Friday, October 13, 2006

بين قرار الأسد وتقرير براميرتس

بين قرار الأسد وتقرير براميرتس
رستم غزالة
((رجل ميت))
*رستم غزالة اليوم مهذب يفتعل اللباقة كأنه امام رقيب يغربل ما يقول
*اكثر ما يستفز غزالة هو اخبار التحقيق الدولي فيسب ويلعن مستعيداً فظاظته
*رستم غزالة معزول في مكتبه لا يزوره احد ولا يرن هاتفه الا نادراً
*انتظار غزالة يطول والوقت ثقيل.. ولا زوار ولا دور ولا سهرات خاصة
*اسوأ ما يعيشه غزالة هو عزله كأنه مصاب بوباء او طاعون
*ابتعد رستم عن مركز القرار.. وأبعد عن الاهتمام بالملف اللبناني بعد حصره بآصف شوكت
*غزالة محكوم بالابتعاد عن السهر ولهوه وملذاته.. وانفاق ما يملكه من ثروات
*خوف غزالة يتركز من عدم شموله بالضمانات الروسية للنظام
*عندما يسمع تصريحاً لمروان حماده يكتئب وعندما يسمع عن حكومة اتحاد وطني تنفرج اساريره
*كل يوم يمر يشعر رستم بأنه ((رجل ميت)) وبأنه قد يكون كبش محرقة للنظام
*لا يغيب مصير غازي كنعان عن بال رستم غزالة انتحاراً او قتلاً..
*غاضب من بري وجنبلاط وناقم على نواب في تيار المستقبل واللقاء الديموقراطي
*نقطة ضعف رستم وقوته على السواء انه نفذ تعليمات النظام بشكل اعمى
*عقدة غازي كنعان تلاحق رستم الا انه ليس بذكائه وشجاعته
*يخاف رستم من زلة لسان احد الضباط الاربعة وينتظر بفارغ الصبر تقرير براميرتس الاخير
*محاكمات سورية تنتظر رستم بعد انقضاء التحقيق الدولي تحمله مسؤولية التمديد للحود والخروج المذل من لبنان
*حلفاء دمشق ممن كانوا على ابواب رستم لم يقصروا في تأليب المسؤولين السوريين عليه
*رستم اليوم فقد ظله وهو يشعر بأنه ((رجل ميت)) ازداد يأسه وعجزه وخوفه

لم يعد رستم غزالة اليوم كما كان قبل انسحاب القوات السورية من لبنان قبل عام ونيف.
في الشكل فوجىء كثيرون ممن عرفوا غزالة سابقاً برجل شديد التهذيب يفتعل اللباقة المستجدة على احاديثه ويختار بعناية ما ينم عنه من مفردات وعبارات كأنه امام رقيب يغربل كل شيء فيه بأدائه وسلوكه وكلامه.
ولأن الطبع يغلب التطبع فإن رستم غزالة سرعان ما ينسى نفسه او صورة الرجل الجديد التي يريد او طلب منه اظهار نفسه في اطارها، اذ يعود الى سيرته السابقة تاركاً نفسه على سجيتها خاصة عندما يأتي الحديث على ذكر معارض لبناني لسوريا يطالب بجلاء الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
عندها يطلق رستم غزالة العنان لسبابه وشتائمه دون ان يغفل اتهام هذا او ذاك بالخيانة ليستعيد في لحظة واحدة غلاظته وفظاظته وطبعه الحاد، ولكن مع اضافة النبرة الحادة والعصبية الزائدة ولغة التحقير الى حديثه متوهماً انه صاحب حق في اعطاء الشهادات بحق هذا الرئيس او ذاك الوزير وبأنه مخوّل بأن يخوّن هذا الزعيم او يعطيه ((وساماً)) بالوطنية والعروبة.
