Wednesday, October 18, 2006

يساريو لبنان يجنحون يميناً ... صور «تشي غيفارا» تجاور صور «السيد»

يساريو لبنان يجنحون يميناً ... صور «تشي غيفارا» تجاور صور «السيد»
بيروت - بيسان الشيخ الحياة - 19/10/06//
خلال تظاهرة للحزب الشيوعي اللبناني في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، لم يقتصر تأييد «حزب الله» على جمهوره من الشيعة في قرى الجنوب وضاحية بيروت أو «المتفاهمين» معه سياسياً من «التيار الوطني الحر»، بل تعداهم إلى فئات أخرى من اللبنانيين لم تتخذ شكل التكتل السياسي أو الاجتماعي المحدد المعالم.
تلك الفئات لا يمكن إدراجها في خانات الأحزاب أو التيارات المنظمة لكن يسهل رصدها في مزاج عام للمنضوين تحت عنوان فضفاض هو «اليسار» بمفهومه الواسع. ذاك أن اليساريين و»التقدميين» (على ما تحمل التسميتان من احتمالات) سواء في لبنان او خارجه كانوا من أشد المؤيدين لـ «حزب الله» خلال الحرب، وأول المهللين لـ «انتصاره» بعد وقف إطلاق النار.
وبعيداً من البيان الذي وقعه كل من زياد ماجد والياس خوري القياديان في حركة اليسار الديموقراطي، وأعلنا فيه تأييدهما للمقاومة في ما كاد أن يكون انشقاقاً عن الحركة، وبعيداً من خطابات قادة الدول اليسارية وفي طليعتهم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الداعم الدائم لقضايا الشعوب إلا شعبه، ثمة نماذج نصادفها في حياتنا اليومية وأفراد لا يلتزمون قرار الجماعة، لكنهم في المقابل أعلنوا ولاءهم لـ «حزب الله» متجاوزين واقعهم الحالي وماضيهم كيساريين وشيوعيين، ومرة أخرى «تقدميين» مدافعين عن حقوق الطبقات العاملة وتحرر المرأة والعدالة الاجتماعية، وما يفرض عليهم ذلك من مسؤوليات واستحقاقات.
الصحافي الاميركي نير الذي جاء يستقر في لبنان لأن فيه «مقاومين ضد الهيمنة الأميركية وسياسة جورج بوش» يقول إن «حزب الله» قام بما عجزت عنه دول كثيرة» وأنه معجب به لأنه يعيد الى الأذهان نضالات تشي غيفارا. ووجد نير ضالته في شباب لبنان الذين يعلقون على زجاج سياراتهم وفي غرفهم صورة البطل الارجنتيني وشعار «لا للطائفية» الى جانب صورة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله. يرى نير في هذا التوفيق نكهة جديدة لم تكن متاحة له في أميركا حيث الحدود مرسومة بوضوح تام بين مختلف التيارات السياسية.
زين مثلاً شاب جنوبي وصل لتوه من واشنطن التي يقول إنها مملة وهادئة وبيروقراطية فوق العادة، لا يقبل أي نقاش قد يذهب الى أبعد من التسليم المطلق بـ «النصر الالهي».
جلس زين في مقهى افتتح حديثاً في شارع الحمراء على أمل لم شمل الناشطين والمثقفين اليساريين ممن شردتهم المحال التجارية الضخمة وسلسلة مقاهي «ستارباكس» التي يمتنعون عن ارتيادها. ويضم المقهى مساء عدداً من الشباب والصبايا ذوي المظهر الغربي من شعر مشعث وحلقات في الأنف وألبسة فضفاضة وسجائر نصف مدخنة، يتساجلون في شؤون البلد وشجونه مع اتفاق مسبق على مبادئ لا يحيدون عنها وأولها تأييدهم لقرار الحرب ولـ «حزب الله» من ورائه. ولا يتوقف هؤلاء الشباب والصبايا وبعضهم من طلاب الجامعة الأميركية، كثيراً عند حيثيات الحرب الأخيرة وحساباتها بقدرما يرون فيها مسألة كرامة وعنفوان وضعا على المحك.
زين الذي عاش معظم حياته في الولايات المتحدة، مناضلاً يسارياً ضد سياساتها ومناهضاً للعولمة واقتصاد السوق وناشطاً في مجال البيئة وتطبيق الاتفاقيات المتعلقة بها، يُصر على القول إنه غير ممارس لطقوس دينية وشعائره يتحدث عن «النصر الالهي» بصفته أمراً واقعاً، رافضاً أي طرح يضع سلاح «حزب الله» في خانة المساءلة. فلا الدمار الهائل ولا الضحايا المدنيون ولا الذل والمهانة التي تعرض لها النازحون لا شيء من ذلك كله دفعه مرة لأن يعيد النظر في ثمن هذا النصر. وقد يكون صحيحاً أن بعض الدول دمر كلياً في الحرب العالمية الثانية ولم يهزم في الحساب الاخير، إلا أن المحارب كان الدولة نفسها وليس حزباً في دولة هو ألد المعارضين لها.
