إسهال فكري يزكم الأنوف
إسهال فكري يزكم الأنوف
عندما يكون الكاتب مستخدما وأجيرا لاغراض الدعاية السياسية, والتعبئة القومجية لابد له, وتحت ضرورات الالتزام بعمله, ان يصاب ب¯ »الاسهال الفكري«, والادلاء بالكلام الافتعالي والانفعالي, كما لابد له ان يعود الى نفسه, إما يتحسر عليها, وإما يفرح بالمكافأة العائدة إليه من وراء تأجير قلمه, وبيع أفكاره, وعرض عقله في أسواق النخاسة المخابراتية.ولدينا هنا نموذج صارخ على هذا النوع من الكتاب المستخدمين وهو بثينة شعبان, وزيرة المغتربين في الحكومة البعثية السورية, والتي تنشر لها الزميلة »الشرق الاوسط« بعض الصحف, إما مجاملة لمنصب الوزارة, او دفعا لشرور ممكن تجنبها.بثينة شعبان هذه تتدفق علينا بين فترة وأخرى باسهالاتها الفكرية ذات الرائحة الكريهة, مستهينة بعقول الناس, وبذاكرتهم الحاضرة, ومتجرئة عليهم بكذب الكلام وتناقضه, وفي حسبانها دائما أنه بالكذب المتمادي لابد وأن يصدقها العالم, حسبما تعودت في مدرسة التضليل التي تنتمي إليها, وتنهل منها, وتنطلق الى تضليل الآخرين, كونها مجبرة على إعادة تصدير الضلال مغلفا بكل لهجات الدعاية والتعبئة, وبكل التلاعب على القيم وقلب مفاهيمها.في آخر مقال للوزيرة شعبان صدر اول من امس نموذج صارخ للمعاني الآنفة, والاوصاف السالفة.. تقول في هذا المقال, ادعاء وافتراضا, ان رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري اغتيل لسببين اساسيين لا ثالث لهما:وقوفه ضد تجريد »حزب الله« من السلاح, ورفضه لاقامة قاعدة أميركية ضخمة في ميناء بيروت شبيهة بقاعدة »العديد« في قطر. وأضافت الى السببين سببا ثالثا أفردته لوحده وهو ان الحريري اغتيل ايضا لانه كان سندا لسورية وللبنان ولفلسطين, ولأنه كان قيمة مهمة للوضع العربي وتفاعلاته على المستوى الدولي, واغتياله جاء من اجل استكمال مخطط استهداف الجذوة العربية المتبقية والمتمثلة بالاواصر السورية اللبنانية (هكذا..!)مطلوب هذا الافتراض الهزيل من سيدة تعتبر بيدقا من بيادق النظام السوري وركائزه المخابراتية, وهذه بديهة في متناول كل الناس السوريين واللبنانيين وسائر العرب. لكن ما يذهل في الامر ان شعبان تناست كل ما تلى, قبل وبعد اغتيال الحريري من أحداث في الشارع اللبناني, ومن حقائق وقرارات واجراءات اتخذت على مستوى العالم, وبادر اليها المجتمع الدولي بغضب شديد, وأشار بأصابع الاتهام الى النظام السوري في جريمة الاغتيال.والتناسي, عندما يصبح قرارا للكاتب, لا ينفي الحقيقة, ولا ينجح في زرع قناعات أخرى في العقلين العربي والدولي.وعندما اغتيل الحريري انفجر الوضع الشعبي اللبناني الذي انتفض في الرابع عشر من مارس, وأجبر الاحتلال السوري وقواته ومخابراته على الخروج من لبنان.وقبل اغتيال الحريري كان النظام السوري واعوانه يشحنون الاجواء ضده, وقيل ان الرجل خطير, ساهم في صياغة القرار الدولي 1559 , وأنه يسعى لاخراج سورية واعوانها من لبنان, وأنه يجب ان يموت حتى لا يكبر ويصبح بمقدوره تنفيذ سياساته الخطيرة, ومنها تجريد حزب الله من سلاحه.