الجالس امام رستم غزالة يشعر ويحس بالفراغ الطويل الذي يعيشه هذا العميد الذي حكم لبنان سنوات، واذا اضطر هذا الجالس الى تمضية وقت لا يقل ساعتين او ثلاث معه بسبب إلحاحه الشديد، يدرك من دون ان تتوافر له معلومات ان هذا الرجل لا شغل فعلياً له هذه الايام ولا ادوار ولا قضايا محددة او ملفات يهتم بها: فلا احد يقطع عليهما خلوتهما وهاتفه الثابت لا يرن وكذلك هواتفه الخلوية التي يلحظ زائره وجود ثلاثة منها على الاقل في مكتبه.
وباستثناء الحاجب الذي يحضر القهوة او الشاي كلما طلب منه رستم غزالة ذلك لا يطرق بابه، كأن الزائر اللبناني لرستم غزالة في سوريا هو صيد ثمين نجح الاخير في الايقاع به لتمضية شيء من ساعاته الطويلة الفارغة ولاستذكار ما كان من احداث ووقائع يحس رستم غزالة من خلالها انه ما زال موجوداً ليوهم نفسه ومحدثه بأنه ما زال ذاك الذي تحكم بالعباد والرقاب في لبنان لسنوات.
وبعد اللقاء يصر رستم غزالة على دعوة زائره الى غداء او عشاء تبعاً للوقت، رغم ان خواء الحديث يمتد بلا طائل بكل ما يتخلله من تفاهة وسخف وتعبير عن ((الانا)) الجريحة المتورمة في نفس حاكم لبنان السابق، حتى يشعر زائره بالحرج وهو يتفلّت من محاولات ابقائه جليساً مستمعاً لما يلهج به هذا الضابط الذي كانت حركة اتصالاته ولقاءاته لا تهدأ على مدار الساعة عندما كان في بيروت ومن بعدها في عنجر.
رستم غزالة اليوم اشبه بموظف يداوم في مكتبه، يتابع الصحف والمجلات والتقارير الخاصة به صباحاً خصوصاً تلك التي تتناوله شخصياً، يمضي ساعات النهار وهو يقلبها ويراجعها منتظراً انتهاء الدوام، تحت وطأة الوقت الذي يحسه حالياً اثقل وأقسى من اي وقت مضى.
ينتظر رستم هاتفاً من مكتب مسؤول ما، لعله يعيد له شيئاً من احساسه بألاهمية في جهاز ليس مسؤولاً فعلياً عن شيء فيه، حتى المناقلات والتشكيلات لمرؤوسيه وهو الذي كان بكلمة منه يطيح بوزير او نائب او مسؤول حزبي وبإشارة منه يلغي او يصدر احكاماً قضائية وبتدبير منه يعين هذا المدير العام او رئيس المؤسسة ذاك – حتى وصل به الامر الى انه اضحى محور التعيينات ومرجعها والآمر الناهي فيها من رأس الهرم الى قاعدته في بلد أحبه رستم غزالة ولكثرة ما ((احبه)) لم يترك احداً فيه الا ويمقته او يكرهه او يحقد عليه، عدواً كان او حليفاً قريباً او بعيداً من كل الطوائف والمناطق والمذاهب والملل.

وباء وطاعون
والأنكى من ذلك ان رستم غزالة رغم التكريم الظاهري له بتعيينه رئيساً لفرع الامن العسكري في ريف دمشق يشعر انه معزول او موضوع في حجر كأنه موبوء او مصاب بطاعون. لا احد يزوره إلا نادراً من داخل سوريا.. ومعظم من كانوا يحسبون من بطانته في لبنان ابتعدوا عنه بأساليب مجاملة بعد ان شعر هؤلاء ومعظمهم كانوا معه لمنفعة او مصلحة انه لم يعد يملك مصيره حتى ليس في لبنان فقط بل وفي سوريا، فالملف اللبناني انتـزع من يديه لا بل صدرت اوامر بمنعه من التدخل بأي شكل من الاشكال بعد تسليم هذا الملف للواء آصف شوكت.
اما الكوة الوحيدة المتبقية له وهي التي تنـزل على قلبه كفرج من السماء فتتمثل في حضور احد من اللبنانيين الذين لا يعرفون شيئاً عن واقعه الحالي لطلب موعد من هذا المسؤول السوري او ذاك، فيتلقف الطلب ويحاول البناء عليه ليس كرمى للبناني صاحب الطلب او الموعد بل لتقديم مبرر ولو جزئي لحاجة النظام السوري اللبنانية اليه.
