دمشق تدخل في العد التنازلي
غير الاستيلاء على السلطة, ومصادرة الحياة المدنية في المجتمع, وإخراج الجميع من العملية السياسية, والاستفراد عن طريق إبادة الآخر, او قسمته طائفيا, ومذهبيا وعشائريا, فان في مزايا رجال البعث خاصية أخرى تتصل بالمرض النفسي, وبالشعور الغائر بالدونية الذي يدفعهم الى الانتقام من الآخرين الذين يتميزون عنهم بتاريخ معنوي وعائلي عريق.. هذا الشعور بالدونية هو الذي كان يدفعهم الى أعمال الانتقام, والى قهر الناس وإذلالهم في عملية متمادية يعرف كيف تبتدئ, ولايعرف متى تنتهي.الذين اعتنقوا أيديولوجيا البعث كانوا في أغلبهم, وأكثريتهم, أبناء بيئة ريفية متواضعة يهتمون كثيرا بتلويث ملابس الاخرين النظيفة بدل أن ينظفوا ملابسهم ويتساوون مع هؤلاء الآخرين في البياض.والأدهى أن رجال البعث يعتقدون بالوهم والتهيؤ, ولايتصورون أن بمقدور أحد أن يهزمهم, والأحد هذا دائما يلقى الاحتقار منهم ويلقى الاذلال, واذا ما هزموا سارعوا الى اعتناق نظرية الارض المحروقة ليغطوا بها هزيمتهم, ويجهضوا فرح الانتصار لدى المنتصرين.أكثر هذه التجليات وقاحة كانت أيام هزيمة صدام حسين المذلة في الكويت سنة 1991 .. يومها رفض الاعتراف بالانكسار وتوجه الى إحراق سبعمئة بئر نفط في الحقول الكويتية, مؤثرا ترك البلاد طعاما للنار وراء جيوشه المنسحبة او المقتولة.وظل صدام حسين يكذب بادعاء الانتصار الوهمي, بينما هو في الحقيقة مقتنع به على خلفية حرق آبار النفط, وارتكاب أكبر مجزرة بيئية في التاريخ.ونظرية الارض المحروقة هي ذاتها التي يرتكبها نظام البعث السوري في لبنان. إنه ينسحب مكرها, لكنه في الوقت نفسه يريد أن يجعل من لبنان أرضا محروقة وراءه, أي ينتقم منه, ويتعادل نفسيا بحرائقه مع شعور بالهزيمة لايمكن أن يتنكر لها. حرائق الكويت أخمدت بعد التحرير, والكويت عادت أقوى بكثير مما كانت, خصوصا لجهة تعزيز وحدتها الوطنية, وتجمع الناس فيها حول سياسة خارجية واحدة . وكما الكويت, كذلك لبنان, ضحية الاحتلال البعثي ذاته, فغدا ستنطفىء حرائقه, وتعود اليه حريته وسيادته واستقلاله, وسيظهر للجميع أن انتقام النظام السوري باحراقه, وترويع شعبه, لن تفيد في شيء, بل ستراكم أرصدة السوابق والمشبوهيات, وتبرر كل الجهود الشعبية اللبنانية, والدولية المبذولة من أجل تحرير لبنان من احتلاله.
النظام البعثي في سورية, الذي تعود على احتقار إرادة الشعب, لم يفهم حتى الآن أن الشعب اللبناني اتخذ قرار الحرية والسيادة والاستقلال, وبالتالي فان تفجيرات الانتقام لن تؤثر في ارادته, خصوصا وأنه بدأ يفهمها على شاكلة حشرجات المهزوم, وعنجهيته الفارغة.الخوف الآن لم يعد على لبنان والشعب اللبناني, بل على سورية والشعب السوري, فما حدث في ساحة الشهداء وسط بيروت كان بمثابة المقبلات بينما الوجبة الكبيرة موجودة في ساحة المرجة وسط دمشق.لقد أصبحت ظاهرة, رفع الاعلام اللبنانية, والاعتصام السلمي, والاعتراض المدني, ظاهرة مغرية للشعوب الاخرى, لأنها اثبتت جدواها وفعاليتها في التغيير, وفي الانتقال الهادئ من عصر قديم الى العصر الحديث الراهن.ولذلك أصبحنا نرى عيون المراقبين تنتقل من لبنان الى سورية, فهؤلاء باتوا على قناعة تامة بأن الخطوة التالية ستكون في ساحة المرجة.وما يدعم هذه الاحتمالات اجتماع قيادات المعارضة السورية برؤساء الدوائر الاميركية المختصة في واشنطن, وبدء تحركات الاكراد السوريين في دمشق وحلب والقامشلي.. إن هذا الوضع الشعبي السوري المنتفخ الى أبعد الحدود لايحتاج الآن الا الى انطلاق الصرخة الاولى لكي ينفجر في ساحة المرجة, وفي ساحات حمص وحماة وحلب واللاذقية.ما أشبه أيام البعث السوري اليوم بأيام البعث العراقي بالامس, وكل مايحتاجه المراقب الآن هو فسحة من الوقت اللازم لحدوث ماهو منتظر, ليثبت له أن ماجرى في بغداد سيجري في دمشق, وأن كثيرا من وجوه النظام البعثي السوري سترى صورها منشورة على لوائح المطلوبين, وعلى أوراق اللعب, التي نسميها نحن »أوراق الجنجفة«, ويسميها أبناء الشعب السوري »أوراق الشدة«.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home