Monday, July 23, 2007

هل كان الرسول أمياً بالفعل !؟

هل كان الرسول أمياً بالفعل !؟
GMT 4:00:00 2007 الإثنين 23 يوليو
الرياض السعودية

فهد عامر الأحمدي


قبل سنوات طويلة تحدثت بين مجموعة من الأقارب عن معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت في نهاية كلامي: "ثم لا تنسوا أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب" ..وحينها انتفض رجل بسيط من مكانه وقال اتق الله يارجل فكلامك فيه تهمة وتقليل من مكانة النبي الكريم!
وأصدقكم القول أنني - حتى أثناء محاولتي إقناعه بأمية الرسول - لم أكن مرتاحاً لإثبات جهل نبينا بالقراءة والكتابة (كون المنطق يفرض عكس ذلك).

واليوم أصبحت أقل حماساً لإثبات هذا الأمر، وبدأت أتساءل إن كان الرسول بالفعل أمياً لا يقرأ ولا يكتب - وإن كان القول بعكس ذلك يخالف الإيمان أم يثبته!؟

.. وللأمانة يجب أن نشير الى أن وصف الرسول بالأمية جاء صراحة في آيتين كريمتين هما (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته)، (والذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل)

.. ولكن حين نعود لقواميس اللغة نجد أن "الأمية" تعني:

1- الجهل بقضية معينة ( مثل قولك أنا أمي فيما يخص الكمبيوتر).

2- الجهل بالقراءة والكتابة على وجه التحديد.

3- كما يأتي "الأمي" بمعنى الرجل العيي الجلف القليل الكلام وهي صفة ننزه نبينا الكريم عنها.

وهكذا لا يبقى أمامنا غير المعنى الأول والثاني الأمر الذي يتطلب مراجعة الآيات المعنية في القرآن الكريم.. ولو تأملنا سياق الآيات (التي تضم كلمة أمي أو أميين) ندرك أن "الأمية" أتت فيها بمعنى الجهل الديني وعدم العلم بالكتب السماوية ..فالرجل "الأمي" هو الذي لم يُنزل عليه كتاب ولم يعمل بنهج سماوي، و"الأميين" الجماعة التي لم ينزل فيها دين أو كتاب سماوي كحال العرب قبل الإسلام (حيث تقابل كلمة الأميين كلمة الكتابيين، أو أهل الكتاب، في القرآن الكريم).

.. فالعرب - من حيث الجهل بالقراءة والكتابة - لم يعانوا من الأمية المطلقة ولم يكونوا أسوأ حالاً من الأمم حولهم (بل على العكس كانت معلقات الشعراء تعلق على الكعبة، وكانت الصحف المكتوبة تتداول بسوق عكاظ، وكان تعليم الغير شرطاً لإطلاق أسرى قريش).

وبناءً عليه ليس دقيقاً وصف العرب بالأمية الكتابية (على الأقل بمطلق الكلمة) في حين يصدق وصفهم ب (الأمية الدينية) كونهم لم ينزل عليهم كتاب سماوي ولم يبعث فيهم رسول قبل محمد عليه الصلاة والسلام

.. وما يعزز هذا المفهوم ربط أمية العرب بالضلال الديني - وليس بالقراءة والكتابة - في قوله تعالى (هوَ الذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً منهم يَتلو عَلَيءهِمء آيَاتِهِ وَيُزَكيهِمء وَيُعَلِمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكءمَةَ وَإِن كَانوا مِن قَبلُ لفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) وكذلك تعامل أهل الكتاب معهم على هذا الأساس حيث قالوا ( ليءسَ عَلينا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) وأيضاً وجود آيات تجمع الأميين والكتابيين - بنفس المستوى - مثل (وَقل للذِينَ أوتواء الكتَابَ وَالأمّيِّينَ أَأَسلمتمء فإِنء أَسلمواء فقد اهتدَوا).

.. هذا من جانب.. ومن جانب آخر أخشى أن لا يتفق القول بأمية الرسول مع آيات كثيرة تتعلق بشخصيته المباشرة . فالله أعلم بحال نبيه حين أمره بالقراءة في أول كلمة نزلت عليه (اقرأ) . وحين طلب منه جبريل ذلك رفض - من هول الموقف - وقال "ما أنا بقارئ" ولم يقل مثلاً لا أعرف أو لا أعلم ..وبعد أن توالى عليه الوحي لم يتهمه المشركون بالجهل والأمية بل على العكس اتهموه بإتقان حرفة الكتابه (وقالوا أَسَاطيرُ الأَولِين اكتتبهَا فهِي تملى عَلَيءهِ بُكرة وَأَصِيلا ) وحين أراد الله تزكيته من هذه التهمة ماذا قال؟ (رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يتلو صُحفا مطهرة)!

.. على أي حال: لاحظ أننا نحاول إثبات أمر إيجابي لم يخرج عن الإطار اللغوي أو السياق القرآني.. ومعرفة الرسول بالقراءة والكتابة لا تتعارض مع وصفه ب (النبي الأمي) كونها تصدق على أميته الدينية وجهله بالأديان والكتب السابقة له وبالتالي تنزيهه من تهمة النقل عنها.

Wednesday, July 18, 2007

القلمون بلدة الـ 30 أستاذاً جامعياً هل تتحوّل «وزيرستان لبنان»؟

القلمون بلدة الـ 30 أستاذاً جامعياً هل تتحوّل «وزيرستان لبنان»؟
أحد جوامع البلدة (طوني أوريان)
غسان سعود ــ غريس حداد

هي «الإمارة الإسلامية» الأولى، كما يسميها أحد الصحافيين الأجانب، أو «وزيرستان لبنان»، (تيمّناً بمقاطعة وزيرستان على الحدود الباكستانية - الأفغانية حيث النفوذ القوي لحركة «طالبان»)، بحسب مسؤول دولي سابق. القلمون، التي لا يعرفها معظم أبناء «جيل الأوتوستراد» أو الطريق الجديد، يحتفظ جيلها السابق بذكريات طيبة عن «الليموناضة» وماء الزهر اللذين تشتهر بهما، ويذكر جيداً شارع العشاق المزدحم بـ«القلمونيات» اللواتي كنّ، وما زلن، يرفضن الزواج غير المسبوق بقصة حب

