Tuesday, April 19, 2005

بشار الأسد في مرمى النيران الأميركية

بشار الأسد في مرمى النيران الأميركية
الغد 18/04/2005 - ياسر أبوهلالة :
لو أن الرئيس الصيني سمع التهديدات التي أطلقها بوش بحق الرئيس السوري بشار الأسد، وهو صاحب أكبر جيش في تاريخ البشرية، وصاحب مقعد دائم في مجلس الأمن، وصاحب أعلى نمو اقتصادي في العالم، لشعر بالرعب، ولجمع قادة الحزب وقادة الجيش وقادة الأجهزة واتصل برئيس كل دولة لها علاقة بالصين، وربما اعترف بالصين الوطنية، وسألهم عن إمكانية التعاون لمواجهة تهديدات بوش.
صحيح أن التهديدات مسربة وليست علنية، لكن ذلك لا يقلل من صدقيتها. بل إن تسريبها للصحافة الإسرائيلية (المحرر السياسي لصحيفة معاريف) يحمل دلالات خطيرة، ناهيك عن تأكيد فحوى الخبر وبما لا يدع مجالا للشك، لصحيفة الشرق الأوسط السعودية. وبحسب التسريبات فإن بوش "شطب (الرئيس) الأسد من قائمة الرؤساء الذين يتعامل معهم، تماما كما فعل في السابق مع عرفات".
وتضيف معاريف أن الأسد، بحسب بوش، "لا يمكن الاعتماد عليه ويجب انتظار اختفائه من الخريطة السياسية". أما الأخطر فهو ما يخص النظام، وليس الرئيس، فبحسب ذات التسريبات، فإن "نظام الحكم في سورية على شفا الانهيار".
التسريبات الصحفية تتطابق مع ما ينقله زوار واشنطن من غير الإسرائيليين، فمسؤولو الاستخبارات الأمريكيين عبروا عن خشيتهم "من انهيار النظام في سورية بأسرع مما يتوقع"، مما سيخلق حالة من الفوضى قد لا تستطيع الولايات المتحدة احتواءها في ظل التعقيدات في العراق وفلسطين والمنطقة عموما، وهنا تبدو قوة النظام السوري، أي أن قوته في ضعفه.
فالولايات المتحدة لو أرادت احتلال دمشق لاجتاحتها بعد بغداد بساعات، لكن إدارة بوش تريد ابتزاز نظام الرئيس الأسد، كما فعلت بنظام صدام، وصولا إلى مرحلة النضوج، ليكون القطاف في الموسم المناسب. وسيطلب من النظام في سورية تفكيك البنية العسكرية لحزب الله ولجماعات المقاومة الفلسطينية، وترتيب انتقال سلس لنظام موال لواشنطن.
هنا سيجد الرئيس بشار الأسد، في حال استشار أحداً، رأيين متطرفين؛ رأي استسلامي ينصحه بركوب الطائرة متوجها إلى تل أبيب، وعندها سيصفه بوش بـ"الرئيس الشجاع الذي التقط اللحظة التاريخية"، وسيتوجه بالطائرة ذاتها إلى البيت الأبيض ليستقبل استقبال الفاتحين.
في المقابل، سيرد بقوة على هذا الرأي برأي آخر صدامي، يرى أن تحركا كهذا، وفقاً للخيار الأول، سيفهم باعتباره استسلاما متأخرا، ولن يُقبل أمريكيا ولا إسرائيليا ولا حتى داخليا، وسيقدم الأمريكيون قائمة أسماء، من ضمنها اسم الرئيس نفسه، ممن يتوجب عليهم مغادرة سورية وتقديمهم لمحكمة دولية بتهم تنتهي باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ولا يعرف من أين تبدأ! وسيقال إن سورية تملك أوراق قوة، وهي ذاتها أوراق الضغط عليها. أول ورقة، أن النظام منهك. إذ ليس لديه ما يخسره أو يخاف عليه، وهو ما سيجعل خيارته مفتوحة في استخدام كل أوراقه.
ثاني ورقة، أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية. فرغم حالة الإعياء والفجوة التقنية الهائلة التي يعاني منها الجيش السوري، والجيوش العربية بالطبع، إلا أن هذا الجيش يملك مدفعية ثقيلة وأنظمة صواريخ يمكن تزويدها بسلاح غير تقليدي قادر على تحويل حياة الإسرائيليين إلى جحيم.
ثالث ورقة، العلاقة مع الجماعات المقاومة من حزب الله إلى حماس والجهاد الإسلامي. وهنا يجدر التذكير بأن حزب الله أرسل مرتين طائرة بدون طيار حلقت فوق إسرائيل. وهذا التحرش هو لصالح دمشق أولا وآخرا. بمعنى أن حزب الله، معطوفا عليه التنظيمات الفلسطينية، قادرون على تحويل آلاف السيارات إلى مفخخات تهون دونها ما يشهده العراق يوميا.
