Thursday, November 17, 2005

الرئيس والشريك


الرئيس والشريك
حسن صبرا - الشراع 17/11/2005 :
*يوم توفي حافظ الاسد خرجت صور كبيرة لماهر الذي ترقى سريعاً في الجيش ودخل القيادة القطرية
*خدام كان يملك وحده التحكم بتعديل الدستور لانتخاب بشار رئيساً.. وفي غيابه في باريس النظام اليوم في حيرة
*بعد انتخاب بشار عاد آصف شوكت من منفى اختياري في باريس اراده الاسد له قبل وفاته
*ماهر اطلق النار على شوكت وكاد الامر يتطور لولا تدخل والدته
*ماهر هو النائب الفعلي لشقيقه بشار وشريكه في الرئاسة في غيابه لسفر او في حضوره
*ماهر لا ينام حين يسافر بشار.. وبشار لا ينام اذا أوى شقيقه الى مضجعه
*مجموعة خاصة لماهر كونها في لبنان فخلقت حالات تمرد وتذمر داخل الاحزاب وتجاوزت كنعان
*من غرائب اغتيال الحريري هو الكم اللبناني والسوري الذي عرف بخطة الجريمة او شارك في التهيئة لها او محاولة طمس معالمها
*رسالة من عقلاء العلويين الى الاسد دعته الى تصحيح الاوضاع وعدم السماح لجشع عدد من الضباط بتشويه صورة الطائفة العربية.
كتب حسن صبرا
كان جثمان الرائد المظلي باسل الاسد مسجى في مسجد السيدة ناعسة (والدة الرئيس الراحل حافظ الاسد السيدة ناعسة شاليش) وكانت الوفود اللبنانية الرسمية خاصة تزحف الى القرداحة للتعزية بالابن الاكبر للرئيس الاسد الذي كان يحمل اسم ابو سليمان وهو الاسم الحزبي الذي عرف به قبل ان يقرر تهيئة نجله الاكبر باسل ليرثه في حكم الجمهورية العربية السورية فاعتمد تسمية ابو باسل، وكانت فرقة الاحباش للاناشيد الدينية تصدح بحناجرها ليل نهار ولأسبوع كامل امضتها ((مؤاجرة)) الاسد وعائلته بفقدان الضابط الشاب الذي ذهب ضحية حادث سير مروع عند دوار مطار دمشق الدولي صبيحة يوم ممطر من شهر كانون الثاني/يناير 1993.
كانت هتافات بعض الشباب تردد اسم الوريث البديل للأسد الأب هو نجله الثاني طبيب العيون بشار الذي جاء من لندن حيث يدرس وعلى عجل ليكون الى جانب والده بعد ان استقر رأيه على تسميته رئيساً وريثاً بعده، وكان هناك نفر من الشباب المتحمس خاصة بين الجنود وصف الضباط يردد اسم الضابط المحترف ماهر وهو الإبن الثالث للرئيس الاسد.
ورغم ان الرئيس الاسد واجه اعتراضاً جدياً من جانب عدد من اركانه خاصة من اللواء علي حيدر قائد القوات الخاصة التي انقذت نظامه من محاولة شقيقه الدكتور رفعت الاستئثار بالسلطة حين دخل ابو باسل غيبوبته المؤقتة الشهيرة عام 1984، وبلغ الاعتراض حداً دفع ابو ياسر (اللواء حيدر) كي يقول في مجلس خاص: ((نحن لم نقم بالثورة كي نحول الجمهورية الى ملكية.. واذا كنا قبلنا بباسل وريثاً (والكلام لحيدر) فهو عسكري محترف وقد تلقن من والده الكثير، فلن نقبل بشاب طبيب ليس له بالعسكرية ولا بالسياسة كي يكون رئيسنا المقبل)).
رغم هذا الاعتراض فإن القضية حسمت بأن بدأت تهيئة بشار للرئاسة وبدأ والده يأخذ البيعة له لتوريثه الرئاسة من بعده من اركان نظامه الذي صنعه بيديه وقبع حيدر في بيته في اللاذقية من تاريخه.