ولهذا السبب فان رستم غزالة لا يعدم وسيلة بوسائله المحدودة المتاحة له لتسقط الاخبار الخاصة عما يدور في لبنان، ليسارع الى كتابة تقرير بها ورفعها الى القيادة العليا ليذكرها من خلال هذا التقرير بوجوده واستمرار الحاجة اليه.
وخلال فترة طويلة ندر ان عقد لقاء مع الرئيس بشار الاسد واذا جرى مثل هذا اللقاء فكان يتم بشكل محدد للغاية ولا يتعدى موضوع الطلب الذي قدمه رغم ان اتصاله في الفترة السابقة كان يومياً بالرئيس الاسد وكبار معاونيه اضافة الى اللقاءات الكثيفة التي كان يعقدها معه بمناسبة زيارات مسؤولين لبنانيين او للبحث في محطات وملفات معينة تتصل بالشأن اللبناني.
وفي بلد كسوريا يعرف رستم غزالة ان اهميته تنبع او تنتهي من خلال الباب او النافذة التي يتيحها له رئيس الجمهورية.. وبدون هذا التواصل والمثول امامه بشكل شبه دائم فلا قيمة لأي مسؤول حتى لو بلغ اعلى المراتب والمناصب.
والأدهى من كل ذلك ان رستم غزالة غير قادر على التمتع بما جناه من ثروات طائلة وجل ما سمح للقريبين منه بموافقة السلطة هو افتتاح احد المحلات التجارية في وسط العاصمة دمشق باسم احد اشقائه الذين فاحت رائحة تورطهم من خلال فضائح بنك المدينة والعمليات الوسخة التي شهدها.
فكل ما يوحي بثرائه يبعد عنه ويبعد اقرب الناس عنه.. حتى انه يحاذر تلبية دعوة لوليمة او مأدبة تقام تكريماً له دون ان ننسى حرمانه من السهرات الخاصة وما يتخللها، تلك التي كانت خبزه اليومي في بيروت، والاكسجين اللبناني الذي يتحسر على العودة اليه ولو لأيام معدودات، وهو الذائع الصيت بما ارتكبه ومارسه دون مراعاة لحركة او لحصانة او لخلقية ولو في الحدود الدنيا.

لا لهو ولا ملذات
ولو كان لحالة الانتظار هذه ان تطول لأمكن تحملها بالنسبة لرستم غزالة لكن ان تكون ثقيلة وجافة لا يستطيع تمضيتها بالسهر ولهوه وملذاته وبالانفاق رغم ما يملكه من ملايين فذاك بالنسبة له البلاء الاعظم، فهو ليس كمن ينتظر تقاعده بعد وظيفة مضنية وشاقة وحافلة، بل ان كل يوم يمر وان كان قاتلاً في ساعاته الثقيلة والمملة يشعر رستم غزالة انه افضل مما سيكون او ينتظره في المقبل من الايام.
ولذلك قيل ان رستم غزالة اسير انتظار وخوف لا سابق لهما.
فماذا ينتظر وممَ يخاف؟
هل ينتظر تقرير لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليكون كبش محرقة للنظام في سوريا؟ ام يكون بوابة او جسر الادانة لهذا النظام في ظل ما يسمعه ويتسقطه من أخبار ومعلومات وتقارير؟.
يخاف من ساعة تأتي وقد وجد نفسه مادة لصفقة او تسوية على غرار صفقة ((لوكربي)) التي راح ضحيتها عبدالباسط علي المقرحي وهو مسؤول استخباراتي ليـبي يمضي حياته في السجن مقابل تبرئة النظام الليـبي من جريمة تفجير طائرة مدنيين فوق اسكتلندا.