وبعد ان اغتيل, وبعد ان تشكلت لجنة فيتزجيرالد الدولية لتقصي الحقائق وصدور تقريرها, وبعد ان شكلت لجنة ميليس الدولية للتحقيق في جريمة الاغتيال وصدور تقريرها, أصبح في متناول الرأي العام السوري, واللبناني والعربي والدولي صورة العديد من الحقائق, ومنها التعبئة النفسية ضد الحريري, وشحن النفوس بالكراهية له, كخطوة تمهيدية لقتله, ومنها ظهور تفاصيل الحوار بينه وبين بشار الاسد الذي هدده فيه بتدمير بيروت فوق رأسه اذا لم يوافق على تمديد ولاية لحود. ومنها تهديدات وليد المعلم, نائب وزير الخارجية السوري للحريري, وبأنه أصبح محشورا في الزاوية في موضوع التمديد للحود, ومنها تهديدات رستم غزالي, رئيس الاستخبارات السابق في لبنان بأنه »سيفتح كرشه ويكسر يده الثانية« اذا لم يمض في موضوع التمديد.. هذه التهديدات الارهابية مسجلة كلها , وموجودة لدى لجنة ميليس.تقرير لجنة التحقيق الدولية مدعوم بأدلة, والمسألة هنا ليست مسألة شاهد واحد على ممارسات أجهزة النظام السوري ضد الحريري, اذ هناك 400 شاهد عليها و60 الف وثيقة, إضافة الى اعترافات الجنرالات اللبنانيين الاربعة الموقوفين والتي تحدثوا فيها عن كل شيء.فكيف أصبح الحريري العدو مناضلا تم اغتياله لانه محب لسورية, كما تدعي بثينة شعبان? .. هذا الكذب ما هي ضرورته في هذا الظرف, وهل تريد الوزيرة شعبان بواسطته ان تسترضي رجال المخابرات السورية, وتجدد تقديم فروض الولاء والطاعة لهم, وهي التي تتسامر مع عائلاتهم في كل مساء?!ثم .. عندما تقول شعبان ان العرب غرقوا في نزاعاتهم, وتسوق الاتهامات لهم, فلم يأت النقد لعيب فيهم بل لانهم لم يقفوا مع أخطاء النظام السوري, سواء قبل خروج السوريين من لبنان, او بعد انسحابهم, ومنها جرائم الاغتيال, وارتكاب أعمال التفجير الشائنة في الاحياء المدنية واستهداف الابرياء, والسعي الكيدي لزعزعة الامن والاستقرار في البلد الذي ثار ضدهم, وتحرر من احتلالهم. ونحمد الله ان أحدا لم يعد يتهم الموساد والمخابرات الاميركية بارتكاب هذه الاعمال القذرة, وأصبح الجميع يهزأ من هذه الاتهامات لان الكل يعرف من هو الجاني ومن هو المرتكب, وكثيرا ما تكون الموساد والصهيونية واميركا وفرنسا الشماعة التي يعلق عليها الكثير من المجرمين جرائمهم في العالم العربي.إسهالات بثينة شعبان الفكرية أزكمت أنوفنا بالفعل, ولم نكن لنرد عليها لو لم تكن وزيرة للمغتربين السوريين الذين نتمنى ان تنجح في اعادتهم الى وطنهم الذي هربوا منه, وتركوه للطارئين الذين يحكمونه. ونحن عندما نكتب هذا الكلام بكل نقاء وطني فانما لاننا نريد عالما عربيا نظيفا ليس فيه انظمة تغتال البشر وتلاحق المعارضين, واهل الفكر الوطني النقي, اذ يكفي ما مر بنا من اهوال وحان الوقت لان ينعم المواطن العربي بحياة حرة كريمة.والى الوزيرة بثينة شعبان: وا... عيباه!
0 Comments:
Post a Comment
<< Home