فهمٌ جديد للصراع على السلطة
فهمٌ جديد للصراع على السلطة
المستقبل - السبت 14 تشرين الأول 2006 - العدد 2416 - شؤون لبنانية - صفحة 2
يسمى باسل فليحان
على مدى الأزمنة الغابرة، كان دأبنا نحن البشر حماية وجودنا. فمنذ بدء ظهورنا على وجه الأرض، كانت شريعة الكون "قاتل أو مقتول". ومع تطور الإنسان، تطورت قدرته على الدفاع عن بقائه. فصنعنا أسلحة واستخدمناها بقوة. في البدء استخدمنا أسلحتنا للصيد، لكن هذا أدى باكراً إلى استخدام أسلحتنا من أجل "الدفاع عن الذات". فإذا هدّد وجودنا آخرون، فإننا غريزياً نحارب لضمان عيشنا، حتى يوم آخر. وكان حافزنا لنضالنا الدائم من أجل البقاء هو الخوف؛ الخوف من الموت، والخوف من المجهول، والخوف من أن يغدو وجودنا على هذه الأرض منسياً. ومع مرور الزمن تعاظم خوفنا وتعدّد، وكذا تعددت أسلحتنا.وفي زمن قصير نسبياً، أمكن لأقوى الكائنات البشرية أن تدرك طريقها إلى الاحتفاظ بالسلطة والسيطرة على الأضعف في جنسنا، من دون استخدام العنف. لقد اخترعوا القوانين وفَرضوها. وحفظت القوانين الانضباط والنظام والطاعة. ولكن حينما فُرضت قوانين متطوّرة في ثقافة ومجتمع ما، على مجتمع آخر بالغزو، أدى فرضها إلى الغضب والتمرّد. لقد كان هذا هو الحال دوماً في لبنان.لقد كشف التنقيب عن الآثار في بيروت، أدلّة على قيام حضارات منذ 5000 سنة، بدءاً من الكنعانيين وصولاً إلى العثمانيين. وكلما كان حكّام جدد يفدون، كانوا يحضرون معهم مجموعة قوانينهم، الموضوعة من أجل حفظ النظام باستخدام القوة الجسدية والاقتصادية على الرعايا، فيما ناضلت كل حضارة تعرّضت للغزو، من أجل منع القضاء على وجودها.اليوم في لبنان تتواجد ثماني عشرة مجموعة دينية مختلفة. وهذا يعني ثماني عشرة مجموعة قوانين تحاول أن تكون موجودة في دولة واحدة. وتكافح كل من هذه المجموعات الثماني عشرة، لإسماع صوتها، وانتزاع الاعتراف بها، وتعزيز كيانها. ولكل من هذه المجموعات عاداتها وثقافتها وقوانينها الدينية. فلبنان يشبه الأرزة التي تتوسط علَمه شجرة بأغصان كثيرة، وحتى تزدهر هذه الشجرة، لا بد من أن يكون الجذع سليماً، وأن تكون الجذور قوية. وحتى يضمن لبنان مستقبلاً صحيحاً، لا بدّ من أن يقوّي جذوعه، ويعزّز جذوره، فيؤدي هذا بدوره إلى نموّ كل أعضائه نمواً سليماً. علينا أن نطوّر هويتنا الوطنية حول هذا الجذع الذي يتغذى من القيم ذاتها، ويتبع القوانين نفسها، وهي جميعاً تعطي كل جزء من شعبنا قدراً متساوياً من الأهمية.لقد وضع اتفاق الطائف ليكون وسيلتنا إلى تمكين كل طرف من الأطراف اللبنانية من أن يلتقي مع الآخرين عند تسوية تنهي نزاع المصالح الخاصة. ولحفظ الاستقرار في بلدنا لا بد من أن نفهم بوضوح ما يجب أن يعنيه الطائف، وهو إبقاء ميزان القوى من أجل تمثيل المواطنين اللبنانيين تمثيلاً عادلاً. وقد أفلح اتفاق الطائف، الذي وُضع لتسريع إنهاء الحرب الأهلية، في أن يؤدي مهمته، لأنه وازن في العلاقة بين الجماعات الدينية والسياسية المختلفة في لبنان. وحيَّد الطائفية السياسية وعزّز التفاعل الثقافي الوطني، وجعله أولوية عامة.