Monday, March 28, 2005

طرابلس مدينة عمر بن عبد العزيز

طرابلس مدينة عمر بن عبد العزيز
لا عمر بن عبد الحميد
بقلم سلمى جمال

قد يكون الحديث عن احوال الطائفة السنية في لبنان ومشكلاتها موضوع سوء فهم في جو حماسي للوحدة الوطنية.
ولكن التحقيق الذي نشرته "النهار" في 21/3/2005 عن تسخير الاسلاميين بعض منابر الجمعة في طرابلس يصب تماما في الحدث الكبير الذي يشهده لبنان منذ 14/2/2005.
14 شباط 2005 شهد يوم شؤم على لبنان الذي فقد رجلا عالميا كبيرا يعتبر. "ان لا احد اكبر من وطنه"، وعلى الطائفة السنية التي فقدت افضل ممثلي اعتدالها في زمن يستهدف الاسلام وينعته بالارهاب.
و14 آذار 2005 كان يوم امل لبنان الذي انتفض على الموت مطالبا بالحقيقة، حقيقة من اغتال شهيد الاعتدال الوطني والديني؟
نعم الحقيقة لا الكذب والتخويف والتستر، الحقيقة الواضحة الحضارية لا الثأر والانتقام والتشفي.
الا يستحق هذا الشهيد العظيم وفاء "لذكراه ان نحقق في احوال دين اعتنق مبادئه وطبق تعاليم قرآنه الكريم فلم يكن فظا غليظ القلب بل متسامحا متقبلا للاخر، لذلك لم ينفض اللبنانيون من حوله بل تجمعوا حول ضريحه مسلمين ومسيحيين.
من المعروف ان الشخصية المسلمة الوحيدة في تاريخ الاسلام التي صلت عليها الطوائف مجتمعة من مسلمين ومسيحيين قبل رفيق الحريري هو الخليفة عمر بن عبد العزيز – لا عمر بن عبد الحميد – الذي حفظ له التاريخ حكمه العادل ولقب بآخر الخلفاء الراشدين لشدة تقواه.
فليتق الله كل رجل دين وفاء "لمؤمن عظيم وليعلموا انهم مكلفون الا يذهب دم شهيد الاعتدال اهدارا على منابر المحسوبيات الشخصية المادية الضيقة".
طرابلس "قلعة المسلمين" فلتكن، ولكن على طريقة شهيدنا الكبير محصنين بالعلم والايمان والاعتدال.
وبما انه حان وقت كسر طوق الخوف والتخويف والتكفير، اعلموا يا من لبستم عباءات رجال الدين انكم لستم من يحلل ويحرم، لستم من يفرض العقائد ويصنف الضمائر ويوزع شهادات التقوى والاسلام.
أكثير على رجال الدين الذين باعوا انفسهم في طرابلس، مدينة العلم والايمان والعروبة، ان يكونوا، كما امرهم الله احرارا في ضمائرهم وفي وفائهم لكلامه عز وجل؟
فلنقسم نحن المؤمنين في طرابلس العريقة بالله العلي العظيم، مسلمين ومسيحيين، ان نبقى موحدين لاجل لبناننا العظيم قلعة المسلمين والمسيحيين ومنارة الحقيقة والاعتدال.
وجوابا عن سؤال السيد باسم بكور، الوارد في مقاله، اقول ان طرابلس لم تفلس شعبيا، فالطرابلسيون لبنانيون فخورون بحضاراتهم السابقة والحاضرة، وهم طبعا مستغلون من السياسيين ومع الاسف بعض رجال الدين.
حبذا لو انكم يا ممثلي اسلامنا تعظون بأن القرآن الكريم حض على استعمال العقل، ألم يقل سبحانه "أفلا تعقلون" و"أفلا تتفكرون"، فلولا العقل لما كان الحساب ممكنا ولكنا وكنتم غير مخيرين، غير مسؤولين، غير مكلفين.
القرآن الكريم الذي يبدأ بـ"اقرأ"، ويعني قراءة خطاب الله لرسوله محمد الامين يدعوه فيه الى الجهاد اي بذل الجهد لايصال الرسالة الحقيقية بكل امانة.
فيا رجال الدين، من على منابركم كونوا داعين للحق مانعين كل معتد أثيم يشوه الحقيقة ويفرض شـــعـــارات زائـــفة ويلقي خطابا يدعي انه ديني وهو دون الدنيوي. رأفة بايماننا وحفاظا على ديننا اعلموا ان التستر وراء الاقنعة ولى عهده، و لا بد من ان يسقط النفاق فأبواب الحقيقة فتحت، وأهل طرابلس اللبنانيون أكدوا مجتمعين خيارهم الاخلاقي الحضاري لحل أزمة عدم الثقة بينهم وبين حكامهم.
لا تديروا ظهوركم لخطاب الاعتدال بل ادعوا للحكمة والموعظة الحسنة اي بالكلمة الطيبة، فالفرق بين الظلمة والنور كلمة، والنور هو ما وصف رب العالمين به نفسه في القرآن الكريم. والكلمة في القرآن "كلمة طيبة كشجرة طيبة تؤتي أكلها في كل حين...".
فاقرأوا كما أمرتم واعقلوا ان استطعتم وخاطبوا عقولنا، وقد نسمح لكم بعدها بالتوكل".
(طرابلس)

