Saturday, April 09, 2005

اميل لحود انتخبه حافظ الاسد قبل انتخابه لبنانيًا


يروى في لبنان ان اللواء غازي كنعان ادار معركة انتخابات عام 2000 في بيروت والجبل في مواجهة اميل لحود. تلك الانتخابات اسفرت عن فوز كاسح للائحة جنبلاط في الشوف، وفوز كاسح للائحة الحريري في بيروت. والحديث اليوم يستعاد مع مفعول رجعي عن نقاط ارتكاز وضعها غازي كنعان في لائحة الحريري ابرز من فيها النواب ناصر قنديل عن مقعد شيعي، وباسم يموت وعدنان عرقجي عن مقعدين سنيين.
في تلك الأثناء شن الرئيس سليم الحص هجومًا على تدخل الأجهزة في الانتخابات، وكانت اصابعه تشير إلى دور ما للواء جميل السيد في هزيمة لائحته. لكن الثابت في تلك الأثناء من زمن الهيمنة السورية ان اللبنانيين كانوا يجزمون بأن المخابرات السورية وراء كل حركة من حركات وسكنات السياسة والأمن في لبنان.
لو صح هذا الافتراض، ينبغي القول ان الرئيس لحود لم يكن سوريًا خالصًا كما تصوره ادبيات المعارضة اللبنانية اليوم. او هو في أسوأ الأحوال يوالي طرفًا محددًا ويتبع احد مراكز القوى في سورية التي تصارعت يومذاك في لبنان وعليه.
على كل حال جاء الرئيس لحود إلى الحكم بعدما سماه الرئيس الراحل حافظ الأسد نيابة عن اللبنانيين جميعًا، وبلّغ رئيس الجمهورية الممدد له يومذاك بقراره، فما كان من الرئيس الهراوي إلا ان اتصل بالعماد اميل لحود من منطقة ضهر البيدر وقبل ان يصل إلى بيروت ليهنئه بالرئاسة. طبعًا كان ذلك قبل ان يلتئم شمل المجلس النيابي في جلسة لانتخابه. لكن الأمور كانت بالغة الوضوح ولم يكن ثمة حاجة لدى الرئيس الهراوي ليختبئ وراء اصبع الشكليات الديموقراطية والإخراج الشكلي.
يوم تعيين الرئيس لحود رئيسًا للبنان صرح بطريرك الموارنة ان الشكل الذي تم فيه اختيار لحود ليس مهمًا ولا ينتقص من اهمية الحدث، ولا يطعن في الديموقراطية اللبنانية. البطريرك الذي كان قد بدأ معارضته للوجود السوري في لبنان كان يجد على الأرجح ان عماد الهيمنة السورية يتلخص يومذاك برئيس الحكومة السني القوي والذي يطغى دوره على رئيس الجمهورية الماروني وبالهيمنة الأمنية البينة التي يمارسها الشيعة بشقيهم الأهلي والأمني.
والحال فإن انتخاب الرئيس لحود القوي والمدعوم قد يوازن بين السلطات. وهذا ما عاد وعبر عنه النائب المعارض فارس سعيد في احدى جلسات البرلمان العاصفة حين اثار موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية المنتزعة منه بموجب دستور الطائف، فما كان من الرئيس الراحل رفيق الحريري إلا ان ألمح إليه بطريقة مواربة مفادها: ومن قال لك ان السنة لا يريدون رئاسة الجمهورية ولو من دون صلاحيات وليأخذ الموارنة رئاسة الحكومة بصلاحياتها كافة؟
لم يستمر هذا السجال طويلًا، وان كان مرشحًا للبروز في يوم من الأيام المقبلة على نحو متسع. ذلك ان دبلوماسيات الطوائف لا ترحم وهي جائرة على الدوام.
اليوم يفصح البطريرك الماروني عن تخوفه من مطلب إقالة رئيس الجمهورية، وهذا ينذر بانشقاق ما في صفوف المعارضة اللبنانية خصوصًا وان النائب والوزير السابق وليد جنبلاط ما زال يطرح مطلب اقالة الرئيس بوصفه ضروريًا وحاسمًا وعلى رأس الأولويات. لكن المتابع بدقة لما يجري في لبنان، يعرف ان مطلب جنبلاط لن يتحول مطلبًا اولًا في العاجل من الأيام. ذلك ان القوى السياسية الوازنة في المعارضة والموالاة لا تولي هذا المطلب اولوية قصوى. والحق ان هذه المنازلة بين المعارض البارز ورئيس الجمهورية تحتاج إلى سياقات متعددة لتتحول عنوانًا لمعركة لبنانية حاسمة.
