاماً من جريدة ((النهار)) التي اتهمته بالهدر خلال توليه وزارة البريد والبرق والهاتف
*ما الذي قاله كورت فالدهايم لميشال ابو جودة.. وكان رفعت الاسد يريد معرفته؟!
*غسان التويـني وميشال ابو جودة منعا المحاكمة عن الخاطفين، لأن اطلاق ميشال كان مرهوناً بالتكتم على الموضوع وإقفاله
وليد عون هو ابن شقيقة الرائد الصحافي الراحل ميشال ابو جودة، وهو وإن كان جندياً مجهولاً في جيش ((النهار)) الكبير، إلا ان حراسته لبوابة خاله ومكتبه وزواره ومعلوماته بعينين يقظتين وعقل منفتح وذهن متقد سمحا له ان يعرف الكثير.. بل وان يجعل التحليل في كلامه مستنداً الى وقائع.
ابرز تحليل لوليد وهو يحدثنا عن واقعة اختطاف خاله ميشال ابو جودة في 4/7/1974 انها كانت في ذهن مشعلي الحرب اللبنانية صاعقاً للتفجير بل شرارة اولى، فلما فشلت عملية الاختطاف في اشعال الفتنة بين المسيحي والفلسطيني، اعيدت الكرة في صيدا يوم 26/2/1975 بمحاولة اغتيال القائد الناصري الشهيد معروف سعد، لكن مقاومة سعد للموت التي استمرت 10 ايام حتى 6/3/1975 حين اسلم الروح من اصابة جسيمة، اجلت الانفجار وايضاً بين المسيحي اللبناني والفلسطيني المسلح حتى كانت مجزرة البوسطة في عين الرمانة التي سبقتها عملية قتل اصابت كتائبياً معروفاً في المنطقة خلال اطلاق نار على كنيسة فيها فكانت الثالثة ثابتة وانفجرت الحرب الاهلية التي خطط لها سابقاً.
وليد عون يتحدث لـ((الشراع)) من موقع العارف عن هذه الواقعة – خطف خاله رئيس تحرير جريدة ((النهار)) والكاتب الصحافي الذائع الصيت الذي كان يقرأه مسؤولو العرب صبيحة كل نهار (عدا الاثنين) ميشال ابو جودة.
ما سنرويه ليس فيلماً سينمائياً او اضغاث احلام، بل حدث في يوم 4 تموز/يوليو من العام 1974، عندما تم اختطاف المدير المسؤول ورئيس تحرير جريدة ((النهار)) الصحافي الكبير الراحل ميشال ابو جودة اثر خروجه من مكتبه متوجهاً الى مقر اقامته..
شهود هذه الحادثة ما زال معظمهم حياً يرزق، لكن البطل الرئيسي اصبح في ذمة ربه منذ سنوات. وهذه الحادثة على اهميتها في ذاكرة ضحاياها فهي تشير الى احد الافخاخ التي نصبت لجر هذا البلد الى أتون الحرب الاهلية التي اشتعلت في العام 1975 واستمرت طوال سنوات وكانت محطة فاصلة في حياة الكثيرين وفي حياة هذا البلد الذي انقسم على نفسه وعصفت فيه الانواء.
وليد عون ابن شقيقة الصحافي ميشال ابو جودة يعتبر ان ((الساكت عن الحق شيطان اخرس))، ولأنه لا يريد ان يكون شيطاناً قصدنا كي نساعده في كشف الغطاء عن حقيقة بقيت مستترة ثلاثة عقود من الزمن.. هو لا يريد ان يقاضي من احتجز وأهان انسانية خاله، بل يكفيه ان يكشف حقيقة كيف كان خاله الضحية الاولى للنظام السوري – كما يقول – فكانت اول عملية خطف يشهدها لبنان فيتم نقل مواطن لبناني الى سوريا وبتواطؤ واضح وفاضح من اركان القصر الجمهوري اللبناني يومذاك والاجهزة الامنية المشتركة.. ولتحجز حريته ستة ايام حتى اعادته في الثامن من تموز/يوليو 1974 بعد ضغوط كان ابرز اطرافها الزعيم الشهيد كمال جنبلاط الذي ادرك باكراً الهدف الرئيسي من عملية الخطف ولم يخرج من دمشق الا وخبر اطلاق سراح ابو جودة معه..
تفاصيل ووقائع يرويها عون كما عاشها ووثقها.. فلنقرأ.