Thursday, March 24, 2005

نظام دمشق ... حملة تنظيف السجون؟

ماحملته صور وكالات الأنباء الدولية عن مخلفات ( إنسحاب ) قوات ومخابرات الإحتلال ( العربي ) السوري من بعض بنايات العاصمة اللبنانية الجميلة قبل أيام قليلة مضت ، يثير الحزن الأسى والشجن العميق ! فلولا إستشهاد الرئيس الحريري ورفاقه ثم إندلاع الإنتفاضة الشعبية اللبنانية الشجاعة والنبيلة و المدعومة بالإرادة الدولية الحرة لما عرف الرأي العام العربي الحالم خصوصا بمدى بشاعة التصرفات السلطوية السورية وإستهانتها بأبسط مقومات وأسس السيادة الوطنية اللبنانية والتي لايخجل اليوم بعض قادة الرأي والسياسة في لبنان حتى اليوم بالدفاع عن الدور السوري السلطوي المرعب في تحطيم وتدمير كل الأسس البنيوية والمجتمعية ، والأدهى سكوت السلطة اللبنانية الطويل عن حقوق مواطنيها من الذين أغتصبت شققهم ومنازلهم ولم يخجل ( الرفاق البعثيون في الشام ) وهم راحلون إلى الأبد من سرقة حتى الأبواب والشبابيك من الشقق التي كانت محتلة ورحلوا عنها ! فهل هذا هوالتوازن الإستراتيجي البعثي الذي تحدث عنه نظام دمشق طويلا ؟ وماذا أبقينا من ممارسات لقوات الإحتلال الإسرائيلية لم تحاول ( طلائع البعث ) وحملة الرسالة البعثية الخالدة تقليدها ؟ ألا تتشابه ممارسات مخابرات وجند بعث الشام في لبنان مع ممارسات بعث بغداد النافق خلال عملية الغزو الكويتية ؟ أليست القرصنة واللصوصية وأكل حقوق الناس والدوس على كل القيم والمقدسات هي من أهم السمات المشتركة للبعثيين يمينهم ويسارهم ؟ أليس التجبر والعناد والتلاعب بالشعارات العاطفية هي ذاتها ؟ من الواضح أنه بعد ماحصل من إنتصار كبير لقوى الحرية والديمقراطية في لبنان فإن النظام السوري وحلفائه بل عملائه اللبنانيون قد دخلوا في أعمق وأشد أزمة بنيوية ومصيرية لن تنجلي نتائجها إلا عن إنتصار كبير ستحققه القوى الديمقراطية الحرة في الشام ذاتها ؟ فمهما تمسك الفاشيون ورجال المخابرات ببعض ( عمائم ) السياسة وأساطين الشعارات فإن الحقيقة قد أسفرت عن وجهها الناصع ، وبأن نهاية الطواغيت والأصنام لم يعد مجرد حلم دفعت من أجله آلاف الأرواح الشابة ثمن التخلص منه خلال مراحل وحقب الصراع الماضية ، بل سيتحقق ذلك الحلم بكل تفاصيله وأبعاده رغم إختلاط الصورة وعدم وضوحها التام ، والنظام السوري وهو يرحل راكضا بعيدا وهاربا من لبنان بعد أن شعر بجدية الموقف هذه المرة يعلم جيدا أن ثمة إستحقاقات كثيرة وخطيرة عليه مواجهتها ، فسوريه بعد الهروب ليست هي سوريه قبل الهروب ! ، وإذا أراد النظام السوري الخروج من أزمته والبدء بتسيير عجلة الإصلاح الحقيقية فالوقت لم يزل بجانبه ! ، ولعل أهم الدروس المستفادة من كل ماحصل يتمثل في نهاية دولة التجبر والقهر والتسلط التي تستعين بمفاهيم السيادة الوطنية لسلخ جلود شعوبها ؟ لم تعد الصورة كذلك ، وإنهارت وإلى الأبد دول الإستبداد القطرية ، وداست الأقدام اللبنانية الحرة على كل الأصنام التي تتصور أنها ستتمتع بالمسروقات إلى حين يبعثون !، فهروب نظام دمشق لم تتمكن كل فروع وأقسام ورموز وجنرالات المخابرات السورية من منعه أو حتى تأخيره!، بل أن ممارسات وسرقات أجهزة المخابرات السورية المخجلة دليل مضاف على أزمة نظام بات يتخبط في وحل تراجعاته وهزائمه ، ومئات الآلاف من اللبنانيين الأحرار الذين زينوا عرس الحرية اللبناني الكبير قد رسموا خط النهاية لوضع نظام بائس تعبان لايبرع في شيء قدر براعته في الدجل والمناورة والإلتفاف على الإستحقاقات والعجيب أن الطرف الوحيد الذي زعل من الهروب السوري من لبنان هو الدكان الإرتزاقي البائس والمسمى ( المؤتمر القومي العربي البيروتي ) الذي وقف مع النظام العراقي حتى جاء أجله واليوم يعلن عن وقوفه مع النظام السوري كنذير شؤم؟، اليوم يقف النظام السوري عاريا حتى من ورقة التوت وهو ينفذ المطالبات الدولية دون مناقشة ولاتردد ، ويسحب عناصره ويخلي مقراته المغتصبة من أهاليها اللبنانيين ولكنه يبقي على خلاياه النائمة أو العلنية المؤطرة بعناوين المقاومة الوطنية اللبنانية التي نجلها ونحترم تضحياتها ولكن ليس على حساب حرية وسيادة وإنعتاق لبنان ، وإذا أراد النظام السوري تفعيل المقاومة حقيقة فأمامه الفرصة أكثر من سانحة في ذرى الجولان التي ضمتها إسرائيل لإراضيها منذ عام 1981!!، فلماذا الحديث عن شبعا الصغيرة والتي تقول سوريه إنها أرض سوريه!! ثم السكوت المريع والمخزي عن إغتصاب الجولان وهي الموقع الإستراتيجي الذي أضاعه البعثيون بسهولة مطلقة في هزيمتهم عام 1967؟ وعلينا أن نؤكد للذاكرة التاريخية العربية من أن البعثيين وعبر تاريخهم الحافل لم يكسبوا حربا ولم يردوا على هزيمة أو يثأروا لكرامة الأمة الجريحة والمسلوبة ... واليوم وبعد تصاعد الصراع حول لبنان وفيه يبدو أن النظام السوري قد صم أذنيه عن فتح واحد من أخطر وأهم الملفات قاطبة وهو ملف المعتقلين والمغيبين السياسيين ، وتنظيف السجون البعثية السورية الرهيبة من عشرات الآلاف من المظلومين وعلى رأسهم شيخ المعتقلين الضابط العربي السوري ( فرحان الزعبي ) الذي يبقى ملفه المفتوح والمأساوي يفتح أكثر من علامة إستفهام حول ملف ( حقول الموت السورية )! أي المقابر الجماعية السرية التي عرف بها البعثيون وتميزوا في تاريخ شعوب المنطقة المعاصر ؟ إنها الفرصة الذهبية للعناصر الطيبة في النظام السوري ( إن توفرت فعلا )؟؟ للوقفة مع الذات ومصالحة الشعب المكلوم ، وتصحيح المسيرة ، والتخلص من دولة المخابرات ، وفتح جميع الملفات الغامضة ، فلم يعد للسرية من معنى بعد إنهيار تلك الأنظمة من الداخل وهو الإنهيار الحتمي المرتبط بالحتمية التاريخية ، فمن يريد الإصلاح الحقيقي والفعلي وتجنب مصير بعث العراق المخزي فإن الفرصة أمامه أكثر من متاحة وهي ستمر لامحالة مر السحاب ، وإلا فالخيارات البديلة واضحة ومعروفة ومؤلمة ، وأولى الخطوات تنظيف السجون والمعتقلات السورية ليس على الطريقة البعثية العراقية ! ولكن وفقا لآليات عملية التوافق والمراضاة والمصالحة وطلب المغفرة من الشعب ... فالله دركم أيها اللبنانيون الأباة لقد صبرتم وعانيتم حتى رسمتم بمعاناتكم صورة فجر الحرية القادم في المشرق .

