Wednesday, October 18, 2006

ذكرى 13 تشرين تعيد فتح سجل طويل من الانتهاكات والجرائم والتواطؤ


ذكرى 13 تشرين تعيد فتح سجل طويل من الانتهاكات والجرائم والتواطؤدير القلعة شاهد على المجازر السورية و"أبطالها" والشهود معروفونعائلتا الأبوين شرفان وأبو خليل: "نريد الحقيقة. كفانا ظلماً"
ان تكتب عن 13 تشرين الاول 1990 يعني ان تفتح سجلا طويلا من حوادث وانتهاكات وجرائم وتواطؤ اقليمي ودولي لضرب لبنان، ويعني ايضا ان تختبر الظلم والمعاناة لعدد كبير من عائلات لا تزال تجهل مصير الأبناء والأقارب، فتسعى الى الاقتراب من حقيقة موجعة، سرعان ما تلامس حجم الاهمال في قضية انسانية يموت أصحابها كل يوم من شدة حرقتهم، ولا مَن يهتم.
تحقيق : منال شعيا
عادة، الحقيقة المرة أفضل ان تُكتب من أن تبقى مدفونة تجرح القلوب والنفوس، وعائلات المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية أفضل شهود على هذه المرارة. فهم لم يكلّوا من كشف الحقائق والمطالبة بأولادهم.16 عاما أمضوها يناضلون في الشوارع والتظاهرات ولا من يقرّ بعذاباتهم. أكثر من سنة وستة أشهر وهم ينامون في خيمة أمام "الاسكوا" الى جانب صور لأقاربهم المعتقلين، ولا من يبالي، حتى اهترأت تلك الصور بعدما مرّ عليها زمن طويل، وهو من زمن معاناتهم وآلامهم. والغريب ان انسحاب الجيش السوري في 26 نيسان 2005 لم يقابله أي تقدم في ملف المعتقلين، والأسوأ ان سلطة ما بعد الوصاية لم تقابل جرأة من تكلم وفضح معلومات، بشجاعة مماثلة، سوى نبش الحفرة في اليرزة في تشرين الثاني 2005 بعد ضغط اعلامي وسياسي، انتهى بانتشال 10 رفات لشهداء كان يظن الأهل انهم لا يزالون في عداد المعتقلين. ولعل "أقذر" ما في جريمة 13 تشرين الاول ان يبقى أبطالها يمارسون النفاق والتواطؤ والمراوغة، والسؤال: الى متى يمكن شعباً ان يستمر بنسيان الماضي وانكاره، وخصوصا اذا كان الماضي من النوع الذي لم يُداوَ؟بعد 16 عاما على العملية السورية المتمثلة باغارة الطائرات السورية للمرة الاولى والوحيدة، على القصر الرئاسي في بعبدا، لأن المطلوب كان اطاحة العماد ميشال عون وبعد أعوام من ذاكرة الموت والاعتقال، لا يزال اعداد من اللبنانيين معتقلين في السجون السورية ومجهولي المصير، رغم ان العسكريين تنطبق عليهم معاهدات جنيف الدولية المتعلقة بالاسرى، وكان من الواجب اطلاقهم فور توقف العمليات.ودير القلعة – بيت مري، كما غيره من المواقع، بات "معلَما" لفظائع السوريين، كما في بسوس وضهر الوحش والحدت، واستمرت تلك الفظائع حتى بعد وقف اطلاق النار صباح 13 تشرين الاول، فوجدت جثث كثيرة مع آثار التكبيل على معاصم أصحابها، ومصابة برصاصة في مؤخرة الرأس، اضافة الى أربع جثث لعسكريين أعدموا شنقا في تلة تمرز قرب بعبدات، وهذا يعني انهم لم يقتلوا اثناء المعركة.وفي الدير، اعتقل السوريون الابوين الانطونيين البر شرفان وسليمان ابوخليل وخادمة الكنيسة فيكتوريا الدكاش، وبين 24 و30 عسكريا، بعضهم كان من اللواء العاشر المتمركز في الدير، وآخرون ممن نقلوا الى الدير من مواقع أخرى. ومنذ 1990 والسلطة اللبنانية لم تتحرك لاجراء تحقيق يكشف ملابسات ما جرى وتحدد هوية الذين قتلوا، ومصير الذين اعتقلوا، علما أن الدير تحول لأعوام مركزا عسكريا للقوات السورية التي أخلته في نيسان 2002.