يتناقل صحافيون أجانب زاروا الشمال أخيراً، لتغطية أحداث نهر البارد، أخباراً مثيرة عن الملامح الأولى لـ«إمارة إسلامية» قيد النشوء في هذه المنطقة. والمفاجأة أن هؤلاء لا يتحدثون عن مناطق طرابلسية يغلب عليها الطابع الإسلامي، مثل القبّة أو أبو سمرا أو الزاهرية، بل عن القلمون، تلك البلدة الهادئة الممتدة بين دير البلمند شمالاً والبحر جنوباً، التي تعرف وسط الشماليين بـ«بلدة الـ30 أستاذاً جامعياً»، نظراً إلى صغر مساحتها وكثافة عدد المتعلّمين فيها.
للوهلة الأولى، لا تبدو البلدة، لزائرها، مختلفة عن غيرها من القرى والبلدات والمدن السنيّة في لبنان: صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله سعد في كل مكان، إلى جانب صور الرئيس العراقي السابق صدّام حسين والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. لكن التوغّل أكثر في شوارع البلدة، يكشف «صوراً» أخرى: معظم الرجال يرخون لحاهم ويرتدون اللباس الشرعي، حالهم كحال النساء. «أستغفر الله»، يردّ صاحب أحد المحال التجارية لدى سؤاله عمّا إذا كان يبيع الخمرة، علماً أن في البلدة حيّاً يعرف بـ«عين الخمّارة»، تيمّناً بخمّارة شهيرة كانت موجودة هناك قبل سنوات قليلة. عبارة الاستغفار نفسها تتردد لدى سؤال شبان مجتمعين في أحد مقاهي البلدة عمّا إذا كانت أفراحهم مختلطة، علماً أن هذه المقاهي نفسها كانت تعجّ قبل بضع سنوات بصبايا يرقصن وسط الشباب على أنغام الأغاني العاطفية، فيما الموسيقى باتت أيضاً من الأمور شبه المحظورة في هذه البلدة.
مساجد البلدة تجتذب أعداداً كبيرة من الشبان، وتبدو أشبه بخلايا نحل، يؤمّها شبان من كل الأعمار، يقرأون، ويتناقشون بصوت منخفض، فيما يصطحب آباء أبناءهم إلى إحدى الغرف المعدّة لتعليمهم مبادئ الدين الإسلامي. ويقول حسن ملاط إن سلفيّي بلدته لم يحتاجوا الى إرشاد مباشر من رجال دين غرباء بسبب سفر بعضهم الى الخليج لفترات طويلة، ولغنى مكتبات جوامعهم بالكتب والمنشورات السلفيّة.صيادو سمك على ساحل القلمون (فريد بوفرنسيس)
اهتمام الشباب المتديّن يتجاوز الاطلاع على أوامر الدين ونواهيه في مجال العبادات والمعاملات، الى متابعة أحوال المسلمين في العالم عبر أقراص مدمجة تعرض وجهة نظر السلفيّة من «القمع اللاحق بالمسلمين في شتى أنحاء العالم»، إذ إن «من أصبح وأمسى ولم يهتم بأمور المسلمين ليس منهم»، بحسب الحديث الشريف الذي يردده محدّثنا العشريني، موضحاً أن متابعته لـ«الظلم اللاحق بالمسلمين في كوسوفو عبر هذه الأقراص شجّعني على البحث عن الوسيلة الأفضل لرفع كلمة الإسلام عالياً».
بعض أبناء القلمون يتجنّبون الحديث الى الإعلام خشية تشويه صورتهم، وخصوصاً بعد اعتقال القوى الأمنية نحو عشرة شبان من البلدة، وصدور مذكرات توقيف في حق بعضهم بتهمة الانتماء إلى تنظيم «فتح الإسلام» أو تأييده. وهم يجمعون على استنكار هذه «الاعتقالات الاعتباطيّة»، مؤكدين أن المعتقلين يتصفون بـ«الأخلاق الحميدة والسلوك الحسن»، رافضين إلصاق تهمة الإرهاب بكل من يرخي لحيته، ولافتين إلى أن بعض الموقوفين منحدرون من عائلات مرموقة لها وجود تاريخي في المنطقة ومصالح تجارية في أكبر دول العالم. ويؤكد أهالي البلدة وجود قاسم مشترك لدى معظم الموقوفين: «العداء للشيعة» و«تأييد تيار المستقبل».
غير أن هذا التأييد لا يمنع من أن تكون لسلفيّي القلمون نظرة مغايرة الى الصراع الدائر بين «فتح الإسلام» والجيش، وهم أصرّوا، وفقاً لأحد شيوخ البلدة، على غسل جثة المغوار رامز حمزة الذي قضى في مواجهات البارد، «علماً أن الشهيد وفق الشرع الإسلامي لا يُغسل»، وأكثروا خلال تشييعه من الدعاء لله لكي يغفر له «قتاله المؤمنين».
كيف برز التيار السلفي ونما في هذه البلدة التي كانت، الى أمد قريب، يغلب عليها الطابع العلماني؟
العضو السابق في المجلس الأعلى للحزب القومي السوري الاجتماعي زهير حكم يعيد هذا التطور إلى «وقائع تاريخية ــــــ سياسية موضوعية»، معتبراً أن «استبداد المشايخ حتى منتصف القرن الماضي بالقلامنة دفعهم إلى النفور من التديّن والانتساب إلى الأحزاب العلمانية، وخصوصاً الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي زار مؤسسه أنطون سعادة البلدة ثلاث مرات عاميْ 1937 و1947، وقبل اغتياله عام 1949». ومن «القومي» إلى «البعث»، فـ«الناصري»، حافظ أبناء القلمون على الانتماء العلماني، ولاحقاً، مع بروز الأحزاب الفلسطينية، انتمى كثيرون منهم إلى حركة «فتح» التي لا تزال تتمتع بتنظيم فاعل