اللواء البعثي يثير ضجة بدمشق

تناقل الاعلاميون في دمشق "سي دي" للقاء اللواء ابراهيم العلي قائد الجيش الشعبي الذي احيل الى التحقيق لمطالبته بحل القيادة القومية لجبهة البعث الحاكم في سورية اثناء لقائه في برنامج مدارات في التلفزيون الرسمي السوري،وقد توقف على اثرها مدير التلفزيون ومقدم البرنامج وتم تعيين مدير جديد للتلفزيون ثم تم سحب القرار، وقد عرض لقاء اللواء قائد الجيش الشعبي كاملا في التلفزيون السوري، واما اثناء الاعادة في اليوم الذي يليه فقد اقتطعت اجزاء من حديثه ، وطالب اللواء العلي في اللقاء بحل القيادة القومية لحزب البعث الحاكم في سورية واعتبر ثورة الثامن من اذار (مارس) 1963 ليست ثورة بل انقلاب عسكري وقال ان اعضاء القيادة الحزبية في انقطاع عن الجماهير وفي حالة من عدم تواصل معهم وان كل مسؤول حزبي يبقى في منصبه اكثر من عشر سنوات استنفذ افكاره واعتبر ان حزب البعث لم يحقق الوحدة وان الاشتراكية قد انتهت فلماذا لايحقق البعث الديمقراطية ؟.وطالب بعض الصحافيين البعثي ايمن عبد النور بنشر اللقاء كاملا على صفحات نشرته كلنا شركاء كما استغرب البعض الاخر التحقيق مع اللواء قائد الجيش الشعبي لان ما طالب به العلي قاله الدكتور مهدي دخل الله وزير الاعلام السوري هذه الفترة في لقاء مع الصحافيين والمراسلين الاجانب حيث تمنى ان يعود البعث الى افكاره الديمقراطية ، كما نادى دخل الله بافكار الاصلاح في البعث عندما كان رئيس تحرير جريدة البعث الناطقة باسم الحزب الحاكم وتوقع له الكثيرون الاقالة من منصبه الا انه تم تعيينه وزيرا.واعتبرت مصادر اعلامية ان الخبر بتوقيف الاعلامي نضال زغبور عن العمل وعن تقديم البرامج و نشرات الاخبار امر مبالغ به وقالت المصادر سترونه على التلفاز قريبا بينما اخذت مصادر اخرى الافكار بعيدا وربطت توقيفه عن العمل بسبب انه احد الذين رفعوا قضية على المعارض اللبناني وليد جنبلاط .وفي سياق ذي صلة اقترحت نشرة كلنا شركاء في افتتاحيتها اليوم اثناء التحضيرات للمؤتمر القطري الذي وعد الرئيس السوري ان يكون قفزة كبيرة في الميدان الداخلي في خطابه الاخير امام البرلمان " إقرار مبدأ إصدار قانون للأحزاب بحيث يصبح النظام السياسي السوري نظاما متعدد الأحزاب وليس حزبا واحدا حول أقمار ،وإقرار مراجعة المادة الثامنة من الدستور بخصوص دور الحزب وقيادته ،ودفع مجلس الشعب باتجاه إصدار قانون جديد للانتخابات ،وتعديل فقرات طريقة انتخاب رئيس الجمهورية،واعطاء دفع للمجتمع المدني من خلال إصدار قانون جديد للمؤسسات الخاصة NGO ، اضافة الى إجراء التعديلات المنتظرة والمؤجلة لبعد المؤتمر من تغيير مكتب مجلس الشعب و تعديل أو تغيير الحكومة ".واضافت النشرة "ان القيادة القطرية لحزب البعث حالياُ تقوم بالعمل على وضع المعايير لعملية الانتخاب والترشيح ومن الأفكار المهمة التي تدرس أيضاً في القيادة هي عدم الربط بين منصب المحافظ وبين عضويته لقيادة فرع الحزب في تلك المحافظة مما يفتح الطريق ليتسلم مستقل منصب محافظ وكذلك تخفيض عدد أعضاء قيادة فرع الحزب من عشرة حالياً وجميعهم متفرغون لهذا العمل وكأنه وظيفة إدارية .إلى خمسة فقط يكون أمين الفرع فقط متفرغاً وهو يعني الاتجاه ليكون حزب البعث حزب يعمل بالسياسة والقضايا الاستراتيجية والسياسات العامة وليس غارقاً في العمل الروتيني اليومي للسلطة" .

ازالة اسم باسل الاسد عن حديقة عامة في راشيا

وافادت الشرطة اللبنانية الاثنين ان اسم باسل الاسد، شقيق الرئيس السوري بشار الاسد، الظاهر على اللوحات الموضوعة عند مدخل حديقة عامة في البقاع (شرق)، طلي باللون الاسود وحلت محله عبارة "البقاع لنا".
واوضحت الشرطة ان عسكريين سوريين سحبوا اللوحات الاربع عند مدخل حديقة عامة في راشيا والتي تحمل اسم باسل الاسد الذي قتل في 1994 في حادث سير في سوريا وطليت باللون الاسود ليل الاحد الاثنين.
وفجر الخميس تعرض تمثال نصفي لباسل الاسد في ساحة قرية المرج في سهل البقاع الذي تسيطر عليه القوات السورية منذ 1976، للتخريب.
وقد نزعت تماثيل من البرونز تعود للرئيس السوري ووالده الرئيس الراحل حافظ الاسد بالاضافة الى صور عملاقة للرجلين، من مكانها في لبنان الشمالي وبيروت بعد انسحاب القوات واجهزة الاستخبارات السورية الى البقاع الاسبوع الماضي.

وفي 27 شباط/فبراير قبل بدء الانسحاب السوري، تعرض تمثال للرئيس حافظ الاسد في جنوب لبنان للتخريب. واثار اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير والذي تلقي المعارضة اللبنانية مسؤوليته على السلطة اللبنانية والسلطة السورية "بصفتها سلطة الوصاية"، موجة تظاهرات مناهضة لسوريا وتعرض عدد كبير من العمال السوريين للضرب او الاذلال او السرقة في لبنان وارغموا على مغادرة البلد.

لبنان: مظاهرة بحرية وازالة الاسد

تجمع العشرات من صيادي السمك اتوا من جميع مرافىء لبنان، قبالة سواحل بيروت الاثنين في موقع الانفجار القوي الذي ادى في 14 شباط/فبراير الى مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري للمطالبة ب"كشف الحقيقة".
ومن الزوارق التي رفعت عليها الاعلام اللبنانية وصور للحريري، حمل الصيادون يافطات حملت عبارات المطالبة بتحقيق دولي حول الاعتداء والتأكيد ان "التمديد لولاية اميل لحود غير دستوري".
وكان البرلمان صوت في ايلول/سبتمبر الماضي على تمديد ولاية الرئيس لحود ثلاث سنوات بناء لطلب سوريا ورغم الضغوط الدولية لاحترام الدستور.
وكان في استقبال الصيادين في مرفأ السان جورج نواب من المعارضة صعدوا على متن الزوارق وقاموا بجولة بحرية. ويتجمع الاف الاشخاص يوميا منذ اكثر من شهر في ساحة الشهداء وسط بيروت التي اطلق عليها اسم ساحة الحرية قرب ضريح رفيق الحريري ورفاقه السبعة للمطالبة بالحقيقة حول منفذي الاعتداء.