لم يكن للرئيس حافظ الاسد الذي لم يعتد اعتراضاً من احد اركانه على أي قرار يتخذه خاصة بمستوى توريث سلطته ان يأخذ بهتافات الشباب المتحمس لتولية الضابط الشاب ماهر السلطة من بعده، لكنه في افضل الاحوال ضمن وجوده داخل السلطة الحاكمة من خلال موقعه المتدرج من قيادة سرية دبابات (ت 72) وهي كانت افضل ما انتجته المصانع السوفياتية يومها حتى أصبح في عهد شقيقه الذي حكم البلاد وريثاً لوالده في تموز/ يوليو عام 2000 قائداً للواء الرابع مجهزاً بأحدث المعدات والاسلحة ممسكاً بكل مداخل ومخارج دمشق عسكرياً وأمنياً.
وفي ذلك العام (عام 2000) وكانت فرقة الاحباش عادت لتصدح بأناشيدها الدينية التقليدية في وداع الرئيس حافظ الاسد طيلة الاسبوع الممتد من 11 الى 18/6/2000 خرجت صور كبيرة للمقدم ماهر الاسد الذي ترقى سريعاً ليحمل رتبة عقيد ثم يدخل القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بعد ان سمى المؤتمر القومي الذي طال امد انتظار انعقاده شقيقه الطبيب بشار اميناً عاماً للحزب معطياً اياه رتبة فريق ليصبح هو نفسه الرئيس والامين العام للحزب والقائد الاعلى للقوات المسلحة العربية السورية بعد ان تم تعديل الدستور في اجراء ملتبس لتخفيض سن الرئيس من 40 سنة الى 35 وكان عمر الطبيب يومها 36 سنة، وقيل يومها ان نائب الرئيس عبدالحليم خدام كان يملك وحده التحكم بهذا التعديل وكان يكفيه سفراً كما هذه الايام الى باريس كي يوقع النظام كله في حيرة كان سيعجز عن الخروج منها.. لولا عبدالحليم خدام.
عاد العميد آصف شوكت وعقيلته ابنة الرئيس حافظ الاسد السيدة بشرى ذات الشخصية القوية والذكية الى دمشق بعد منفى اختياري في باريس بدأ عام 1990 اراده لهما الرئيس الاب حرصاً على مشاعر ابنه الاكبر يومها باسل الذي كان معترضاً بالاساس على زواج شقيقته من عميد الاستخبارات القوي آصف شوكت، وكان من المنطقي وبحكم الضرورة ان يكون شوكت بعد عودته اثر وفاة باسل عام 1993 اساسياً في المحيط العائلي حول الرئيس الشاب ليصطدم اكثر من مرة مع الضابط الشاب المتحمس ماهر الاسد الذي تولى قيادة الحرس الجمهوري، خاصة بعد ان اجرى شوكت حركة تنقلات عسكرية في محيط القصر لم تعجب ماهر الاسد فتحدثت المصادر المطلعة عن اطلاق الاسد الابن النار على الصهر القوي آصف شوكت وكان يمكن لهذه الواقعة ان تفعل فعلها لولا تدخل الوالدة القديرة السيدة انيسة مخلوف لترطب الاجواء ويجري توزيع المهمات والمسؤوليات حتى لا تتكرر هذه الاحداث الخطيرة على النظام وعلى العائلة..
وحين كان الحديث يتصاعد بناء على خطاب القسم للرئيس بشار الاسد بمراجعة الاوضاع داخل سوريا (وتصحيح العلاقات مع لبنان) عن الحرس القديم والحرس الجديد، كان من الطبيعي ان يبدأ تحجيم دور الحرس القديم وأبرز اركانهم نائب الرئيس عبدالحليم خدام وقائد الاركان الممدد له عدة مرات العماد اول حكمت الشهابي ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية اللواء علي دوبا.
بدأ التحجيم بتصعيد الحديث عن المخالفات التي كان يرتكبها الثلاثة الكبار داخل سوريا من احاديث عن شركات وأموال اولاد خدام والشهابي وشقيق دوبا وطال الحديث ايضاً شقيق الرجل المؤتمن عند الاسد الاب الذي كان يتولى شؤون الاسرة باسل وبشار وماهر عندما كانوا شباباً وكان يرافقهم في سفراتهم الخاصة الى الخارج حتى لو كانت لشراء ملابس خاصة بهم وهو العميد محمد ناصيف الذي كان متـزوجاً للمكتب الخاص المؤتمن عند الاسد الاب، وفي مقابل تصعيد الحديث عن مخالفات الحرس القديم اتخذت اجراءات اعنف ضد الابناء الكثيرين من اسرة الاسد من اولاد اشقاء واخوة الرئيس حافظ الاسد في سوريا.. وفي لبنان ايضاً.. وحادثة اقفال المرافىء الخاصة غير الشرعية في اللاذقية تواكبت مع حادثة البربارة الشهيرة شمالي بيروت.