يقول عون:
- في اواخر العام 1970 في عهد الرئيس سليمان فرنجية، تشكلت حكومة الشباب برئاسة الرئيس صائب سلام، وكانت تضم من الوزراء الياس سابا وخليل ابو حمد واميل بيطار الذي وقف بوجه موجة غلاء اسعار الدواء، وكان من بين الوزراء ايضاً غسان التويني، وبعد دخول التويني الوزارة اصطدم مع رئيس الجمهورية سليمان فرنجية الذي اجبره بعد مئة يوم على تقديم استقالته، مع العلم ان جريدة ((النهار)) هي التي قادت معركة وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية في وجه المكتب الثاني ومرشحه الياس سركيس، ويومها فاز فرنجية بفارق صوت واحد، وأطلق شعار ((وطني دائماً على حق)) بناءً على مقال كتبه غسان التويني ونشره في افتتاحية ((النهار)) وكان عنوانه ((وطني دائماً على حق)) فاتخذه الرئيس فرنجية شعاراً لعهده، وبعد هذه المعركة شعر التويني بالغبن وقلة الوفاء من العهد الذي سانده، الى ان بدأ العهد يحاربه عن طريق تضييق الخناق على الجريدة، وعلى صاحبها، ففي العام 1972 خاض غسان التويني الانتخابات النيابية عن المقعد الارثوذكسي في عاليه وكان ينافسه النائب الراحل منير ابو فاضل، ودخل التويني المعركة الانتخابية على الطريقة الاميركية فكنا نرتدي نحن الشباب في الجريدة الوشاح الازرق والذي يحمل شعار ((النهار)) والقمصان والقبعات الزرقاء، ونوزع كتاباً ازرق اللون يضم المشروع الانتخابي.. وطبعاً أُسقط غسان التويني في الانتخابات ونجح ابو فاضل، وزادت المشاكل بين ((النهار)) وبين العهد وبدأت ((النهار)) تشن حملة مبرمجة على العهد وتخوض المعارك ضده.
# ما هي هذه الحملات مثلاً؟
- منها مثلاً، توزير طوني فرنجية ابن الرئيس سليمان فرنجية في وزارة البريد والبرق والهاتف والتي اصبحت الآن وزارة الاتصالات. فكانت ميزانية الدولة اللبنانية في ذلك الحين أي عام 1972 نحو مليار ومئتي مليون ليرة لبنانية، فخصصت لوزارة البريد والبرق والهاتف مبلغ 265 مليون ليرة لبنانية أي خمس الميزانية، أي انه سحب من ميزانية وزارة التربية ووزارة الاشغال العامة مبالغ صبت في ميزانية وزارة البريد.. فشنت ((النهار)) حملة مكثفة ضد الوزارة واتهمت الوزير بهدر مبالغ ضخمة من ميزانية الوزارة فقرر العهد ان ينتقم من الجريدة.
# وكيف كان الانتقام؟
- استطاع مدير عام الامن العام انطوان دحداح ان يمارس ضغوطاً على شركات الاعلانات الكبرى، مثل الميدل ايست، وعضل وفتال والبترول وشركات البيرة وقف الاعلانات عن الجريدة.
# أي التضييق الاقتصادي على الجريدة لتركيعها؟
- بالضبط، كما عمد الى ايقاف الاعلانات الرسمية، وللعلم فان هذه الاعلانات تخصص الدولة الجزء الاكبر منها للصحف الاكثر انتشاراً، فكانت حصة ((النهار)) من هذه الاعلانات كبيرة، وكانت الدولة تدفع ثمنها مباشرة، ومع الغاء هذه الاعلانات وتوقف تدفق الاعلانات الاخرى من الشركات الكبيرة عاشت ((النهار)) ازمة اقتصادية خانقة رغم ارتفاع اعداد المشتركين ومبيع الجريدة، الا ان الاموال الحقيقية تكون دائماً من اموال الاعلانات، فكنا نحن الموظفين الصغار نقبض سلفة على رواتبنا، وبدأ غسان تويني وميشال ابو جودة يتلقيان تهديدات، وطبعاً، عندما يكون الاعلامي حراً ومرتاح الضمير فهو لا يهتم بهذه التهديدات..
وفي يوم 1 تموز/يوليو 1974 وعند الساعة الثانية عشرة ظهراً، وبعد خروج الوزير اليمني السابق محمد احمد النعمان من مكتب ميشال ابو جودة في ((النهار)) وخلال اجتيازه الطريق باتجاه وزارة السياحة المقابل لمبنى جريدة ((النهار)) السابق في شارع الحمراء، اطلق شخص النار على الوزير النعمان فأرداه وانطلق هارباً.
وكما هو معلوم فإن الصراع كان محتدماً بين السلطة الماركسية اليمنية في عدن والمعارضة في الخارج وقد اغتيل معظم رموز هذه المعارضة في بيروت، ويومها وجهت اصابع الاتهام الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأنها هي كانت الاداة المنفذة لهذه الاغتيالات.
جميعنا في ((النهار)) اعتبرنا ان عملية الاغتيال هذه ما هي الا انذار لشيء ما سيحدث في القريب العاجل لكننا لم نكن ندري ما هو.
وفي 3 تموز/يوليو أي بعد مرور يومين على هذه الحادثة، وكان يوم اربعاء، وكنت انا اعمل في المقسم 19 في الجريدة حيث تصل رسائل المواطنين فكنت اوضبها وأوزعها حسب الطلبات والمشكلات على كبار المحررين الذين كانوا يتابعون حلها مع الوزارات المختصة، وكان مكتبي مقابل مكتب ميشال ابو جودة، وكان عملي يبدأ بعد الظهر، وفي ذلك اليوم دخل ميشال الى مكتبه واقفل الباب دون ان يوجه لي حتى التحية، وفجأة جاء رسام الكاريكاتير بيار صادق من مكتبه وهو في دهشة من أمره ليسألني هل يعاني ميشال من أي مشكلة لانه لم يحيّه ايضاً، وكنا قد اعتدنا ان ينادينا ميشال كل يوم عند مجيئه لنتناول معه فنجان القهوة، وهنا قال لي صادق ان حالة ميشال خلال هذين اليومين غير طبيعية اذ انه عصبي المزاج خلافاً للواقع.
