خدّام .. والمعارضة السورية .. والنظام الآفل
خدّام .. والمعارضة السورية .. والنظام الآفل
موقع الجماعة www.jimsyr.com 5/1/2006 – د. محمد بسام يوسف :
من العاصمة الفرنسية باريس التي لجأ إليها (عبد الحليم خدام) نائب رئيس الجمهورية السوريّ السابق.. يبدأ التسارع المدهش في تدحرج النظام السوري إلى القاع.. وقد كانت باريس منذ ست سنواتٍ، في عهد حافظ الأسد.. أول عاصمةٍ عالميةٍ تستقبل بشار الأسد استقبال رؤساء الدول قبل أن يُنَصَّبَ رئيساً، حين رحّب به الرئيس شيراك في قصر (الإليزيه)، ليؤكّد له بلسان فرنسة : إننا مع نظام الأقلية، مع حافظ الأسد، مع تحويل الجمهورية إلى جمهوريةٍ وراثية.. طالما أنكم على العهد تحفظون الودّ والجميل التاريخيّ الذي قدّمته فرنسة لكم، وأخذت على عاتقها حماية ذلك الوضع الشاذ الطارئ في حياة سورية !..
لم يكن فارس فرنسة الجديد عبد الحليم خدام مخطئاً فيما ذهب إليه، وصرّح به، وفضحه على رؤوس الأشهاد.. بل إنّ ما قام به حتى الآن هو غيض من فيضٍ لا نهاية له، أبطاله تلكم العصابة الأقلية الفاسدة الفاجرة، التي أسَرَتْ سورية وراء قضبان طائفيتها وأنانيتها وجريمتها وغبائها السياسي والاقتصادي، وانحطاطها الأخلاقي والثقافي، تحت التغطية الكاملة الأميركية والفرنسية والغربية والإسرائيلية.. وذلك طوال أربعة عقودٍ مريرةٍ من عمر الوطن، لم تمرّ عليه مثلها حتى في أصعب ظروف الاحتلالات للشام عبر التاريخ !..
ما الذي دفع ثعلباً محنّكاً تتراكم في شخصه خبرة العقود السياسية.. إلى أن يتخذ موقفه الجديد، ويتخطى كل الخطوط الحمر، ويفتتح طريقاً استثنائيةً لم تألفه سورية منذ شؤم انقلاب الثامن من آذار لعام 1963م ؟!.. هل هي الرجولة ؟!.. أم الكيل الذي طفح ؟!.. أم الانحياز للوطن كما يقول خدام ؟!.. أم دوافع النجاة من المستقبل المظلم الذي صار محتوماً للنظام ؟!.. أم المصلحة الشخصية ودوافع الانتقام لفقدان السلطة ؟!.. أم التوبة والتكفير عن الماضي المتخم بالاستبداد وذيوله ؟!.. أم تأثيرات حاسّة الشم السياسي لخدام الثعلب العتيق ؟!.. أم صحوة الروح والضمير ؟!.. أم كل ذلك أو بعضه ؟!..
لا يهم، كل ما ذكرناه من تساؤلاتٍ أعلاه لا تهمنا الآن.. المهم أنّ خداماً تجاوز محرّمات النظام، ولفظ الحصاة من تحت لسانه، وافتتح عهداً جديداً متسارعاً لسورية، تحكمه إرادة تكسير حواجز الخوف، لا الخوفُ نفسُهُ من عصابة الأسد وزبانيته ومَن والاه.. ومَن منا ينكر أنّ ثقافة الخوف التي كرّسها النظام الجائر.. كانت السبب الرئيس لامتداد عمره طوال هذه العقود الظلامية الطويلة ؟!..