لا يشك مراقب ان الرئيس اميل لحود هو المعتمد الأول للإدارة السورية في لبنان منذ توليه مهام قيادة الجيش. ولا يزال الرئيس ودوائره يذكّرون اللبنانيين بدور لحود في حماية المقاومة وتاليًا حماية السياسة السورية القاضية باسترهان البلد بأسره لأحكام مقاومة مكلفة. ويثبتون عام 1993 تاريخًا لابتداء هذا الدور في حماية المقاومة. ذلك انه في تموز من ذلك العام شنت اسرائيل حربًا جوية وبحرية على جنوب لبنان، بهدف ضرب بنية حزب الله العسكرية والضغط على اللبنانيين من اجل نزع سلاحه وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب. ويشاع انه في خضم هذه الحرب اجتمع وزير الخارجية الاميركي يومذاك وارن كريستوفر بالرؤساء الثلاثة في زحلة، الياس الهراوي ونبيه بري ورفيق الحريري، وطلب إليهم نشر الجيش في الجنوب ونزع سلاح حزب الله. لكن العماد اميل لحود الذي كان قائدًا للجيش يومذاك، رفض تحريك الجيش وابلغ القيادة السورية بالأمر، التي بدورها فرضت على الرؤساء الثلاثة التراجع عما ازمعوا عليه. ومنذ ذلك الحين شكل الرئيس لحود صمام امان للخطة السورية في لبنان.
وفي العودة إلى ذلك التاريخ يمكن تسجيل ملاحظة اساسية تفيد ان الرؤساء الثلاثة ومعظم زعماء وسياسيي البلد يومذاك كانوا يعتبرون ان الانسحاب الإسرائيلي حتمي بموجب ما تم الاتفاق عليه في الطائف، وان المقاومة في الجنوب لا تفعل سوى تأخير هذا الانسحاب وفرض اجندتها على المجتمع اللبناني بأسره. فبموجب اتفاق الطائف كان يفترض بلبنان ان ينفصل عن ازمة المنطقة عبر تحقيق شرطين: انسحاب اسرائيلي بموجب القرار 425، وانسحاب سوري بموجب اتفاق الطائف. لكن الرئيس حافظ الأسد كان يدرك يومذاك، على الأرجح، ان الانسحاب الاسرائيلي لن يحصل. وان نزع سلاح المقاومة سيكون تخليًا طوعيًا عن ورقة بالغة الأهمية في الضغط على اسرائيل على جبهتي النزاع السورية اولًا واساسًا واللبنانية بوصفها ملحقًا ورديفًا. انتخب اميل لحود إلى سدة الرئاسة الأولى في البلاد بتأييد واسع وعام. كان المعارضون لسياسات الحريري يرون فيه رجلًا قويًا يمكنه ان يواجه سياساته الخطرة، وكان المعارضون للهيمنة السورية يرون فيه قائدًا للجيش وضابطًا لإيقاعه يمكن ان يخلصهم من الميليشيات المتبقية، وهو حكمًا، اي الجيش، لن يرضى بالخضوع للهيمنة السورية على طول الخط. وثمة احاديث كثيرة دارت في ذلك الزمن عن دور اميركي تاريخي في الجيش اللبناني لم يفقد كافة اواصره. اما الموالون لسورية فلم يسألوا انفسهم عن سبب الرغبة السورية في تسليم الرئاسة إلى ماروني قوي، في وقت كانت فيه الطائفة برمتها موضع تشكيك وتخوين.
لم يكن الرئيس السابق الياس الهراوي معاديًا لسورية، وفي عهده كان الحديث عن تبعيته لسورية وقيادتها لا يجد من يكذبه، لكن الفارق الأساسي بين الرئيسين ان الرئيس الهراوي لم يكن يملك او يحمل مشروعًا مارونيًا ويريد الصراع بواسطته داخل الطائفة نفسها، في حين كان الرئيس لحود يملك مثل هذا المشروع الذي لا يمكن تجاهل وجاهته حتى اليوم. طوال سنوات عهده كان مشروع الرئيس لحود يعمل على خطين متوازيين: الخط الأول يهدف إلى تقوية الجيش والأجهزة الامنية في مواجهة السياسيين التقليديين، وكان الحريري اقواهم شكيمة، وهذا ما عبر عنه في خطاب القسم واضحًا ومن دون اي التباس، وربما يكون خطاب اللواء جميل السيد في مؤتمره الصحافي الأخير آخر تعبيراته الواضحة.