رجالات في سورية نهبوا لبنان

كشفت تقارير مصدرها العاصمة الفرنسية إضافة إلى بيروت ودمشق أن العشرات من رجال الجيش والمخابرات السوريين الذين مارسوا دورا استثماريا في لبنان سحبوا أموالهم وأرصدتهم من البنوك اللبنانية تحسبا لتطور الأمور في لبنان بعد الانسحاب السوري، حيث يخشون احتمال استصدار قرار دولي يؤدي إلى وضع اليد على أموالهم ، أو على الأقل احتمال انهيار النظام اللبناني الراهن واستبداله بآخر مستقل عن سورية يوفر طريقة قانونية أو " غير قانونية " لكشف المصادر المشبوهة لهذه الأموال رغم قانون السرية المصرفية المعمول به في لبنان. وقال دبلوماسي فرنسي يعمل في عاصمة شرق أوسطية ويزور باريس حاليا للتشاور مع حكومته إلى "أن تقريرا موثقا مصدره أحد أعضاء جمعية المصارف اللبنانية ، يحمل تاريخ 16 آذار ( مارس) الجاري وصل إلى من يعنيه الأمر في باريس حول عمليات السحب المشار إليها "، ونقل المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة والعدالة وهو حركة تعني بحقوق الإنسان، في بيان من مقريه في دمشق وباريس تلقت "إيلاف" نسخة منه إنه "طبقا لما كشف عنه هذا الديبلوماسي من التقرير المذكور ، فإن ضباط مخابرات سوريين وأو أبناءهم وشركاءهم قد سحبوا فعلا حوالي أربعمئة مليون دولار حتى تاريخ إعداد التقرير المذكور ، باتجاه بنوك سورية و تركية وبنك فرنسي واحد على الأقل ، وآخر هولندي. وجاء في التقرير المذكور أن " الأموال المسحوبة ناجمة في الأصل عن تجارة سلاح ومخدرات وعمليات تجارية أخرى مع النظام العراقي السابق كانت حظرتها الأمم المتحدة ، بما في ذلك النفط العراقي المهرب ، وتم غسلها في البنوك اللبنانية خلال السنوات الماضية " ، وقد تضمن التقرير قائمة بأسماء الأشخاص الذين سحبوا أموالهم ، عرف من بينهم : يعرب غازي كنعان ، غازي كنعان ، رستم الغزالي ، هشام بختيار ( مدير إدارة المخابرات العامة ) رامي مخلوف ( ابن خال الرئيس بشار الأسد ) ، جمال عبد الحليم خدام ، العميد ذو الهمة شاليش ( رئيس الحرس الخاص للرئيس الأسد ) ، العقيد المتقاعد محمد عيسى دوبا ( شقيق الرئيس الأسبق للمخابرات العسكرية علي دوبا ) ، د. أيهم ماجد سعيد ( نجل اللواء ماجد سعيد مدير إدارة المخابرات العامة خلال الفترة 1987 ـ 1994 ) ، رامي مخلوف ، فراس مصطفى طلاس ، وعضو مجلس الشعب السوري محمد حمشو .ومن بين التفاصيل التي تضمنها تقرير عضو جمعية المصارف اللبنانية أن " أموال الدكتور أيهم سعيد مصدرها الأموال التي حصل عليها والده ماجد سعيد من شركة Tatex Trading الألمانية للنسيج التي كان يساهم في رأسمالها ، والتي كانت تستخدم غطاء لغسيل أموال عدد من ضباط إدارة المخابرات العامة كمحمد ناصيف " بحسب قول التقرير الذي أشار إلى ثلاثة بنوك تركية استضافت " الأموال السورية ـ اللبنانية المغسولة " ، وهي :ـ بنك Norul Bank التابع للمجموعة القابضة Norul Groupـ بنك Diler Investment Bank Inc. التابع للمجموعة القابضة Diler Holdingـ بنك Vakif Bank التابع للمجموعة القابضة Turkiye Vakiflar Bankasi T.A.O. وفيما غاب عن التقرير أي ذكر لاسم البنك الهولندي ، أشار إلى أن البنك الفرنسي الذي استقبل جزءا من هذه التحويلات يدعى " الشركة العربية المصرفية S.B.A." لصاحبها صفا جارودي ، وهو مصرفي سوري ينحدر من مدينة اللاذقية .ويضيف بيان المجلس الوطني للحقيقة والعدالة القول "إلا أن التقرير أوضح أن التحويل لم يتم إلى هذه الشركة مباشرة ، وإنما " عبر طرف ثالث (يعتقد أنه شركة تابعة لعثمان العائدي )تم ترتيب الأمر معه عبر رجل أعمال فلسطيني في دمشق يدعى وديع نحال " الذي وصفه التقرير بأنه " يعيش في دمشق ويعتبر أحد أقرب المقربين لصفا جارودي وقادة أجهزة المخابرات السورية ووزير الدفاع السابق مصطفى طلاس"،.وأوضح التقرير أن " القسم الأكبر من أموال سورية المنهوبة ، إضافة لعائدات النفط العراقي الذي هربه رجال النظام السوري خلال الفترة 1997 ـ 2000 وباعوه لحسابهم الشخصي في السوق الدولية ، موجودة في هذا البنك "، وذكر أن كلا من العماد علي دوبا ، فراس طلاس ووالده ، عبد الحليم خدام وابنه جمال ، مصطفى طلاس ، آصف شوكت ، محمد ناصيف ، بشار الأسد ، و باسل الأسد الذي حصلت مشكلة قانونية في حسابه بعد مقتله كما يقول محامي العائلة ، يضعون أموالهم في هذا البنك " الذي وصفه التقرير بأنه " أكبر غسّالة للأموال السورية القذرة في أووبا ".وتشير مصادر أخرى إلى أن البنك " يحتوي على عائدات النفط السوري والعراقي الذي باعه العماد علي دوبا لإسرائيل خلال الفترة 1997 ـ 2000 عبر ناقلات نفط قام بتأمينها رجل الأعمال السوري طلال الزين الذي يمتلك واحدة من أكبر شركات نقل النفط والغاز في اليونان ، والذي يشارك هو الآخر في رأسمال الشركة العربية المصرفية المذكورة " . ويقول صحافي في صحيفة " ليبيراسيون" الفرنسية " لو قدّر أن فتح تحقيق عن نشاطات هذا البنك ، وهذا من المستبعد بسبب دخوله في علاقات مع صانعي القرار في فرنسا ، سيصاب المحققون بالذهول جرّاء الدور الذي يقوم به هذا البنك والتسهيلات القذرة التي يقدمها لرجال النظام السوري، وتأخذ أوساط ثقافية وفكرية وصحفية فرنسية على حكومات بلادها ، اليمينية والاشتراكية على السواء ، صمتها المريب على استخدام البنكوك الفرنسية كماكينات لغسل أموال المسؤولين السوريين ، المدنيين منهم والعسكريين ، رغم علمها بأن معظم هذه الأموال ، إن لم يكن كلها ، مصدره أعمال قذرة كتجارة المخدرات والأسلحة".وأعادت هذه الأوساط إلى الأذهان " حقيقة أن غسل الأموال السورية الخاصة في البنوك الفرنسية أصبح تقليدا راسخا منذ أن دشنه رفعت الأسد بداية السبعينيات الماضية "، وتعتقد أن "الحكومات الفرنسية ، ومهما تدهورت علاقاتها مع سورية ، ستبقى تغض الطرف عن استخدام بنوكها لغسيل الأموال السورية القذرة ، بالنظر لما تجنيه من أرباح كبيرة جراء استثمار هذه الأموال التي تقدر بأكثر من أربعين مليار دولار في فرنسا وحدها ".ومن الواضح أنه ليس الحكومات الفرنسية وحدها التي تتعامل مع الأموال السورية القذرة على هذا النحو ، ففي إسبانيا كان من اللافت أن المخابرات الإسبانية استدعت في الصيف الماضي الصحافي السوري المعارض مازن ياغي إثر إصدار " المجلس " تقريرا يشير إلى عودة رفعت الأسد إلى سورية عبر باريس ، لتسأله عن مدى دقة المعلومات الواردة في التقرير ، حيث كانت تعرف أنه ذهب إلى فرنسا ، ولكن ليس إلى سورية، وإذ ذاك أعطت أجهزتها السرية تعليمات واضحة بوجوب تشديد الرقابة على حسابات رفعت الأسد المصرفية في إسبانيا، فكل ما كانت السلطات الإسبانية تخشاه ، حسب ما قاله صحفي في " ألموندو" ، هو " أن يقوم رفعت الأسد بسحب أمواله من البنوك الإسبانية وتحويلها إلى دولة أخرى " . وتفسيرا لما جاء في تقرير عضو جمعية المصارف اللبنانية ، قالت الصحافية التركية ساديت تورك Saadet Toruc ، اللاجئة مع زوجها الناشط في حزب العمال الشيوعي التركي إلى باريس ، إن ما جاء في التقرير " أمر غير مستغرب . ذلك لأن عددا كبيرا من البنوك التركية ، ولا أعرف إن كانت البنوك الثلاثة المشار إليها ضمن هذه القائمة ، مملوكة كليا أو جزئيا لمصرفيين ورجال أعمال أتراك أعضاء في حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ، أو مقربون جدا منه ، وتشكل أعمالهم المصرفية أحد المصادر الأساسية لتمويل الحزب . يذكر أن الحزب المذكور أقام علاقات وثيقة مع النظام السوري ورجالاته منذ أن كان تحت اسم حزب الرفاه، وقد تعززت هذه العلاقة مؤخرا ، خصوصا بعد أن أبرم اتفاق أضنة الأمني بين البلدين وتخلي النظام السوري عن المطالبة بلواء اسكندرونة ، حيث أدى إبرام الاتفاق إلى الإطاحة بالمبررات التي كان يلجأ إليها الجنرالات الأتراك لمنع أي تقارب مع سورية " .أخيرا، تعتقد ساديت توروك أن " تركيا ستتحول خلال السنوات القادمة إلى قاعدة خلفية لمعظم الأنشطة المافيوية التي يقوم بها رموز النظام السوري ، خصوصا وأن الجنرال مصطفى التاجر وهو نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية السورية الذي قتل أواخر صيف العام 2003 في ظروف غامضة، كان قد أسس لهذا النوع من العلاقات منذ أن كان رئيسا لفرع المخابرات العسكرية في حلب ومشاركا في الإشراف على ملف حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان، حيث أقام التاجر علاقات وثيقة مع الجنرالات الأتراك المنخرطين بدهورهم في علاقات تحالفية مع المافيا وتجار المخدرات ".