كان خدّام واضحاً صريحاً، واثقاً من كل كلمةٍ قذفها بوجه النظام الفئويّ الذي كان عبد الحليم جزءاً مهماً منه !.. ولن نقف عند التفصيلات والإسهابات التي شرحها نائب رئيس الجمهورية السابق، لكننا نقف حتماً عند نقاطٍ محدّدةٍ بالغة الأهمية، غفل عنها الغافلون، وفاتت على المتسرّعين في الحكم على هذا المنعطف من القضية السورية، التي ما تزال مالئة الدنيا وشاغلة الناس :
- هل أتى خدام بجديدٍ من المعلومات التي بات حتى الإنسان العادي في سورية يعرفها ؟!.. لا لم يأتِ بالكثير من المعلومات الجديدة، لكن أن يبوح مثله بمثل هذه المعلومات على الملأ، فالأمر عندئذٍ سيكون مهماً جداً، بل بالغ الأهمية !.. وإلا ما معنى أن يكشف كيف كان الرئيس الأب حافظ يُعدّ ابنه بشاراً ليرث عرش سورية : (أنا تعرّفت على الرئيس بشار الأسد في عام 1998م في المرحلة التي كان والده يُعدّه بها لوراثته)؟!.. وهل بعد هذه المعلومة يحق لإمّعةٍ أو مسؤولٍ أو طائفيّ، أن يستغفل الناس، بأن بشاراً اختاره شعب سورية بنسبةٍ قاربت المئة بالمئة؟!.. وهل نفهم كيف تُدَار المهازل السياسية في سورية، بدءاً من مجلس المحنَّطين (مجلس الشعب) الذي هيّأ البيئة الدستورية زوراً لتنصيب الوريث غير الشرعي، وانتهاءً بأصغر صحفيٍ أو بوقٍ روّج للسطو على الجمهورية وتحويلها إلى وراثية، مروراً بخدام نفسه الذي صادق على تعديلات الدستور وقَبِلَ أن يكون بشار الأسد رئيس سورية.. بشار الذي يصفه خدام بأنه الشخص الانفعالي غير الحكيم، الجاهل الذي لا يفهم الحقائق ولا يستوعب السياسة ولا يمتلك الخبرة، بشار الانتهازيّ الباطنيّ الكذاب الذي يضحك على الذقون، بشار المتقلّب في آرائه وأهوائه وأحكامه، بشار الأخرق الذي وضع سورية في مهب الريح، وما يزال مصرّاً على نهجه الأحمق، وعلى استمرار بطانته العائلية الطائفية السيئة التي تحيط به ؟!..
- هل نستشفّ أمراً مهماً من تسويف بشار الأسد في قضية الإصلاح ؟!.. عندما تتنقّل حججه وذرائعه البهلوانية، من زعم الإصلاح السياسي إلى الاقتصادي إلى الإداري إلى إصلاح فكر الحزب (كما يذكر خدام).. ثم لا يتخذ أي خطوةٍ إصلاحيةٍ في أي بابٍ وعلى أي صعيد، فيضيع الإصلاح كله، ويتحوّل خطاب القسم الشهير إلى يمينٍ غَموس، وينعم بشار، وتنعم العائلة والبطانة والوصوليون والطائفيون.. باستمرار المأزق الداخليّ الفاسد الخانق ؟!..
- لم يكن خدام رجلاً عادياً، حين عرض فهمه لقضايا مفصليةٍ تهم الوطن، من مثل : القومية والأمة، والاشتراكية، والديمقراطية، والحرية، والمعارضة، والأحزاب، والانتخابات الصحيحة.. وفي ثنايا نظرياته ومواقفه نكتشف شهادةً طالما طمسها الطائفيون الحاقدون، وخدعوا بها الشعب والعالَم كله.. شهادةً للرجل الثاني في سورية النظام والبعث تقول حرفياً : (إنّ جميع أطراف قوى المعارضة هي أطراف وطنية ومخلصة للبلاد، فهي لم تتخِذ أي موقفٍ بشأن الإضرار بمصالح البلاد، بمن في ذلك الإخوان المسلمون.. وليس هناك من سبيلٍ لحماية سورية إلا بتعزيز الوحدة الوطنية، وبالحوار مع كل الأطراف حتى الذين كانت بيننا وبينهم خصومات دامية "الإخوان المسلمون")!.. ألم نقل إن خداماً تجاوز في انتفاضته كل الخطوط الحمر التي وضعتها الطغمة الطائفية الحاكمة، وسارت عليها، وسيَّرت الأمة عليها، وأدخلت البلاد والعباد بذلك في المآزق المتلاحقة ؟!..