وفي السياسة تكشفت الحركة الاهم في إبعاد نائبي الرئيس الباقيين عبدالحليم خدام ومحمد زهير مشارقة بعد اسقاط دستوري وجمهوري لدور النائب الآخر رفعت الاسد المبعد منذ العام 1984، ولم يعد خدام يتولى أي مهمة سياسية نائباً عن الرئيس حسب الدستور في غياب الرئيس بشار الاسد، ولم يكن ممكناً تسليم اية مهمة لنائب الرئيس لشؤون البعث مشارقة، فكان ماهر الاسد هو النائب الفعلي لرئيس الجمهورية في غياب شقيقه خارجاً لحضور أي مؤتمر عربي او دولي او في اية زيارة رسمية بينما كان ماهر هو شريك شقيقه بشار الفعلي في شؤون سوريا سواء عندما يكون خارج البلاد او داخلها.
وينقل عن سياسي لبناني مقرب جداً من دمشق ان ماهر الاسد ابلغه مرة انه لا ينام حين يسافر شقيقه خارجاً او حين يكون الرئيس بشار في فراشه، وان الرئيس ايضاً لا ينام حين يأوي العقيد ماهر الاسد الى مضجعه.
وكان من البديهي ان تمتد يد ماهر الاسد الى لبنان حتى بات له مجموعة خاصة به في لبنان تشمل مسؤولين كباراً في حركة امل وحزب الله والحزب السوري القومي وحزب البعث عدا شخصيات سياسية اخرى في كل المواقع السياسية والرسمية والامنية والقضائية اللبنانية، مما خلق حالات تذمر وتمرد داخل الاحزاب اللبنانية ما زالت آثارها قائمة حتى اليوم مع استقواء اركان هذه المجموعة الخاصة بالعقيد الاسد، وبغضب سوريا رسمياً على قادة هؤلاء في احزابهم وحركاتهم وأجهزتهم.. فضلاً عن تجاوز هذه المجموعة لرئيس الاستخبارات السورية في لبنان يومها اللواء غازي كنعان اما خلفه العميد رستم غزالة فعمل وفق قاعدة ((رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده)) فنال رضى الشقيقين الرئيس والعقيد.
جريمة اغتيال الحريري
كانت احدى غرائب ترتيبات قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري هي كمّ البشر لبنانيين وسوريين الذين عرفوا بخطة الجريمة، والمشاركة في التهيئة لها وفي محاولة طمس معالمها وتضليل التحقيق بعدها، على ان الاغرب في نظر العارفين القلة كان في كلمة السر التي استطاعت الجمع القسري لقادة اجهزة الامن اللبنانية يومها لوضع خطة الجريمة في نظر التحقيق الجنائي، لما كان معروفاً لدى هذه القلة من نفور حتى التناقض بين اثنين اساسييين من قادة هذه الاجهزة هما مدير عام الامن العام اللواء جميل السيد وقائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان، حتى قيل ان العميد رستم غزالة فشل في الجمع بين هذين الرأسين، ولم يكن ممكناً جمعهما حول طاولة واحدة لخطة بهذا الحجم من الخطورة الا بتدخل مباشر من العقيد ماهر الاسد الذي يستند التحقيق القضائي الذي قاده رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس الى رواية تم شطبها من التقرير النهائي الذي قدم للاعلام لكنه وزع على دول مجلس الامن وبقية الدوائر الرسمية اللبنانية والعربية والدولية وتتحدث وحسب شاهد سوري عن اجتماع عقد في قصر المهاجرين ضم قادة هذه الاجهزة مع مسؤولين امنيين سوريين يعتقد حسب القرار الظني ان خطة اغتيال الحريري وضعت خلاله.