هكذا بقي الاهالي أسرى الكثير من التساؤلات، وبكل بساطة لم تسعَ سلطة ما بعد الوصاية الى ان تحسم الغموض في بعض المعلومات، فظل هؤلاء ينتظرون والصمت يلف قضيتهم الانسانية فيما الروايات تتعدد.الاولى: شهود عيان أفادوا عن وقوع مجزرة ظهر السبت 13 تشرين الاول في محيط الدير.الثانية: صباح 14 تشرين الاول، شوهد الابوان وآخرون احياء في الدير ينقلون في سيارات سورية عبر طرق المتن الاعلى.الثالثة: أفيد عن مستوعب وجد في بيت مري ويقدر انه يحوي جثثا وكانت القوات السورية تمنع الاهالي من الاقتراب للتأكد، ولكن اذا كان هذا صحيحا وقتل هؤلاء او أحرقوهم فأين الرفات؟ وهل يختفي رماد هؤلاء هكذا؟ والأهم ان الجيش اللبناني حفر في كانون الاول 2005، بعد نبش حفرة اليرزة، في محيط الدير والآبار ولم يعثر على شيء، كما ان اللجنة المختصة التي أوكلت اليها متابعة موضوع تحديد هوية الرفات الذي وجد في اليرزة، تمكنت من معرفة هوية عشرة عسكريين، سبعة منهم استشهدوا في 13 تشرين الاول ولم يكن أحد منهم ممن كانوا في محيط الدير، وثلاثة سقطوا في الشحار الغربي عام 1984، وبقيت تسع جثث غير معروفة هوية أصحابها، ولكن يستحيل ان تكون لمعتقلي 13 تشرين الاول لأن أهالي هؤلاء ومن ضمنهم طبعا عائلتا الابوين شرفان وأبو خليل، أجروا فحوص الـDNA كي يقطعوا الشك. لذا، كان المطلب الاساسي للجنة "سوليد" والذي رُفع اخيرا الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، يقضي باجراء فحوص الـDNA لجميع أهالي المفقودين في لبنان ونبش المقابر الجماعية جلاء للحقيقة.واذا كانت الحكومة أخذت على عاتقها في جلسات الحوار متابعة قضية المعتقلين، فانها حتى اليوم لم تبادر الى تقديم أي شيء ملموس يشفي غليل الاهالي، فيما المطلوب منها ان تسعى سريعا الى العمل على ايضاح الكثير من الغموض الذي يكتنف الروايات المتعددة، كي لا تبقى هذه القضية رهن الاهتزازات السياسية. ففترة الاحتلال ولّت وكثر مستعدون للتكلم، وأسماء عدد من المتورطين والشهود باتت معلومة، والأهم ان مأساة المعتقلين لا تحتمل التأجيل لأنهم معرضون للموت في كل دقيقة.مات بحرقتهلعل في قضيتي الابوين شرفان وابو خليل أسئلة كثيرة وحرقة كبيرة كان يفترض ان تهز المجتمع اللبناني بكل مكوناته، وصولا الى الفاتيكان لأنهما ابنا الكنيسة، وهما نموذج عن معاناة كثيرين.وللتاريخ، فان الاباتي سمعان عطاالله أكد أكثر من مرة متابعته القضية، وفي حديث صحافي عام 2000، قال: "(...) التاريخ سيحاكمنا اذا سكتنا، والمداواة الصحيحة تقوم على قول الحقيقة وكشفها، فهي وحدها تشفي، وغير ذلك هو مساومة على هذه القيم التي تبني الاوطان (...)".وللتاريخ ايضا، طالب العماد عون أكثر من مرة قيادة الجيش "باعطاء المعلومات الكافية عن المفقودين، حتى لا تبقى الجريمة متمادية بسبب السكوت عنها".