- ثمة رسالة مهمة يبثّها خدام إلى المكابرين من رجال النظام أو داعميه، الذين قد يكونون ما يزالون يملكون بعض الشرف : (اخترت الوطن لأنه هو الحقيقة الثابتة، والنظام هو حالة عارضة في تاريخ البلاد كغيره من الأنظمة في البلدان الأخرى) !.. وحين اختار خدام –كما يقول- الوطن، وضّح كيف تُحكَم سورية حالياً حُكماً ديكتاتورياً فردياً، لا يحقق إلا مصلحة الرئيس وبطانته الطائفية التي تُحيط به من الأقرباء والأصدقاء : (لقد تمركزت السلطة بشكلٍ غابت فيه المؤسسات الدستورية تماماً، وأصبح دورها جميعاً هو تغطية القرار الذي يصدر عن الرئيس، فأصبح القانون غائباً، والحاضر هو مصالح الدائرة الضيقة التي تحيط بالحكم وبالرئيس، وهي دائرة الأقرباء والأصدقاء)!.. فهل بعد ذلك يجرؤ لُكَع بن لُكَع أن ينبئنا بأنّ الحكم في سورية ليس طائفياً، كما زعم بشار نفسه في حديثه منذ أيامٍ إلى شبكة (سكاي نيوز) التركية ؟!.. وما يؤكّد هذا البعد الطائفيّ للنظام على حساب الأكثرية الكاثرة تحديداً في سورية.. تلكم الحملة الشعواء من قِبَل النظام نفسه، على الراحل رفيق الحريري، بسبب تجمّع طائفته السنية حوله، مع تجاهل كل التجمعات الطائفية اللبنانية الأخرى الموالية للنظام ولاءً طائفياً أيضاً : (طيب لماذا رفيق الحريري خطر على سورية إذا تجمّعت طائفته حوله.. و"حسن نصر الله" و"نبيه برّي" لا يشكّلون خطراً إذا تجمعت طائفتهم حولهم) ؟!..
- لقد شرح خدّام من غير أن يقصد أو يدري (على ما نعتقد) كيف كان النظام يحتل لبنان الشقيق احتلالاً كاملاً، وكيف يصادِر قرارَه السياسي، وكيف يسرح ويمرح في ربوعه، وكيف تُطبَخ القرارات السياسية اللبنانية في دمشق، وكيف يتم تنصيب رئيس الوزراء اللبناني، وكذلك تنصيب رئيس الجمهورية والوزراء والنواب و.. وكيف تُسَنّ القوانين والدساتير الوطنية اللبنانية في أروقة المخابرات السورية، وكيف يُستَعبَد اللبنانيون، وكيفَ يُطاحُ برؤوس الأبرياء في سورية ولبنان بناءً على تقارير المخبرين المتخلّفين الكذابين.. و.. !..
- لا يهمّنا من قضية (أبي عدس) التي فبركتها المخابرات الغبية إلا أمر واحد هو : لماذا قامت المخابرات السورية بهذه الفبركة باستماتة ؟!.. الجواب واضح : لأنها متورطة في عملية اغتيال الحريري، من رأس النظام الحاكم الفرد، إلى أجهزة الأمن التي لا يمكن (برأي خدام) أن تنفّذ أي عمليةٍ من غير أمرٍ واضحٍ صادرٍ عن رئيس الجمهورية!..
- أما الفضيحة الكبرى، فهي سلسلة تنازلات النظام أمام أميركة وإسرائيل، ليس من أجل مصلحة الوطن، بل من أجل الحفاظ على كرسي الحكم، ثم الوجه الباطني للنظام في التعامل مع شعبه وأمته، فهو يحارب أميركة في الإعلام وعبر أبواقه، ويتعاون معها مخابراتياً، وكذلك ميدانياً فيما يخص القضية العراقية : (لكن كيف تكون هناك ممانعة للسياسة الأميركية.. ويبقى التعاون مستمراً ونشطاً بين أجهزة المخابرات السورية وأجهزة المخابرات الأميركية حتى تموز 2005م، يعني كيف؟!.. ممانعة من هنا وتعاون مع أجهزة المخابرات من هنا؟!.. وكذلك : لماذا تم تسليم شقيق صدام حسين.. وعدي وقصي لماذا طلبوا منهما الرحيل إلى العراق بعد دخولهما سورية؟!.. ولماذا ردّوا طارق عزيز عند الحدود السورية العراقية؟!.. كلها كانت إجراءات لاسترضاء الأميركان)!.. وقد كان ذلك كله بناءً على قراءةٍ خاطئةٍ للسياسة الأميركية، مع أنّ أميركة كانت قد بدأت بتنفيذ عقوباتٍ على سورية!.. وبالمقابل، الإصرار على الصدام مع السياسة الفرنسية لأجل عيون أميركة، علها تصفح عن النظام، ما أدى لتوحيد الموقف الفرنسي مع الموقف الأميركي ضد سورية، فهل هناك غباء أشد من هذا يمكن أن يقوم به النظام المقامر الأرعن، الذي يسوق سورية إلى هاوية ؟!..
