Tuesday, March 06, 2007

نهاية عصر البسماركية العربية

نهاية عصر البسماركية العربية

كيفما جاءت نتائج القمة السعودية – الايرانية، هناك ثابتة اساسية لن تتبدل سريعا : انتهى عصر بسمارك العرب. والاشارة الى بسمارك العرب هي بالطبع اشارة الى الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد الذي لقبه بعض الصحافة "بسمارك" العرب نسبة الى رجل الدولة البروسي الذي وحّد الامارات الالمانية المتناحرة الثلاثمئة، وقاد المانيا الموحدة الى الانتصار على فرنسا نابوليون الثالث في حرب 1870، سالخاً عنها مقاطعتي الالزس واللورين.
حصل حافظ الاسد على لقب بسمارك العرب في شكل حاسم ونهائي غداة استيلائه على لبنان نهائيا عام 1990، وتكليفه تنفيذ اتفاق الطائف حصريا.
وذهب بعض المغالين في تلك المرحلة الى اعتبار ان حافظ الاسد استطاع بعد 75 عاما تمزيق اتفاق سايكس – بيكو والثأر لسوريا الكبرى التي سلخت عنها الاقضية الاربعة وجبل لبنان نفسه. وفي نوبات المغالاة تلك الايام، قيل ان قطار الوحدة العربية انطلق من ضم سوريا لبنان عمليا، ومن نجاح الاسد في تجميع العديد من الاوراق الاقليمية بين يديه ليرسخ القاعدة "الامبراطورية" لسوريا الاسد. بمعنى آخر، انه نجح في اطلاق مرحلته الامبراطورية بدءا من "جوهرة تاجه "، لبنان.
عندما ورث الرئيس بشار الاسد سوريا ولبنان عن والده عام 2000 بعد الانسحاب الاسرائيلي، لم يرث "المانيا موحدة" على الطريقة البسماركية كما بدا، وانما ورث عن ابيه ملكا شبيها بالامبراطورية النمسوية في مطلع القرن العشرين، والتي كانت مؤلفة من النمسا والمجر، وكان انفصالها مسألة وقت، جاءت الحرب العالمية الاولى لتعجّل خطاها وتنهيها.
شكل العمى السياسي لبنانيا واقليميا الذي اصاب القيادة، عامل التعجيل الاساس في فكفكة مُلك بشار الاسد، فعمدت الى المبالغة في تشديد الطوق حول "جوهرة التاج" باعتبارها ارضا مفتوحة من دون ضوابط. والمهم هنا ان قرار التمديد للرئيس اميل لحود والذي لا يختصر وحده مسلسل الاخطاء، بني على قاعدة ان لبنان كان في طريقه لأن يصبح اكثر اندماجا بسوريا، وصولا ربما الى اعلان كونفيديرالية بين البلدين تمهد بعد سنوات عدة لاعلان الوحدة النهائية. (كشفت مقالات عدة كتبها في سنوات بشار الاولى مسوؤل امني سوري في الصحافة اللبنانية، بعضها كان موقعا من نائب سابق، عن مشروع الكونفيديرالية).
ولما كانت السمة الاساسية لتلك المرحلة هي العمى السياسي، فقد جاء القرار 1559 معلنا ارادة دولية جامعة لإنهاء امبراطورية حافظ الاسد، واشارة الى ان الرئيس الوارث صار عليه ان يقود بلدا مطبّعا يمنع عليه التمدد. لم يقرأ الاسد والقيادة الرسالة فتوغل في المغامرة وصولا الى اطلاق مرحلة الدم، وكانت ذروتها اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبسرعة قياسية إنهار مشروع حافظ الاسد الامبراطوري في شوارع بيروت. وانسحب الجيش السوري بالطريقة التي نعرف، وبدأت مرحلة الدفاع عن النظام نفسه، التي وإن تكن المظاهر الحالية للازمة اللبنانية توحي العكس، فإنها لا تزال حاضرة وبقوة. فحضور النظام السوري الفعلي في المعادلة الاجتماعية في لبنان ضامر، وهو الى ضمور اكبر يوما بعد يوم. ورافعته الفعلية هي الذراع الايرانية السياسية العسكرية، بجمهورها اللبناني المتجذّر في طائفة اساسية. ولا يحتاج المراقب الى كبير عناء ليتبين له مدى هامشية القوى الملتحقة كليا بالنظام السوري. في حين ان النظام الايراني يمسك بورقة الوارث الشرعي لسوريا في لبنان "حزب ولاية الفقيه"، طبعا مع فارق جوهري هو ان الحزب المذكور موصدة في وجهه ابواب التسلل في ثنايا التركيبة اللبنانية بخصوصياتها، وتاليا تتعذر عليه السيطرة عليها مهما قويت شوكته الحربية.
لماذا الحديث عن نهاية البسماركية العربية؟
بكل بساطة، للاضاءة على الصورة في الرياض منذ البارحة: بشار ليس في الصورة.
هو يستطيع ان يفجّر ويعرقل في لبنان قدر ما يشاء، لكنه في النهاية فقد الصدارة الفعلية للحدث الاقليمي.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home