بعد فترة، فتح ميشال باب مكتبه، وناداني، وكان مكتبه يطل على الشارع الرئيسي، وقال لي انظر إلى هذه السيارة، وكانت تقف أمام وزارة السياحة وقال لي، انزل وخذ رقمها واخبرني كم شخصاً في داخلها. فنـزلت إلى الشارع واقتربت منها بشكل طبيعي وكانت تقف في مكان ممنوع فيه الوقوف، فكان شرطي السير يحرر مخالفة، وكان في داخلها ثلاثة شبان، فتناول السائق محضر المخالفة ومزقه ثم رماه أرضاً. أخذت رقم السيارة وتابعت سيري. وكانت من نوع فيات ولونها خردلي ورقمها ((239629)).
# ألم يكن هناك حرس خاص بمقر الجريدة؟
- طبعاً، ولكن بعض العناصر من الموظفين، وليس كما هي الحال اليوم، صحيح اننا في لبنان كنا قد خرجنا من أحداث العام 1973 التي جرت بين الجيش اللبناني والفلسطينيين، وبعد حادث اغتيال زعماء المقاومة الفلسطينية كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار الذين اغتالتهم إسرائيل في منازلهم في شارع فردان، إلا ان هذه الأحداث لم تكن تمنع الحياة من أن تستمر بشكل طبيعي.
عندما عدت إلى ميشال في مكتبه أخبرته بما شاهدت وأعطيته رقم السيارة فسجلها عنده، وقال لي احتفظ أنت أيضاً بالرقم.
# لماذا لفتت نظره هذه السيارة بالتحديد؟
- علمنا فيما بعد انه كان يشاهد هذه السيارة تطارده منذ نحو الشهر، وكيفما تحرك. وكان من عادة ميشال ان يغادر مبنى جريدة ((النهار)) باتجاه مكتبة ((انطوان)) ليشتري ما يحتاج من مجلات، ويمر على مقهى ((الهورس شو)) فيتناول القهوة ويجتمع بأصدقائه. وما كان يلفت نظره لون السيارة وكان كما ذكرت خردلياً، وكانت موضة السيارات في بيروت في ذلك الحين الألوان المحددة أسود، أو أبيض، أو رمادي، وربما هذا ما جعله يحفظ شكلها ولونها.
يوم الاختطاف
# نعود إلى يوم الاختطاف؟
- سألته ذلك اليوم، لماذا يهتم بأمر هذه السيارة، فقال لا شيء، لكنني لاحظت انه كان عصبي المزاج على غير عادته ثم طلب مني أن أذهب مع سائقه كي يقلني إلى المنـزل، وطلب من السائق أن يذهب إلى بيته، بينما بقي هو في الجريدة، وكان يومها يريد تمويه تحركاته.
عدت إلى البيت وعند الساعة العاشرة مساء اذاع ((تلفزيون لبنان)) خبر اختطاف الصحافي اللبناني ميشال أبو جودة عند التاسعة والنصف مساء، فأيقظت والدتي واصطحبتها هي وأخي بسيارته إلى منـزل جدي، أي إلى منـزل والدي ميشال، واتجهت إلى مبنى ((النهار)) فوجدت الشيخ بهيج تقي الدين وكان وزيراً للداخلية وغسان التويني وسمير عطا الله وكان يجلس أرضاً وهو يبكي، وعندما سألت كيف جرت الحادثة، أخبرني عطاالله ان ميشال طلب منه أن يقله بسيارته إلى فندق ((الكارلتون)) حيث كان يقيم ميشال، وعندما انطلقا لاحظ ميشال ان السيارة تتبعه، وعندما وصلا إلى مكتبة ((انطوان)) طلب من عطا الله أن يتوقف، ثم عاد وقال له تابع طريقك، وعندما وصلا إلى شارع السادات سلكا طريق قريطم، ولدى وصولهما إلى أمام مدرسة ((الكوليج بروتستانت))، وكما هو معلوم فالمنطقة هناك هادئة نسبياً، لاحظ سمير ان إحدى السيارات تكسر عليه فحاول الهروب منها لاعتقاده ان هذا مجرد حادث عابر، فضرب بعامود الكهرباء، وفوجىء بثلاثة مسلحين يفتحون الباب من جهة ميشال، ففتح هو باب السيارة وولى هارباً باتجاه شارع السادات، بينما تمسك ميشال بالباب ورفض النـزول، فأطلق عليه المسلحون رصاصة في يده فارتخت واستطاعوا إخراجه منها ووضعوه في سيارتهم ولاذوا بالفرار.
أما في مكتب ((النهار)) وكما ذكرت فإن وزير الداخلية كان موجوداً وكذلك مدعي عام التمييز ميشال طعمة. فرويت لهم أمر السيارة الفيات التي أخذت رقمها وأخرجت الورقة من جيبـي وأعطيتها لهم، فاتصل الوزير تقي الدين بمخفر ((حبيش)) وتحدث إلى النقيب فتحي الحسن، الذي أفاده بأن سائق سيارة تاكسي واسمه محمد صفا شاهد الحادث وأخذ رقم السيارة فكان متطابقاً مع الرقم الذي أعطيته لهم، فقال له الوزير خذوا إفادة السائق ثم أطلقوا سراحه فلا علاقة له بالحادث.