* * *
لأول مرةٍ في تاريخ النظام يخرج عليه رجل من طينته، بل رجل يُعتَبَر عميداً له، ومستودعاً لأسراره.. ولأول مرةٍ في تاريخ النظام يفضحه مَن كان تحت إبطه، ويتجاوز حدوده الحمراء.. لذلك فقد هبّت على النظام العواصف، وارتدت ردّات الفعل الهوجاء، والتصرفات الرعناء.. فخرجت الأبواق من أوكارها، وسقطت الأوراق عن العورات، وانكشف في أيامٍ قليلةٍ ما تعذّر كشفه في عقودٍ طويلة، وصارت سورية النظام مَسخرة العالَم، ومَهزلة أهل الأرض !..
أول المستنفرين كان (مجلس الروبوتات) المسمى بمجلس الشعب، الذي لا يستنفر إلا لمثل هذا الأمر، بواسطة الريموت كونترول الذي بحوزة الحاكم الفرد، والويل له إن لم يستنفر كما يجب.. وانطلقت المهازل من أروقة المجلس، فإذا به مجلس من السوقيين الفاجرين الحمقى، حاكموا نظامهم قبل أن يحاكِموا نائب الرئيس السابق، وعندئذٍ فحسب، ظهرت حقائق النفايات النووية المدفونة في الصدور (أي الحقائق) بأمر ولي الأمر منذ عشرين عاماً.. وعندها فحسب، اكتشف عتاة النظام وأبواقه أن خداماً سارق ومرتشٍ وفاسد ولصّ وانتهازي!.. فقَبْلَ مقابلة باريس بدقيقةٍ واحدة.. كان خدام رجل النظام من الطراز الأول، الشريف العفيف الوطني الطاهر، القوي الذي لا يجرؤ أيتام النظام على النظر بوجهه، وكلهم يصفّقون له.. لكن بعد المقابلة بدقيقةٍ انقلبت الأمور، واهتزت المعايير، وارتجّت الأرض تحت الأقدام، فإذا بخدام الذي كان جزءاً أساساً من النظام المستبدّ.. قد أصبح خائناً عميلاً فاسداً صهيونياً أميركياً.. والمعيار كله ليس لأنه انتهك سورية الوطن والشعب من داخل النظام الجائر طوال أربعين عاماً.. بل لأنه تجرأ وانتقد المافيا الأسدية المتربّعة على عرش سورية، المتسلّطة على رقاب الشعب والناس والعباد !..
هل يختلف الخطر وشدته على سورية وشعبها، من النفايات النووية المدفونة في صحراء تدمر.. عنه من نفايات (مجلس الروبوتات).. الذي تآمر على الوطن كله، بتعديله الدستور الدائم خلال خمس دقائق، لتفصيله على مقاس بشار الأسد، وتحويل سورية إلى جمهوريةٍ وراثية ؟!..
هل خدام الفاسد، أشد فساداً من الذين شرّعوا، باسم الشعب، للحاكم الفرد.. قانونَ العار القاتل رقم 49 لعام 1980م، الذي أزهِقَت بسيفه أرواح آلاف السوريين الشرفاء الوطنيين ؟!..
هل الشياطين الخُرس الذين تجري على ألسنتهم اليوم بلا إرادةٍ ولا رغبة.. تجري أنباء كل مخازي النظام وأعمدته ومفاسده وانتهاكاته.. هل هؤلاء الشياطين (الذين كانوا خُرساً طوال أربعة عقود).. أقل فساداً من عبد الحليم خدام ؟!..