في البلدة. ويضيف حكم أنه منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، بدأت المجموعات الإسلامية بالظهور، وخرجت أولاها، «عباد الرحمن»، من القلمون إلى مختلف المناطق اللبنانية بعدما أسست في القلمون مدرسة «المنار» واهتمت بالشؤون التربوية حصراً، ما ساعدها على استقطاب الكثير من أهل البلدة الذين كان هدفهم الرئيس متابعة تحصيلهم العلمي. ومن رحم «عباد الرحمن» انبثقت «الجماعة الإسلامية» التي حازت في القلمون نسبة كبيرة جداً من المؤيدين، فيما لم تنجح «حركة التوحيد الإسلامي» التي أسسها الشيخ الراحل سعيد شعبان في اختراق الحياة الاجتماعية ـــــ السياسية في هذه البلدة، حتى في عزّ نفوذ حركته في منتصف الثمانينيات.
لكن انضباط المنضوين إلى صفوف «الجماعة» ونظامها الصارم، دفع كثيرين، بحسب المحامي رشيد كركر، إلى الخروج عن تعاليمها في مطلع التسعينيات وفتح قنوات اتصال مع المجموعات السلفية «الجهادية» المنتشرة في العالم العربي، وخصوصاً في السعوديّة. تجاهل هؤلاء القضايا السياسية التي انغمست فيها الجماعة، وركّزوا جهودهم على معالجة هواجس الأهالي والإجابة عن أسئلتهم الروحية والاجتماعية، وتقديم المساعدات الماديّة لهم، مستفيدين من تبرّعات قلامنة الخليج، ما ساعدهم على تعزيز نفوذهم.
عشية الانتخابات النيابية عام 1992، نظّم سلفيّو القلمون تحركهم العلني الأول رفضاً للمشاركة في انتخابات «في ظل نظام لا يمثل المسلمين»، وكثّفوا من نشاطاتهم، وعمدوا إلى نشر مبادئهم، بالترغيب حيناً، والترهيب أحياناً كثيرة، كرمي إصبع ديناميت قرب قاعة للأعراس، أو تمرير كلمة سر لمقاطعة كل من يبيع «منكراً» في محله، أو يفتح مطعمه أو مقهاه في أوقات الصوم في شهر رمضان.
لم يعترض علمانيّو البلدة، بجديّة، على هذه التصرفات، فيما لم تجد «الجماعة الإسلامية»، بحسب أحد المشايخ السلفيّين، في نموّهم ما يخيفها، وخصوصاً أن لا مرجعية سياسية لهم، ولا يوجد في وسطهم معادون لها. والأهم من ذلك أنهم كانوا يقترعون في الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية وفق توجّهات قيادة الجماعة. ولفت كركر إلى أن هذه المجموعات تتبع حالياً أسلوب العمل الملتبس والمثمر نفسه مع تيار «المستقبل». ففي الانتخابات البلديّة اقترع السلفيون، وهم الأكثرية، لـ«الجماعة»، ثم جاهروا في الانتخابات النيابية بتأييدهم «المستقبل»، فاقترعوا للائحة «زي ما هيّي» كاملة من دون أي تردد، على رغم أن أكثر من 20 شاباً من البلدة قضوا، بحسب أحد القلامنة، على أيدي مسلحي «القوات اللبنانية» التي هجّرت خلال الحرب أهالي القلمون وأعدمت مسنّين رفضوا ترك أرضهم.
تتعايش في القلمون اليوم، بحسب أحد مشايخها، أربع مجموعات سلفية رئيسية تضم وجوهاً ثقافية وأكاديمية نخبويّة، وأبرز ما يجمعهم التشدد المذهبي. ويؤكد الشيخ نفسه أن القوى الأمنية عثرت على أسلحة في معظم المنازل التي دهمتها في البلدة، وتمكنت من اكتشاف «خليتين جهاديتين» من القلامنة كانتا «نائمتين» وسط الأهالي «في انتظار التعليمات».
يعتقد أحد أبناء البلدة، من الغائصين في تاريخها، أن الدور المرسوم للبلدة في تصوّر السلفيّين الجهاديين يعيدها مئات السنوات إلى الوراء، عندما نشأت بحجة علنية هي استثمار الازدهار التجاري الناشئ من مبيت القافلات المتجهة إلى طرابلس في «خان غازي» في القلمون، فيما كان «الهدف السري» حماية خاصرة طرابلس «مدينة المسلمين». ويشير المؤرخ القلموني إلى توزع أهالي البلدة التي لا يزيد عدد ناخبيها على ثلاثة آلاف، على 103 عائلات، الأمر الذي يضعف الروابط العائلية ويعزز العامل المذهبي والعصبية القلمونية. لذا يصعب على الغرباء اختراق نسيجهم أو اكتشاف ما يدور داخل جدران منازلهم. ويلفت الى وجود «ازدواجية» يصعب تفسيرها، لا تكمن في تأييد تيار «المستقبل» والتعاطف مع «فتح الإسلام» فحسب، بل في احتضانهم آثاراً مسيحية مهمة في مغارة القديسة مارينا في القلمون لعقود طويلة قبل تحطيمها ردّاً على الذبح على الهوية، تماماً كما يرسلون أبناءهم إلى مدارس المسيحيين وجامعاتهم ثم يكمن بعضهم للرهبان المتوجهين إلى دير البلمند، وتماماً كما يحظرون بيع الخمر في بلدتهم، فيما يتغاضون عن المجمعات البحرية وبيوت الدعارة الموجودة بكثافة عند أطراف البلدة!
يهزّ المؤرخ العلماني رأسه وهو يعدّد هذه الظواهر، وغيرها، قبل أن يقول إن «التجارة مع الله ربّيحة» بالنسبة إلى البعض، فلقب شيخ لخارجٍ من بيئة اجتماعية مهمّشة تجعله قادراً على صنع المستحيل.

