عندما يُلقِّنُنا الساسانيون دروساً في العروبة!
عندما يُلقِّنُنا الساسانيون دروساً في العروبة!
عاد عمرو موسى الى بيروت، وكأنه عاد ولم يعد، جاء بسلة "مليئة" من الاقتراحات لحل "المسألة" في لبنان، ورجع بسلة باقتراحات غير مليئة: شبه صفر اليدين، وربما الأمل، وعندما علمنا، (كما علم الجميع) أنه سيعود وأنه تلقى إشارات إيجابية من هذا الطرف السياسي أو ذاك، علمنا أن هذه الاشارات "المرسلة" إليه من بعضهم، ومن خلال قنوات من هنا أو أخرى من هناك، هي إشارات عمياء وللتعمية أيضاً، وملتبسة لإشاعة الالتباس أيضاً، ومُغْبرَّة لذرّ الغبار أيضاً وتمويه جوهر المسألة ـ موضع ما يحدث الآن في "الانتفاضة" الساسانية ـ والشقيقة في شوارع بيروت. وجوهر المسألة الآن، كما كان جوهر المسألة في الحرب التي شنّها حزب الله المختار على "شعب الله المختار"، واستدعت عدوانه، وما نتج عنه من استنصار "إلهي" لم يُبقِ ولم يذر، هي المحكمة الدولية، إضافة الى ما ينشب من صراع بين أميركا وإيران حول المفاعل النووي. (ألم تكن أميركا وإيران حليفتين في حربهما على النظام العراقي وعلى العراق نفسه! وألم يكن الخلاف حول "قالب" الجبنة العراقي ومَنْ يفترسه أو مَنْ ينهب الحِصة الكبرى؟). عمرو موسى عرف، وهو الديبلوماسي العريق، أن في السلة بنداً أساسياً واحداً، والباقي للتصريف، أو لصرف الأنظار أو الابتزاز. عرفها موسى كما يعرفها كل لبناني واعٍ. فالذي ارتجل حرباً كاملة لعلّه، عبرها، ينقلب على الوضع السياسي، ويحقق عرقلة المحكمة الدولية، سهل عليه (بقوة إيمانه أيضاً. وكيف ننسى الايمان عند حزب الله المختار) أن يرتجل حرباً داخلية على أهله وناسه وأرضه وكيان بلده ومصيره... كُرمى لقتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشهداء الآخرين (وهو يعرفهم!).ونظن أن عمرو موسى، الحصيف، عرف كما عرفنا أنَّ الأولويات المطروحة هي أولوية واحدة: كيف سيستولي حزب الله المختار برموزه الالهية "الصادقة" والمختارة، على السلطة كاملة، ليتمكن من إبعاد الكأس المرّة عن شفاه "خلانه" الأبرار، وقرار المحكمة التي لا بدَّ أنه يشير الى تلك القامات التي ارتكبت الجرائم المنظمة. فأي أولوية بين هذه الأولويات سوى تلك الأولوية، التي ربط بها حزب الله نضاله المتنقل (بإذنه تعالى) من مقاومة اسرائيل الى مقاومة الحقيقة. ومن مقاومة الاحتلال الى مقاومة المحكمة، ومن مقاومة "الباطل" الاحتلالي الصهيوني الى مقاومة "باطل" العدالة.فمن خلال هذه الأولوية صار اميل لحود غير الشرعي والمُمَدَّد له قسرياً، والمرفوض من الحكومة وأكثرية الشعب اللبناني، شرعياً، بل ومقاوماً أول بل وضرورة وطنية أولى، وضميراً (مقاوماً) ما أحلى هذه المقاومة التي عيّنت إميل لحود، العميل من الدرجة العاشرة ضميراً لها. فبئس الاثنين!)، صار إميل لحود بالنسبة الى حزب الله أثمن من ثلاثة أرباع الشعب اللبناني. يتشبثون به تشبثهم برمزية البندقية التي قدّمها الحزب لرستم غزالي تقديراً لمشاركته أيضاً في المقاومة! وإبلائه البلاء الحسن في مواجهاته ضد العدو لا سيما هنا عندنا وليس عنده هناك في الجولان. (فما أحلى نضال رستم غزالي المشتبه به في اغتيال الحريري عندما يترك خنادق المواجهة (المغلقة) في جولانه ويتفرّغ لتحرير أرضنا! براو! ومبروك! وألف شكر. وبيستاهل أكثر من بندقية المقاومة وخيرات الشعب اللبناني وبنوكه). فإميل لحود ورستم غزالي بالنسبة الى حزب الله