لقد أطلق خدام اتهاماتٍ واضحةً محدّدةً للنظام وأركانه، لماذا لم يردّوها بشكلٍ محدَّدٍ دقيق ؟!.. قال خدام : إن بشاراً هدّد الحريري.. وإنّ موظفاً أمنياً بسيطاً امتلك ثروةً من مال الدولة والشعب تقدر بأربعة ملياراتٍ من الدولارات.. وقال : إنني عرضت على بشار الأسد دراساتٍ مفصَّلةً للإصلاح في كل النواحي ورفضها.. وقال : إنّ غزالة كان يتصرّف تصرّفات الحاكم بأمره في لبنان، وكان بحماية الرئيس الساكت على فساده.. وقال : إن قصة (أبو عدس) فبركتها المخابرات السورية.. وقال : إنّ النظام تنازل لأميركة تنازلاتٍ خطيرةً وكبيرةً على حساب الوطن.. وقال : إن الرئيس انفعالي غير ناضج، متقلّب غير حكيم.. وقال : إنّ السياسة الخارجية أغرقت سورية في المآزق.. وقال : إن الوحدة الوطنية التي تجمع كل أبناء الشعب السوري هي القوة الوحيدة التي تنقذ البلاد.. وقال : إنّ الإخوان المسلمين جزء من نسيج المجتمع السوري يجب عدم إغفاله.. وقال : إنّ المناقصات التجارية والصناعية والثروة الوطنية مجمّعة بيد الطائفيين من أقرباء الرئيس وأصدقائه وبطانته.. وقال.. وقال.. فلماذا لم يجرؤ أحد من أشخاص النظام أو الأبواق الأسديين على ردّ هذه الأقوال، وانشغلوا بسفاسف الأمور والشتائم والصراخ والضجيج، والتهديد والوعيد.. كالعادة ؟!..
بل كلهم في العار سواء !.. وكلهم في الخزي سواء !.. وكلهم من شَرٍّ وبلاء !..
* * *
لقد أكّدت لنا تصريحات (خدام)، أن المعارضة الإسلامية والوطنية كانت على حقٍ كاملٍ منذ اليوم الأول لاحتدام الصراع في سورية، فالنظام فئوي حزبي ضيق النظرة شمولي المنهج، والعصابة الحاكمة ما تغيّرت، وإنما بدّلت وجوهها وجلودها فحسب.. والفساد بشتى أنواعه لم يكن وليد الساعة أو وليد حكم بشار، لقد كان مستشرياً قبل ذلك بكثيرٍ من السنين، ثم استفحل في عهد الوريث واتسعت دوائره.. والحكم فردي يمنع كل نسمةٍ للحرية، ما أدى إلى الانفصام الكامل بين النظام والشعب، وبالتالي تعريض الوطن للمخاطر الكبيرة، فالنظام الفئوي لا يسعى إلا لتحقيق مصالحه الأنانية على حساب الوطن، ولا يعمل إلا للاحتفاظ بمكاسبه التي سلبها، وليس لتقوية جبهة الدفاع الداخلية والوحدة الوطنية لسورية التي يحكمها !.. إنها شهادات تجري على لسان الرجل الثاني في النظام.. فهل بعد ذلك ستستمر الأبواق بتزوير الحقائق والتاريخ ؟!..
لقد تفاوتت آراء المعارضة السورية بشأن انشقاق عبد الحليم خدام.. في الوقت الذي يجب فيه ألا تختلف.. على أنّ انشقاقه كان عملية دفعٍ قويةٍ باتجاه إسقاط النظام الجائر، ولا نعتقد أنّ أحداً من رجال المعارضة وفصائلها وأحزابها وشخصياتها.. لا يسعد بهذه الحركة الخدامية، كما نعتقد أنّ الوقت الآن ليس مناسباً للتشهير بصاحبها أو محاكمته أو الهجوم عليه، فقد كفانا النظام وأبواقه هذه المهمة، وبانت عورات كل أركانه وكل مَن شارك في الحكم، وسقطت الأقنعة، وتكشّفت الوجوه سافرةً عن نظامٍ لن يكون استمراره إلا كارثةً لسورية وللمنطقة بأسرها، ولعلنا نلاحظ في ذلك الحقائق التالية :
- لقد عرض الرجل المنشق صورةً متكاملةً عن رؤيته للتصحيح والإصلاح في سورية، وهي رؤية ناضجة تفصيلية يمكن أن تُحَلَّ بها كل المآزق الوطنية والسياسية والاقتصادية والإدارية والأمنية، وهي تعكس خبرة الرجل المتراكمة لقضية الإصلاح الشائكة التي يعرضها، كما أنها لا تختلف في خطوطها العريضة عن رؤية المعارضة السورية بكل أطيافها الوطنية، لا سيما رؤية المعارضة الإسلامية .