خلال وجودي وصل أبو حسن سلامة (علي سلامة) وابو الزعيم ومعهم شخص اسمه هواري وجميعهم من حركة ((فتح)) كان أرسلهم أبو عمار كي يتابعوا العملية، وفجأة نادت سكرتيرة غسان التويني، الوزير تقي الدين، كي يجيب على الهاتف، تحدث الشيخ تقي الدين وعندما أقفل السماعة، اتجه إلى أبو حسن سلامة وقال له: ميشال أبو جودة موجود عندكم، فقال له أبو حسن كيف؟ فرد الوزير، أنتم من اختطفه، فرد أبو حسن غاضباً من الاتهام وقال له ان هذا الكلام غير صحيح، لكن الشيخ بهيج أكد له انه موجود في مكتب أبو عمار. هنا ضحك غسان التويني لأنه كان يعرف ان ميشال كان صديقاً لابي عمار وقال: يا معالي الوزير هذا الكلام غير دقيق، من أخبرك بهذا الكلام؟ فرد تقي الدين، الآن تلقيت اتصالاً من القصر الجمهوري وأخبروني ان المخابرات العسكرية في الجيش عرفت الجهة الخاطفة وعرفت أين هو ميشال الآن، وقالوا لي انه في مكتب أبي عمار. وجرى تلاسن بين أبو حسن والوزير. (وعلمنا فيما بعد ان الدكتور بطرس ديب وكان مستشار الرئيس فرنجية هو الذي هاتف وزير الداخلية)، لكن تدخل غسان التويني أوقف التلاسن الذي كاد يتطور، فكيف يمكن أن يختطفه أبو عمار ثم يرسل مسؤول أمنه أي ابو حسن ووفداً من حركة ((فتح)) كي يتابعوا القضية؟ وهنا كانت تبدو فكرة المؤامرة واضحة، من أجل تغيير مجرى البحث والتحقيق وتبعدنا عن الجهة الحقيقية التي قامت بالعملية، فاتصل غسان التويني بمنـزل الزعيم الراحل كمال جنبلاط في بيروت في منطقة المصيطبة فلم يجده، وعلم انه في المختارة من أجل واجب عزاء، فاتصل به إلى المختارة ليضعه في أجواء ما يحدث. فطلب جنبلاط أن يتحدث إلى الوزير تقي الدين وطلب منه أن يبحث في اتجاه آخر بعيداً عن فكرة وجود ميشال لدى حركة ((فتح)) واقترح عليه أن ينـزل الجيش إلى الشارع وأن تنتشر الحواجز وأخبره انه سيتحدث إلى أبي عمار.
وانتهى الأمر من جهة الوزارة، لتبدأ حركة ((فتح)) تحقيقاتها ولتتمكن أجهزة الرصد الفلسطينية وقوة الـ ((17)) من كشف مكان إخفاء السيارة، فدهموا المكان الموجود في منطقة أرض جلول القريبة من مخيم صبرا، مع قوى الأمن الداخلي وكان أحد الموجودين لحظة الدهم وهو فلسطيني يدعى يوسف صبحي الهبطة يعمل لإعادة اللون الأصلي للسيارة التي دهنت مؤقتاً باللون الخردلي لتنفيذ عملية الاختطاف، بينما لونها الأصلي كان رمادياً.
وبعد إلقاء القبض على الهبطة اعترف بأسماء شركائه وهم: حسيب محمد الهنداوي وهو فلسطيني من مخيم برج البراجنة وهو سائق السيارة الخاطفة وقبض عليه، ومحمد محيي الدين البغدادي وهو فلسطيني من مخيم شاتيلا وقبض عليه، أحمد حسيب الخطيب وهو فلسطيني من مخيم اليرموك في سوريا تمكن من الهرب وكان قائد المجموعة المنفذة، وليد الرز وهو لبناني من بلدة تكريت العكارية قاد السيارة الثانية التي أمنت عملية الهرب للسيارة الأولى قبض عليه ولكنه تمكن من الهرب، أو تم تهريبه من سيارة قوى الأمن الداخلي بعد تسلمه من القوة ((17)) العائدة للمقاومة الفلسطينية، صالح دولت الشرقاوي وهو فلسطيني من مخيم شاتيلا وقبض عليه، وجميعهم ينتمون إلى منظمة الصاعقة السورية.
# وهل تم التحقيق مع هؤلاء؟
- بعد التحقيق الأولي والسريع الذي أجرته أجهزة المقاومة وبالتحديد جهاز الأمن التابع للمقدم في حركة فتح ((هواري)) علم أن مدير مكتب الصاعقة في لبنان ماجد محسن وهو شقيق رئيس المنظمة زهير محسن هو الذي تسلم المخطوف الذي بات ليلته الأولى في قبو في طابق سفلي في بناية مكتب الصاعقة في أرض جلول، ثم نقل ميشال في اليوم التالي إلى سوريا أي في 4 تموز/يوليو.
بقي الموقوفون في سجن رومية لمدة شهر ووقع 17 نائباً بإحالة القضية إلى المجلس العدلي لكن طلبهم رفضه كل من ميشال أبو جودة وغسان التويني وهما أصحاب العلاقة لأن إطلاق ميشال كان مرهوناً بالتكتم على الموضوع وإقفاله نهائياً.