وقد سمع الكثير حول هذا الموضوع عشية توجهه الى فيينا لاستجوابه على مدار 11 ساعة متواصلة من قبل محققين شديدي القسوة عينهم الالماني ديتليف ميليس ثم في ما بعد دمشق عندما اراد البلجيكي سيرج براميرتس معرفته بالمواربة وقفازات الحرير، اذ لم تكن لجلسات الاستجواب هذه ان تتم لولا وجود ضمانات روسية لدمشق بأن تبقى الادانة في اطار ادانة اشخاص سوريين وليس ادانة نظام وبأن لا يتم توقيف احد قبل نشوء المحكمة ذات الطابع الدولي.
ونقطة الارتكاز الاساسية عند رستم غزالة هو انه لا يعرف بعد ما اذا كان شخصياً جزءاً من النظام او هكذا سيتم التعاطي معه، ام ان الفصل بين الافراد او النظام سيشمله ليوضع عاجلاً او آجلاً في قفص الاتهام ثم في قفص المحاكمة والادانة.
ولعل اكثر ما يصيب رستم غزالة بالجزع والرعب هو عندما يسمع وزيراً كمروان حماده ينبري دائماً للتأكيد بأن براميرتس سيسمي في تقريره الاخير كرئيس للجنة التحقيق الدولي في كانون الاول/ديسمبر المقبل القتلة بأسمائهم وأنهم سيساقون للمحاكمة ذات الطابع الدولي في وقت قريب.
وعندما تصل اصداء تصريحات حماده ورفاقه حركة 14 آذار/مارس الاستقلالية الى دمشق، لا يعلق رستم غزالة بكلمة رغم الحاح عديدين من حوله على سؤاله عن رأيه بما قاله وزير الاتصالات، الا انه يبقى لعدة ايام مكتئباً وعلامات الاسى والخوف بادية بشكل ظاهر سواء باعتزاله او انطوائه او شروده الطويل.
وأكثر من يصب عليهم جام غضبه عند ذكر اسمائهم هم النائب وليد جنبلاط الذي يعتبره رستم سبباً مباشراً لما حل به، وبسوريا ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يكن تعاطيه وتعاونه معه مشابهاً على الاقل لما كان بينه وبين غازي كنعان واضافة الى جنبلاط وبري لا يخفي رستم نقمته على عدد من نواب ((اللقاء الديموقراطي)) و((تيار المستقبل)) الذين خبر العلاقة معهم جيداً ويعرف كيف يفكرون ويدارون.
لكن اخبار الداخل اللبناني خاصة امكان تغيير الحكومة الحالية مع مطالبة بعض القوى بتشكيل حكومة اتحاد وطني وتكوين ما يسمى ((ثلث معطل)) لاسقاط قرار تشكيل المحكمة يعطي غزالة بعض الامل، وان كان يشعر في كل الحالات بأنها ((راحت عليه)) وبأنه الثمن او احد الاثمان التي ينبغي على دمشق دفعها في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

بين رستم وغازي
هل ينتظر رستم غزالة ان يكون ((كبش محرقة)) للنظام ام ينتظر مصيراً مشابهاً لمصير سلفه غازي كنعان، انتحاراً او قتلاً، وهو يعرف انه ((رجل ميت)) الآن وان ما يحفظه حتى اشعار آخر هو حسابات الذين دبروا لغازي كنعان ما دبروا ومراعاتهم لانذار وجهته لهم لجنة التحقيق بضرورة عدم تعرض رستم غزالة لأي مكروه يزيح من دربها شاهداً قد يكون مهماً في أي وقت لتحقيقاتها.
لقد كان رستم غزالة يلتزم على الدوام توجيهات وأوامر قيادته، وقد ترقى وتقدم الى الصفوف الاولى لأنه شكل نقيضاً لسلفه غازي كنعان الذي كان يجتهد احياناً في تنفيذ السياسات السورية في لبنان.
كان رستم غزالة يكتب تقاريره اللبنانية بطريقة ملائمة ومتناسبة مع ما يريده ويتوخاه اهل النظام في سوريا ولم يغير نقطة او فاصلة في ما كان هؤلاء يأملون منه سماعه وأثبت في كل مرة خضع فيها للاختبار ان طاعته عمياء وانه يتقدم على غازي كنعان بذلك لينجح في ما بعد بتجاوزه على مستوى الموقع والمسؤولية في لبنان لتصبح مزرعة كنعان اللبنانية مزرعته بامتياز.