اما الخط الثاني فتمثل في توليد حالة شعبية وسياسية في وسط الطائفة المارونية تحمل افكارًا مغايرة للفكر الماروني السائد. وتمثل هذا الخط خير تمثيل في حزب الكتائب برئاسة كريم بقرادوني.
في الخط الأول كان الرئيس لحود ينطلق من مسلمة مفادها ان السياسة التقليدية في لبنان تشكل سببًا اساسيًا من اسباب خرابه وتعقيد ازماته. ولهذا كان الرئيس يولي مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية عنايته الخاصة. بوصف هذه المؤسسة مؤهلة للتعالي على الصراعات الضيقة والحسابات الصغيرة التي تتحكم في السياسة التقليدية في لبنان. فمؤسسة الجيش بالنسبة للرئيس لحود تشكل دعامة اساسية من دعائم سيادة منطق الدولة على منطق التقاسم والتنازع الذي حكم لبنان على مر التاريخ. اما في الخط الثاني فكان الرئيس لحود يدرك ان القوى السياسية اللبنانية المعارضة لحكمه، المارونية منها خصوصًا، لا يمكن هزيمتها بالأمن وحده، بل تحتاج إلى تشكيلات سياسية رديفة ومناوئة لها. انطلق الرئيس اميل لحود في سياسته العامة من اعتبارات وجيهة تفيد ان الموارنة في لبنان والمسيحيين عموماً عانوا الأمرين جراء ارتباطهم الذي لا يلين بالغرب. والحق ان الغرب تخلى عنهم في لحظة حاسمة وسلم امرهم للقيادة السورية تعيث بهم تنكيلاً. وهو يرى ان خلاص المسيحيين في لبنان يتمثل وفي صورة قاطعة بتجذير انتمائهم لمحيطهم العربي. والنسخة الأخيرة لهذا المحيط المتعدي كانت من دون شك الإدارة السورية. لهذا لم يتورع الرئيس عن تسليم القيادة السورية قياده وتركها تبحر في السفينة اللبنانية من دون حسيب او رقيب. ذلك ان الطوائف الأخرى التي تشارك المسيحيين في لبنان عيشاً مشتركاً لم تعترض اصلاً على هذه الهيمنة. كان السؤال اللحودي يتلخص بالآتي: لا شك ان الحريرية متصلة اتصالاً وثيقاً بالقيادة السورية وخطتها في المنطقة، اما الشيعية السياسية بممثليها الأبرزين: حركة امل وحزب الله فعلاقاتها وثيقة جداً بالإدارة والخطة السوريين، ولا يشذ الدروز بشقيهم السياسيين ايضاً عن هذه القاعدة. والحال، هل تستطيع المسيحية السياسية وهل تقضي مصلحتها ان تقاوم هذه العواصف مجتمعة من دون ان يكون اهل العقد والحل في الطوائف الأخرى على وفاق معها؟ هذه الرؤية كانت تفترض ان على الموارنة ان يرفضوا اي اتفاق مع اسرائيل حتى لو قبل المسلمون بهذا الاتفاق، وحيث ان الطوائف خؤون ولا يؤمن جانبها، فإن الطائفة الوحيدة التي توصم بالعمالة والخيانة ولا تستطيع التنصل من احكام وقيود العلاقة مع اسرائيل في لبنان هي الطائفة المارونية. على هذا يجدر بأهل الطائفة ان يمعنوا في رفضهم اي اتصال او شبهة اتصال مع اسرائيل او التبعية للغرب حتى لو عمدت الطوائف الأخرى إلى اقامة هذه الصلة. لهذه الأسباب البالغة التعقيد، بدا مشروع الرئيس لحود، والذي كان يعبر عنه كريم بقرادوني خير تعبير، محصوراً في إطار الطوائف المسيحية عموماً والطائفة المارونية خصوصاً. والحق انه لم يكن مشروعاً من غير وجاهة او مطعون في ما يمثله وقد يمثله، ولم يكن من دون دلالة عميقة ان يصرح المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية ورئيس الرابطة المارونية اليوم ميشال اده، في منتصف التسعينات حين بدأت تظهر في لبنان دعوات متواترة لخروج الجيش السوري من لبنان، انه سينام امام الدبابات السورية اذا قررت الخروج من لبنان فلا تخرج إلا على جثته.