وفود إلى سوريا
# لنتابع كيف سارت عملية الاختطاف ثم نعود إلى أسباب إقفال ملف القضية نهائياً وإبقائها بعيداً عن التداول؟
- صباح الرابع من تموز/يوليو، قصد الزعيم كمال جنبلاط بيروت، بعد ان أبلغه أبو عمار انهم قبضوا على الخاطفين وتبين انهم من ((الصاعقة))، وكان جنبلاط يعتقد ان ميشال ما زال موجوداً في لبنان، وان المفتاح في سوريا، فأرسل وفداً مؤلفاً من محسن دلول ومحسن ابراهيم ونديم عبد الصمد (وجميعهم أحياء يرزقون) وكانوا من القوى التقدمية، إلى سوريا. وفي سوريا لم يستطع أعضاء الوفد ان يقابلوا المسؤولين الكبار، فعادوا بعد ان أخبرهم من التقوه ان أبو جودة ليس موجوداً في سوريا وان سوريا ليس لها علاقة بخطفه. لكن الزعيم جنبلاط لم يقتنع وبدأ يشعر أن الوقت يمر، وكلما طال الوقت ازداد الخطر على أبو جودة، خصوصاً ان أحد الخاطفين أقر ان في خطتهم ان ينقلوا المخطوف إلى سوريا، وكان الزعيم جنبلاط يحب ميشال أبو جودة واعتبر ان قضية اختطافه قضية شخصية، وكان جنبلاط داعماً للعهد لكنه كان يشعر بأن العهد يغطي هذه الجريمة، فشعر جنبلاط بالمسؤولية المضاعفة، فطلب موعداً من الرئيس حافظ الأسد، وعندما التقى به قال له جنبلاط: ((ان ميشال أبو جودة موجود عندكم)) وان اختطافه سيسبب انقساماً طائفياً في لبنان ويبدو ان الرئيس حافظ الاسد لم يكن يعرف منذ البداية بالعملية لكنه سارع إلى فرض شروط قاسية على جنبلاط في لقائهما الذي تم في ساعة متأخرة من ليل الأحد في 7 تموز/يوليو واستمر حتى الواحدة من فجر الاثنين 8 تموز/يوليو.
أبو جودة خارج الحدود
# ما الذي جرى في التحقيق مع ميشال أبو جودة وكيف تم نقله خارج الحدود اللبنانية؟
- عندما تم نقله إلى قبو في طابق سفلي في بناية مكتب الصاعقة في أرض جلول، كانت يده تنـزف بسبب الطلق الناري الذي أصيب به، فجاؤوا له بطبيب يدعى صائب الجيباوي ولا أدري إذا ما كان هذا الطبيب ما زال يعيش في لبنان، وقد أوقف النـزيف لكنه لم يستطع علاج الكسر الداخلي، لأنه كان بحاجة لمستشفى وصور أشعة، المهم، نزعوا عن ميشال ملابسه وألبسوه عباءة طويلة وتركوه حيث أمضى ليلته الأولى وذهبوا لتحضير عملية النقل. وما سأرويه عن عملية النقل عرفناه من التحقيقات التي أجرتها حركة ((فتح)) ثم أكدها ميشال بنفسه، لأنه عاش معظم لحظات نقله، لأنهم أعطوه المخدر (البنج) لكن كمية المخدر لم تكن كافية، لأنهم لم يدركوا ان كمية ((البنج)) تكون حسب وزن الانسان. فتم نقل ميشال داخل نعش ولف بالعلم الفلسطيني على أساس ان التابوت يضم جثمان شهيد سقط في الجنوب اللبناني لدفنه في مخيم اليرموك، وعن طريق الهلال الأحمر الفلسطيني تم الاستعانة بسيارة تابعة للهلال وسارت في موكب مؤلف من أربع سيارات تتقدمها السيارة التي تحمل النعش وكان صوت القرآن الكريم ينطلق من السيارة التي تتقدم الموكب.
ولأن السيارة التي حملت النعش كانت من الهلال الأحمر الفلسطيني فإن ((ابو عمار)) استدعى شقيقه الدكتور فتحي عرفات وكان رئيساً للهلال الأحمر وتبين ان عناصر من الصاعقة أبلغوهم ان لديهم شهيداً استشهد خلال معارك في الجنوب ويريدون نقله إلى مخيم اليرموك. فأرسلوا لهم سيارة الإسعاف، فجيء بسائق السيارة وعند استجوابه قال، انه كان من المقرر نقل الجنازة إلى مخيم اليرموك، لكنهم طلبوا منه بعد قطع الحدود السورية التوجه إلى مزرعة ميسلون القريبة من الحدود حيث انزلوا النعش وطلبوا منه العودة إلى بيروت وقال ان السيارات في الموكب كانت تنقل سيدات متشحات بالسواد ويبكين كما في أي جنازة عادية. وعلمنا انهم لجأوا إلى هذه الطريقة بسبب حواجز الجيش التي كانت منتشرة على الطريق، كما ان حواجز الجيش لن تفتش عن مخطوف داخل سيارة للهلال الأحمر تحمل نعشاً.
وهذا ما أكده ميشال، فيما بعد، والذي أخبرنا انه صحا من البنج فوجد نفسه داخل تابوت وانه داخل سيارة تقطع مسافات كما سمع صوت القرآن الكريم ولم يكن باستطاعته أن يعمل أي شيء.
ولدى وصول ميشال مع خاطفيه إلى ميسلون بدأت جولة ثانية من رحلته، وهي رحلة التحقيقات، وهنا لا بد من أن أشير إلى ما أشار إليه ميشال من انهم لم يعصبوا له عينيه وهذا ما كان يخيفه لأنه كان يعتقد انهم سيتخلصون منه بعد انتهاء التحقيق، لأنه شاهد كل الخاطفين ومن حقق معه. وكل من أطلق الرصاص فوق رأسه لإخافته.