الجديد ان "النهار" حصلت على فيديو مسجل عام 1998، تُعرَض فيه شهادة لفوزي ابو خليل، وهو أخ الاب سليمان، يتكلم فوزي (توفي عام 2000) على شقيقه ويروي جوانب من القضية ويسمي ضباطا سوريين ومسؤولين لبنانيين تأكد منهم ان الاب ابو خليل في سوريا.13 آب 1990 كان تاريخا مفصليا بالنسبة الى أبي خليل، توفيت والدته وهو في الخارج، بقذيفة في منزلها في بعبدا. بعد حوالى شهرين، حضر الاب سليمان الى لبنان ليشارك في قداس على نيتها. عندها طلب منه الرئيس العام الاباتي بولس تنوري ان يبقى فترة اجازة في دير القلعة مع الاب شرفان. يقول فوزي في الفيديو: "خلال تلك المدة، وقعت معارك ودخل السوريون الدير، فانشغل بالنا. يوم 14 تشرين الاول، قصدت الدير العاشرة وعشر دقائق، قبل الظهر. حاولت الدخول ولم أستطع. هناك علمت ان ملازما سوريا يدعى حسن او حسون طلب من سائق الاباتي تنوري ويدعى البر، ان يدخل الدير صباحا مع عناصر من الجيش السوري لتأمين نربيش ماء لتنظيف الموقع. وهكذا حصل، دخل البر صباح 14 تشرين الاول وشاهد الأبوين شرفان وابو خليل. ولاحقا، علمت من المدبر رئيس الدير سمعان عطاالله ان ضابطا سوريا سأله عن الطويل الشايب وعما اذا كان رجل دين او عسكريا، فأجابه انه رئيس دير قب الياس، الاب سليمان ابو خليل، عندها اتصل الضابط بالعميد علي دوبا وأعلمه بذلك. وبعد لحظات، تم نقل الابوين ابو خليل وشرفان بسيارة "رانج روفر" فيما نُقل العسكريون في شاحنة، وهذا ما يؤكده ايضا بعض أبناء بيت مري الذين شاهدوا الشاحنة الـ"رانج روفر"، فيما نقل الي شهود آخرون ان الـ"رانج روفر" أوقف على مفرق قرنايل، ثم نقل الى عنجر وبعدها الى سجن فلسطين، وهكذا فهمنا انهم أصبحوا في سوريا، في سجن بين صيدنايا ومعلولا".يبدو فوزي في الفيديو، قلقا على مصير أخيه، يجلس في بيته في بعبدا، ينفخ النرجيلة وخلفه صورة والدته وشقيقه، ويتابع: "تابعنا القضية ووصلنا الى بعلبك. طرقنا باب عبد الله الحسيني، شقيق رئيس مجلس النواب حينها حسين الحسيني، وكان هناك ضابط من عائلة شكر من مزرعة المشيك، في سوريا، فعرضنا له المسألة، وأذكر انه كان يوم جمعة، فطلب منا إمهاله ثلاثة أيام، قائلا: "أعدك انهما اذا كانا متوفيين، أستطيع ان اؤكد لك ذلك". وبالفعل، اتصل بي يوم الاثنين وقال: "يسلّم عليك عبدالله ويقول لك ان الابوين لا يزالان على قيد الحياة، والقضية صعبة وطويلة. ومرت الاعوام ونحن نقصد المراجع القضائية والسياسية والدينية. ركضنا يمينا وشمالا من دون جدوى، الجميع يهتمون بالمعتقلين في اسرائيل، فيما أسرى السجون السورية مهملون. نحن ننتظر. لم يلتفت الينا أحد، تركونا".ينتهي الفيديو بهذه العبارة: "لم يلتفت الينا أحد. تركونا". والدموع تغلب وجه فوزي المتعب الذي قضى آخر أيام حياته يفتش عن أخيه. هو قال هذا الكلام في 1998، فما عساه يقول اليوم بعد ثمانية أعوام، لو قدّر له الحياة، والاهمال هو نفسه، والغموض يلف القضية؟"لا يشعرون بنا"اليوم، انتقل الكلام الى ابن فوزي: يزيد، الذي ورث الحرقة نفسها. هو ينبش في كل الملفات "كي لا تموت القضية ويضيع الحق".تقصد منزله في بعبدا، فيعود الى 12 تشرين الاول 1990، حين كان في قصر بعبدا وشاهد محاولة اغتيال الجنرال عون. يقول: "رأيت الشاب (فرنسوا حلال) الذي نفذ العملية، لقد كنت الى جانب امرأة وحاولت ان أبعده، لكني شاهدت مرافق عون كيف قتل حينها، والبلبلة التي عاشها المعتصمون في الساحة. تركت القصر، ونزلت لأقرع الاجراس في المنطقة ثم عدت الى المنزل.