حادثة.. وعبرة!!
حادثة.. وعبرة!!
الرأي الأردنية 28/4/2005 - صالح القلاب :
حاولت ألاَّ أتذكر هذه الحادثة وأنا أتابع عبر الفضائيات خروج او إخراج القوات السورية من لبنان لكنني لم أستطع فبعد الإجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في يونيو ( حزيران ) العام 1982 بادَرتْ مفرزة من الجيش السوري الى إنهاء مهمتها، حيث كانت مكلفة بحراسة صحيفة «السفير»، في إطار قرار بإعادة إنتشار وإعادة تموضع الوحدات المرابطة في بيروت قبل وصول طلائع الجيوش المعادية الغازية إليها.
كانت مطابع صحيفة «السفير» الواقعة في «نزلة السارولا» عند أول شارع الحمراء الشهير من ناحية الشرق قد تعرضت لعمليات تفجير، قيل وقتها ان المخابرات العراقية هي التي قامت بها إعتراضاً على خط وسياسة هذه الصحيفة التي كانت موالية لليبيا وتحاول في الوقت ذاته مغازلة دمشق،.. ولهذا وخوفاً من تكرار عمليات التفجير هذه فقد خصصت «قوات الردع السورية» مفرزة لحماية الجريدة المذكورة بناءً على طلب من «صاحبها ورئيس تحريرها» الأستاذ طلال سلمان.
إتخذت «المفرزة»، مقراً لها ولسكن أفرادها، فنــدقاً صغيراً في مبنى يقابل مبنى صحيفة «السفير» ولا يفصل بينهما إلا «زاروب» مغلق من نهايته الغربية، لا يزيد عرضه عن ستة أمتار، وكانت الصحيفة، أي «السفير» هي التي تتحمل تكاليف الإقامة وتكاليف تموين وإطعام جنود تلك المفرزة الذين كان عددهم بحدود الإثني عشر جندياً.
كان هناك شخص فقير من مهجري الجنوب إسمه أبو علي يقوم بإعداد الشاي والقهوة ويبيعها لصحافيي وموظفي وعمال مطابع هذه الصحيفة وكان الى جانب ذلك يبيع في بعض الاحيان «صناديق» الدخان بكل أنواعه لمن يطلب منه تزويده بعلبة من السجائر.
لقد أصبح أبو علي هذا مع الوقت صديقاً للجميع.. وكان دائماً يشعرنا، بدون ان يبوح بأي شيىء، بأن هناك مشكلة بينه وبين مفرزة القوات السورية.. وهكذا الى ان جاء بعد ساعات مــن رحيل هذه المفرزة، في إطار وإعادة الإنتشار الآنفة الذكر، وهو يحمل صينية مـــن حلوى «البحصلي» الشهيرة وأخذ يوزعها على الصحافيين والموظفين والعمال ووجهه يطفح بالسرور والسعادة.
عندما جاء دوري.. سألته: «ها.. خير يا أبو علي.. هل تزوجت مرة أخرى.. ؟؟».. ضحك ضحكة مدوية وهزَّ رأسه نافياً ما سألته عنه.. ثم قال: «إنني أحتفل برحيل هؤلاء الذين كانوا يجثمون على صدورنا.. لقد كان قائدهم يأخذ مني.. علبة سجائر كل يوم.. خُوَّةٌ وبدون ثمن».. لقد جـــاء ما قاله كوقع الصاعقة على نفسي ثم قلت له وأنا لا أكاد أصدق ما سمعته: «.. ولكن يا أبو علي هؤلاء إخوتنا.. وعلينا ان لا نفرح برحيلهم وقوات العدو تجتاح لبنان وتحاصر بيروت..».. وكان ردهُ: «الخل.. أخو الخردل»!!.
وبالطبع فإن «ابو علي» لم يكن يمثل غالبية الشعب اللبناني كما أن ذلك الضابط الذي كان يأخذ منه علبة سجائر كخُوَّةٍ يومية لا يمثل الجيش العربي السوري الذي واجه الغزو في بيروت وخارج بيروت بشجاعة نادرة وقدَّم شهداء كُـثر دفاعاً عن الارض العربية.. لكن هذه الحادثة تدل على ان الأخطاء الفردية، ولقد كانت كثيرة وأخطر من مجرد إبتزاز يومي لفقير لبناني مهجّر من الجنوب، هي سبب كل هذه الفرحة التي قابل بها اللبنانيون إنسحاب القوات السورية من بلادهم.. وهناك مثل يقول: «الولد السيىء يجلب لأهله المسبَّة»!!.