وبدا زين أكثر تشدداً في مسألة السلاح من السيد حسن نصرالله نفسه. فلم يقتنع بأن السيد في خطابه الاخير قال أن السلاح قابل للنقاش إذا انتفت الحاجة اليه، ولكنه يبقى ضرورياً طالما ان هناك ارضاً محتلة. أما زين فيجنح الى القول أنه «طالما هناك اسرائيل في الوجود يجب أن يبقى السلاح في يد المقاومة».
روى زين كيف كان يتابع أخبار الحرب من منزله في واشنطن والحماسة التي كانت تتملكه هو وأصدقاؤه عندما كانت صواريخ «حزب الله» ترعب الإسرائيليين وتجبرهم على الهروب من منازلهم، مشدداً على أن «حزب الله» هو الوحيد الذي تحدى إرادة أقوى دولتين في العالم. تحدث زين عن المعارك كأنها جولات متواصلة من لعبة كرة قدم حامية الوطيس، جعلته يقفز من مقعده كلما سجل فريقه المفضل هدفاً.
لكن زين الذي يحلم بالعيش في لبنان قال إنه لن يتخذ قراراً نهائياً بالانتقال قبل أن يكبر ابنه قليلاً. فواشنطن تؤمن له ما لا يمكن أن تؤمنه بيروت، وإن كان هو نفسه قادراً على تحمل أعباء سنة كاملة من البطالة. «عملت ما يقارب 20 سنة متواصلة ويمكنني أن ارتاح قليلاً ريثما أجد عملاً يناسبني هنا» قال بهدوء. لعل الشاب الذي يتحدث العربية بلكنة أميركية وكلمات جنوبية لم ينتبه الى أنه يملك رفاهية ليست في متناول عامة اللبنانيين سواء في البقاء سنة كاملة عاطلين عن العمل أم في اختيار المقاومة المسلحة حلاً وحيداً لمعاداة اسرائيل. إلا أن زين لا يرى تناقضاً في أن يدعم الحرب من جهة وان يختار لنفسه ولابنه حياة السلم من جهة أخرى. ما الضير إذاً والحال على ما هي عليه في أن يدعم «الحركات التحررية» (كما يسميها) في العالم؟
ولزين اليساري الأميركي، «رفاق» كثر من اليساريين اللبنانيين الذين أيدوا الحرب الأخيرة بصفتها ستلقن اسرائيل درس العمر.
سلمى الطالبة في الجامعة الأميركية اكتسبت خبرة في العمل في المجالات العامة بفضل مخيمات الحزب الشيوعي التي كانت تشارك فيها كل صيف، وتطوعت خلال الاعتداء لإسعاف الضحايا ومساعدة النازحين، ترفض مقولة أنها بتأييدها الحرب إنما ساهمت فعلياً في بؤس من راحت تسعفهم. ولا ترى عيناها إلا الذعر الذي رأته في عيون المستوطنين عبر الشاشات والذي قالت انهم «يستحقونه». وهي في الوقت نفسه لم تنتبه الى أن المستوطنين الاسرائيليين نقلوا الى فنادق فخمة في جنوب بلادهم فيما اللبنانيون مشردون تحت أشجار حديقة الصنائع، وتبرر ذلك بالقول إن «للدفاع عن الشرف ثمناً لا بد من أن ندفعه مجتمعين».
وبعد انتهاء الحرب، لم تخف حماسة هؤلاء اليساريين لـ «حزب الله» بحجة أنه لا يمكنهم طعن فريق لبناني في الظهر لا سيما وأن المواجهة مع اسرائيل، على اعتبار أن عدو العدو صديق. وقد يكون في ذلك شيء من صدق المشاعر وحسن النيات فيما القنابل والصواريخ تنهمر على البلاد. لكن المفاجئ في أن يتبنى هؤلاء «العلمانيون» نهج حزب غير علماني لا بل ديني، يفترض أنهم على خلاف عقائدي معه.
كريم، الطبيب الشيوعي الذي كانت تدمع عيناه فخراً كلما سقط صاروخ على حيفا، قال «صحيح أن المقاومة الاسلامية عزلت المقاومة الوطنية التي كان الشيوعيون واليساريون عموماً ركناً من اركانها، لكن الآن لا يسعني إلا أن أؤيد أي جهة تحارب اسرائيل».
جعل الطبيب من «حزب الله» خياراً سياسياً، كأنه يجهل أنه بخياره يؤيد تحويل لبنان ساحة عسكرية مفتوحة للصراع بدلاً من أن يكون وفياً «لتقدميته» يؤثر السياسية على الحرب.
كرر تأييده لـ«حزب الله» بالقول «حتى الموت طالما أنه يقاتل اسرائيل» وتمنى لو أنه يحصل على خيط من عباءة السيد.
ثم استدرك قائلاً: «أما أن يفرض علينا نمطه الاجتماعي كأن يمنع ابنتي وزوجتي مثلاً من ارتياد الشاطئ بثياب السباحة فأمر غير ممكن».
ليست الملاحظة بلا دلالات... إذاً، عدو العدو ليس بالضرورة صديقاً!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home