هنا تدخل المصادفة مع التدبير الامني الحاسم بتولي العميد آصف شوكت رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش السوري بعد 72 ساعة فقط من جريمة قتل الرئيس رفيق الحريري الارهابية ورفاقه، وقيل يومها ان الرئيس الاسد كان أجّل تعيين شوكت في منصبه لعدة اشهر ثم تدخلت عائلة الرئيس الاسد الاب لجعل هذا التعيين ممكناً خاصة بعد بدء تفاعلات جريمة الاغتيال لبنانياً.. وعربياً ودولياً.
المأزق
بعد عدة ساعات على وقوع جريمة قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء قال زعيم سياسي كبير ومن داخل منـزل الحريري وبحضور عدد من المتوافدين السياسيين لاصدار البيان الشهير بتحميل النظام الامني السوري وتابعه اللبناني الجريمة الارهابية: ((لقد فعلها ماهر.. منفذاً لتهديدات شقيقه بشار ضد رفيق الحريري!!)).
وكان رد الفعل الشعبي العفوي والمباشر بعد الجريمة وقبل أن يخرج جثمان رفيق الحريري ورفاقه من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت تحميل النظام السوري مسؤولية هذه الجريمة الإرهابية.. بدأ رد الفعل همساً ثم زفراً ثم صراخاً فهتافاً منظماً بلغ الذروة يوم 14/3/2005 أي بعد شهر واحد من الجريمة البشعة.. في انتفاضة شعبية هي الأوسع في تاريخ لبنان تواكبت مع مسعى عربي ودولي لتطبيق القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 1559 في 2/9/2004.
وإذا كانت سوريا استدركت متأخرة القرار 1559 الذي اعتبرته عند صدوره وعلى لسان وزير خارجيتها الألمعي فاروق الشرع انه قرار ((تافه)) ثم انه قرار ((لا يمس لبنان أو سوريا من قريب أو بعيد)) فأعلن الأسد يوم السبت في 5/3/2005 سحب القوات السورية من لبنان حسب مقتضى القرار الدولي المذكور واستكمل الانسحاب العسكري (دون الاستخباري الكامل) يوم 26/4/2005 فإن سوريا بهذا الأمر لم تستطع أن تلغي الاتهامات السياسية والشعبية اللبنانية والعربية والدولية عن دورها في هذه الجريمة، حتى كان بيان لجنة الاستقصاء الدولية حول هذه الجريمة برئاسة بيتر فيتزجيرالد الذي رفع إلى مجلس الأمن متهماً سوريا بعدم التعاون ثم القرار الظني في جريمة الاغتيال الذي رفعه قاضي التحقيق الألماني ديتليف ميليس الذي رأس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الإرهابية حسب القرار 1595 الذي استنتج ان قادة أجهزة الأمن اللبنانية الأربعة الموقوفين بشبهة التخطيط لهذه الجريمة لم يكونوا لينفذوها لولا الأوامر التي تلقوها من قادتهم في دمشق تعبيراً عن تبعية الأمن في لبنان كما كل شيء للقرارات السورية وعلى أعلى المستويات.
بناء عليه
أدخل اسم العقيد ماهر الأسد والعميد آصف شوكت وآخرين ضمن دائرة المشتبه بهم، على الأقل حسب القرار الظني للقاضي الدولي، وعلى الأقل في نظر الجمهور اللبناني والعربي والدولي، وعلى الأقل في دوائر مجلس الأمن وأركانه وعلى الأقل في نظر الاعلام اللبناني والعربي والدولي – طبعاً مع وجود مدافعين تراوحت مواقعهم بين اتهام بالتسييس إلى دعوة لانتظار اكتمال التحقيق، إلى آخر عبارة قالها القاضي ميليس في تقريره الظني باعتماد قرينة البراءة للموقوفين ولمن وردت أسماؤهم في التقرير.. حتى المثول أمام المحكمة حيث الشهود والأدلة من جهة وحيث الدفاع من جهة أخرى.
باتريك سيل
حتى كان مقال الصحافي والكاتب البريطاني المعروف بقربه الشديد من أسرة الأسد الأب والأبناء وهو واضع أهم كتاب صدر عن حافظ الأسد: الصراع على الشرق الأوسط الذي استمد معلوماته بمعظمها من فم الرئيس الراحل وأركانه وبعض أركان النظام على اختلاف مشاربهم.
