Thursday, April 12, 2007

بايخة؟ فعلاً بايخة

بايخة؟ فعلاً بايخة

لأ أعرف لماذا يذكّرني قول الامين العام الاشهر عن الرئيس رفيق الحريري انه شهيد بقول الرئيس المصري انور السادات عن الزعيم جمال عبد الناصر "الله يرحمو".
كان السادات يسعى الى محو كل ما يشير الى انجازات عبد الناصر في ذاكرة المصريين، وحتى العرب، فيما كان يتلفظ بدعاء الرحمة له، الى ان سد المنافذ الى ذكراه بزيارة القدس الشهيرة و"طيّنها" في كمب ديفيد: الثورة المضادة تحققت بعد نحو اقل من 30 سنة على ثورة الضباط الاحرار.
السيد الأشهر، منذ تعهد في قريطم السعي الى محاكمة القتلة، لم ينفك يرفع عقيرته بالحرص على ذلك، بما يتناقض وما تواتر عن مظاهر فرح (فردي او جماعي) في مناطق هيمنته الامنية والسياسية والشرعية، بعد الساعة الاولى من يوم 14 شباط 2005.
وظل الاعتقاد العام بنهاية موقفه هذا سائدا، على رغم الاعتكاف الوزاري عام 2005 والاستقالة عام 2006، الى يوم خطاب الوعد بنصر الهي في الداخل قبيل نهاية العام الفائت، حين وصف قيام المحكمة بأنه لب المشكلة الداخلية، واصر على سرية الملاحظات، وارتقى بها، الاحد الماضي، الى مرتبة السر الالهي العصي شرحه حتى على سوريا وايران (الحليفتين)، والسعودية (راعية البحث عن وفاق لبناني) على ما اشار. بمعنى آخر، حوّل الخلاف المستتر على المحكمة ذات الطابع الدولي، ازمة مستعصية "حتى يتوافر غطاء جدي لمناقشتها"، وهو غطاء لا يعرف سواه كنهه ومقوماته.
لكن هذا الموقف لا يمكن شرحه استنادا الى مذكرة نواب قوى 14 آذار الى الامين العام للامم المتحدة. فحتى الرئيس نبيه بري سعى قبل خطاب الاحد الى تبين طريق اعادة مشروع المحكمة الى مجلس النواب. وفي علم المتابعين ان الرئيس السوري بشار الاسد استبق وصوله الى الرياض بحديث الى صحيفة "الجزيرة" السعودية ذكّر فيه المملكة بفائدة التعاون مع دمشق، معطيا مثلا على ذلك اتفاق الطائف. ولكن يبدو ان ما سمعه في اجتماعه مع الملك عبدالله بن عبد العزيز وكبار المسؤولين السعوديين، ثم في لقائه مع وزير الخارجية الامير سعود الفيصل، لم يعكس تجاوبا كان ينتظره. فجدد بري العرض السوري تحت ما سماه تعاون S.S. اي سوريا والسعودية، لرعاية حل الازمة اللبنانية. لكن تحديد السفير السعودي الوزير عبد العزيز خوجه في حديث صحافي حرص بلاده على رعاية التفاهم اللبناني، بانه ليس توليدا له بل تشجيع عليه فحسب، سد الباب امام تفاؤل بعودة سوريا رسميا الى لبنان ببركة عربية، فجاء كلام الامين العام الاشهر ليطوي الملف ويفتح الازمة على افق مظلم اضافي.
الافق الجديد، لا يعني ان "حزب الله" ترك المحكمة لسكتها الدولية، بل هو تجديد لعنوان قديم عمره من عمر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو تقويض الاسس القانونية اللبنانية التي تستند اليها القرارات الدولية المتعلقة بانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي اي زعزعة الحكم في لبنان. والاساليب الجديدة لم يخفها الامين العام وبعضها كان معروفا. اولها استمرار دولة "حزب الله" ضمن الدولة اللبنانية، واستمرار سلاحه. والحجة الجديدة لبقائه هي حماية مصادر المياه. يأتي بعد ذلك انكار شرعية الانتخابات النيابية السابقة، ومعها تبرؤ الحزب وحركة "امل" وحلفائهما، من اقرار اجرائها على "قاعدة قانون غازي كنعان" في مجلس النواب السابق ذي الاكثرية الآتية من كنف الوصاية.
ويرفد كل ذلك باستمرار وضع اليد على مؤسسات امنية معينة، وتحويل الجيش موضوع تشكيك يمارسه من يزعم عدم قدرته على حماية لبنان، وينسبه الى خصومه اي موقع الغالبية.
فوق كل ذلك، واستنادا الى التمرد على الدولة، يدعو الامين العام الى انتخابات مبكرة تسترضي شريكه الصامت الذي يتوهم عودته باكثرية مسيحية مطلقة، او الى انتظار سنتين مزروعتين بالقلق لانتخابات في موعدها، متجاهلا الحاجة في الحالتين الى قانون انتخاب تضعه حكومة الغالبية، والى وضع امني يستلزم توافره تسليما بسلطة الدولة، والدولة وحدها، وانهاء للمربعات الامنية، ركاما وخيما.
وفي طريقه الى تمديد الازمة، لم ينس الامين العام انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فقد لمّح الى المكمن المنصوب علنا من الآن بعنوان اكثرية الثلثين المفضلة لدى الاقلية المعارضة. ولمزيد من الزعزعة، اعتبار احالة المذكرة النيابية على مجلس الامن الغاء دور المؤسسات الوطنية، لا سيما القضاء.
خطاب الاحد لم يكتف باعلان تمديد الازمة، والتخويف بحرب اهلية، وصولا الى ظروف مؤاتية تسقط المحكمة المرفوضة اقليميا، بل مدد في اتجاه الحكومة حرف الغضب العام، والشيعي اساسا على الحرب التموزية التي قال الامين العام مرة انها لتحرير الاسرى، ومرة انها حرب استباقية، وثالثة انها حرب الامة من اجل فلسطين، ورابعة انه لم يكن على علم بانها ستقع، واخيرة انها بايعاز من قوى 14 آذار الى الاميركيين والاسرائيليين.
طبعا. من كل هذا الكلام، لا يعني النائب العماد ميشال عون سوى التنديد بالانتخابات السابقة، والمطالبة بانتخابات مبكرة او بمجلس دستوري يعيد اليه مقاعد نيابية لا يكل عن التفكير بانها سلبت منه. اما تمديد الازمة، ورفض المحكمة الدولية علنا باسباب غير علنية، وتهديد مصير الانتخابات الرئاسية، وتهديد البورجوازية اللبنانية، ولا سيما المسيحية، في دورها وحقوقها. فالحلم بكرسي بعبدا كفيل تقزيمها.
قال الامين العام في خطابه "هزلت وصارت بايخة". فعلا صارت "بايخة" وواضحة في ذلك. فلا احد يجهل ارتباط المحلي بالاقليمي: من تمييع المسؤولية عن الحرب ونتائجها، الى حماية المسؤولين عن مسلسل الاغتيالات.

راشد فايد

0 Comments:

Post a Comment

<< Home