إن إبداء احترام كلّ منا للآخر، من أجل جعل العيش المشترك أكثر انسجاماً، يؤدي إلى فتح الطريق واسعة للتواصل، تمهيداً للتفاهم، وهذا بدوره يؤدي إلى الحل الوسط. غير أن مجرد الوصول إلى اتفاق عام في اجتماع لا يضم أكثر من شخصين أو ثلاثة مختلفين في الرأي، غالباً ما يكون صعباً. فإذا حاولنا أن نوفق بين ثماني عشرة وجهة نظر، فلا بدّ من إطار يمكّن كل ممثل من أن يكون له إسهام، يتيح الخروج بنتائج نهائية تستند إلى المصلحة الوطنية العامة.وإذا كان من طبيعة البشر أن يقاتلوا من أجل البقاء، فربما يمكننا إزالة هذه العداوة إذا جرت المحافظة على وجود الجميع بالتساوي على أساس القانون. والناس سوف يلتزمون بالقوانين ويطيعونها إذا كانت توفر لهم الحماية. فلو تأسّست القوانين على مفهوم "الاقتصاد الإنساني"، لشهدنا صراعاً أقلّ على السلطة، بين التيارات السياسية والاجتماعية الثمانية عشر في لبنان، ما دام كل منها يحاول البقاء وحماية مواطنيته.وفي النهاية، إذا كنّا كلّنا نشترك في الإنسانية ذاتها، وإذا كنّا جميعاً متحدّرين من أصل بشري واحد، أفلا نكون إخوة في جوهرنا؟ ألسنا هنا على هذه الأرض في الأساس، نسعى إلى الهدف ذاته، وهو أن نشارك في خلق العناصر التي تجعل الحياة أفضل للأجيال القادمة؟ ولأجل هذا الهدف لا بدّ من أن يتغيّر فهمنا للسلطة، فلا تكون قائمة على السلاح والجيوش والمال والسيطرة، بل على مقدار المعرفة التي يمكن للمرء أن يكتسبها لحماية الجنس البشري بأكمله.
المستقبل - السبت 14 تشرين الأول 2006 - العدد 2416 - شؤون لبنانية - صفحة 2
يسمى باسل فليحان
على مدى الأزمنة الغابرة، كان دأبنا نحن البشر حماية وجودنا. فمنذ بدء ظهورنا على وجه الأرض، كانت شريعة الكون "قاتل أو مقتول". ومع تطور الإنسان، تطورت قدرته على الدفاع عن بقائه. فصنعنا أسلحة واستخدمناها بقوة. في البدء استخدمنا أسلحتنا للصيد، لكن هذا أدى باكراً إلى استخدام أسلحتنا من أجل "الدفاع عن الذات". فإذا هدّد وجودنا آخرون، فإننا غريزياً نحارب لضمان عيشنا، حتى يوم آخر. وكان حافزنا لنضالنا الدائم من أجل البقاء هو الخوف؛ الخوف من الموت، والخوف من المجهول، والخوف من أن يغدو وجودنا على هذه الأرض منسياً. ومع مرور الزمن تعاظم خوفنا وتعدّد، وكذا تعددت أسلحتنا.وفي زمن قصير نسبياً، أمكن لأقوى الكائنات البشرية أن تدرك طريقها إلى الاحتفاظ بالسلطة والسيطرة على الأضعف في جنسنا، من دون استخدام العنف. لقد اخترعوا القوانين وفَرضوها. وحفظت القوانين الانضباط والنظام والطاعة. ولكن حينما فُرضت قوانين متطوّرة في ثقافة ومجتمع ما، على مجتمع آخر بالغزو، أدى فرضها إلى الغضب والتمرّد. لقد كان هذا هو الحال دوماً في لبنان.لقد كشف التنقيب عن الآثار في بيروت، أدلّة على قيام حضارات منذ 5000 سنة، بدءاً من الكنعانيين وصولاً إلى العثمانيين. وكلما كان حكّام جدد يفدون، كانوا يحضرون معهم مجموعة قوانينهم، الموضوعة من أجل حفظ النظام باستخدام القوة الجسدية والاقتصادية على الرعايا، فيما ناضلت كل حضارة تعرّضت للغزو، من أجل منع القضاء على وجودها.