# ما هي المسائل التي دار حولها التحقيق؟
- جلس بمواجهته رجل وكان إلى جانبه ملفات ولاحظ ميشال ان هذا الشخص كان مثقفاً جداً عرفنا هويته فيما بعد، فكان السكرتير الشخصي لرفعت الاسد د. محمد ديب. (وسأروي فيما بعد كيف التقى به ميشال في باريس).
ودار التحقيق حول علاقة ميشال مع معارضين سوريين هاربين وبالتحديد صلاح الدين بيطار وأكرم حوراني وميشال عفلق، واتهموا ميشال بأنه كان يحاول تقريب وجهات النظر بين النظام العراقي ومعارضين سوريين من أجل التحضير لانقلاب على نظام حافظ الأسد.
كما سألوه عن علاقات ((النهار)) بالسفارات الأجنبية وبالتحديد علاقة غسان التويني بالمخابرات المركزية الأميركية، فالاتهام بالعمالة جاهز لأي إنسان يتحدث بلغة مغايرة، كما استوضحوا منه بعض المقالات التي رأوا فيها معلومات حول خطر داهم على النظام. وعن علاقة ميشال بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتحديد حركة ((فتح)) وابو عمار. كما أصر المحقق على معرفة ما دار في اللقاء بين أمين عام الأمم المتحدة كورت فالدهايم الذي التقاه ميشال في حديث خاص حول الوضع في المنطقة في أثناء مروره في مطار بيروت بعد جولة له شملت مصر والأردن وإسرائيل ولم ينشر في ((النهار)) يومذاك الحديث الصحيح بل نشر كلام آخر لا علاقة له بالحديث الأصلي.
# وما هي قصة لقاء فالدهايم مع أبو جودة؟
- في يوم 4 حزيران/يونيو عام 1974 أي قبل حادث الاختطاف بشهر واحد، كان فالدهايم في زيارة للمنطقة وكما هو معروف فإن فالدهايم من أصل نمساوي وكان معادياً لإسرائيل، لكن بحكم كونه أمين عام الأمم المتحدة لم يكن يسمح لنفسه بإظهار هذا العداء، وفي خلال هذه الجلسة القصيرة، وكان ميشال هو الصحافي الوحيد الذي التقاه فالدهايم، قال له ان لبنان سيتعرض لمؤامرة كبيرة وان أميركا وإسرائيل ضالعتان بها، وانهما ستخلقان بلبلة في لبنان. لكن ما كتبه ميشال في افتتاحيته ليس له علاقة بما سمعه من فالدهايم كي لا يحدث بلبلة في البلاد.
# كيف استطاعوا أن يعرفوا ما أسرّه فالدهايم إلى ميشال أبو جودة؟
- إلى الآن لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال ومن الذي سرّب هذا الخبر إلى السوريين، فمكتب ميشال أبو جودة في جريدة ((النهار)) كان مفتوحاً أمام الضيوف لكن سراً مثل هذا لا يمكن أن يكون قد تحدث به في مجتمع مفتوح، لكن ميشال وحده يعرف من يمكن أن يكون قد سربها. لأن المحقق قرأ له ما دار بينه وبين فالدهايم كأنه كان معهما، أو كأن أحدهم سجل ما رواه ميشال في ما بعد عن هذا اللقاء.
ميشال بقي في حالة اختطاف لمدة أربعة أيام، في أول يومين تم التحقيق معه حول كل المسائل التي ذكرتها، وفي اليومين الأخيرين دار التحقيق حول اجتماع ميشال مع فالدهايم، وهذا كان يؤكد مدى اهتمامهم بهذه القضية. ومع ذلك فإن ميشال لم يعترف بحقيقة ما دار بينه وبين فالدهايم.
ويوم الأحد في 7 تموز/يوليو تبدلت المعاملة من العنيفة، ضرب وشتائم وإطلاق رصاص مسدس عدة مرات فوق رأس ميشال، إلى شبه هادئة، فقد اضطر النظام السوري للاعتراف بمسؤوليته عن عملية الخطف نتيجة لضغوط دولية وعربية ومحلية وأهمها كانت من أمين عام الأمم المتحدة كورت فالدهايم ومن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأقوى هذه الضغوط كان من جانب الزعيم كمال جنبلاط الذي التقى الرئيس الأسد كما ذكرت، وفي طريق عودته من دمشق قصد الزعيم جنبلاط القصر الجمهوري حيث التقى الرئيس سليمان فرنجية بحضور العقيد انطوان دحداح وأبلغه ان قرار إعادة ميشال قد اتخذ وحدد له المكان والزمان وطلب منه إرسال العقيد دحداح ليتسلم ميشال، عندها سأل العقيد دحداح الزعيم جنبلاط كيف سيتعرف إلى الخاطفين رد عليه جنبلاط بحدة ((ما أنت بتعرفهم منيح))، وهكذا وبكلمتين أشار جنبلاط إلى دحداح، وأفهمه ان دوره في عملية الخطف قد كشف.
إلى الحرية
# لماذا لفلفت القضية؟
- لأن كمال جنبلاط أعطى وعداً للرئيس الأسد ان يقفل القضية.