ورغم ذلك فإن هذه الطاعة العمياء للنظام التي تحدث عنها عبد الحليم خدام باسهاب بقدر ما تكون سبباً لنجاة رستم غزالة بقدر ما تكون عنوان ادانته للوصول الى ادانة النظام، ولذلك فإن عقدة كنعان التي طالما حكمت برستم غزالة طوال حياته عندما كان مرؤوساً تابعاً له ينفذ اوامره دون نقاش او مراجعة ويتابع ما في سيرته ويحسده عليها بكل ما هي مفعمة به من رجولة وشرف وكرامة وفحولة فإنه يحسده ايضاً على النهاية التي اختارها لنفسه علماً انه لا يملك الشجاعة التي يملكها سلفه ولا الحيلة التي تميز بها او الذكاء الذي اتصف به، ولذلك فإنه يتخبط في مزيد من اليأس والاذلال والضعف والشعور بعدم القدرة على فعل شيء.

رستم والضباط الاربعة
يتابع رستم غزالة مصير الضباط الاربعة الموقوفين بانتباه شديد، وكلما راجت فكرة او معلومة عن جهد قضائي للافراج عنهم يحس ببارقة امل تلوح في الافق، رغم ان هناك من يعتبر ان سوقه على غرار ما جرى لهم ومحاكمته في ارض بعيدة عن بلاد الشام قد يكون اهون الشرور في الاثمان التي قد يكون عليه وعلى سوريا دفعها في جريمة اغتيال الحريري التي لا ينبس رستم غزالة ببنت شفة حول ما دار في التحقيقات التي جرت معه في فيينا وفي دمشق حولها.
يتوجس رستم غزالة خيفة من اية زلة لسان قد تفلت من احد الضباط الاربعة، ويتابع بالتفصيل كل ما يرده عما دار خلال التحقيقات معهم، ولكن الى اين المفر؟ فها هو يقول امام احد زائريه ان الجريمة هي سيف مسلط للضغط على سوريا وانه سيبقى مسلطاً عليها لتغيير مواقفها الداعمة للمقاومة في لبنان وفلسطين العراق.

مشكلة بوجوه عديدة
ومشكلة رستم غزالة حالياً ليست محصورة فقط بالتحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد الحريري والمحكمة ذات الطابع الدولي التي يتم العمل حالياً لانشائها، والتي يسود اعتقاد بأن اول الغيث في عملها سيكون سوقه الى العدالة الدولية ضمن لائحة من المتهمين او المشتبه بهم من اللبنانيين والسوريين.
فإذا نجا رستم غزالة من التحقيق الدولي او المحكمة ذات الطابع الدولي وهو امر يستبعده كما يقول اقرب المقربين منه، فإنه سيكون امام مشاكل من نوع آخر منها:
أولاً: تحميله المسؤولية المباشرة عن الاخفاقات التي منيت بها سوريا في لبنان وأدت إلى خروجها المذل منه، وأبرزها عدم نقل الأجواء الحقيقية التي كانت سائدة في لبنان عشية التمديد، وأخطر تهمة موجهة إلى رستم غزالة في هذا الصدد هو عدم تلمسه كمسؤول الاستخبارات الأول في لبنان لاتجاهات الرأي العام والقوى والأحزاب في لبنان وتوصيته بالتمديد للرئيس إميل لحود دون حساب لردود الفعل والتداعيات، إذ تحول شغله إلى شغل سلطان يقمع ويهدد ويتوعد ويملي دون قراءة نتائج وانعكاسات تهديده ووعيده وإملاءاته وهو ما ارتد سلباً على الوجود السوري في لبنان والنظام في سوريا.