الرأي الأردنية 28/4/2005 - صالح القلاب :
حاولت ألاَّ أتذكر هذه الحادثة وأنا أتابع عبر الفضائيات خروج او إخراج القوات السورية من لبنان لكنني لم أستطع فبعد الإجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في يونيو ( حزيران ) العام 1982 بادَرتْ مفرزة من الجيش السوري الى إنهاء مهمتها، حيث كانت مكلفة بحراسة صحيفة «السفير»، في إطار قرار بإعادة إنتشار وإعادة تموضع الوحدات المرابطة في بيروت قبل وصول طلائع الجيوش المعادية الغازية إليها.
كانت مطابع صحيفة «السفير» الواقعة في «نزلة السارولا» عند أول شارع الحمراء الشهير من ناحية الشرق قد تعرضت لعمليات تفجير، قيل وقتها ان المخابرات العراقية هي التي قامت بها إعتراضاً على خط وسياسة هذه الصحيفة التي كانت موالية لليبيا وتحاول في الوقت ذاته مغازلة دمشق،.. ولهذا وخوفاً من تكرار عمليات التفجير هذه فقد خصصت «قوات الردع السورية» مفرزة لحماية الجريدة المذكورة بناءً على طلب من «صاحبها ورئيس تحريرها» الأستاذ طلال سلمان.
إتخذت «المفرزة»، مقراً لها ولسكن أفرادها، فنــدقاً صغيراً في مبنى يقابل مبنى صحيفة «السفير» ولا يفصل بينهما إلا «زاروب» مغلق من نهايته الغربية، لا يزيد عرضه عن ستة أمتار، وكانت الصحيفة، أي «السفير» هي التي تتحمل تكاليف الإقامة وتكاليف تموين وإطعام جنود تلك المفرزة الذين كان عددهم بحدود الإثني عشر جندياً.
كان هناك شخص فقير من مهجري الجنوب إسمه أبو علي يقوم بإعداد الشاي والقهوة ويبيعها لصحافيي وموظفي وعمال مطابع هذه الصحيفة وكان الى جانب ذلك يبيع في بعض الاحيان «صناديق» الدخان بكل أنواعه لمن يطلب منه تزويده بعلبة من السجائر.
لقد أصبح أبو علي هذا مع الوقت صديقاً للجميع.. وكان دائماً يشعرنا، بدون ان يبوح بأي شيىء، بأن هناك مشكلة بينه وبين مفرزة القوات السورية.. وهكذا الى ان جاء بعد ساعات مــن رحيل هذه المفرزة، في إطار وإعادة الإنتشار الآنفة الذكر، وهو يحمل صينية مـــن حلوى «البحصلي» الشهيرة وأخذ يوزعها على الصحافيين والموظفين والعمال ووجهه يطفح بالسرور والسعادة.
عندما جاء دوري.. سألته: «ها.. خير يا أبو علي.. هل تزوجت مرة أخرى.. ؟؟».. ضحك ضحكة مدوية وهزَّ رأسه نافياً ما سألته عنه.. ثم قال: «إنني أحتفل برحيل هؤلاء الذين كانوا يجثمون على صدورنا.. لقد كان قائدهم يأخذ مني.. علبة سجائر كل يوم.. خُوَّةٌ وبدون ثمن».. لقد جـــاء ما قاله كوقع الصاعقة على نفسي ثم قلت له وأنا لا أكاد أصدق ما سمعته: «.. ولكن يا أبو علي هؤلاء إخوتنا.. وعلينا ان لا نفرح برحيلهم وقوات العدو تجتاح لبنان وتحاصر بيروت..».. وكان ردهُ: «الخل.. أخو الخردل»!!.
وبالطبع فإن «ابو علي» لم يكن يمثل غالبية الشعب اللبناني كما أن ذلك الضابط الذي كان يأخذ منه علبة سجائر كخُوَّةٍ يومية لا يمثل الجيش العربي السوري الذي واجه الغزو في بيروت وخارج بيروت بشجاعة نادرة وقدَّم شهداء كُـثر دفاعاً عن الارض العربية.. لكن هذه الحادثة تدل على ان الأخطاء الفردية، ولقد كانت كثيرة وأخطر من مجرد إبتزاز يومي لفقير لبناني مهجّر من الجنوب، هي سبب كل هذه الفرحة التي قابل بها اللبنانيون إنسحاب القوات السورية من بلادهم.. وهناك مثل يقول: «الولد السيىء يجلب لأهله المسبَّة»!!.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home