لكن الوجهة التي يمثلها الرئيس لحود في وسط المسيحية السياسية كانت مصابة بعطبين اساسيين:الأول يتعلق بطبيعة المدى العربي الذي يطالب لحود بالانتساب إليه، والثاني يتعلق بطبيعة بنية الدولة التي يريد لحود تأسيسها في لبنان. حيث كانت مصابة بعطب دائم يتمثل في تسليم امر الحرب والسلم إلى مقاومة مذهبية لا دور للمسيحيين او للدولة فيها على نحو واضح وصريح. لم تكن سوريا مدى عربياً يمكنه ان يشكل ضمانة لأي كان. وقد لاحظ محمد حسنين هيكل في احد مجالسه الخاصة ان الدعوة العروبية كانت تجمع ولا تفرق حين كانت مصر في واجهة الداعين، لكنها اصبحت تفرق ولا تجمع ما ان تسلمت سوريا دفة القيادة بعد خروج مصر إلى عقد اتفاق منفرد مع اسرائيل. هذه ملاحظة بالغة الدقة على المستوى التحقيقي الصحفي الصرف. لكنها لا تعفي المرء من البحث عميقاً في اسبابها وظروفها. فالتزعم السوري في الدعوة للتضامن العربي كان يفتقد لسياقاته الطبيعية. كانت سوريا ترفع لواء العروبة في زمن سياسة اللاحرب واللاسلم. اي في زمن الحروب العربية المستحيلة. لقد ذهب العرب إلى مؤتمر مدريد، وسوريا في مقدمهم، وهم يحملون معهم كل حروبهم المستحيلة مع اسرائيل، والتي كان اجتياح لبنان وبيروت في العام 1982 درة تاجها. لهذا كانت زعامة سوريا تقع في الزمن الخطأ. اي في الزمن الذي ارسته مصر بعد كمب ديفيد والذي حسم مرة واحدة وإلى الأبد في مسألة التضامن العربي في الحرب والسلم. وجعل الحلول القطرية والكيانية مع اسرائيل، اكانت حروباً او انتفاضات او اتفاقات سلام، هي المنفذ الوحيد لاستكمال الصراع. والحق، ومهما ادعت سوريا وايران وحزب الله من ادوار في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، إلا ان هذا الصراع بعد اتفاقية كمب ديفيد كان له مقوم فلسطيني وحيد ومحدد. لم يعد الفلسطينيون يأملون بدعم عربي عارم وتغيير في السياسات والانظمة العربية، واخذوا يبحثون عن حل قضيتهم منفردين ومن دون دعم على الإطلاق. وهذا يجعلنا نفهم اليوم، رغم كل الادعاءات السورية، كيف ان الانتفاضة الفلسطينية ولدت من رحم الانفراد الفلسطيني في الحل من خلال اتفاق اوسلو وليس من صلب التضامن العربي على اي حال. ثمة سياق آخر مفقود في التزعم السوري للتيار العروبي ويتعلق اولاً واساساً بغياب الدعم الدولي الفاعل. لم يعد ثمة ما يحجز الأميركيين عن التدخل الحاسم والمخل بموازين القوى في المنطقة بعد انهيار جدار برلين. وتالياً لم يعد النظام السوري، اداء وحجة قادراً طويلاً على الصمود. كان يبدو كما لو انه نظام من الماضي، وهو يقود حرباً تراجعية اكثر مما يقود حرباً هجومية كالتي كان يمكن الحديث عنها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.