Sunday, March 20, 2005

Behind Lebanon Upheaval, 2 Men's Fateful Clash

By NEIL MacFARQUHAR Published: March 20, 2005
BEIRUT, Lebanon, March 19 - On an unseasonably mild day last August, a small group of Prime Minister Rafik Hariri's closest political allies could tell from his flushed face and subdued manner that something awful had happened in the Syrian capital of Damascus, where he had been summoned to a meeting with President Bashar al-Assad.

The four men, all Lebanese Parliament members, recalled waiting for him at the Beirut mansion of the Druze leader Walid Jumblatt, in the so-called garden, basically a carport paved with concrete bricks, plus one short orange tree in a faux terra cotta tub.
Mr. Hariri - wearing an expensive blue suit and a white shirt, his tie loosened - lumbered over mutely and flung himself onto one of a dozen white plastic chairs, his head lolling back and his arms dangling over the edges.
After a few moments, he leaned forward and described how the Syrian leader had threatened him, curtly ordering him to amend Lebanon's Constitution to give President Émile Lahoud, the man Syria used to block Mr. Hariri's every move, another three years in office.
"Bashar told him, 'Lahoud is me,' " Mr. Jumblatt recalled in an interview. "Bashar told Hariri: 'If you and Chirac want me out of Lebanon, I will break Lebanon.' " He was referring to the French president, Jacques Chirac.
In the month since Mr. Hariri was assassinated, members of Lebanon's anti-Syrian opposition have pointed to that Aug. 26 encounter in Damascus as fateful. Although opposition leaders acknowledge that they lack firm evidence tying Syria or its Lebanese agents directly to Mr. Hariri's assassination, they link that day to his slaying on Feb. 14.
"To tell you the truth, when I heard him telling us those words, I knew that it was his condemnation of death," Mr. Jumblatt said.
It was after that meeting that Mr. Hariri, 60, a real estate tycoon turned politician who had run Lebanon for the better part of 12 years, decided that he had to join the movement to uproot both the Syrian Army and the ever more robust tentacles of its secret police from Lebanon.
Interviews with a dozen Lebanese involved, including the three other men at the garden and some of Mr. Hariri's closest aides, indicate that in the final six months of his life he was tormented by the predicament that Lebanon now faces - how to end Syria's headlock without reigniting the civil war that tore this country apart a generation ago.
Whether Mr. Hariri would have succeeded in his efforts cannot be known. Nonetheless, President Assad's decision to force Mr. Lahoud onto Lebanon again is now widely seen as an enormous political blunder, uniting many Lebanese communities in opposition and even managing to bringing together France and the United States in a concerted effort to push Syria out. Although Syria denies involvement in the assassination, Mr. Hariri's death eliminated the one man potentially able to muster the international and domestic pressure to force Damascus to release its grip.
For the moment, his killing has inspired that anyway. But the lingering question is whether he can accomplish in death a goal that eluded him while alive: keeping the notoriously bickering opposition united for long enough to see free elections and the end of Syrian control.
"What they are really missing is a leader, that is the key problem, someone to show them the way," said Timur Goksel, a longtime United Nations spokesman here who now teaches at the American University of Beirut. "That is a real void."
Orders from Damascus
Syria is used to acting with impunity in Lebanon.
But by 2004, the Lebanese were expecting something different from Mr. Assad, not least because the United States had signaled by invading Iraq that business as usual was unacceptable.
The 39-year-old Syrian leader seemed to have gotten the message, telling a Kuwaiti newspaper early last summer that Damascus would not interfere in Lebanon's presidential election in the fall. Months later, Mr. Hariri was ordered to Damascus for the ominous meeting. Mr. Assad advertised the fact that the meeting was remarkably short - 15 minutes in a country where most presidential encounters drag on for hours - to make it clear that Syria was issuing an order.
The Lebanese around Mr. Hariri were both appalled and exhilarated that the Syrians obviously failed to grasp the consequences of what was immediately condemned as a maladroit act.

"We knew Bashar had made a fatal error," said a close political adviser to Mr. Hariri, who, like several other people interviewed, asked not to be identified given the current tension and fear of reprisals in Lebanon. "Hariri said that we are all just gnats to them, he kept repeating that until his death."
The Americans and the French, alienated since Paris opposed the war in Iraq, reacted with rare simultaneous anger over Syria's move. Quietly urged on by Mr. Hariri, they pushed through Security Council Resolution 1559, which demanded a Syrian withdrawal and the disarming of Hezbollah. The Syrians were furious at what they took to be solely Mr. Hariri's handiwork.

Syria considered Mr. Hariri a threat both because he was a Sunni Muslim figure admired in both countries and because he had important friends in the West. Syria's minority Alawite rulers deposed the once dominant Sunnis there, so an obviously independent Sunni leader in Lebanon might inspire unrest next door.
In fact, one reason Mr. Hariri was always reluctant to confront Damascus was that his Sunni Muslim constituency still viewed Syria as its portal to the wider world of Arab causes, and they did not particularly want to be allied with the Maronites, their traditional rivals.

Mr. Lahoud ignored the fact that the prime minister was supposed to lead all cabinet meetings. At one October meeting, he sat down and announced that items 1 through 15 on Mr. Hariri's agenda would not be discussed, one former minister recalled, sweeping away every substantial item.
Over the years Mr. Lahoud and roughly 18 ministers allied with Syria voted against any project Mr. Hariri proposed, from small items like buying land for new schools to economic reforms. At a 2002 meeting of international donors in Paris, the French president and Mr. Hariri managed to secure more than $4 billion in aid to Lebanon, which was heavily in debt, in exchange for economic reforms. Mr. Lahoud effectively torpedoed all the reforms.
"Every cabinet meeting was an ordeal," Mr. Hamade said.
New Hope, and a Sudden End
The end for Mr. Hariri as prime minister came in October after the Syrians sent him a message to step aside. He resigned on Oct. 20, somewhat relieved, his aides said.
The next months were consumed mostly with planning for parliamentary elections due in the spring and wrangling over the election law. The Syrians were trying to gerrymander districts around Beirut and the rest of the country to weaken the opposition. But the Christian-Sunni Muslim-Druse coalition appeared to grow ever more formidable.
During this period, while he was planning his comeback, Mr. Hariri seemed to become his old self again, friends and allies said. Mr. Renaud, the European Union ambassador, recalls visiting him at his combined office and mansion right after Christmas and seeing him emerge from behind his desk waving a sheaf of papers and grinning, saying, "We are going to win the elections!"
To test his Future Movement's popularity, Mr. Hariri announced that to celebrate the Muslim feast of Al Adha, he would receive visitors at his Beirut mansion on Jan. 10. The reaction was huge. Some 20,000 well-wishers poured through, said Ghattas Khoury, a member of his parliamentary bloc.
By late January, Mr. Hariri was feeling confident enough that he decided he would not accept any Syrian-nominated members on his election list, his advisers say. His 19-member bloc in Parliament included three men chosen by Rustom Ghazale, the head of Syrian intelligence based in Anjar in the Bekaa region, and the man Lebanese believe really ran their country, his aides said.
Mr. Hariri invited Mr. Ghazale to lunch in late January and told him about the decision.
"They were not happy," said Ghazi Aridi, a former minister of information who resigned in September over the Lahoud extension. He recalls Mr. Ghazale telling Mr. Hariri, "You have to think about it and we have to think about it."
It was beginning to look like the opposition could capture about 60 seats in the 128-seat Parliament, enough to elect a president other than Mr. Lahoud. Around this time, Mr. Hariri and Mr. Jumblatt, the Druse leader, had a meeting. Mr. Hariri's earlier confidence that he would not be assassinated had slipped; the two men figured one or the other would be killed soon.
"Any field where you challenge them, they get mad," Mr. Jumblatt said. "Such totalitarian regimes cannot understand that you can have the freedom to chose your own M.P.'s, or you choose your own local administrators or I don't know what."
Two weeks after that conversation, the huge bomb that rocked all of Beirut struck Mr. Hariri's motorcade. He, along with 18 other people, died.
"The goal of killing him was killing the political movement that could succeed in controlling Lebanon, particularly since it looked like the Syrians would have to leave," said Mr. Sebah, a member of Parliament from Mr. Hariri's bloc. "I think they killed him because they did not want a new political era in Lebanon."