وفي يوم الاثنين 8 تموز/يوليو 1974 الساعة الثالثة فجراً دخل الدكتور رفعت الأسد إلى مكان احتجاز ميشال وقال له ستعود إلى لبنان ونتمنى أن ينتهي الموضوع سريعاً، ولا داعي للبلبلة حول هذه المسألة وإلا نحن قادرون على إعادة الكرة. وفي الرابعة إلا ربع فجراً تسلم العقيد دحداح المخطوف المفرج عنه ميشال من الجهة الخاطفة في بلدة جديتا وأحضره إلى قصر بعبدا حيث كان ينتظره الرئيس سليمان فرنجية الذي بقي ساهراً ينتظر عودة ميشال وأصر على ان يشرب القهوة معه.
وفي الخامسة والنصف صباحاً وصل ميشال أبو جودة إلى منـزله في الزلقا حيث كنا ننتظر عودته بعد ان أبلغنا ذلك قبل ساعة تقريباً. وفي اليوم التالي لعودة ميشال قام الزعيم جنبلاط وعلى رأس وفد ضم فؤاد الطحيني ومحسن دلول وتوفيق سلطان ووليد جنبلاط وجان عبيد بزيارة مستشفى أبو جودة في منطقة جل الديب حيث كان يعالج ميشال من آثار التعذيب، وبعد كلمات التهاني طلب من الجميع مغادرة الغرفة وبقي جنبلاط وميشال في خلوة خاصة امتدت لربع ساعة غادر الوفد المستشفى. استدعاني ميشال على اثرها وطلب مني منع أي من أفراد العائلة والمقربين من الحديث عن الخطف وإبقاء الموضوع بالعموميات وهكذا كان.
وعندما توجه الزعيم كمال جنبلاط بعد يومين إلى الجزائر على رأس وفد من الأحزاب اليسارية للقاء تضامني مع المقاومة الفلسطينية، رفض جنبلاط الرد على أسئلة الصحافيين حول حادثة الخطف مكتفياً بالقول: ((سيأتي اليوم الذي يمكننا التحدث فيه بكل حرية وقول كل شيء)).
# ما هي انطباعات ميشال حول حادثة الخطف كما رواها لكم؟
- كان رأيه ان الرئيس سليمان فرنجية لم يكن يعرف بالعملية على الإطلاق، فيما مدير عام الأمن العام العقيد انطوان دحداح كان ليس فقط على علم بل كان ضالعاً بالعملية، كما تبين له ضلوع الدكتور بطرس ديب (وهو سوري الأصل ومن مدينة حمص) وكان مستشاراً للرئيس فرنجية، عن طريق التغطية الاعلامية وتضليل التحقيق وتوجيهه نحو مسارات أخرى.
كما أشار ميشال إلى احتمال اشتراك الوزير طوني فرنجية بالتغطية على العملية انتقاماً من صحيفة ((النهار)) التي حاربته كثيراً في أثناء توليه وزارة البريد والبرق والهاتف وخصوصاً كشفها لمسألة هدر مبلغ 265 مليون ليرة لبنانية في الوزارة وكان هذا المبلغ كما ذكرنا يمثل خُمس ميزانية الدولة اللبنانية بكاملها. كما أكد ميشال عدم معرفة الرئيس حافظ الأسد منذ البداية بالعملية لكنه غطاها وفرض شروطاً قاسية على الزعيم كمال جنبلاط في لقائهما بضرورة إقفال ملف القضية.
فخاً للحرب الأهلية
# لماذا اعتبر الزعيم كمال جنبلاط ان القضية شخصية؟
- طبعاً بسبب محبته لميشال أبو جودة، ولإحساسه بالخطر الذي كان يحيط بلبنان. لأنه استشعر ان خطف ميشال أبو جودة كان فخاً للحرب الأهلية، لأنهم في البداية حاولوا أن يضللوا التحقيقات ويوجهوها ناحية الفلسطينيين ليخلقوا احتقاناً مسيحياً ضد الفلسطينيين. ونحن عشنا هذه الفترة وسمعناها بأنفسنا، لأن المحيطين بنا من أقارب وأهل وجيران وأبناء بلدة قالوا بعد خطف ميشال، نريد أن نهجم على مخيم تل الزعتر ومخيم ضبيّة. وفعلاً تم اختطاف نحو 200 عامل فلسطيني. وهناك عناصر من المكتب الثاني كانوا يوزعون السلاح على بعض الأحزاب اليمينية المتعصبة ويحرضون الناس وقطعوا طريق طرابلس، وكانت يومها مواعيد امتحانات البكالوريا قد اقتربت فأجّلت إلى موعد آخر بسبب قطع الطريق. كما ان هذه الخطة في تحويل قضية ميشال أبو جودة إلى حرب بين فلسطيني ومسيحي، كانت تهدف إلى نقل الأمور إلى حرب طائفية بين مسلم ومسيحي، فبدأ التحريض الكلامي عبر الشعارات التي كتبت على الجدران في المنطقة المسيحية. وبقيت هذه الخطط نائمة حتى بعد فشل إشعالها باغتيال معروف سعد، فإنها اشتعلت في 13 نيسان/ابريل بالهجوم المباشر على البوسطة الشهيرة في عين الرمانة والتي كانت شرارة الحرب التي استمرت لأعوام طويلة.