- إنّ خداماً انشق بقرارٍ شخصي، وأطاح بهيبة النظام بقرارٍ شخصي، وعرض رؤيته الكاملة لسورية التي يجب أن تكون بمبادرةٍ شخصية.. أي أنّه لم يقع انقلاب على حكام سورية المستبدين فتغيّر نظام الحكم، ولم يُعتَقل خدام أو يُضبَط في موقع المسؤولية متلبّساً بجريمة المضي مع النظام الفاسد حتى الرمق الأخير .
- لم يكن عبد الحليم خدام في موقع الرجل القوي الذي يفعل ما يشاء بالوقت الذي يشاء، فقد كانت مهماته مدنيةً غير أمنيةٍ ولا عسكرية، في نظامٍ يحكمه العسكر وتتحكّم به أجهزة المخابرات والرئيس الفرد الفئوي وبطانته الطائفية.. لذلك فالفرق كبير بين خدام، وبين أي ضابط مخابراتٍ أو عسكريٍ مارس جرائم القتل والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان السوري بشكلٍ بشع.. وربما كان خدام غطاءً لكل ذلك استفاد منه النظام، واستفاد هو منه، ثم عمل النظام على تحجيمه وتحجيم دوره في أواخر سنوات عهد حافظ الأسد.. وبهذا يختلف عن عتاة الحكام الفعليين الذين مروا على سورية، من أمثال حافظ الأسد وأبنائه وشقيقه رفعت، ومن مثل : آصف شوكت وعلي حيدر وكنعان وغزالة.. وأشباههم .
إنها مرحلة عصيبة مفصلية، تتطلب من المعارضة السورية نضجاً سياسياً، وحنكةً وحكمةً.. فمَن تحرّكه العاطفة وبواعث الثأر والانتقام ليس سياسياً، ولن تكون المعارضة سياسيةً حكيمةً إذا احتكمت لتلك الدوافع، وهذا لا يعني أن يغفل المعارِضون أو يُسقِطوا ما ارتكبه الرجل الثاني السابق في الحكم الاستبدادي، ولا يعني أيضاً إيجاد صيغة تحالفٍ مع المنشق خدام.. بقدر ما يعني أن يُحسِن المعارِضون التعامل مع ملفاته.. وذلك كله خاضع لمصلحة الوطن العليا أولاً، وللظروف الملائمة ثانياً.. فلندع خداماً يكشف كل الحقائق والأسرار، ولندع النظام المنفعل على وقع ضربات خدام.. لندعه لطيشه يكشف عن الطغمة الحاكمة حقائق أخرى.. والشعب السوري هو وحده المخوّل في المحاسبة ودرجاتها، والقول الفصل في ذلك للقضاء العادل النـزيه المستقل الذي لا يظلم أحداً !..
ولعل نائب رئيس الجمهورية السابق يعي حقيقةً مهمةً لإثبات حُسن النيّة، هي ألا يعود إلى حضن شعبه بشخصه ، بل بفكره التصحيحيّ الحقيقيّ الذي عرضه عن إصلاح سورية وتطويرها الشامل، وبصيغٍ عمليةٍ لوضعها موضع التنفيذ العمليّ في الوقت المناسب، والباب سيبقى مُشرَعاً لكلِّ العائدين إلى الوطن من رجال النظام، الذين وضعوا أيديهم على الحقيقة ولو مؤخراً .
* * *
الأمر جلل، وسورية على مفترق طُرُقٍ خطير، وبقاء النظام متسلطاً كارثة، وزواله يحتاج إلى المزيد من الحكمة والحنكة، وثقتنا بشعبنا لا تتزعزع بأنه سيكون أهلاً للمسؤولية، وأهلاً لبتر الفتنة التي يروّج لها النظام.. في مهدها، لتتحرّر البلاد من العبودية لهذه الطغمة الفاسدة المستبدّة، ولتنعم بالأمن المنشود، وبالعزة والكرامة والحرية، والوحدة الوطنية المفقودة منذ أربعة عقودٍ عجاف !..
خدام «قبل» و«بعد» التجميل
د. هشام العوضي - القبس 5/1/2006 :
كثيرة هي مدلولات ما قاله الحكومي سابقا والمعارض حاليا السوري عبدالحليم خدام، وكثير ما اثاره للجدل. ما لفت انتباهي هو انه وسم المعارضة السورية بأنها وطنية «بما في ذلك الاخوان»، وانتباهي تحديدا هو انه وسم الاخوان بالـ «المعارضة الوطنية»، مما يعد ارتدادا وانتكاسة عن الخطاب السوري الرسمي التقليدي الذي شن حملة على «الاخوان المسلمين» منذ احداث حماة الشهيرة وحتى امد قريب، طالت اعضاء الجماعة وقيادتها تشهيرا بالخيانة وسجنا.