المختار، "مختاران" أيضاً، ليس فقط من نظام الوصايتين بل من سبحانه تعالى الذي ألهمهم في ما ألهمهم اختيار هاتين "المعجزتين"، كضميرين "إلهيين" لحضورهم الالهي! ومن إميل ورستم الى خامنئي. فهذا الأخير هبة إلهية أيضاً. ليس لإيران فقط. وهو مرشدها الروحي (متمنطقاً برشاش!) ومرشد الأمة (ألم يعلن حزب الله الحرب على اسرائيل باسم الأمة. أي أمة؟). وَكَليمها، وَنَطِيقها، بل ومرشدنا نحن اللبنانيين، فعندنا اليوم مرشدون عروبيون من لدُن الشقيقة (لم يُبقوا أثراً لا للعروبة، ولا للأرومة العربية ولا "للجرثومة" القومية)، ومرشد من لدن بني ساسان الذين لم يحاربوا حتى الآن لا اسرائيل ولا الشيطان الأكبر، (قد ساعدهم كثيراً في إنجاح ثورتهم)، بل بَرَكوا عندنا تماماً كما برك رستم غزالي! مرشدون من هناك يحلقون كالغيوم المعدنية النووية في سماءاتنا ويلقون علينا كبابا نويل مئات ملايين الدولارات وترسانات الأسلحة، لنحارب عنهم. فمهمتهم التفرّج علينا ونحن نحارب بالأجرة. ومهمتنا شكرهم على مساعداتهم. فنصر الله قال "اسرائيل كانت تدمر وسوريا تعمر". ثم علقوا يافطات في كانتونهم الأمني التربيعي تصرخ بالعبارات الملآنة "اسرائيل تدمر وإيران تعمّر"، (أما العرب الذين ساعدونا فدولاراتهم غير نظيفة!) اسرائيل تدمر فعلاً. ولكن إيران عمّرت حزبها فقط. وأمدته بما أمدته لا ليعمّر، ولكن ليكمل حرب التدمير (بالدولار الحلال). فكأن بلاد ساسان تريد أن تحوّلنا، عبر حزبها الالهي (الذي أنشئ في ظهرانيها وبقرار من ملاليها) الى مرتزقة عندها. تأملوا أن يتحوّل الشعب اللبناني، عبر ابتزاز طرف فيه أو أقلية فيه الى شعب مرتزق، "شاءَ أم أبى"، أو الى رعايا... ومواشٍ في حظائرهم الايمانية الشمولية المطلقة. (وكل نظام شمولي يحوّل شعبه الى قطعان مدموغة في حظائره الايديولوجية أم الطائفية الدينية)، وعلينا نحن، كلبنانيين أن نُقَبِّل الأرسان التي ربطنا بها ونُقَبِّل أيدي الجلادين وهم رعاة أمورنا "شئنا أم أبينا" (فالحزب الالهي عندما يقبل الأرسان علينا نحن أن نحذو حذوه. وهو دليلنا الى الدنيا الفانية والدنيا الباقية والجنات التي تجري من تحتها الأنهار والبترول والدولارات!). وعلينا. نحن اللبنانيين، صانعي النهضة العربية، وفكرة العروبة، والمنتمي الى أروقتها انتماءنا الى حضارتها العظيمة، قبول فكرة أن بلاد فارس وساسان تريد أن تفرض حضارتها وثقافتها الملالية وظلاميتها علينا. فمن أجدر من بني فارس ببلورة فكرة العروبة وبالفارسية الفصحى، أو لم تعلق يافطات في شوارع بيروت، في الثمانينات، تقول "العروبة بدعة صهيونية"، و"العروبة والصهيونية وجهان لعملة واحدة"، بالتوازي مع حملة ضد الزعيم الكبير جمال عبد الناصر. مع هذا علينا أن نحفظ غيباً الدروس "العروبية" التي يلقيها علينا وكلاؤهم في لبنان. وأجمل الدروس العروبية التي تُشنِّف آذاننا اليوم "وتزقزقها" جوقة 8 آذار، بالمشاركة مع جوقة عروبيي الوصاية، تلك التي تسعى الى إفشال وساطة عربية في لبنان، بل الى التعبير عن ثقافة بدأت تتراكم في الكانتونات الالهية، تستعدي العروبة والعرب وتكيل لهم الاتهامات والشتائم، فكيف تريد إيران الساسانية عبر وكالاتها الشرعية في لبنان، أن يترسخ الحضور العربي في لبنان؟ بل كيف تقبل إيران (ورمزها الثقافي الكبير أحمدي نجادي!) أن تعلن أكثرية الشعب اللبناني انتماءها الى العرب والعروبة. فلنخوِّن إذاً ثلثي الشعب اللبناني ونطعنه في عروبته. وأكثر: فلنشكك، نحن الساسانيين، بعروبة اللبنانيين. فلمَ لا نصادر العروبة كشعار مجوف ونحارب به العروبيين، ونعمل في الوقت ذاته على سياسة اقتلاع العروبة في الكانتونات الإلهية! أولم يسبق نظام الوصاية إيران في اعتماد هذه اللعبة المزدوجة: من جهة يرفع الشعارات العروبية والقومية، ومن جهة أخرى يقمع كل الأحزاب والأفكار والأنظمة العروبية (تذكروا عبدالناصر بعد الوحدة!). ومن جهة يلهج بالثورة، وبالتراث النضالي العروبي، ومن جهة أخرى يسجن كل من يحاول أن يفكر عربياً، أو يمارس عربياً، عبر حزب أو تنظيم أو حتى بشكل فردي!إذن أعداء العروبة يُخوّنون العروبيين! أكثر "عروبيو" القمع والسجون والمقاصل يخوّنون تلك العروبة الشعبية الديموقراطية التي انبعثت في شوارع بيروت والمناطق عبر انتفاضة الأرز. أكثر: باسم العروبة شُردّت ونفيت وفُككت كل الأحزاب العروبية في لبنان على امتداد الوصاية الأولى من الأحزاب الناصرية الى القومية الى الليبرالية الى الاشتراكية. عال! ونظن أن هذه اللعبة المتمثلة بضرب العروبة والأفكار العلمانية والاتجاهات المدنية، واللعب على التقسيمات الطائفية والعشيرية، لعبها وكلاء الوصايتين في إعلامهم "المناري" الغوبلزي النوراني المريض، وفي تربيتهم "الحزبية"، وفي تعاطيهم السياسي من خلال نزولهم الى ساحة رياض الصلح، بحيث أظهرت الوقائع أن "انعزالية" متجددة قد برزت. إنعزالية حزبية تتبلور قسراً وترغيباً ورشوة في بعض الشرائح التوحيدية أصلاً! وهذه "الانعزالية" المباركة من الوصايتين هي التي تهدد بالفتنة، والتقسيم، والحروب الأهلية. بل أن كل انعزالية متبلورة فكراً و"إيماناً"، ومالاً وسلاحاً هي مشروع فتنة. (فلنتذكر جيداً السبعينات والمشاريع الكانتونية التي تأسست على انعزاليات كادت تسود لبنان كله). بل كأن هذه الانعزالية المتجددة، والتي رسمت بعض حدودها الوصاية السابقة ثم الوصاية الجديدة باتت سلاحاً من أسلحة هاتين الوصايتين (من دون أن ننسى بعض الطرابيش والشرابات الملونة البرتقالية أو البنغوية (وزير البنغو هل تعرفونه؟ هو حليف حزب الله المختار لإيمانه وتقواه ووطنيته ونزاهة ضميره ونصاعة كفه! براو!)، وأداة لتفكيك عُرى الدولة، والدستور، والمجلس النيابي، والحكومة (أو لم يهددنا حزب الله وبعده البطة البرتقالية بتأليف حكومة انتقالية شبيهة بالحكومة التقسيمية التي ألّفها البرتقالي في التسعينات ولم تشمل أي وزير مسلم، وبقيت ميثاقية!)، إذاً، انعزالية انفصالية عن الأرض والدولة، تكون تعبيراً عن انعزالية انفصالية عن المحيط العربي. (كل انعزالية هي في جوهرها عداء للعروبة لاعتمادها المذهبية أو الطائفية أو العائلية). بل تكون مكاناً مغلقاً أو محمية متوترة للخارج. والخارج هو اليوم الوصايتان. وما كان يمكن لهذا الخارج أن يتسرّب وبهذه القوة الى الداخل من دون تأسيس أو إعادة تأسيس مثل هذه الانعزاليات المذهبية أو الطائفية. (هذا ما فعله أصلاً المستعمرون الذين وفدوا إلينا تباعاً من أجانب... وأيضاً من عرب. استثارة الغرائز الطائفية لاستثارة حدودها الانفصالية وصراعاتها الوهمية تحت شعار "فرّق تسد").