سكانها يستعيدون كابوس «إمارة التوحيد» بعد 22 سنة على سقوطها ... طرابلس تثير شهية «الإسلاميين» وأهلها «يقاومون» ويتمسكون بالدولة

سكانها يستعيدون كابوس «إمارة التوحيد» بعد 22 سنة على سقوطها ... طرابلس تثير شهية «الإسلاميين» وأهلها «يقاومون» ويتمسكون بالدولة
طرابلس (شمال لبنان) – باسم البكور الحياة - 18/07/07//


سوق شعبي في المدينة
يقف محمد أفيوني على شرفة منزله المطلة على قلب طرابلس من منطقة أبي سمراء. يتكئ قليلاً على «درابزون» الشرفة، ثم يسرّح نظره في تقاسيم المدينة التي نشأ في كنفها وترعرع بين أزقتها العتيقة.

يقول الرجل الستيني بعد تنهيدة عميقة: «لم تعد طرابلس كما كانت عليه قبل بضعة عقود من الزمن. إذ شوّه بعض أبنائها صورتها باسم الإسلام». ثم يشير بيمينه الى الجزء الظاهر من طلعة الرفاعية، قائلاً: «لهذا المكان قصة مع «إسلاميي» طرابلس الذين «حكموا» المدينة بين عامي 1982 و1985. كانوا ينصبون حاجزاً في آخر الطلعة بعد العاشرة ليلاً، ثم يعمدون الى توقيف السيارات بقوة السلاح، ويطلبون من سائقها فتح فمه ليشمّوا رائحته. فإن اكتشفوا انه كان في سهرة شرب خلالها الخمر... أوسعوه سباباً وشتائم وركلاً وضرباً بأعقاب بنادقهم(...) كان هؤلاء يمارسون على الأرض أفعالاً تتناقض كلياً مع أحكام الآيتين القرآنيتين الكريمتين: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» و «أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟»، ما جعل الناس ينفرون منهم ومما يدعون إليه غصباً».

يتحدث أفيوني بكثير من الألم عن تلك الفترة التي أحكمت فيها «حركة التوحيد الإسلامي» قبضتها على عاصمة الشمال اللبناني، فحكمتها بالنار والبارود، ومنعت فيها المسابح والملاهي ودور السينما. وألبست طرابلس الحجاب عنوة، معلنة إياها «إمارة إسلامية» خاضعة لأمرة «أمير الحركة» الشيخ سعيد شعبان الذي توفي في مطلع حزيران (يونيو) 1998.

ويصف غالبية الطرابلسيين حقبة إمارة التوحيد بـ «النقطة السوداء» في تاريخ المدينة، جرّت - ولا تزال – على طرابلس صورة «نمطيّة» جزئية وظالمة لا تمثل تاريخ المدينة وهويتها. وعلى رغم هزيمة «حركة التوحيد» أمام القوات السورية في المعركة الشهيرة عام 1985، إلا ان حلم «الإمارة» الإسلامية ظل يراود أميرها شعبان سنوات بعد سقوطها. ويتذكر الطرابلسيون كيف منع شعبان صاحب سينما «ريفولي» في طرابلس عرض فيلم «الإرهابي» لعادل إمام في آذار (مارس) 1994، بعدما هدّد بـ «تفجير» الصالة في حال عرض الفيلم المصري، بحجة انه «يسيء الى الإسلام ويشوّه صورة الجماعات الإسلامية في الوطن العربي».

تلك الحادثة وسواها من الممارسات المماثلة، السابقة واللاحقة، ساهمت في رسم صورة مشوّهة عن طرابلس التي باتت تصفها وسائل الإعلام المحلية والدولية بأنها «مدينة التطرّف» و «موئل التكفيريين» في لبنان، على رغم ان أهل المدينة كانوا في طليعة الرافضين لـ «إمارة التوحيد» وأكثرهم تضرراً من ممارساتها. ولا يتردد مصطفى مستو (58 سنة)، وهو مرشد تربوي، في وصف تلك الحقبة بـ «الكابوس» الذي خيّم على المدينة خلال النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، معتبراً ان الطرابلسيين اكتشفوا ان شعار «الإسلام هو الحل» الذي رفعه إسلاميو المدينة آنذاك، كان فارغاً: «إذ وجدنا قمعاً... وليس حلولاً أو بدائل اجتماعية وثقافية. فوقعنا تحت تأثير صدمتين متتاليتين: صدمة «الإسلام هو الحل» التي طبقها هؤلاء علينا بالرعب والترهيب، بعد صدمة «العروبة» التي أصابتنا عقب هزيمة 1967». ويعزو نبيل عرابي (40 سنة)، وهو مدرّس، تلك الصدمة الى ان»الشعارات التي رفعها إسلاميو المدينة (ومنها شعار «الإسلام هو الحل») برّاقة وتضرب على وتر ديني حساس، في حين لم تكن ممارساتهم على الأرض تمت بصلة إلى التعاليم الدينية السمحة، بل كانت تطبيقات هوائية شاذة».

كابوس «إمارة التوحيد» الذي حوّل نهارات طرابلس ليالي حزينة وكئيبة بين عامي 1982 و1985، يعيش الطرابلسيون اليوم هاجسه بعدما كادت مدينتهم ان تتحوّل مرة ثانية «إمارة إسلامية» على يد شاكر العبسي هذه المرة، وتحت لواء «فتح الإسلام» بدلاً من راية «التوحيد».

لكن، يبدو ان الطرابلسيين لا يُلدغون من جحر مرتين، بعدما تذوّقوا المرّ من كأس «الإسلاميين». ولعل هذا ما دفعهم أخيراً الى الالتفاف حول الجيش اللبناني في معركته المتواصلة منذ أكثر من خمسين يوماً مع تنظيم «فتح الإسلام». «إن سرّ وقوف الطرابلسيين الأخير مع الجيش يكمن في أنهم يرون فيه «خشبة خلاص» بعد سلسلة طويلة من الخيبات المتوالية»، بحسب تعبير مستو. إنه الالتفاف الذي يعكس عطش أهالي المدينة إلى فكرة الدولة التي كانت غائبة أو مغيّبة عنهم منذ ممانعتهم الشهيرة في دخول «دولة لبنان الكبير» في مطلع أيلول (سبتمبر) 1920، ما أدى الى حرمانهم من أبسط حقوقهم كعاصمة ثانية للوطن الوليد مع استقلال الجمهورية عام 1943. لكن ما الذي يجعل من عاصمة الشمال اللبناني محط أطماع الحالمين بـ «إماراتهم» الوهمية، ومثار «شهواتهم» السلطوية؟