وتذكرني تصريحات خدام بتصريحات شخصية قالها لي وزير داخلية مصري سابق استقال من منصبه، او بالاحرى اضطرته السلطة المصرية للاستقالة، وهي ان «الاخوان المسلمين» في مصر لا علاقة لهم بجماعات التطرف والارهاب، ولا علاقة لهم، كما يقول الاعلام المصري واجهزة الامن، بجماعة «الجهاد» او «الجماعة الاسلامية». والمفارقة ان هذا الوزير السابق اشتهر في عهده بتصريحات ساخنة كان يطلقها دوما في الصحافة يتهم فيها «الاخوان» بالارهاب، وان «الجهاد» هي جناح التنظيم العسكري، وان «الاخوان» هي الوجه السياسي لمخالب الارهاب. لكنه في حواري معه وقد ضممت تصريحاته في رسالتي للدكتوراه عن السلطة و«الاخوان» في مصر 1982 - 2000 (ونشرتها I.B Tauris البريطانية) اكد لي ان التحقيقات مع «الاخوان» والجماعات الارهابية لم تسفر عن وجود اي علاقات تنظيمية بين الاثنين. والطريف ان الوزير السابق (لن استطيع نشر اسمه امانة لعهد بيني وبينه) قال كلاما شبيها بكلام خدام عن السلطة وعن الديموقراطية وعن الفساد، يعد في فحواه ارتدادا عن تصريحاته «الوطنية» عندما كان في السلطة.
ركزت هنا على «الاخوان» باعتبارها خيطا مشتركا في تصريحات الرجلين، لكن الخيط الاكبر والاوضح بينهما يظل هذه الشفافية و«المعلوماتية» ان صح التعبير في كلام الرجلين بعد ترك السلطة. هل السلطة مخدر ومسكر بحيث تغيب عقل المسؤولين عن قول الحقيقة فلا تسمع سوى كلام عام يقع في خانة الدبلوماسية العربية» التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ وهل المعارضة او فقط الخروج من السلطة هو حالة الوعي واستعادة الذاكرة والفصاحة في قول الحقيقة بمعلومات وارقام؟
ان تصريحات الرجلين «قبل» و«بعد» اشبه ما تكون بصور عمليات التجميل الدعائية للزبون «قبل» و«بعد» عملية التجميل. طبعا صور «قبل» تكون غير حلوة (ولا اريد ان اقول كريهة) وصور «بعد» جميلة وجذابة ومثيرة. هل وجود المسؤول العربي في السلطة يمثل صورة الزبون «قبل» وخروجه للمعارضة يمثل «بعد»؟ اذا كانت اي سلطة عربية تطمح لان تحسن من صورتها التجميلية فيجب ان تفك القيود، لا بل تذيبها من على معاصم المسؤولين وألسنتهم حتى يقول كلهم وهم في السلطة ما سيقولونه لو كانوا في المعارضة، عندئذ لن يكون هناك خدام «بعد» و«قبل» او وزير داخلية «سابق» ومتقاعد او مغضوب عليه «حاليا»، وسيكون الوجه جميلا دائما من قبل ومن بعد! هل هذا ممكن؟
رستم غزالي من قرفة إلى عنجر .. سلاسل من ذهب ووسائد من ريش نعام
السياسة 5/1/2006 - غسان المفلح :
قرفة: هي اسم القرية التي ينتمي اليها السيد رستم غزالي في حوران جنوب سورية.