اليوم، وبعد محاولة الوصايتين ترسيخ هذه الانعزالية، تحاولان استغلالها لضرب أي تواصل بين لبنان والعرب، وتالياً أي وساطة عربية تؤكد انتماء هذا البلد الى عروبته. ومحاولات إفشال مهمة عمرو موسى، الآتي باقتراحات أو بمساع عربية، تصبّ في هذا الاتجاه. فَلْنَفْصِلْ لبنان عن محيطه القريب (العرب)، وعن محيطه البعيد (العالم) لنستفرسه! وهذا ما فعلته الوصاية الشقيقة على امتداد ثلاثة عقود عندما استفردت لبنان، وصادرت قراره، وعزلت إرادته الشعبية عن كل أفق عربي أو عالمي. (ونظن أن حقد الوصاية الشقيقة على الشهيد رفيق الحريري يعود بعضه الى إعادة لبنان الى العالم). إذاً فلنصادر لبنان ونجعله من جديد، عبر عزله عن عروبته وعن العرب، أداة باليد الساسانية والشقيقة. وهكذا، وفي الظروف الراهنة، تتمكن الوصايتان من إحكام القبضة على القرار اللبناني عبر الانقلاب "الانعزالي" الذي ينفذه وكيلها الحصري الإلهي في لبنان، لتمييع المحكمة الدولية، أو لاحقاً، لمحاربة أميركا والعالم في لبنان.أما لماذا لا يحارب المرشد الروحاني خامنئي أميركا انطلاقاً من إيرانه العزيزة؟ بل ولماذا لا يحارب إسرائيل من إيرانه الأعز، وهو الذي يمتلك صواريخ تصل الى تل أبيب وكل الدولة العبرية، فهذا يعود الى أن خامنئي "يحارب" "هؤلاء" أو يقرع بابهم عبر وكلائه في جهاد مدفوع بمال وُصِف بأنه "نظيف" لمجرد وروده من الأيادي النورانية البيضاء الخامنئية، ذات الجود والكرم. أي بما أن هناك من يحارب عنه، فلماذا يُكبّد شعبه وبلده ونظامه أضرار الحروب. فلبنان قادر على أن يتحمّل نتائج الحروب بديلاً منه وسواه. وعال! فالدولار النظيف، وهو من فئة المؤمنين النظفاء، قادر أيضاً على "صنع المعجزات الإلهية".وهكذا وبالمؤسسات المدفوعة، وبالحزبية المصادرة، يحاول نظاما الوصاية، عبر عزل لبنان عن عروبته والعرب، والعالم، وتهديده بالحروب والفوضى والفتنة، ومحاولة سيطرتهم على السلطة، أن يغتصبوا القرار السياسي المركزي، ويلغوا المحكمة أو يحوّلوا مسارها، ويفرغوها من توجهاتها الحقيقية، وعندها، يزداد هذان النظامان شراسة ووحشية وتَشَفّياً على اللبنانيين، طمعاً في بلادهم، وعودة الى الاستئثار بمقدّراتهم، ونهباً لخيراتهم، وكسراً لكل بناء اقتصادي، أو سياسي، أو ديموقراطي... أي يحوّلان لبنان عبر حزبهم الحصري، وعملاء الوصاية السابقة، والقتلة، حظيرة سائبة من حظائرهم المسيّجة بالكذب والقمع والقتل والفاشية!لكن، يبدو أن حسابات هؤلاء خاطئة هذه المرة، كما كانت خاطئة في الحرب المرتجلة على إسرائيل، ذلك أن اللبنانيين، هذه المرة، لن يقعوا في الشرك الذي نصبه لهم "أعداؤهم"، ذلك أن اللبنانيين يعرفون أنهم إذا تخلّوا عن المحكمة الدولية، فيعني استباحة دمائهم، واستباحة أرضهم، ونظامهم، وأحلامهم، وديموقراطيتهم، وحرياتهم، وتمييزهم، وخصوصيتهم.. يعني معاودة إلغائهم كوجود مستقل على الخريطة، ليعودوا ولبنان مجرد وسيلة عند خامنئي (مرسل المال النظيف الى أهل العفة والنظافة والتحرر من كل علاقات خارجية!)، بل ليتحولوا بالقوة والاستبداد وعبر الوكلاء المحليين (بالدولار العفيف!) الى ظاهرة انقلابية، لا تختلف عن تلك الظواهر التي تعانيها الشعوب الواقعة تحت سطوة النظم الشمولية والفاشية بامتياز!كل هذه الفولكلوريات، ومحاولات عزل لبنان عن عربه وعروبته وعن العالم، لاستفراده وحيداً، لن تجدي... ولن تنفع أيضاً كل هذه التهديدات بالتخريب والتقسيم في تغيير وجهة المحكمة! فهذه آتية ولا ريب... ولبنان الديموقراطي المتعدد والواحد مستمر بإذن شعبه العظيم الذي لم يعد قاصراً ليرشده مُرشد من هنا، أو مستبدّ من هناك، يحتاج أكثر من سواه الى مرشد يرشده، وإلى "عقل" يهدي خطاه المجنونة... على خرائطه المجنونة.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home