لا شك في ان هوية طرابلس المحافظة، باعتبارها المدينة السنية الأولى في لبنان نسبياً، شكّل جاذباً مهماً للإسلاميين، فأقاموا فيها مؤسساتهم التربوية والصحية والخيرية... وحتى التجارية، حتى باتت المدينة مركز ثقل لـ «مشاريع» هؤلاء ونشاطاتهم. وبالتالي، «اعتمد الإسلاميون على هوية طرابلس الدينية لتكون ظهرهم المحمي، من دون ان يكون هؤلاء بالضرورة ناطقين باسم المدينة»، بحسب تعبير مدير الفرع الثالث لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية عاطف عطية، لافتاً الى ان طرابلس ليست موقع حماية لهؤلاء، «ولكنها في موقع قبول وجودهم بسبب التوازنات الطائفية التي تحكم البلد. إذ دلّت الحوادث الأخيرة ان ثمة تفكيراً بأن تكون طرابلس «بيضة القبّان» (السنية» الموازية لـ «بيضة» الضاحية الجنوبية لبيروت (الشيعية)».
أحد الأحياء الجديدة في طرابلس (الحياة)


وعلى رغم كون طرابلس مدينة محافظة وتقليدية، «إلا أنها ليست مدينة التطرف والتكفير»، بحسب تعبير الأستاذ الجامعي والكاتب السياسي عبدالغني عماد، مفسراً سبب انجذاب إسلاميي لبنان الى طرابلس بأنها واحة من الاعتدال والتسامح، ما جعلها موئلاً أيضاًَ لتيارات أخرى، علمانية... وقومية، وليس إسلامية فحسب. «وعندما توصف المدينة بأنها محافظة وتقليدية فهذا التوصيف ليس جامداً وثابتاً، إذ له أسباب سوسيولوجية وتاريخية. فهي منذ الاستقلال حُرمت من أبسط حقوقها كعاصمة ثانية، وجرى تهميش منظم لدورها وموقعها في الجمهورية الناشئة، واستمر ذلك مع الجمهورية الثانية بعد الطائف (1989)، مضافاً إليه تسلّط مخابراتي وأمني طاول حياتها السياسية».

ويشير عماد الى ان طرابلس في الذاكرة التاريخية لأبنائها هي مدينة العلم والعلماء وقلعة العروبة والإسلام. ومع ذلك، لم تُخفِ المدينة تطلعها يوماً نحو حداثة حُرمت منها، ونحو تنمية طالبت بها، ومشاركة سلبت منها، وهي عبّرت عن هذا في مناسبات كثيرة.

وإذا كانت الصورة المتداولة إعلامياً عن طرابلس اليوم توحي بأنها «حصن منيع» للإسلاميين في لبنان، إلا ان الواقع يبيّن انه ليس للإسلاميين في هذه المدينة تلك السطوة أو الهيمنة التي يتخيّلها كثير من الإعلاميين والسياسيين. إذ خسر إسلاميو طرابلس منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، الكثير من شعبيتهم ومواقعهم ومراكز القوى لديهم. ويلاحظ عماد في هذا السياق ان هؤلاء لم يستطيعوا الحفاظ على مركز نيابي حصلوا عليه في ظروف استثنائية في الانتخابات النيابية عام 1992. ولا استطاعوا الحفاظ على حصتهم في المجلس البلدي والمجالس الاختيارية التي تدنت الى أدنى مستوى، فضلاً عن دورهم الهامشي في كل المعارك الانتخابية لنقابات المهن الحرة محامين، أطباء، مهندسين... وصيادلة)، إضافة الى ما تبقى من مؤسسات المجتمع المدني... ودورهم المتراجع على المستوى الطالبي والجامعي.

ويستطرد عماد ان ذلك لا يعني التقليل من دور إسلاميي طرابلس وحجمهم، بقدر ما هو دعوة الى عدم المبالغة وإلى الواقعية. «ومن هذا المنطلق يمكن القول ان مناطق التهميش الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس والضنية وعكار تشكل بؤراً طبيعية لاستقطاب الشباب ولنمو دعوات التطرّف وسلوكيات العنف والانحراف الاجتماعي. وليس في هذا خصوصية طرابلسية، بقدر ما فيه من خصوصية سوسيولوجية لها علاقة بالقهر الاجتماعي والبطالة والأمية وغياب مشاريع التنمية وتكافؤ الفرص».

وإذا كانت هوية المدينة وطبيعتها المحافظة جعلتها في السنوات الأخيرة مقصداً للإسلاميين من كل التيارات، من «الأحباش»... الى السلفيين، ما شجع بعضها على فتح مراكز ومدارس كثيرة تحت شعار الدعوة ونشر «الثقافة الإسلامية»، من دون حسيب ولا رقيب على المناهج والدروس التي تلقى فيها، «فإن بعض الجمعيات والأحزاب والحركات الإسلامية تدفقت عليها الأموال الإيرانية في إطار الصراع والانقسام السياسي الدائر في لبنان، والسعي لإحداث اختراق في الساحة السنية، لكسر احتكار تمثيلها من قبل «تيار المستقبل»، بحسب رأي عماد.

ويرى بعض الطرابلسيين ان «تيار المستقبل» ساهم في إضعاف شعبية الحركات الإسلامية في المدينة، لأنه احتضن «كتيار سني» العاطفة الشعبية التي كانت تساهم بدورها في تشكيل دعم بشري أساسي لإسلاميي الشمال اللبناني عموماً. «والطريف في الأمر - يقول عماد – ان تنظيم «فتح الإسلام» أعلن انه جاء لنصرة أهل السنة في لبنان (انطلاقاً من طرابلس أو جوارها)، فوجد أشد أنواع المقاومة ممن ادعى انه جاء لنصرتهم»!


سكانها يستعيدون كابوس «إمارة التوحيد» بعد 22 سنة على سقوطها ... طرابلس تثير شهية «الإسلاميين» وأهلها «يقاومون» ويتمسكون بالدولة


طرابلس (شمال لبنان) – باسم البكور الحياة - 18/07/07//












سوق شعبي في المدينة
سوق شعبي في المدينة
يقف محمد أفيوني على شرفة منزله المطلة على قلب طرابلس من منطقة أبي سمراء. يتكئ قليلاً على «درابزون» الشرفة، ثم يسرّح نظره في تقاسيم المدينة التي نشأ في كنفها وترعرع بين أزقتها العتيقة.