The strain showed. Mr. Hariri, a burly, gregarious man who loved to make puns, became quiet and introspective. A friend since childhood said that at one point the prime minister put his hand on the friend's shoulder and wept, something he'd never done before.
The Syrians, acknowledging that Mr. Hariri might be able to defuse the gathering international storm, asked the prime minister to form a new government. Mr. Hariri started drawing up lists of potential ministers, but most were rejected by Damascus.
"He was like a boxer still reeling from a direct punch," said Patrick B. Renaud, the Beirut ambassador for the European Union. "He was shocked by the harshness of the message he received from the Syrian president."
An even harsher message followed.
As Marwan Hamade, the former minister of economy and trade and a Hariri ally, drove away from his seaside apartment building on Oct. 1, a roadside bomb flung his Mercedes into the air. He clambered from the flaming wreckage and collapsed to the ground at the very moment the car's fuel tank exploded, sending shrapnel flying in all directions. Mr. Hamade managed to survive with head injuries, severe burns and a broken leg.
He was one of four cabinet ministers who had voted against the Lahoud extension and then quit the government. He was also among the 29 Parliament members who voted against the constitutional amendment granting Mr. Lahoud three more years. The failed assassination was seen as a warning.
The Hamade bombing convinced Mr. Jumblatt that open defiance of Syria was the only route left to restore democracy to Lebanon. He began organizing a series of opposition meetings at the Bristol Hotel in Beirut. Mr. Hariri did not attend, but several members of his Future Movement did. After his assassination, it was this core group that organized the huge street demonstrations that pressured Syria to start withdrawing its forces.
In the days after the Hamade bombing, Mr. Hariri changed his security routine somewhat. Bassem Sebah, a Shiite member of Parliament from Mr. Hariri's bloc, said he used to drive the two of them to meetings in a black BMW while sending his usual convoy of armored limousines out as decoys.
He was confident that he would not be assassinated, though, aides and political allies recalled, particularly because Washington had publicly rebuked Damascus after the Hamade bombing, warning that it would hold Syria responsible for any similar attacks.
Slowly throughout September and October, Mr. Hariri edged closer to the opposition. Aides said he could no longer stomach another three years battling Mr. Lahoud, whom he considered not only a lightweight but also a Syrian pawn who was undermining Lebanese institutions by backing the encroachment of secret police agencies that mirrored the ones running Syria.
As Mr. Hamade put it in a speech after the assassination, Mr. Hariri had been subverted because "the role of the intelligence was no longer to keep up security, but to plant agents, generalize wiretapping, distribute newspaper articles, threaten judges, bind ministers and besiege members of Parliament."
A President as Insurance
Among Lebanese, Mr. Lahoud, 68, has a reputation for lounging through most afternoons in his Speedos by the pool at the Yarze country club, reading Paris-Match magazine and holding a tanning mirror. News accounts that he was swimming during Mr. Hariri's funeral reached such a crescendo that he felt compelled to deny them. "I swim every day - it's my workout - but on that specific day, I did not swim," he told a gathering of the Journalists' Union Council.
Opposition figures are convinced that one key reason Mr. Lahoud was extended was that his family had developed close business ties with the Assad clan in Damascus.
Foreign embassies suspect the same. "We have no solid evidence, but we believe there is a big link," said a senior Western diplomat. "His family seems to have done quite well for itself."
Mr. Lahoud rejected a request to be interviewed for this article. Ever since he assumed the presidency in 1998, Mr. Lahoud proved Syria's main insurance for keeping Mr. Hariri in check.

Friday, March 18, 2005

'Something was going to happen

'Something was going to happen – it was going to be me or him'BY NICHOLAS BLANFORD, RICHARD BEESTON AND JAMES BONEAn investigation by The Times finds clear evidence that Syria assassinated Rafik Hariri, the Lebanese politician
DAYS before Rafik Hariri’s assassination last month, the Lebanese politician had played host to Walid Jumblatt, the Druze leader, at his mansion in west Beirut. Mr Hariri had a warning for his old friend: the Syrians were after them. “He told me that in the next two weeks it was either going to be me or him,” Mr Jumblatt told The Times. “Clearly he thought something was going to happen.”
Something did. On February 14 Mr Hariri was killed when 600lb of explosives apparently buried in the road outside St George’s Hotel in Beirut blew up beneath his car. The blast has echoed round the world. Hundreds of thousands of Lebanese have demonstrated in Beirut, the world has united in demanding Syria’s withdrawal from Lebanon and the drive for democracy in the Middle East has been given a huge boost. Syria has repeatedly protested its innocence and no irrefutable evidence of its involvement has yet emerged. But a reconstruction of events leading to Mr Hariri’s murder, and interviews with at least a dozen Western, Lebanese and even Syrian officials, leave not the slightest doubt that the plot was hatched in Damascus. The Times has learnt that Mr Hariri had enraged the Syrians by inspiring a UN resolution demanding that Syria stop interfering in Lebanon. US and UN officials repeatedly warned Syria not to harm Mr Hariri in the months before his death. In mid-January, under pressure from Damascus, the Lebanese Government withdrew his 70-strong security detail, and immediately after his death the scene of the bombing was swept to remove any evidence of Syrian complicity. “There does seem to be no other scenario,” a senior Western diplomat said. The murder of Mr Hariri, an immensely wealthy Lebanese businessman who had rebuilt his country after a 15-year civil war, followed the collapse of his relations with President Assad of Syria last summer. In August, under pressure from America to withdraw its forces from Lebanon, Syria had engineered changes to the Lebanese constitution to allow its ally, President Lahoud, to extend his term of office. Mr Hariri, then Prime Minister, was a bitter rival of Mr Lahoud and strongly opposed the move. But Mr Assad summoned him to Damascus. In a 15-minute meeting the Syrian leader told him that the decision had been taken and that he was expected to vote for it in the Lebanese parliament. Mr Hariri returned to Lebanon and drove straight to his summer residence in the mountains above Beirut. A former aide recalled that his mood was very bleak. “To them (the Syrians), we are all ants,” he quoted Mr Hariri as saying. But Mr Hariri had his revenge. Using his close ties to President Bush and President Chirac of France, he secretly helped to bring Resolution 1559, calling for Syria to withdraw its forces from Lebanon, before the UN Security Council. “1559 was his baby. He was very proud of it,” a UN official said, though Mr Hariri’s aides played down his involvement. On October 1 Marwan Hamade, a former minister and friend of Mr Jumblatt, was seriously wounded when his car was bombed in a Beirut street. His bodyguard was killed. The bombing was interpreted as a warning to Mr Jumblatt. “Hariri was in Paris at the time and went crazy when he heard the news,” the aide said.

