Saturday, August 20, 2005

Party Poopers


Party Poopers
السفير 20/8/2005 - خالد صاغيّة :
لم يعد النظام السوريّ هو الحاكم الفعليّ في لبنان. لم يعد يحكم بواسطة زعماء الطوائف، كما كانت الحال في زمن غازي كنعان. ولم يعد يحكم بواسطة قادة أمنيّين، كما في زمن رستم غزالة. وعلى الرغم من التجاذب الحاصل الآن، فإنّ الحكم ليس في يد رئيس الحكومة، ولا في يد رئيس الجمهوريّة. الحاكم الفعليّ للبلاد اليوم هو جاك مارتان. وسيبقى هو من يدير المسرح، إلى أن يأتي دور ضيف الشرف ديتليف ميليس. ليس على اللبنانيّين أن يتبرّموا. فهم من أوقعوا أنفسهم في هذا الضجر، منذ أن رفعوا ذلك الشعار الساقط فنّيّاً: <<الحقيقة>>. المشهد السياسيّ، إذاً، هو مسرح <<مدرسة الهواة>>. ولا بأس من تعديل شعار <<ثورة الأرز>> إلى: <>. مفاعيل الانتخابات لاغية، والأحكام القضائيّة كذلك. يرفع المشتركون أيديهم ليصوّتوا، فينال الجميع: عشرة على عشرة.
يُتّهم إميل لحّود بأنّه <<رأس النظام الأمني>> الذي خطّط ونفّذ الاغتيالات، ثمّ يؤتمن على البيئة والقضاء والدفاع. يُتّهَم بأنّه قد ساهم في تهميش الدور السياسي للمسيحيّين، ثمّ يصبح الأمين على هذا الدور. عشرة على عشرة لإميل لحّود. لا يجد <<حزب اللّه>> وسيلة لحماية المقاومة أنجع من القتال من أجل شيعيّة المناصب. عشرة على عشرة. يثبت نبيه برّي أنّه رجل كلّ المواسم القاحلة. عشرة على عشرة للأستاذ. يهاجم وليد جنبلاط ما يسمّيه الرأسماليّة المتوحّشة والليبراليّة الاقتصادية بعد سنوات من التحالف والتواطؤ مع <<تيّار المستقبل>>. يصرخ <<أين الليبراليّون الشيعة؟>>، ثمّ يعود ليبحث عنهم في المربّع الأمنيّ. عشرة على عشرة لوليد جنبلاط. لا يقبل ميشال عون بما هو أقلّ من علمنة المجتمع برمّته، ولا يكسب معركة انتخابيّة إلا في المناطق الصافية مسيحياً. يرفع لسنوات شعار <<السيادة>>، ثمّ يترجمه في نصرة ميشال المرّ على نسيب لحّود. عشرة على عشرة لميشال عون. وفي هذه الزحمة، يمارس فؤاد السنيورة سياسة الBusiness as usual، فينال، هو الآخر، عشرة على عشرة.
لا رغبة لأحد في إفساد هذا الحفل التلفزيونيّ. لقد تدرّب المشتركون على أداء دور الأولاد العاقلين بانتظار لحظة <<الحقيقة>>. ولعلّهم يدركون أنّ ما يقومون به إنّما يفسد حفلاً آخر كان بعضهم، ويا للصدفة، من قادته. ألا يبدو غريباً ألا يتلو أيّ من السياسيّين، وهم يقومون بما يقومون به، فعل ندامة على المشاركة في تظاهرة 14 آذار؟ وحدهم بعض المعلّقين تراجعوا عن فائض حماستهم. ومنهم من اعتبر أنّ المشهد كان خادعاً، وأنّ العين قد رأت ما كانت ترغب أساساً في أن تراه. أمّا قادة التظاهرة فقد فضّلوا القيام بدور مختلف. إنهم يتصرّفون كما لو أنّهم قد دعوا إلى حفلٍ يريدون له أن يستمرّ، ويريدون في الآن نفسه إفساده. انتظروا حتّى أصبح الراقصون في أوج حماستهم، فجاؤوا ورموهم بمياه باردة. شيء يشبه المزاح الثقيل. أحضروا ال<<دي.جاي>>، ثمّ لعنوا الموسيقى الصاخبة، قبل أن ينتبهوا فجأة الى أنّ لائحة المدعوّين غير مكتملة أصلاً. لكن، رغم كلّ شيء، بقي الجميع في الحفل، ولم يغادر أحد للنوم.
النائم فعلاً هو البلاد نفسها. بيروت، مرّة أخرى، <<مدينة موقوفة>> بانتظار... تقرير. تقرير يعدّه ضيف الشرف. فهل سيحمل الضيف هداياه لجميع المشتركين، كما اقتضت العادة؟ حتى لو لم يفعل ميليس ذلك، فإنّ طبيعة البرنامج التلفزيوني تفرض ألا يغادر المشتركون المسرح إلا سعداء. فالأهل ينتظرون في القاعة، وكذلك الطوائف.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home