يقول الرجل الستيني بعد تنهيدة عميقة: «لم تعد طرابلس كما كانت عليه قبل بضعة عقود من الزمن. إذ شوّه بعض أبنائها صورتها باسم الإسلام». ثم يشير بيمينه الى الجزء الظاهر من طلعة الرفاعية، قائلاً: «لهذا المكان قصة مع «إسلاميي» طرابلس الذين «حكموا» المدينة بين عامي 1982 و1985. كانوا ينصبون حاجزاً في آخر الطلعة بعد العاشرة ليلاً، ثم يعمدون الى توقيف السيارات بقوة السلاح، ويطلبون من سائقها فتح فمه ليشمّوا رائحته. فإن اكتشفوا انه كان في سهرة شرب خلالها الخمر... أوسعوه سباباً وشتائم وركلاً وضرباً بأعقاب بنادقهم(...) كان هؤلاء يمارسون على الأرض أفعالاً تتناقض كلياً مع أحكام الآيتين القرآنيتين الكريمتين: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» و «أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟»، ما جعل الناس ينفرون منهم ومما يدعون إليه غصباً».


يتحدث أفيوني بكثير من الألم عن تلك الفترة التي أحكمت فيها «حركة التوحيد الإسلامي» قبضتها على عاصمة الشمال اللبناني، فحكمتها بالنار والبارود، ومنعت فيها المسابح والملاهي ودور السينما. وألبست طرابلس الحجاب عنوة، معلنة إياها «إمارة إسلامية» خاضعة لأمرة «أمير الحركة» الشيخ سعيد شعبان الذي توفي في مطلع حزيران (يونيو) 1998.


ويصف غالبية الطرابلسيين حقبة إمارة التوحيد بـ «النقطة السوداء» في تاريخ المدينة، جرّت - ولا تزال – على طرابلس صورة «نمطيّة» جزئية وظالمة لا تمثل تاريخ المدينة وهويتها. وعلى رغم هزيمة «حركة التوحيد» أمام القوات السورية في المعركة الشهيرة عام 1985، إلا ان حلم «الإمارة» الإسلامية ظل يراود أميرها شعبان سنوات بعد سقوطها. ويتذكر الطرابلسيون كيف منع شعبان صاحب سينما «ريفولي» في طرابلس عرض فيلم «الإرهابي» لعادل إمام في آذار (مارس) 1994، بعدما هدّد بـ «تفجير» الصالة في حال عرض الفيلم المصري، بحجة انه «يسيء الى الإسلام ويشوّه صورة الجماعات الإسلامية في الوطن العربي».


تلك الحادثة وسواها من الممارسات المماثلة، السابقة واللاحقة، ساهمت في رسم صورة مشوّهة عن طرابلس التي باتت تصفها وسائل الإعلام المحلية والدولية بأنها «مدينة التطرّف» و «موئل التكفيريين» في لبنان، على رغم ان أهل المدينة كانوا في طليعة الرافضين لـ «إمارة التوحيد» وأكثرهم تضرراً من ممارساتها. ولا يتردد مصطفى مستو (58 سنة)، وهو مرشد تربوي، في وصف تلك الحقبة بـ «الكابوس» الذي خيّم على المدينة خلال النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، معتبراً ان الطرابلسيين اكتشفوا ان شعار «الإسلام هو الحل» الذي رفعه إسلاميو المدينة آنذاك، كان فارغاً: «إذ وجدنا قمعاً... وليس حلولاً أو بدائل اجتماعية وثقافية. فوقعنا تحت تأثير صدمتين متتاليتين: صدمة «الإسلام هو الحل» التي طبقها هؤلاء علينا بالرعب والترهيب، بعد صدمة «العروبة» التي أصابتنا عقب هزيمة 1967». ويعزو نبيل عرابي (40 سنة)، وهو مدرّس، تلك الصدمة الى ان»الشعارات التي رفعها إسلاميو المدينة (ومنها شعار «الإسلام هو الحل») برّاقة وتضرب على وتر ديني حساس، في حين لم تكن ممارساتهم على الأرض تمت بصلة إلى التعاليم الدينية السمحة، بل كانت تطبيقات هوائية شاذة».


كابوس «إمارة التوحيد» الذي حوّل نهارات طرابلس ليالي حزينة وكئيبة بين عامي 1982 و1985، يعيش الطرابلسيون اليوم هاجسه بعدما كادت مدينتهم ان تتحوّل مرة ثانية «إمارة إسلامية» على يد شاكر العبسي هذه المرة، وتحت لواء «فتح الإسلام» بدلاً من راية «التوحيد».


لكن، يبدو ان الطرابلسيين لا يُلدغون من جحر مرتين، بعدما تذوّقوا المرّ من كأس «الإسلاميين». ولعل هذا ما دفعهم أخيراً الى الالتفاف حول الجيش اللبناني في معركته المتواصلة منذ أكثر من خمسين يوماً مع تنظيم «فتح الإسلام». «إن سرّ وقوف الطرابلسيين الأخير مع الجيش يكمن في أنهم يرون فيه «خشبة خلاص» بعد سلسلة طويلة من الخيبات المتوالية»، بحسب تعبير مستو. إنه الالتفاف الذي يعكس عطش أهالي المدينة إلى فكرة الدولة التي كانت غائبة أو مغيّبة عنهم منذ ممانعتهم الشهيرة في دخول «دولة لبنان الكبير» في مطلع أيلول (سبتمبر) 1920، ما أدى الى حرمانهم من أبسط حقوقهم كعاصمة ثانية للوطن الوليد مع استقلال الجمهورية عام 1943. لكن ما الذي يجعل من عاصمة الشمال اللبناني محط أطماع الحالمين بـ «إماراتهم» الوهمية، ومثار «شهواتهم» السلطوية؟


لا شك في ان هوية طرابلس المحافظة، باعتبارها المدينة السنية الأولى في لبنان نسبياً، شكّل جاذباً مهماً للإسلاميين، فأقاموا فيها مؤسساتهم التربوية والصحية والخيرية... وحتى التجارية، حتى باتت المدينة مركز ثقل لـ «مشاريع» هؤلاء ونشاطاتهم. وبالتالي، «اعتمد الإسلاميون على هوية طرابلس الدينية لتكون ظهرهم المحمي، من دون ان يكون هؤلاء بالضرورة ناطقين باسم المدينة»، بحسب تعبير مدير الفرع الثالث لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية عاطف عطية، لافتاً الى ان طرابلس ليست موقع حماية لهؤلاء، «ولكنها في موقع قبول وجودهم بسبب التوازنات الطائفية التي تحكم البلد. إذ دلّت الحوادث الأخيرة ان ثمة تفكيراً بأن تكون طرابلس «بيضة القبّان» (السنية» الموازية لـ «بيضة» الضاحية الجنوبية لبيروت (الشيعية)».