Two weeks later, Mr Hariri resigned as Prime Minister. He instantly became a magnet for growing opposition to Syria and was expected to use his political and financial muscle to lead the anti-Syrian camp in May’s parliamentary elections. After the assassination attempt, Paris and Washington sent messages to Damascus warning the Syrians not to harm opposition leaders, specifically Mr Hariri and Mr Jumblatt. Richard Armitage, the US Deputy Secretary of State, reiterated that warning during a meeting with Mr Assad in Damascus on January 2.
But in late January Mr Hariri’s security detail, 70 members of the Lebanese Internal Security Forces, a paramilitary police unit, was withdrawn. He was repeatedly attacked in the media by pro-Syrian figures. Several workers from one of his charities were arrested. Mr Hariri was confident that the Syrians would not dare to touch him because he was protected by Washington and Paris. “Hariri was not worried at the time,” his former aide said. “He used to say, ‘You only die when you die’.” But that sense of invulnerability was soon to change. On February 10, Terje Roed-Larsen, a UN envoy, met Mr Assad in Damascus and told the Syrian leader to rein in his intelligence apparatus in Lebanon. He tried to persuade Mr Assad to hold a secret meeting with Mr Hariri to reconcile their differences, fearing that there would be further violence if the situation was not quickly defused. “Larsen knew if there was no dialogue, it would end badly,” a UN source said. “He knew he had to move fast.” That night he saw Mr Hariri in Beirut for dinner. The Lebanese politician was prepared to talk to the Syrians, but only as an equal and not as a subordinate. Two days later Mr Hariri met Mr Jumblatt at his home, and correctly predicted his own death. The huge blast shortly after noon on St Valentine’s Day was heard all over Beirut — a thunderous explosion that reverberated around the streets and into the hills, rattling windows and bringing anxious Lebanese out on to their balconies. A column of smoke climbed into the sky from the city centre, marking the spot where Mr Hariri and 18 others perished. Lebanese security forces swiftly sealed off the area. “They cleared up the crime scene after the explosion,” one senior British diplomat said. “They are hampering the investigation.” Initially they tried to pin the killings on Islamic militants and said that a suicide bomber was responsible. Three Syrian ministers interviewed by The Times this month all denied that Damascus killed Mr Hariri. But none put forward a convincing alternative theory, even though Syria has a vast intelligence network in Lebanon.

Alawites in the Muslim World

The Alawites form a Middle Eastern religious group prominent in Syria. Bashar al-Asad, the president of Syria, is an Alawite.
Alawites call themselves Alawi (Arabic علوي), after Ali, the son-in-law of the prophet Muhammad. The term Alawi was recognized by the French when they occupied the region in 1920. Historically they had been called Nusairis, Namiriya, or Ansariyya. Nusayri had become a term of abuse and they preferred to be called Alawis to show their reverence for Ali. To avoid confusion, this article uses the modern term.
The Origin of the Alawites is in dispute. According to some sources they were originally Nusayri, a sect that broke ties with Twelver Shiites in the 9th century. The Alawites trace their origins to the eleventh Shia Imam, Hasan al Askari (d.873), and his pupil Ibn Nusayr (d.868). Nusayr proclaimed himself the "bab" or door (representative) of the 11th Imam. The sect seems to have been organised by a follower of Ibn Nusayr's known as al-Khasibi who died in Aleppo in about 969. Al-Khasibi's grandson al-Tabarani moved to Latakia on the Syrian coast. There he refined the Nusayri religion and, with his pupils, converted much of the local population. Today Alawites exist as a minority, but politically powerful, religious sect in Syria.
In the 10th century, Alawites were established during the Hamdanid dynasty of Aleppo but they were driven out when the dynasty fell in 1004. In 1097 Crusaders initially attacked them but later allied with them against the Ismailis. In 1120 the Alawites were defeated by the Ismailis and Kurds but three years later they fought the Kurds successfully. In 1297 Ismailis and Alawites tried to negotiate a merger, but it came to nothing.Alawites were actively persecuted under Mameluke rule from 1260 onwards. When the Ottoman Empire took control of Syria in 1516, the Turks are said to have killed over 90,000 Alawites. Afterwards, Alawites were regarded as outcasts and the empire sent Turks to settle their lands. Reportedly some of the Turks converted to become Alawites. After Alawites attacked the Ismaili village of Masyaf in 1832, the Pasha of Damascus sent troops against them.
After the fall of the Ottoman Empire, Syria and Lebanon came under French mandate. The French gave autonomy to Alawites and other minority groups and accepted Alawites into their colonial troops. Under the mandate, many Alawite chieftains supported the notion of a separate Alawite nation and tried to convert their autonomy into independence. A territory of "Alaouites" was created in 1925. In May 1930 was created the Government of Latakia, that lasted until 28 February 1937.
In 1939 a portion of northwest Syria, the Sanjak of Alexandretta, now Hatay, that contained a large number of Alawites, was given to Turkey by the French, greatly angering the Alawite community and Syrians in general. Zaki al-Arsuzi, the young Alawite leader from Antioch in Iskandarun (later named the Hatay by the Turks) who led the resistance to the annexation of his province to the Turks, later became a founder of the Ba'ath Party along with Michel Aflaq. After World War II, when the Alawite provinces were united with Syria, Alawite followers of Sulayman al-Murshid tried to resist integration. He was captured and hanged by the newly independent Syrian government in Damascus in 1946.
Syria became independent on April 16, 1946. Following the 1948 Arab-Israeli War over Palestine, Syria endured a succession of military coups in 1949, the rise of the Ba'ath Party, and unification of the country with Egypt in the United Arab Republic in 1958. The UAR lasted for three years and broke apart in 1961, when a secretive military committee, which included a number of disgruntled Alawite officers, including Hafiz al-Asad and Salah Jadid, helped the Ba'ath Party take power in 1963. In 1966, Alawite-oriented military officers successfully rebelled and expelled the old Ba'ath that had looked to Michel Aflaq and Salah al-Bitar for leadership. They promoted Zaki al-Arsuzi as the "Socrates" of their reconstituted Ba'ath Party.
In 1970, then-Air Force Colonel Hafez al-Assad took power and instigated a "correctionist movement" in the Ba'ath Party. In 1971 al-Assad became president of Syria. Alawite status was significantly improved and in 1974 Imam Musa al-Sadr, leader of Twelver Shiites of Lebanon proclaimed that he accepted the Alawites as real Muslims. Until that time, Muslim authorities - both Sunni and Shiite - had refused to recognize them as true Muslims. The Assads have been vigilant in promoting religious toleration.
The Syrian-Sunni majority did not appreciate Alawite power and the Muslim Brotherhood tried to assassinate Assad in June 25, 1980. Assad answered by sending troops to the Brotherhood stronghold in the town of Hama. The Syrian Army practically wiped out the Brotherhood sympathizers in the Hama Massacre during which over 10,000 were killed. Since the Hama uprising and its suppression, Syria has been an island of stability in the region.After the death of Hafez al-Assad in 2000, his son Bashar al-Assad maintained the outlines of his father's regime. Although Alawites predominate among the top military and intelligence offices, the civilian government and national economy is largely led by Sunnis. The Assad regime is careful to allow all the religious sects a share of power and influence in the government.
Theologically, Alawites today claim to be Twelver Shiites, but traditionally they have been designated as “extremists – ghulat” and outside the bounds of Islam by the Muslim mainstream for their deification of Ali ibn Abi Talib or Ali. Only one holy book of the Alawites, Kitab al Majmu`, has been translated into French and printed. This was done in Beirut in the mid-nineteenth century by an Alawite convert to Christianity, who was later killed by a fellow Alawite for his disloyalty. The Alawite religion has many similarities to Isma’ilism. Like Ismaili Shi`as, Alawis believe in a system of divine incarnation as well as an esoteric reading of the Qur'an. Unlike Ismailis, Alawis regard Ali as the incarnation of the deity in the divine triad. As such, Ali is the "Meaning;" Muhammad, whom Ali created of his own light, is the "Name;" and Salman the Persian is the "Gate." Alawi catechism is expressed in the formula: "I turn to the Gate; I bow before the Name; I adore the Meaning." An Alawi prays in a manner patterned after the shahada: "I testify that there is no God but Ali." But he also must declare that he is a Muslim. Alawites believe that they are the true and best Muslims.The Alawite religion is secret and Alawites do not accept converts or the publication of their sacred texts. The vast majority of Alawites know precious little about the contents of their sacred texts or theology which is jealously guarded by a small class of male initiates. At the age of 15 or 16 all Alawite men are given a few hours of initiation classes, but from then on, it is up to them to decide whether they want to become students of the religion, attach themselves to a Shaykh, and begin the lengthy initiation process and course of study in the religion.
Because only one book has been translated, outsiders know little about Alawite theology and much nonsense is repeated on web pages. Hanna Batatu’s last book has a short but reliable section on Alawite doctrine, theology and recent debates within the community. Many leading Shaykhs today reject much of the tradition laid out in the Kitab al-Majmu`. How sincere is this rejection of bida` or innovation? There is no way to tell, but it has a long tradition within the community. The French tried to pressure leading Alawite Shaykhs to declare the Alawite religion a separate, non-Muslim religion during the early 1920s but they lost their battle because many religious leaders refused to do so. After all, Alawites declare themselves to be Muslims in their catechism and believe that Muhammad is God’s messenger.
The Alawite religion seems to be based on Gnosticism and Neo-Platonism. According to Alawi belief, all persons at first were stars in the world of light but fell from the firmament through disobedience. The material world is a place of danger, enemies and impurity. The essential evil of this present existence can be escaped by the help of the divine creator. Every Alawite has within his soul a bit of the light of the divine creator, which can be accessed and lead him on the right path and salvation. Faithful Alawis believe they must be transformed or reborn seven times before returning to take a place among the stars, where Ali is the prince. If blameworthy, they are sometimes reborn as Christians or Jews, among whom they remain until atonement is complete. Infidels are reborn as animals.
Because of the highly syncretistic nature of the religion, scholars have claimed that Alawism is related to Christianity because they have a trinity, drink wine as a possible form of communion, and recognize Christmas. Various sources claim that their rites include remnants of Phoenician sacrificial rituals.
Although Alawites recognize the five pillars of Islam, they consider them symbolic duties and few perform them. Hafiz al-Assad’s efforts to bring his people into the main-stream of Islam included building mosques in major Alawite towns. Reforming clerics have encouraged fellow Alawites to pray regularly and perform the basic tenets of mainstream Islam. Bashar has followed his father’s lead in pushing his community to shed their idiosyncratic rituals and theology. Alawite shaykhs are encouraged to deny the divinity of Ali and proclaim themselves Twelvers.
The insistence on conformism has brought rich political rewards – Alawites enjoy all the rights of Muslims in Syria and can hold the office of President, which must be filled by a Muslim according the constitution. Nevertheless, Alawites have paid a steep price for political success by denying their distinct religious tradition. In essence, they have given up their religion, or more accurately, converted to Sunni Islam, for a share of political power and equality in the nation.Alawis who have speculated on the success of this bargain are considerably more optimistic about the percentage of Syrians who considered them Muslim than are their Druze counterparts. Several claim that 50% of Syrians or more accepted them as Muslims.