تهجير أهل المخطوف
# رغم ان حادثة اختطاف ميشال أبو جودة كادت تكون الشرارة التي تبدأ بها الحرب بين الفلسطينيين والمسيحيين، ورغم ذلك تمت مضايقتكم واضطررتم بعدها إلى ترك المنطقة، فما الذي حصل؟
- كان ميشال أبو جودة رجلاً عروبياً وهذا ما جمعه مع كمال جنبلاط على العكس مما كان يظنه البعض عنه، لذلك خلال الحرب أقفلنا منازلنا وغادرنا المنطقة إلى مناطق أخرى، وكانت سيارتي أول سيارة يتم تفجيرها في منطقة انطلياس، في 20 نيسان/ابريل 1975 أي بعد سبعة أيام من بداية الحرب الأهلية، وأنا سكنت في منطقة الروشة لغاية العام 1982 ثم ذهبت إلى باريس. جميعنا كنا من محبي ومناصري كمال جنبلاط، وأذكر اننا وبعد عوة ميشال زاد الحقد علينا، لأننا شكلنا وفداً من العائلة وذهبنا إلى كمال جنبلاط وإلى ياسر عرفات لنشكرهما على مساعدتهما للعائلة في إطلاق سراح وعودة ميشال إلى أهله سالماً. فاتصل الرئيس الراحل كميل شمعون بغسان التويني وأبدى أمامه غضبه منا لأننا لم نزره كما زرنا جنبلاط وعرفات، فكان رأي التويني ان شمعون لم يكن له دور لا في البداية ولا في النهاية.
وهذه الزيارة استمرت تردداتها حينما خطفت ((الأحرار)) التابعة للرئيس شمعون، خلال الحرب، أخي الكبير.
ورأينا في كمال جنبلاط انه كان أهم شخصية في لبنان، ومن لم يعرفه كأنه لم يعرف أحداً، وأذكر انه قبل استشهاده أرسل إلى ميشال أبو جودة موصياً قائلاً له ((دير بالك على وليد)) ومعروف ان وليد جنبلاط كان يعمل في جريدة ((النهار)) في القسم الاقتصادي. وأنا شاهدت ميشال يبكي بكاء مراً ليلة مقتل جنبلاط وكان عاجزاً عن ان يمسك القلم بيده ليكتب افتتاحيته. لبنان دفع ثمن مقتل كمال جنبلاط.
ميشال بمواجهة المحقق
# لو عدنا إلى الجزء الأخير من حكاية اختطاف ميشال أبو جودة، ذكرت لي ان ميشال تعرف إلى من حقق معه وكان سكرتير رفعت الأسد، كيف تعرف إليه، وهل كان يعرفه سابقاً؟
- لم يكن قد شاهده من قبل على الإطلاق.
# وعندما تعرف إليه هل عاتبه؟
- أبداً، لم يوجه إليه أي كلمة.
# كيف تم اللقاء إذاً؟
- عندما كنت في باريس وكنت أعمل في إذاعة ((الشرق)) وكان ميشال يأتي إليّ لزيارتي كل عام. وأذكر اننا ذات مرة دخلنا إلى مقهى في الشانزليزيه لتناول القهوة، عندما دخل محمد ديب وألقى عليّ التحية من بعيد وجلس إلى طاولة أخرى. هنا التفت إليّ ميشال وقال لي هل تعرف هذا الرجل؟ فقلت له، نعم انه صديقي، وكانت علاقتي بمحمد ديب قد بدأت عندما عرّفني إليه زميلي الصحافي فوزي شلق، فكنا دائماً نلتقي في المقهى نتبادل الأحاديث والطرائف بعد يوم العمل، وكنت أعلم انه سكرتير رفعت الأسد، إلا انني كنت أتحاشى أن أتحدث معه في أي أمور سياسية، وهذا ما أخبرت به ميشال فيما بعد، فقال لي ميشال: هذا هو المحقق الذي كان يتولى التحقيق معي خلال اختطافي، ثم طلب مني ميشال النهوض بسرعة ومغادرة المكان حتى قبل أن نتناول القهوة التي طلبناها ودفعنا ثمنها.
# كيف تعرف إليه ميشال وقد مرت سنوات على عملية الاختطاف؟
- لقد بقيا أربعة أيام في غرفة واحدة من أجل التحقيق، فكان من الطبيعي أن يبقى ميشال ذاكراً له.
# ألم يعرفه ديب؟
- بل عرفه، لأنه سألني عنه في اليوم التالي عندما ذهبت متعمداً إلى المقهى فجاء مسرعاً ليجلس معي الى طاولتي وليسألني، منذ متى تعرف ميشال أبو جودة، فقلت له، خلال عملي لفترة في أرشيف جريدة ((النهار)) كنت ألتقيه، فضحك وقال لي: من زمان، نحن خطفناه، قلت له الله يعطيكم العافية. فضحك ثانية وقال: كانت أيام.
# ألم تقل له انه خالك؟
- أبداً. واستمرت صداقتنا لغاية العام 1990 حين عدت من فرنسا إلى لبنان. أنا لم أبحث معه هذا الموضوع نهائياً، لأنه في النتيجة عبد مأمور. ويومها تأكدت ان ميشال كان محقاً بهوية المحقق المثقف الذي عاش معه أربعة أيام كانت ظروفها من أسوأ أيام حياة ميشال أبو جودة.. وعائلته.
ماجدة صبرا
0 Comments:
Post a Comment
<< Home