Sunday, June 17, 2007

هفوة مذيعة أم "بيئة الهفوة" ؟

هفوة مذيعة أم "بيئة الهفوة" ؟
نديم قطيش

لنضع الأمور في نصابها. الحزن على النائب المقتول غيلة وليد عيدو لم يكن شأناً وطنياً في لبنان. ينطبق هذا الأمر على كل الجرائم منذ محاولة إغتيال الوزير مروان حمادة.

ما قالته مذيعة القناة التلفزيونية المحسوبة على رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، يتجاوز الموقف والغباء الشخصيين ويلقي الضوء على موقف فريق في لبنان يتراوح بين الغائم والشامت والمتواطىء والمحرض على تصفية الحالة السياسية الإستقلالية التي ولدت من رحم إغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.

عندما إغتيل جبران تويني، أحد أعلى أصوات الإستقلال الثاني وصاحب قسم الإنتفاضة، ثمة من أطلق الرصاص في الهواء إبتهاجاً في حارة حريك. مطلقو النار هم بين جماهير "سيد الخط الأحمر". قبل ذلك رفع هؤلاء انفسهم صور معدلة لتويني، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والوزير أحمد فتفت والوزير مروان حمادة، تظهرهم بمظهر الحاخامات اليهود. وإذ لا يجدر للتشبيه باليهودي أن يعتبر إهانة بحد ذاته، من موقع إحترام معتقدات الآخرين ودياناتهم ورموزهم، إلا أنه بالمعنى السياسي ترميز يريد وضع أصحاب الصور في مصاف الخونة. هذا التصنيف يحمل في طياته دعوة مضمرة للقتل وإهدار الدم، و ما لبثت مفخخة التويني أن أثبتت ذلك بمعزل عن المسؤولية المباشرة عن الجريمة والتي يترك الكشف عنها للتحقيق الدولي.

قبل ذلك أيضاً، كانت الشائعات عن سبب إغتيال الصحافي سمير قصير تسابق خبر الإغتيال نفسه. وإنتشرت في بيئة المذيعة، صاحبة الهفوة، رواية تربط قصير، مرة بعلاقة جنسية وعاطفية بزوجة احد الضباط وأخرى بزوجة زعيم سياسي لبناني. كان يصعب حينها إقناع، بيئة الهفوة، بالدافع السياسي للجريمة وكان الإصرار على النيل من كرامة الكاتب المغدور أعصى من أن يكسره المنطق.

إغتيال الوزير والنائب بيار الجميل صاحبته رواية أبلغ. إقتتال مسيحي مسيحي قيل حينها. تصفية داخل ابناء الصف الواحد. رواية تعف منها رائحة شماتة كريهة بالآخر "المنقسم على ذاته" مقابل الـ "نحن" الموحَدة والموحِدة.

"بيئة الهفوة"، رأت في محاولة إغتيال مي شدياق، عقاباً عادلاً لسيدة كل ذنبها أنها تجيد قول رأيها بصراحة وبإعتداد، قد لا نوافقها عليه، لكنه يبقى حقها. "لئيمة وبتستاهل" قيل آنذاك في الغرف المغلقة، وحيث لم تتسنى أخطاء تقنية في كشف المستور.

مروان حمادة، الديبلوماسي الهادىء، غيرته محاولة إغتياله. صدمته جريمة إغتيال الحريري. مقتل إبن شقيقته جبران تويني ملأ قلبه قيحاً. تغير مروان حمادة وهذا شأن لا يلام عليه. خسر بعضاً من ديبلوماسيته وإكتسب بعض قسوة ليست له. "يا ليته قتل" تقول ألسنة "بيئة الهفوة". مراراً سمعتها ولم تنقل إلي. مرة أخرى تفوح رائحة الشماتة الكريهة.

ليست هفوة شخصية إذاً. المسألة أعمق. أخطر من أن تعالج بطرد مذيعة لم تقل إلا ما يتردد على نحو أوسع في "بيئة الهفوة". البيئة التي قيل لها ان "ثمة من يريدكم أن تعودوا ماسحي أحذية" وأن ثمة من يستهدفكم. خافت البيئة، حينها، وصارت تجيد الهفوات.

المسألة أخطر لأن إنجاز القاتل الإرهابي يتجاوز إتقانه للتصفية المافيوية، الى قدرته على تأمين غطاء شعبي للجريمة كلما وقعت، وتحصين الإغتيال بموقف سياسي غائم حيناً ومتواطئ في أحيان كثيرة.

الخطورة أيضاً أن "الهفوة" تنبئ بشبه إستحالة المصالحة السياسية في لبنان طالما أن للقاتل شركاء وأصدقاء ومهللين لا ينفكون يفتحون قارورة الشماتة كلما فتح القاتل قبراً في بيروت.

http://www.youtube.com/watch?v=GUTVCagW5ng

0 Comments:

Post a Comment

<< Home