صباح 13 تشرين الاول، اشتد القصف وشاهدنا الطائرات السورية تقصف قصر بعبدا. حينها ردد أبي عبارة لا أزال أذكرها، قال وهو يبكي: "راحت علينا، لكنهم سيضطرون الى الخروج هربا وبالحجارة".يعتبر يزيد انه "لو كان الابوان توفيا فهل تتبخر الجثث هكذا؟ لا أستطيع ان أنسى انه بعد حوالى عامين على احداث 13 تشرين الاول، أي في 1992، غاب أبي اكثر من 24 ساعة ثم عاد في اليوم التالي وأخبرنا ان عمي سليمان في سجن في سوريا ويده مكسورة. اليوم، من لديه معلومات اخرى فليتكلم، فالى متى سنبقى أسرى الصمت والخوف؟"يحدثك يزيد (35 عاما) كيف ان والده لديه معارف عدة وظفها كلها من أجل جلاء الحقيقة في قضية أخيه، ويخبرك ايضا كيف وهبه والده قرنية عينه. ويقول: "هذه عين والدي وعلي أن أتابع مسيرته". هو ينطلق من ايمان قوي، وخصوصا حين تعلم انه شفي من شلل أصابه اثر حادث سير، اثناء زيارة الاب تارديف للبنان. يروي ذلك وقوة الايمان بادية عليه، وسرعان ما يردد: "لولا الارادة اللبنانية لا نستطيع ان نتابع. المسؤولون لا يهتمون بنا فكيف سيشعرون بالمعاناة التي لا نزال أسراها منذ 16 عاما؟ اذا كانوا لا يشعرون بأي قيمة تجاه شعبهم، فما نفع المطالبة! هل يريدون منا ان نتخلى عن كرامتنا؟ نحن نعاني وهم لا يشعرون، فلماذا أطلب منهم؟"قضيتنا مهملة"تترك يزيد لتنتقل الى مأساة اخرى. تدخل مكان عمل جوسلين شرفان في النقاش، ابنة أخ الاب شرفان، فتسمع تراتيل بصوته الذي يدخل القلب سريعا. تنظر جانبا فتشاهد صورته ومجموعة اسطوانات له، تجلس فتسألك جوسلين: "شو بعد بدي احكي".منذ أعوام وجوسلين تحمل صورة عمها، ترفعها عاليا بين المعتصمين وتردد: "هيدا الاب شرفان". السكون يلف الارجاء، ثم تقطعه عبارات جوسلين التي تقول: "نحن لا نتوهم انه في سوريا، ولا نؤخذ بالعاطفة كما يحلو للبعض ان يردد، لكننا نستند الى شهادات كثيرة ومن مصادر مختلفة أبرزت النتيجة نفسها، ومن لديه اثباتات مغايرة فليخبرنا، لأنه من حقنا ان نعرف. قضيتنا تتعلق بمصير انسان لا بل بمصير كاهن، جريمته الوحيدة انه كان يتكلم باسم الرب، أي باسم العدالة والايمان والحق. واذا كان المفقودون قد توفوا، كما يلفت البعض، فليقل لنا هذا البعض من قتلهم وأين هي الجثث ولتكشف كل الحقائق، لأن طمسها يشكل جريمة ثانية".وعندما تستوضح من جوسلين عن معلومات تملكها وتفيد أن الاب شرفان في سوريا، تبرز لك خمسة اثباتات.الاول: قصة نربيش الماء التي تتفق مع ما رواه فوزي في الفيديو.الثاني: سيارة الـ"رانج روفر" كما رواها ايضا فوزي، والتي شوهدت في قرنايل.الثالث: بيان للجنة "سوليد" عام 2004، وفيه انه "وفق شهادة هيثم نعال، أحد أقدم السجناء السياسيين السوريين الذين أطلقتهم السلطات السورية في 11 آب 2002 بعدما أمضى أعواما طويلة في سجن تدمر الصحراوي، فان المعلومات التي أدلى بها تؤكد أنه شاهد الراهبين الانطونيين في الباحة الخامسة من سجن تدمر حيث كانا معتقلين اعتبارا من مطلع التسعينات مع مجموعة كبيرة من اللبنانيين".الرابع: اللائحة التي سلمها الصحافي السوري المعارض نزار نيوف عن المعتقلين الى البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، وقال انه تعرف اليهم أثناء وجوده في السجن على مدى عشرة أعوام بين 1992 وأيار 2001، وضمن اللائحة اسما الأبوين.