وباتريك سيل متزوج من السيدة رنى قباني ابنة السفير السوري السابق صباح قباني وكان مقرباً من الرئيس الشاب طبيب العيون بشار الاسد الذي كان يلتقيه كثيراً في بريطانيا، وكان له دور مشهود في تعيين محافظ حلب السابق محمد مصطفى ميرو أول رئيس للوزراء في عهد بشار بعد شهادة له سمعها سيل من وفد بريطاني زار حلب وأعجب بالمحافظ فنقل سيل الاعجاب إلى بشار الأسد الذي اعتمد في مطلع حكمه سياسة الإقامة لفترة في الشهباء حلب وهي المدينة التاريخية والأهم في سوريا بعد دمشق عاصمة الأمويين.
ماذا قال سيل؟
كتب سيل في مقالة له نشرت في ((الحياة)) الجمعة في 28/10/2005 ان الرئيس بشار الاسد يواجه الآن في مأزق جريمة قتل الحريري موقفاً شبيهاً بموقف والده الرئيس الراحل حافظ الأسد مع شقيقه رفعت الأسد عام 1984 والتي انتهت بإنحياز قادة القوى المسلحة خاصة القوات الخاصة بقيادة اللواء علي حيدر إلى جانب الرئيس حافظ لخلع شقيقه ونفيه إلى موسكو.. لينتقل بعدها رفعت إلى باريس وماربيا في إسبانيا.
ويدعو سيل في مقاله الرئيس بشار إلى اغتنام هذه الفرصة للتخلص من شقيقه ومراكز القوى الأخرى ليتمكن من الحكم حسب مشروعه السابق للإصلاح الذي لم ير النور رغم إطلاقه عام 2000 ووجد تعبيراته في ربيع دمشق قبل الانقضاض عليه عودة إلى نقطة الصفر في ممارسة القمع ضد حرية الرأي والمعتقد..
وهكذا.. وحسب باتريك سيل يبرىء بشار الأسد نظامه من جريمة قتل الحريري أمام العالم كله ويخرج من المأزق والعزلة التي تعيشها سوريا بسبب هذه الجريمة، ويعود إلى إطلاق مشروعه الذي يضمن له بالتغيير والمراجعة إقامة حكم مقبول شعبياً بإلغاء الأحكام العرفية وإلغاء حالة الطوارىء وإطلاق المعتقلين السياسيين وإعادة المنفيين وإجراء انتخابات حرة ديموقراطية بناء على تعديل دستوري تحتاجه الحياة السياسية والشعبية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا.. وبذا تفك العزلة العربية والدولية عن سوريا وتسقط الضغوط المختلفة عليها وفق القرارات الدولية التي تلاحقها وبالإجماع في معظم الأحوال.
هل يستطيع بشار؟
عدا المبادرة – المتأخرة دائماً – في إطلاق سراح 190 معتقلاً سياسياً من السجون السورية بمناسبة عيد الفطر، وهو تقليد يعتمده عادة النظام في سوريا وفي عدد من الأنظمة العربية بهذه المناسبة الدينية وتجاه السجناء العاديين غير السياسيين – وكثيراً ما فعلها الرئيس العراقي الأسير صدام حسين في بلاده بمناسبة الأعياد.
وعدا تشكيل الرئيس بشار الأسد لجنة التحقيق السورية الخاصة بجريمة قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإعلان أكثر من مسؤول سوري ان دمشق مستعدة لتسليم أي متهم سوري بارتكاب هذه الجريمة، واعتبار الرئيس الأسد ان أي سوري يثبت تورطه بهذه الجريمة هو خائن لسوريا، وان سوريا ستتعاون مع لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالجريمة، حسب القرارين الدوليين 1595 و1636.
فهل يستطيع الرئيس الشاب ان يقدم على ما يدعوه إليه اقرب المقربين من النظام من شخصيات حريصة عليه وعلى حكمه واستقرار بلده مثل باتريك سيل وغيره؟
وهل تتدخل السيدة الوالدة أنيسة بين الشقيقين بشار وماهر مثلما تدخلت الراحلة المرحومة ناعسة بين الشقيقين حافظ ورفعت وحلت خلافهما عام 1984 بإبعاد رفعت من ذلك التاريخ حتى اليوم؟ وأيضاً محافظة على النظام وعلى العائلة؟
نعم
كان رفعت الأسد شريكاً لحافظ الأسد في السلطة وكان تحت قبضته سرايا الدفاع جيشاً خارج الجيش الرسمي السوري، وكانت علاقاته العربية والدولية واسعة تسمح له بالبروز مركز قوة لا يستهان بها داخل مراكز النظام الأخرى خاصة مع الاموال الطائلة التي توفرت له بوسائل تعرف أجهزة الأمن السورية كيفية الحصول عليها.
