زعماء في أيامهم الأخيرة
زعماء في أيامهم الأخيرة
أحيانا يستعصي فهم سلوكيات وسياسات الانظمة الشمولية التي تتعرض لفقدان الادوار, والعزلة, وللمخاطر الدولية. واستعصاء الفهم هذا عائد من التساؤل: كيف لهذه الانظمة التي تسعى لابعاد المخاطر عنها, أن تنتهج سياسات تستدعي هذه المخاطر, وتعجل في حلولها?!وحين كان صدام حسين يدعي قتال الاعداء الاميركيين, ويشحن النفوس ضدهم بغرض إبعاد مخاطرهم عنه, كان يرتكب السياسات التي عجلت بقدومهم الى العراق, وإسقاط نظامه.الفهم المستعصي هذا قد يكون حل ألغازه سهلا, اذا ما أرجعنا الأمر الى الامكانات المعرفية المتواضعة التي يمتاز بها كل الدكتاتوريين رؤساء الانظمة الشمولية. فهؤلاء لا ينتسبون الى نبل السياسة وإبداعها كونها من أفعال العقل, بل ينتسبون إلى ما هو ضدهما, اي الى الارتكاب, والاعتبارات الغرائزية, والى الاعتماد دائما على البطش بواسطة الاجهزة الامنية الفلتانة.قبل اغتيال الحريري وبعده كانت الضغوطات الدولية على النظام السوري تستهدف دفعه الى التأهيل كي يصبح قادرا على التكيف مع المعطيات الدولية, ومع عملية السلام الموضوعة للشرق الاوسط. ولا يكون هذا النظام السوري مؤهلا الا اذا تحول الى الديمقراطية التعددية, واعتنق مبادئ الحرية وحقوق الانسان.لكن هذه الأجندة الموصولة باستحقاقات الاصلاح الذاتي, كان صعبا على نظام دمشق ان يطبقها او يلتزم بها, لسبب بسيط عائد الى إدراكه أن عمليات التأهيل المطلوبة تعني شيئا واحدا هو سقوط النظام نفسه. لذلك ذهب الى رفض المطالب الدولية مكرها, فانحاز الى خصائصه المتميزة بالريفية, وبالمعرفة المتواضعة, وهذا ما يقدر عليه. ولم يدرك النظام طبعا أنه بالانحياز لذاته قد وضع نفسه في مرتبة لزوم ما لا يلزم, او في مرتبة الزوائد المطلوبة للاستئصال والاستبعاد, وهي المرتبة التي بلغها صدام حسين في أواخر أيامه.ولهذه الاسباب المجتمعة رفضت عروض النظام السوري للعودة الى طاولة المفاوضات واستئناف محادثات السلام مع اسرائيل, وتم عزله نهائيا عن أنشطة المجتمع الدولي وتمت مقاطعته عربيا, وقضي على أدواره الاقليمية باجباره على إنهاء احتلاله للبنان وسحب قواته منه,والاشارة اليه, بالاجماع, على أنه المسؤول عن جريمة اغتيال الحريري, ومحاصرته بلجنة التحقيق الدولية التي سيصل رئيسها اليوم الى دمشق لاستكمال صورة الجريمة التي أصبحت صورة مكتملة, كما شكلت هذه الاوضاع الخارجة ظروفا منعت رئيس النظام من أن يكون عضوا في نادي رؤساء العالم الذين سيجتمعون في نيويورك بعد يومين.وبدل أن يحدث هذا النظام السوري مراجعة لكل هذه الظروف غير المرغوبة المحيطة به, يتمادى مع قدراته المتواضعة, اي في ارتكاب المزيد من الاخطاء السياسية, داخليا وخارجيا, والتي تستدرج المخاطر إليه, بينما هو يريد إبعادها عنه. وفي هذا الاطار المؤسف, لم يعد أمام رئيس النظام في دمشق الا رؤساء منظمات القتل المأجور ليلتقيهم ويتباحث معهم, قصدنا منظمات الرفض الفلسطينية التي أصبحت خارج المعادلة الوطنية, وتعسكر في العاصمة السورية او تمارس نضال الفنادق لا الخنادق, عارضة مسدساتها الكاتمة للصوت للايجار, وواضعة أزلامها في خدمة المخابرات المسؤولة عن التفجيرات وعمليات الارهاب الحاصلة الان في لبنان,عبر الاغتيال والتفجير هنا وهناك.الأسد, الفاقد الآن لاي دور في الداخل والخارج, استدعى هؤلاء الخارجين عن الاجماع الوطني الفلسطيني, ويقيمون في العاصمة السورية وفنادقها تحت إمرة أجهزة المخابرات وأوامرها, وأخذ يتباحث معهم لعدم وجود غيرهم يتحدث إليه, وطلب منهم وهم المنفذون لارادات غير ارادة بلدهم وسلطتهم, ان يواصلوا النضال, (هكذا), حتى قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.. رئيس النظام السوري, في ظروف الغيبوبة السياسية عن حقائق المنطقة والعالم, نسي ان القضية الفلسطينية أصبح لها أهلها ومراجعها وشرعيتها, تماما كما هي القضية العراقية الآن, والقضية الافغانية, فلماذا يؤثر الاجتماع بنفر ممن يدعون الانتماء إليها, وإن حملوا جنسيتها,وعلنا, ويعطيهم التوجيهات التي تصب في أماني استعادة اي دور لسورية, ولا تصب أبدا في مصلحة فلسطين? اذا كان يريدهم قناعا يحارب من خلفه فان لعبة استعارة الاقنعة قد انفضحت.واذا كان يريد النضال فعلا فانه لا يستدعي الآخرين الخائبين للنضال عنه, واذا كان يريد النضال فعلا فأمامه الجولان المحتل الذي لم يحرك ساكنا من أجل تحريره.نحن مختصون في ضياع الفرص, واللعب في الاوقات الفائضة, وزعاماتنا تتمادى في ارتكاب الاخطاء, لكن, وعلى رغم ذلك ثمة شعاع ضوء في آخر هذا النفق المظلم يبعث على الفرح والتفاؤل, فالشعوب بدأت تضحك من هذا الصنف من الزعماء المتحايلين,وتعي أفعالهم وألعابهم. وهذه الشعوب أخذت قضيتها بيدها, وبدأت تتشكل في حركات معارضة منتشرة الآن في اوروبا وأميركا, وتتموضع على مواقع الانترنت, وترفع صوتها مناديا بالحرية والديمقراطية, ومطالبا بالخلاص من كوابيس القهر والاستعباد والاذلال,والتعذيب والتسلط المافياوي.. هذه الشعوب بلغت سن الرشد السياسي, وتعرف أن الامور في بلدانها قد وسدت وأسندت الى غير أهلها, وبالتالي فان هؤلاء الزعماء المطلوبين للترحيل يعيشون آخر أيامهم, ولن ينجيهم منها رؤساء عصابات تسمى فصائل, يعرضون أنفسهم لتلبية أوامر الاجهزة, ويضعون مسدساتهم الكاتمة للصوت برسم التأجير, وتنفيذ عمليات القتل والاغتيال والترهيب.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home