اليوم في لبنان تتواجد ثماني عشرة مجموعة دينية مختلفة. وهذا يعني ثماني عشرة مجموعة قوانين تحاول أن تكون موجودة في دولة واحدة. وتكافح كل من هذه المجموعات الثماني عشرة، لإسماع صوتها، وانتزاع الاعتراف بها، وتعزيز كيانها. ولكل من هذه المجموعات عاداتها وثقافتها وقوانينها الدينية. فلبنان يشبه الأرزة التي تتوسط علَمه شجرة بأغصان كثيرة، وحتى تزدهر هذه الشجرة، لا بد من أن يكون الجذع سليماً، وأن تكون الجذور قوية. وحتى يضمن لبنان مستقبلاً صحيحاً، لا بدّ من أن يقوّي جذوعه، ويعزّز جذوره، فيؤدي هذا بدوره إلى نموّ كل أعضائه نمواً سليماً. علينا أن نطوّر هويتنا الوطنية حول هذا الجذع الذي يتغذى من القيم ذاتها، ويتبع القوانين نفسها، وهي جميعاً تعطي كل جزء من شعبنا قدراً متساوياً من الأهمية.لقد وضع اتفاق الطائف ليكون وسيلتنا إلى تمكين كل طرف من الأطراف اللبنانية من أن يلتقي مع الآخرين عند تسوية تنهي نزاع المصالح الخاصة. ولحفظ الاستقرار في بلدنا لا بد من أن نفهم بوضوح ما يجب أن يعنيه الطائف، وهو إبقاء ميزان القوى من أجل تمثيل المواطنين اللبنانيين تمثيلاً عادلاً. وقد أفلح اتفاق الطائف، الذي وُضع لتسريع إنهاء الحرب الأهلية، في أن يؤدي مهمته، لأنه وازن في العلاقة بين الجماعات الدينية والسياسية المختلفة في لبنان. وحيَّد الطائفية السياسية وعزّز التفاعل الثقافي الوطني، وجعله أولوية عامة.إن إبداء احترام كلّ منا للآخر، من أجل جعل العيش المشترك أكثر انسجاماً، يؤدي إلى فتح الطريق واسعة للتواصل، تمهيداً للتفاهم، وهذا بدوره يؤدي إلى الحل الوسط. غير أن مجرد الوصول إلى اتفاق عام في اجتماع لا يضم أكثر من شخصين أو ثلاثة مختلفين في الرأي، غالباً ما يكون صعباً. فإذا حاولنا أن نوفق بين ثماني عشرة وجهة نظر، فلا بدّ من إطار يمكّن كل ممثل من أن يكون له إسهام، يتيح الخروج بنتائج نهائية تستند إلى المصلحة الوطنية العامة.وإذا كان من طبيعة البشر أن يقاتلوا من أجل البقاء، فربما يمكننا إزالة هذه العداوة إذا جرت المحافظة على وجود الجميع بالتساوي على أساس القانون. والناس سوف يلتزمون بالقوانين ويطيعونها إذا كانت توفر لهم الحماية. فلو تأسّست القوانين على مفهوم "الاقتصاد الإنساني"، لشهدنا صراعاً أقلّ على السلطة، بين التيارات السياسية والاجتماعية الثمانية عشر في لبنان، ما دام كل منها يحاول البقاء وحماية مواطنيته.وفي النهاية، إذا كنّا كلّنا نشترك في الإنسانية ذاتها، وإذا كنّا جميعاً متحدّرين من أصل بشري واحد، أفلا نكون إخوة في جوهرنا؟ ألسنا هنا على هذه الأرض في الأساس، نسعى إلى الهدف ذاته، وهو أن نشارك في خلق العناصر التي تجعل الحياة أفضل للأجيال القادمة؟ ولأجل هذا الهدف لا بدّ من أن يتغيّر فهمنا للسلطة، فلا تكون قائمة على السلاح والجيوش والمال والسيطرة، بل على مقدار المعرفة التي يمكن للمرء أن يكتسبها لحماية الجنس البشري بأكمله.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home