أحد الأحياء الجديدة في طرابلس (الحياة)
أحد الأحياء الجديدة في طرابلس (الحياة)



وعلى رغم كون طرابلس مدينة محافظة وتقليدية، «إلا أنها ليست مدينة التطرف والتكفير»، بحسب تعبير الأستاذ الجامعي والكاتب السياسي عبدالغني عماد، مفسراً سبب انجذاب إسلاميي لبنان الى طرابلس بأنها واحة من الاعتدال والتسامح، ما جعلها موئلاً أيضاًَ لتيارات أخرى، علمانية... وقومية، وليس إسلامية فحسب. «وعندما توصف المدينة بأنها محافظة وتقليدية فهذا التوصيف ليس جامداً وثابتاً، إذ له أسباب سوسيولوجية وتاريخية. فهي منذ الاستقلال حُرمت من أبسط حقوقها كعاصمة ثانية، وجرى تهميش منظم لدورها وموقعها في الجمهورية الناشئة، واستمر ذلك مع الجمهورية الثانية بعد الطائف (1989)، مضافاً إليه تسلّط مخابراتي وأمني طاول حياتها السياسية».


ويشير عماد الى ان طرابلس في الذاكرة التاريخية لأبنائها هي مدينة العلم والعلماء وقلعة العروبة والإسلام. ومع ذلك، لم تُخفِ المدينة تطلعها يوماً نحو حداثة حُرمت منها، ونحو تنمية طالبت بها، ومشاركة سلبت منها، وهي عبّرت عن هذا في مناسبات كثيرة.


وإذا كانت الصورة المتداولة إعلامياً عن طرابلس اليوم توحي بأنها «حصن منيع» للإسلاميين في لبنان، إلا ان الواقع يبيّن انه ليس للإسلاميين في هذه المدينة تلك السطوة أو الهيمنة التي يتخيّلها كثير من الإعلاميين والسياسيين. إذ خسر إسلاميو طرابلس منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، الكثير من شعبيتهم ومواقعهم ومراكز القوى لديهم. ويلاحظ عماد في هذا السياق ان هؤلاء لم يستطيعوا الحفاظ على مركز نيابي حصلوا عليه في ظروف استثنائية في الانتخابات النيابية عام 1992. ولا استطاعوا الحفاظ على حصتهم في المجلس البلدي والمجالس الاختيارية التي تدنت الى أدنى مستوى، فضلاً عن دورهم الهامشي في كل المعارك الانتخابية لنقابات المهن الحرة محامين، أطباء، مهندسين... وصيادلة)، إضافة الى ما تبقى من مؤسسات المجتمع المدني... ودورهم المتراجع على المستوى الطالبي والجامعي.


ويستطرد عماد ان ذلك لا يعني التقليل من دور إسلاميي طرابلس وحجمهم، بقدر ما هو دعوة الى عدم المبالغة وإلى الواقعية. «ومن هذا المنطلق يمكن القول ان مناطق التهميش الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس والضنية وعكار تشكل بؤراً طبيعية لاستقطاب الشباب ولنمو دعوات التطرّف وسلوكيات العنف والانحراف الاجتماعي. وليس في هذا خصوصية طرابلسية، بقدر ما فيه من خصوصية سوسيولوجية لها علاقة بالقهر الاجتماعي والبطالة والأمية وغياب مشاريع التنمية وتكافؤ الفرص».


وإذا كانت هوية المدينة وطبيعتها المحافظة جعلتها في السنوات الأخيرة مقصداً للإسلاميين من كل التيارات، من «الأحباش»... الى السلفيين، ما شجع بعضها على فتح مراكز ومدارس كثيرة تحت شعار الدعوة ونشر «الثقافة الإسلامية»، من دون حسيب ولا رقيب على المناهج والدروس التي تلقى فيها، «فإن بعض الجمعيات والأحزاب والحركات الإسلامية تدفقت عليها الأموال الإيرانية في إطار الصراع والانقسام السياسي الدائر في لبنان، والسعي لإحداث اختراق في الساحة السنية، لكسر احتكار تمثيلها من قبل «تيار المستقبل»، بحسب رأي عماد.


ويرى بعض الطرابلسيين ان «تيار المستقبل» ساهم في إضعاف شعبية الحركات الإسلامية في المدينة، لأنه احتضن «كتيار سني» العاطفة الشعبية التي كانت تساهم بدورها في تشكيل دعم بشري أساسي لإسلاميي الشمال اللبناني عموماً. «والطريف في الأمر - يقول عماد – ان تنظيم «فتح الإسلام» أعلن انه جاء لنصرة أهل السنة في لبنان (انطلاقاً من طرابلس أو جوارها)، فوجد أشد أنواع المقاومة ممن ادعى انه جاء لنصرتهم»!


Monday, July 16, 2007

العائد إلى حيفا بعد 35 عاما

العائد إلى حيفا بعد 35 عاما
محمود درويش: الشعب البطل سيعرف كيف يضع حدا لجنون أبنائه

حيفا-ا ف ب

قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش من على سفح جبل الكرمل مساء أمس الأحد 15-7-2007 إن الشعب الفلسطيني البطل الذي استعصى على أعدائه استئصاله "سيعرف كيف يضع حدا لجنون أبنائه", في إشارة إلى اقتتال الاخوة في غزة.