وإذا كان رستم غزالة بذلك يلبـي رغبات وأماني النظام في سوريا، فإنه لم ينطق بكلمة واحدة مغايرة ولو من باب الإشارة إلى احتمالات خطر ما، أما عن ضعف وإهمال واستهتار بمسؤولياته والتلهي عنها بحياته الخاصة السرية ((بتظبيط)) أوضاع بطانته والمحسوبين عليه في الوزارة والنيابة والإدارات كما فعل في حكومة الرئيس عمر كرامي معانداً إرادة أكثرية اللبنانيين.
كما بدا انه أكثر المتحمسين للتمديد للحود من باب رد الجميل له بعد ان كان سبباً مباشراً في إزاحة سلفه غازي كنعان وتسليمه مفاتيح الحكم له خلفاً له. ولهذا فإن أكثر ما يقلق راحة رستم غزالة ويقض مضجعه هو ما يصله من نقاشات وأحاديث تدور في الأوساط السورية النخبوية المحيطة بالنظام حول مسؤوليته وإخفاقه في توليد ردود الفعل التي أخرجت سوريا من لبنان ووضعتها في مهب الخطر الشديد أمام الرياح الإقليمية والدولية.
ثانياً: ان هناك قناعة شبه محسومة في الأوساط السورية المشار إليها بأن رستم غزالة هو واحد من أبرز رموز الفساد في لبنان وسوريا. وان ارتكاباته التي يملك السوريون واللبنانيون ملفات مفصلة عنها ليست فقط كثيرة بل ووقحة وتتجاوز كل ما سبقه في هذا المضمار الذي انعكس على صورة الوجود السوري في لبنان وزادها تشويهاً، وأكثر ما يغيظ رستم غزالة في هذا الصدد هو اختصار الفساد بشخصه كأن من يطلق الاتهامات ضده ملائكة أو من ذوي الأكف البيضاء علماً انهم يتقدمون عليه في الفساد والإفساد.. ولم يكن هو في كل الأحوال إلا تلميذاً في مدرستهم التي تخرج الفاسدين والمفسدين.
وكل يوم يأتي إلى رستم غزالة من يبلغه بأن محاسبته على ارتكاباته وفساده سيأتي أوانه بعد زوال ((الغمة)) وانقضاء مرحلة التحقيق الدولي، وان ((الجماعة)) سيتفرغون لمحاكمته بعد انتهاء هذه ((الهمروجة))، وان الاجراءات لطمأنته بالسماح لأشقائه بحرية استثمار أموالهم وهي أمواله التي نهبها من لبنان ما هي إلا إجراءات مؤقتة.
ثالثاً: ان هناك حملة تحريض واسعة يقوم بها لبنانيون ممن عرفوا سابقاً وحالياً بحلفاء سوريا عليه، وان ما كان من شأنه معهم حين كان يلزمهم باتخاذ مواقف أو السير بما لم يكن لديهم رغبة بسلوكه وانتهاجه نقلت تفاصيله إلى عدد من كبار المسؤولين في النظام السوري، في عملية تصفية حساب شخصية بينهم وبينه انتقاماً منهم على إذلالهم أو الحط من مكانتهم التي كونوها بفعل النفوذ السوري.
وعندما يتكلم عن بعض هؤلاء لا تغيب عن رستم غزالة كلمات تحقيرهم خاصة وهو يقول ((ان فلاناً)) الذي يقول اليوم كذا وكذا كنت أنقعه ثلاث ساعات قبل أن أستقبله بضع دقائق.. وان هذا الكلب وذاك الحيوان أملك إلى الآن تسجيلات عن نذالته وخسته وحقارته.. الخ.
رابعاً: ان كماً هائلاً من التقارير كتب ضد رستم غزالة عن توصيته ((بجمعيات وقوى وشخصيات)) ثبت عدم ولائها لدمشق، أو هزالتها وضعفها الأمر الذي بنيت عليه حسابات لموازين القوة لم تكن في مكانها أبداً، وان هذه ((القوى)) تحولت مع الوقت ليس فقط إلى عبء سياسي وإداري ومالي واستخباري على سوريا بل إلى مجال واسع للسخرية منها وإلى قصر النظر عند قيادتها التي تبنتها وفتحت أبواب السلطة والنفوذ أمامها.