الخامس: يعود الى العام 2005 عندما زارت جوسلين السجين صالح عبد الدايم في رومية بحجة المساعدة الاجتماعية، وسألته عن الاب شرفان، كون عبد الدايم كان في سجن في سوريا عام 1998 ثم خرج وعاد اليه عام 2003، قبل ان يغادر نهائيا في 27 شباط 2004، وينقل بعدها الى سجن رومية بتهمة التزوير واساءة الامانة. وفي احدى المرات، شاهد عبد الدايم حلقة "كلام الناس" المخصصة للمعتقلين، ورأى صورة للأب شرفان فتعرف اليه، وبواسطة احد الاصدقاء وصل الخبر الى جوسلين، فعملت جاهدة كي تزوره. في 4 حزيران 2005، قابلته وجها لوجه وسألته عن وضعه في السجون السورية وعما اذا كان معه الأب شرفان فأجابها: "نعم". عندها طلبت منه ان يصفه لها، فقال: "ضعيف وقصير القامة"، وسألته مجددا: "كيف عرفت ان اسمه الاب شرفان؟"، فرد: "هو قال لي. وأعلمني انه كان مع كاهن ثان يوم الاعتقال وأنه لا يعرف عنه شيئا اليوم". فعادت جوسلين وسألته: "متى رأيته للمرة الاخيرة؟" فقال لها: "يوم رحيلي، في 27 شباط 2004. كنا في سجن الحسكة حوالى 250 شخصا في الغرفة نفسها، في فرع الأمن السياسي، مهجع رقم 7، وكنا نتعرض لتعذيب يومي".عندها، أخرجت جوسلين صورة للأب شرفان، فصرخ عبد الدايم: "هيدا هوي".وتسأل جوسلين: "هذا دليل قاطع على وجود الاب شرفان في سوريا، فلماذا سيكذب هذا السجين؟ 16 عاما ونحن نتعرض للابتزاز وندفع الاموال مقابل الحقيقة، لكن هذا السجين لم يطلب منا شيئا بل نحن قصدناه".تصمت جوسلين قليلا ثم تتنهد: "يا الله. عمو البر اصبح عمره 72 عاما. كان يردد دائما: "ربنا بدو صلاة ما بدو أموال، ولكن يا للأسف قضيتنا مهملة".تغمض جوسلين عينيها وترتل "ظمئت نفسي اليك يا الله"، هذه الترتيلة من لحن الاب شرفان، وفي كل مرة تدخل جوسلين الكنيسة ترتلها وتبكي. تترك جوسلين، وصوت الاب شرفان يدخل أعماقك وانت تفكر: هل كان يدرك مسبقا ان نفسه ستكون ظمئة الى كثير من الحرية؟!المفاجأة في قضية شرفان، ما يروى عن شخص فرنسي يدعى فنسنت كيتل كان مهتما كثيرا بمصير الابوين والمعتقلين، وكان يحاول ان يكشف بعض الحقائق. ففي العام 1991، ذهب الى "البوريفاج"، مركز الاعتقال الشهير ليسأل عن الابوين وقابله حينها رستم غزالة ووعده بمتابعة القضية. أما المفاجأة الثانية انه بعد أشهر، وُجد كيتل مقتولا في منزله، وهذا ما نقلته صحيفة "لو فيغارو"!وبعد... هل يُعقل ان تبقى كل هذه الروايات من دون تحقيق رسمي؟ وان تبقى المسؤولية السياسية غائبة عن معاناة كبيرة الى هذا الحد؟ واذا كان الضباط السوريون واللبنانيون معروفين اسميا، فلماذا لا تتم محاكمتهم، وخصوصا ان الجهة التي كانت مسؤولة عن أمن دير القلعة اثناء حوادث 13 تشرين الاول وبعدها، معروفة ايضا، وبالتالي ثمة خيوط وأسماء يمكن البدء منها للوصول الى الحقيقة. والأهم أن ثمة قلوب أمهات تحترق يوميا، ولا يجوز ان تنقل هذه الحرقة من جيل الى آخر. الى متى الانتظار؟ حتى يموت جميع الشهداء ويختفي المتورطون فتطمس الحقيقة ثانية؟ ألا يكفي 15 عاما من اهمال رعاه ما سمي باتفاق "الاخوة والتنسيق"، فكانت نتيجته التنكيل بالشهداء أكثر من مرة ونسيان المعتقلين؟!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home