الرجل الان بالتأكيد في حالة من التوتر والخوف على مصيره في ان يتحول الى كبش فداء, ولا اظن انه ينام الان جيدا,يذكرني بمساجين سجن عنجر مقر المخابرات العسكرية السورية في لبنان الذين يراد ترحيلهم الى دمشق حيث يستقبلهم فرع فلسطين بالاحضان ¯ الفرع القوي سابقا في المخابرات العسكرية السورية ¯ وساعات انتظارهم الطويلة من الخوف الذي ينتظرهم بعد الترحيل او قبله, الخوف حول مصيرهم المجهول يعودون او لايعودون من دمشق ¯ قلب العروبة النابض ¯ كما يذكرني لحظات انتظار المساجين في تدمر , انتظار احكام المحاكم الميدانية والعسكرية.رستم غزالي هو القاعدة وليس الاستثناء :
من تلك القرية الصغيرة جدا كتلك القرى السورية المنتشرة في اصقاع سورية الجميلة , في حوران وجبل العرب والساحل السوري ووسط البلاد وشمالها..خرج اناس بسطاء اما من اجل لقمة العيش او الدفاع عن الوطن ذهبوا للتطوع في الجيش العربي السوري , لم يحلموا مطلقا ان يصبحوا من اصحاب المليارات بسرعة صاروخية كالذي حصل معهم في سورية بعد التصحيح المجيد 1970 , والمجيد مصطلح اظن انه من ابتكار لغوي سوري محترف. وكي لانبقى ندور في فراغ الاسئلة والاجوبة ولعب الالغاز في الاعلام المحترف ندخل الان على حدين :
الحد الاول والذي يشكل سقف النظام في سورية والذي من المفترض انه ثابت لايتزحزح, والذي هو رئيس الجمهورية العربية السورية.
الحد الثاني وهو رستم غزالي ومن مثله والذي يمكن ان يشكل في مرحلة ليست بعيدة حدا ادنى رجراجا وقلقا ¯ لسقف النظام يمكن التضحية به على مذبح التحقيق الدولي واغتيال الشهيد الحريري..
مابين الحدين يقبع الالاف المؤلفة من الضباط والمسؤولين المدنيين في حالة من اللاشرعية والفساد المفرط, واللاشرعية قانونيا وسياسيا. ويحتفظ هؤلاء مع ابنائهم وعائلاتهم واقربائهم بثروة الشعب السوري الاقتصادية مع قسم من الثروة اللبنانية بالتقاسم مع فساد النظام الطائفي في لبنان وبقراره الحر والسيادي المغتصب من قبل هؤلاء منذ ذلك العام 1970.
بين هذين الحدين تقبع شبح المرحوم الرئيس الراحل حافظ الاسد. شبحه في ادارة البلاد والعباد والاوطان بدء من سورية وانتهاء بلبنان.
بين هذين الحدين اعطوني واحدا لنرفع له القبعة بان وجوده في موقعه قانوني , وبانه ليس فاسدا ولم ينهب الشعب السوري. وانا اتحدث عن عشرات لابل مئات الالاف من السوريين المسؤوليين والمنتشرين في اصقاع سورية والعالم. وغير التجار واثرياء السوريين في المدن السورية الرئيسية المتواطئين منذ ذلك العام مع الرئيس الراحل وشبحه.
الشبح الذي بات غير مرئيا لكنه هو المؤسسة الحقيقية والوحيدة للنظام :
الفساد والقمع واللاقانون والعصبية الطائفية والعسكر هي المكونات الحقيقية لهذا الشبح..انها تعد عدديا بالملايين من السوريين, والضحايا هم الملايين المتبقية..انه انقسام المجتمع بين فاسد ومستفيد من الفساد وبين ضحايا الفساد.. رستم لم يكن عمودا من اعمدته بل كان احد الفاسدين المهمين في التاريخ السوري نتيجة لموقعه في لبنان.. من ¯ خشة طينية في قرفة الى قصور تشبه قلاع الف ليلة وليلة من شروال اسود الى بذلات التوكسيدو من باريس او واشنطن انها اختصار مكثف لمسيرة التصحيح المجيد..وهو في النهاية من هؤلاء الملايين..والسؤال الذي به نختم هذه العجالة المأساوية :
ملايين تحاكم ملايين..انها اشبه بفيلم اميركي من الخيال العلمي..والسؤال : كيف الخروج من هذه الشرنقة الدموية والقانونية والاخلاقية والسياسية , كيف الخروج وسورية موحدة وبلا نقطة دم واحدة ? بلا ثار ولا انتقام ولا اقصاء ? الى سورية حرة ديمقراطية ومدنية.. وهل سيتخلى كل هؤلاء عن 90% من ثرواتهم بسهولة..? انها اسئلة حارقة يمكن ان تكون ملحة في عام 2006 ومابعد على كل السوريين والمجتمع الدولي..
0 Comments:
Post a Comment
<< Home