رجل فقد ظله
هذه الأجواء وما رافقها من عزل متعمد لرستم غزالة أو غير متعمد مثل ذلك الذي يلمسه عندما يكون في مكان عام (مطعم أو مقهى أو ما شابه) زادت من ضيقه وتبرمه حتى من عائلته وأسرته والمقربين منه فأصبح شخصاً لا يطاق، خاصة وهو تتنازعه المخاوف من كل حدب وصوب، فيتوجس من زيارة مفاجئة قد يكون صاحبها يريد إبلاغه خبراً سيئاً ويدب الرعب في نفسه عندما يرن هاتفه وعلى الخط الآخر رقم مجهول يخشى أن يحمل إليه أمراً لا يطيقه أو توجيهاً لا يرغب به أو تأنيباً على سلوك قام به ولم يقصد الإساءة به لرؤسائه.
رستم غزالة اليوم رجل فقد ظله، وقد يكون توصيف حاله بأنه ((رجل ميت)) أقل بكثير مما هو عليه اليوم ليس لأنه لا يملك فعل شيء إزاء ما ينتظره من مصير محتوم وهو يائس وعاجز وخائف، إنما لأنه لا يجد في مجال التاريخ الذي زعم انه اختصاصه بشهادة ((الدكتوراه)) التي يحملها بعد كتابتها له.. لا يجد في كتب التاريخ مثيلاً على الصفة التي عرف بها ليختبر به ما يمكن أن يتوهم انه طريقه للخلاص من العذابات التي يعيشها بسبب ارتكاباته وجرائمه التي لا تحصى.

أحمد خالد
من لبنان إلى ريف دمشق
بعد خروجه من لبنان، حيث كان رئيس فرع لبنان في جهاز الأمن العسكري الذي يترأسه الآن اللواء آصف شوكت، أصبح العميد رستم غزالة، رئيس فرع ريف دمشق في هذا الجهاز. وقد أُستحدث له على عجل مكتب في حي كفرسوسة، حيث تولى من هناك في المرحلة الأولى متابعة الشأن اللبناني، مع عدد من الضباط المعاونين له الذين كانوا معه في لبنان. ولكن المعلومات تؤكد ان الرئيس بشار الأسد كف يد جهاز الأمن العسكري عن التدخل في لبنان، وسلم هذا الملف قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان إلى اللواء محمد ناصيف، على أن تكون العلاقة بين سوريا وحزب الله محصورة باللواء آصف شوكت، ويقال انه بعد الحرب الأخيرة، انتقل هذا الملف إلى قصر الضيافة ليحظى بمتابعة خاصة في كل تفاصيله من الأسد.
لماذا يخاف
بشار تسليم رستم غزالة؟
مع الحرص السعودي على النظام السوري وعائلة الاسد الحاكمة توجه رئيس مجلس الامن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، الى دمشق لمقابلة الرئيس بشار الاسد، لمفاتحته في امكانية عقد صفقة دولية مع سوريا لاقفال ملف جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الارهابية، على غرار صفقة ((لوكربي)) التي رتبها الامير بندر بين واشنطن وطرابلس الغرب وسلمت ليـبيا بموجبها احد ضباطها الامنيين للمحكمة الدولية في لاهاي مع دفع تعويضات وصلت الى 2.7 مليار دولار، والبعض الموثوق يقول 10 مليار دولار لأهالي الضحايا مقابل تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وليـبيا.
بدأ الامير بندر عرضه بضرورة تسليم رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في سوريا صهر بشار اللواء آصف شوكت، لكن الاسد الإبن قال ان هذا مستحيل لأنه لن يسمح بتسليم أي من افراد الاسرة وصهره، لأن تسليم آصف سيجر تسليم اخيه العقيد ماهر الأسد، وهذا ما لا يمكن تصوره..
وعندما اقترح الأمير السعودي تسليم رستم غزالة.. رد بشار الأسد بعفوية شديدة: رستم لسانو طويل وبنخاف يحكي كل شي.. ثم استدرك الاسد لينفجر الاثنان الرئيس والأمير بضحكة مجلجلة.. كانت كافية ليقولا كل شيء.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home