لكن حافظ الأسد كثيراً ما استخدم مكانة شقيقه رفعت لدعم نظامه وتنفيذ ما يريد تنفيذه مباشرة دون الاعتماد على أركان الأجهزة الأخرى، خاصة علاقاته العربية التي كانت كثيراً ما تسوء مع النظام السوري خاصة حين يكون موفده اليها يومها عبد الحليم خدام فيبادر رفعت إلى تصحيحها وإعادة الدفء إليها بسبب علاقاته تلك حتى ان أحد المسؤولين العرب الكبار كان يصف رفعت بأنه الأخ الذي لم تلده له أمه!!
لقد استطاع ماهر الأسد أن يقيم علاقات استراتيجية ثابتة مع أركان النظام العراقي السابق.. المقيمين في دمشق ويؤمن لهم حراسة شاملة كاملة وكثيراً ما كان يزور جبهة الحدود الواسعة 550 كلم بين سوريا والعراق ولعل أشهر زيارتين لتلك الحدود مشهود لهما بالدور الكبير كانتا حين زار الجبهة السورية – العراقية ليشرف على تمرير المقاتلين (عرباً وعراقيين) والأسلحة للقتال ضد قوات الاحتلال الأميركية للعراق، ثم حين زارها بعد ذلك للإشراف على ترتيبات إقفال هذه الحدود تلبية للطلب الأميركي بضبط الحدود تلك ومنع تسرب المقاتلين الذين يقضّون مضاجع قوات الاحتلال في بلاد الرافدين.
أي ان ماهر الأسد هو شريك شقيقه في أهم القضايا الاستراتيجية التي تحملها سوريا في هذه المرحلة، وهو المنفذ الفعلي لسياسة النظام كله في لبنان.. حتى في الموقف من رفيق الحريري.
فكيف يمكن التخلص منه؟
انه الشقيق القوي والشريك المضارب، في كل القرارات.
انه الضابط القوي الذي يملك السيطرة على قوى عسكرية فاعلة داخل النظام، اللواء الرابع في الحرس الجمهوري المعزز بأحدث الأسلحة، وهو الضابط المحترف الصاعد من قلب السلطة العسكرية. وكل محاولة للمس به تعني بنية النظام الأساسية التي قد يؤدي تفاقمها إلى إسقاط النظام كله حتى لو كانت المقدمة لهذا مرعبة وهي حرب داخلية لا تبقى ولا تذر.
ثم.. إذا كانت الآراء العربية والدولية تلتقي الآن على حتمية استمرار النظام في سوريا والاكتفاء بتحسين سلوكه تجاه لبنان وفلسطين والعراق وفي إطلاق الحريات ومسار ديموقراطي داخل سوريا، فإن التوجه الآن هو إلى تحرير الرئيس بشار الاسد من الضغوط التي تواجهه وليس إلى فتح نار جهنم نحو تطورات لا يعلم إلا الله مداها.. وأمامنا تجربة العراق المريرة.
لقد سبق ان تسلم الرئيس بشار الاسد رسالة من عقلاء الطائفة العلوية يدعونه فيها إلى تصحيح الأوضاع وعدم السماح لطموحات وجشع عدد من الضباط بتشويه صورة الطائفة العربية المشهود لها بالشهامة والكرامة وعزة النفس، وعليه ان يقدم على الانقاذ والناس في سوريا سيكونون كلهم معه.. فهل يقدم الأسد على التصحيح بالتضحية بمن يثبت دورهم في جريمة اغتيال الحريري، وفي جرائم الفساد المعشش في كل دوائر السلطة والإدارة والامن في سوريا.
وهل يعمل مراكمو الضغوط على الرئيس بشار الأسد على قاعدة ((لا يموت الديب ولا يفنى الغنم)) أم يدفعونه إلى العبارة التي تتردد كثيراً هذه الأيام: ((عليّ وعلى أعدائي يا رب)).
اللهم احم سوريا وشعبها وألهم الرئيس بشار الأسد القرار الحكيم.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home