رابع ورقة، العلاقة مع إيران. فهذه العلاقة ستزداد استراتيجية بكل ما لدى إيران من أسلحة: البرنامج النووي، والنفوذ في العراق...
خامس ورقة، العلاقة مع المقاومة العراقية. فمع أن السوريين قطعوا شوطا بعيدا مع الأمريكيين في ضبط الحدود، إلا أن التسلل استمر، وإن بوتيرة أقل. وبدا واضحا أن ثمة تواجدا لجماعات المقاومة في الأراضي السورية، سواء أكان ذلك برضى سوري أم بتغاض أو تواطؤ أو جهل.
هذا كله سيتحول إلى دعم قد يؤدي إلى فتح مكاتب "إعلامية" لفصائل المقاومة العراقية في دمشق!
الخيارات الصفرية السابقة مدمرة للاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة وانتحارية للنظام السوري. وبإمكان الرئيس بشار الأسد المضي في طريق ثالثة، أجدى للشعب السوري، وأقل ضررا لجميع الأطراف.
هذه الطريق الثالثة، بين الاستسلام والصدام، يمكن سلوكها بالسيارة، دون حاجة لركوب طائرة إلى تل أبيب أو طهران، أو إرسال طائرة بدون طيار، وهي أن يتوجه الرئيس الاسد إلى مجلس الشعب ليقول الآتي:
"سأطلب منكم أن تقروا قانونين فقط. بهذين القانونين سأدخل معكم التاريخ لأننا قدمنا مصلحة البلاد على مصالحنا. وسنجنب البلاد خوض حرب تتلاحق نذرها.
إنها حرب محسومة لأن الخصم فيها الولايات المتحدة. لا أحد يهتف "إلى الأبد .."، لقد سمع صدام هذا الهتاف وانتهى كما رأيتم. الشعب السوري هو الباقي إلى الأبد.
أما الرؤساء فهم يتغيرون، إما بصناديق الاقتراع وإما بالدبابات الأمريكية.
من المبكر الخوض في الانتخابات الرئاسية، المهم قبلها إقرار قانونين. الأول قانون إلغاء حالة الطوارئ. فمن حق السوريين أن يكونوا على الأقل مثل أشقائهم تحت الاحتلال، إذ لا يعقل أن تشارك حماس، وهي الجناح العسكري للإخوان المسلمين في فلسطين، في الانتخابات البلدية، وبوجود الدبابة الإسرائيلية، ولا يشارك الإخوان المسلمون في سورية في الانتخابات، بل ويواجهون عقوبة الإعدام! وفي العراق يتصل بوش، الذي لا يتصل معي بالمناسبة، بطارق الهاشمي، أمين عام الحزب الإسلامي إحدى واجهات الإخوان المسلمين، ويحضه على المشاركة في الانتخابات، مع أن تيارا من الإخوان العراقيين يتبنى المقاومة المسلحة!
إلغاء قانون الطوارئ أول قانون ستقرونه، أما القانون الثاني فهو قانون العفو العام والمصالحة الوطنية.
لا أريد تكرار العفو العام الذي فعله صدام حسين، عندما أطلق سراح المجرمين بعد أن أعدم معظم السياسيين وشردهم. أريد عفوا على طريقة نلسون مانديلا "نغفر ولا ننسى". يجب توثيق كل الانتهاكات التي حصلت في سورية، وبالمناسبة فإن المعارضة ارتكبت انتهاكات ولجأت للعمل المسلح.
سنعفو عن الجميع وسنعيد الاعتبار للجميع. ولن ننتظر محكمة أمريكية حتى تفصل بيننا" (انتهى الحديث الذي نتمنى أن نسمعه من الرئيس الأسد).
ملايين المواطنين العرب سيصفقون بحرارة لبشار الأسد وليس فقط أعضاء مجلس الشعب، الذين سيصفقون على جميع الأحوال. ليس اكتشافا بأن قوة أي نظام هي بالتصاقه بشعبه، وعلى الرئيس الأسد أن يستفيد من الجار التركي. فما الذي دفع الرئيس التركي لتحدي الولايات المتحدة وزيارة دمشق في هذا الوقت؟ ومن الذي حول سورية من عدو تحشد الجيوش على حدوده إلى حليف مكلف؟ إنه الشعب التركي الذي اختار حكومة تعبر عن تطلعاته لا تطلعات بوش أو شارون.
والمؤكد أن تطلعات الشعب السوري تتقاطع مع تطلعات الشعب التركي بقدر ما تتناقض مع تطلعات بوش وشارون.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home