ووقف المواطنون العرب الذين غصت بهم قاعة "الاوديتوريوم" في حيفا عدة دقائق يصفقون معبرين عن انفعالهم وتأثرهم بلقاء الشاعر الكبير وقد حضروا من كافة قرى ومدن الجليل لحضور هذه الأمسية التي سمحت له السلطات الإسرائيلية بإحيائها بعد اشهر من الانتظار.

وقال درويش مستهلا اللقاء "سألوني ألا تخشى على حياتك في الكرمل؟ قلت لهم لا اتمنى نهاية أعلى وأجمل", ردا على ما أثير من مخاوف على حياته لحضوره إلى إسرائيل.


وقال درويش في كلمته "نجحنا في امر واحد, نجحنا الا نموت.. لعل سلاما ممكنا ان يحل على أرض سميت مجازا أرض المحبة والسلام ولم تتمتع للحظة بالسلام".

وتحدث درويش عن ألمه جراء الاقتتال الدامي بين حركة حماس والأجهزة الأمنية الفلسطينية الموالية للرئيس محمود عباس والذي سيطرت على اثره حماس على قطاع غزة, فقال ".. إلى أن صحوت من الغيبوبة على علم بلون واحد يسحق علما بأربعة الوان .. على أسرى بلباس عسكري يسوقون أسرى عراة, فيا لنا من ضحايا في زي جلادين".

وأضاف درويش "الدولة الفلسطينية واحدة من عجائب الدنيا السبع.. لأن الاحتلال يريدها هزيلة عليلة".

وهذه هي المرة الأولى منذ 35 عاما التي يعود فيها الشاعر الفلسطيني الى مدينة حيفا, شمال إسرائيل, وهو المولود في قرية البروة في الجليل, والتي لا تبعد عنها كثيرا.

وقد حضر الأمسية التي نظمت على عجل بعد أن كاد المنظمون يصابون باليأس بعد انتظار موافقة السلطات عدة أشهر, نحو الفي عربي ملأوا كل مقاعد القاعة. وللتعويض لمن لم يتسن لهم المشاركة, نصبت شاشات كبيرة في ساحات بعض القرى والمدن العربية لنقل وقائع الأمسية الشعرية.

والقى محمود درويش قصائد من شعره وسط تأثر الجمهور وتصفيقه, ومن مقتطفات ما قال:

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة, تردد ابريل رائحة الخبز في الفجر, تعليلة امرأة للرجال, أول الحب وشم على حجر, وخوف الغزاة من الذكريات, ساعة الشمس في السجن، هتافات شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسلين".

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة, على هذه الأرض سيدة الأرض أم البدايات أم النهايات كانت تسمى فلسطين, صارت تسمى فلسطين".

"سيدتي لأنك سيدتي استحق الحياة, ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا اليها سبيلا, ونسرق من دودة القز خيطا لنبني سماء لنا ونسيج الحديقة, ونزرع حيث اقمنا نباتا سريع النمو وندفن حيث اقمنا قتيلا, ونرسم فوق الممر صهيلا ونكتب اسماءنا حجرا حجرا".

"سأقطع هذا الطريق الطويل الطويل إلى آخره, وإلى آخر القلب اقطع هذا الطريق الطويل, ولم أعد أخسر سوى الغبار وما مات مني, فلتخرجوا من رحيلكم لتدخلوا في رحيلي".

والقى محمود درويش قصيدة "انا يوسف يا ابي", التي قابلها الحضور بتصفيق طويل ومنها: "يا ابي اخوتي لا يحبوني, لا يريدونني بينهم يا ابي, يعتدون علي ويرمونني بالحصى والكلام, يريدون ان اموت كي يمدحوني, وهم اوصدوا بابك عني".

ووصفت المغنية الفنانة امل مرقص مقدمة الامسية بانها "ليلة اجمل حب يمكن ان يمنحه شعب لابنه محمود درويش لعودته المؤقتة المؤثرة بين احضان اهله مثبتين ان هناك نبيا في وطنه".

واضافت امل مرقص "لقد قطعنا التذاكر بلهفة حتى نحظى بحب الوطن ولهفة نشحن فيها نفسياتنا ليزهر كل ما هو طيب وجميل فيه".

وحيت الحضور وكل المشاهدين القابعين في بيوتهم يتابعون محمود درويش عبر شاشاتهم, وقالت "هذه الليلة جئناك لنحتمي بك من شر الفرقة لعل كل واحد يجد ذاته فيك".

ومن بين الذين تحدثوا خلال الأمسية المحامي ايمن عودة من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة قال "يا محمود نحن على الكرمل ضيوفك, والكرمل فينا فلا تكلف في البيت ولا تكلف بين رفاقك ومحبيك".

وعبر البروفسور رمزي سليمان من هيئة تحرير مجلة "مشارف" عن انفعاله قائلا إن "الموقف الذي اقفه يربكني فهذا المكان لا يحظى بمكانة شعرك, لكن ها نحن قد جئنا اليك ومعنا الكثيرون خارج هذا المكان بانتظار قصائدك, ما العمل وعشاق شعرك كثر".

ونظمت مجلة "مشارف" الثقافية الفصلية والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة الحفل الذي رافق محمود درويش خلاله الموسيقيان الاخوان سمير ووسام جبران, واختتمه بمقتطفات من قصيدة "احن الى خبز امي..".

ولد محمود درويش عام 1941 في قرية البروة المدمرة اليوم في الجليل, ونشأ وترعرع هناك واعتقل اكثر من مرة من قبل السلطات الإسرائيلية.

وفي عام 1972 توجه الى موسكو ومنها الى القاهرة وانتقل بعدها الى لبنان حيث ترأس مركز الابحاث الفلسطينية وشغل منصب رئيس تحرير مجلة شؤون فلسطينية. وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجا على اتفاق اوسلو عام 1993.

وسمحت له السلطات الاسرائيلية بالدخول الى الاراضي الفلسطينية عام 1996 حيث اقام في رام الله.

نشر الشاعر محمود درويش آخر قصائده في 17 يونيو/حزيران الماضي بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة تحت عنوان "انت منذ الآن غيرك" انتقد فيها التقاتل الفلسطيني.