على هذه الأسس يمكننا اعتبار خيار الرئيس لحود خياراً دقيقاً في استخلاص عبر الماضي متهوراً في قراءة المستقبل، من جهتي المستقبل: المحلية والاقليمية. فهو يوالي نظاماً لا يستطيع الصمود ولا المواجهة، ويحجز طائفة عن التحكم بمستقبلها السياسي بقوة الأمن والجيش والدولة في حين انه يستبيح ولا يستطيع ان يحجز عن الطوائف الأخرى ما كان يقترحه على المسيحيين. هكذا كان مفارقاً وغريباً على اللبنانيين ان يستمعوا إلى خطب عصماء عن ضرورة عدم نشر الجيش في الجنوب اللبناني بعد الانسحاب الإسرائيلي لأن اي هجوم اسرائيلي قد يجعل افراد الجيش عرضة للموت او الخطف، وللمفارقة هذا قول للرئيس الراحل رفيق الحريري. حين اتخذت الإدارة السورية قرارها بالتمديد للرئيس اميل لحود، انبرى معظم اللبنانيين للقول والتصريح ان هذا خطأ جسيم، ادى إلى استصدار القرار 1559. والحق ان اللبنانيين لا يتذكرون جيداً ان القرارات الدولية كانت تتجاهل وجود البلد طوال 30 عاماً من تاريخه. لكن الاستغراب لهذا القرار الذي اعتبر حماقة لا مثيل لها، كان ينطلق من اعتبار ان ثمة مارونيين في لبنان يوالون سوريا ولا تشوب ولاءهم شائبة، وقد يكون سليمان فرنجية ابرزهم، فلماذا اصرت الإدارة السورية على التمديد للحود دون غيره؟ لكن هذا الافتراض كان ناقصاً بشكل فادح. فالإدارة السورية وحين بدأت نذر العواصف الدولية تتجمع فوق دمشق وبيروت ادركت انها لا تستطيع الصمود او المواجهة بقوى طائفية تستطيع التقلب وتحسن توجيه اشرعتها. فما الذي يضمن ولاء اي طائفة او قوة طائفية لسوريا عند اشتداد الضغوط؟ في وقت كان اللبنانيون يتداولون، من دون ان يخالطهم الشك في ما يتداولونه، ان السيد وليد جنبلاط يقرأ اتجاه الرياح الدولية جيداً وانه حين ينقلب على سوريا فإنه يدرك ان ايامها اضحت معدودة. كان اللبنانيون يقرأون في كتابين منفصلين. يقرون من ناحية ان الطوائف تستطيع توجيه اشرعتها بحسب الرياح، ويستغربون كيف ان الإدراة السورية لا تثق بالطوائف في زمن الأزمات الكبرى. لم يكن التمديد للرئيس لحود خطأ عابراً بهذا المعنى. كانت الإدارة السورية تدرك ان ضمانتها لبعض الصمود تقتضي ان يبقى الرئيس لحود على رأس الدولة وممسكاً بأعنة الجيش والأجهزة الأمنية ليضمن لها وقتاً اضافياً قبل ان ينهار في المنازلة الدائرة بين سوريا والفرنسيين والأميركيين على حد سواء. لهذا بدا التمديد للحود حداً فاصلاً كشف الاتجاهات كافة وجعل كل سفينة تمخر في بحر يناسبها.لكن ما لم يستطع القادة السوريون التنبه لأحكامه يتعلق بحصان طراودة الذي اعتمدوه في لبنان. اليوم يحذّر البطريرك الماروني من المطالبة بإقالة لحود، ثمة اسباب سيقت لهذا التحذير. التخوف من الفراغ الدستوري وضرورة عدم المس بمقام الرئاسة لأنه يمس بقدس اقداس الطائفة المارونية. والحق ان الفراغ الدستوري حاصل منذ ان اقيلت الحكومة الكرامية، اما مقام الرئاسة فمحفوظ ومصان. ذلك ان المعارضة التي اشعلت كل نيرانها بعد التمديد للحود، لم تجد في البرلمان اللبناني معركة انسب من التمثيل بجثة السنية السياسية بعد اغتيال الرئيس الحريري ومحاولة طحن عمر كرامي الذي يكاد يكون واحدا من ثلاثة على الأكثر يمثلون وزن الطائفة السنية في المشهد السياسي العام. لم تكن المعارضة اللبنانية تريد اسقاط لحود في ذلك اليوم، ثمة اعتبار لا يخفى على احد. من قال ان الرئيس لحود، امام تغير الموازين واختلالها إلى هذا الحد مستعد لأن يقضي نحبه سورياً؟ ومن قال ان المعارضة المدعومة دولياً لن تجد في الفترة المتبقية من رئاسته فرصة لا تعوض لتثبيت هيمنتها على البلد في وقت يبدو انه مضطر لشراء كل يوم من بقائه في سدة الرئاسة بثمن غال وغال جداً؟

0 Comments:

Post a Comment

<< Home