(Unscientific surveys suggest that few Sunnis really believe they are Muslim, although liberal Syrians weave them into the fold much as liberal Christian Americans accept Mormons as fellow Christians despite the fact that they add another book to the Bible and believe in latter-day prophets.) The reason Alawis give for their success is that they try harder than the Druze to be like Sunni Muslims and to assimilate to the textbook version of Islam. One native of Latakia, an Alawi woman who is in her thirties with an advanced degree, gave the following explanation:"We are accepted as Muslims because we have worked hard to be accepted. We have copied the Sunnis. Some Alawis cover their hair and wear hijab, either for personal reasons or when they marry Sunnis. We don’t eat ham, and even when we do, we don’t eat it in front of people. We fast – or we pretend to fast; out of respect for others, we don’t eat in front of them during Ramadan. We have built mosques in our major towns. Some Alawis go to Friday prayer and to the Hajj. My grandfather was a modern shaykh who encouraged everyone to pray at the mosque in Jable. The charitable foundation established and run by Jamil al-Asad (the brother of former President Hafiz al-Assad) finances hundreds of Alawis to go on Hajj, and the women working for the organization have to wear the hijab. Hafiz al-Asad prayed in Mosque and fasted.

When his mother and son died, he prayed for them in Mosque. He built the Na`isa mosque in Qardaha, his home town, in the name of his mother. All these things are proof to Sunnis that we try hard to be part of Islam and like Sunnis. They accept it. We have succeeded."Today, most Alawites only know the tenets of Sunni Islam because they are taught them in mandatory religion classes from first grade through twelfth grade. Syrian school texts do not mention the word Alawite once or refer to diversity of belief and practice in Islam. The introduction of the state school system into the Alawite region during the last 50 years has transformed the religious identity of Alawites. Although they know they are different from Sunnis, they don’t know exactly how. Most will tell you about the popular religious ceremonies their families engage in, which include annual visits to saints’ shrines, the sacrificing of sheep, and wearing of talismans.
Traditionally, Alawites have five subsects; Ghaibiyya, Haidariyya, Murshids (after Sulayman al-Murshid), Shamsiyya (Sun Sect) and Qamari (Moon Sect). Sects are oriented by tribe. Today, few Alawites are found who know much about these sects. Although most young Alawites can tell which tribes their parents belong to, there is little effort today to marry within the tribe, and on a social level, tribes have very little meaning. In politics, this may not be true. Evidently, the Asads go to great lengths to make sure that the different tribes are equally represented in top military posts, just as they try to divvy out government posts among the various religious and ethnic groups of Syria.
Alawites live in the mountains along the Mediterranean coast. Latakia and Tartous are the region's principal cities. They are also concentrated in the plains around Hama and Homs. Today Alawites live in all the great cities of Syria. Estimates about their exact numbers range from 1.5 to 1.8 million or about 12% of the Syrian population.
There are also less than 100,000 Alawites who live in Lebanon and others who live in the Hatay, Adana, and Mersin of southern Turkey. The Alevis of Turkey are different from Syria’s Alawites, though they share the same name. Turkey’s Alevis are descended from the Kizilbash, a Sufi-Shi`a offshoot with connections to early Safavid Iran, whereas the Alawites are Nusayris.


Alawites in the Muslim World Picture this: a devout Muslim traveler enters the mosque, and he notices of a large number of animals and straw. As he is starting his prayer, he hears a loud, rude voice telling him, "Don’t bray, the fodder will come to you." The voice could have been from a member of the same sect, who when they made a sneak attack on the [Muslim] village of Jabala in the middle of the Friday prayer shouted, "There is no God but ‘Ali, no veil but Mohammed, and no door but Salman." as they massacred the men and turned the mosques into taverns, -- yes, wine-taverns! Who are these guys, and when they attacked Christians, Jews, and fellow Muslims, were they really Muslims? These "Muslims" are recognized as true Muslims by many Shi’ites and some Sunnis. "Muslim" is in quotes however, because these people are considered heretics (Ghali), outside of Islam, by a great many Muslims. Who are these people? What do the following have in common: a persecuted people, wild outlaws, a battery-powered electric messiah, and control of the country of Syria today. Who is it that believes in a "Trinity", whose Supreme manifestation is Muhammad, ‘Ali, and Salman al-Farisi? The purposes of this paper are to give both Muslims and non-Muslims a different perspective on the world of Islam, break down stereotypes about Muslim people, and perhaps, through a brief glimpse of the strange ways of the ‘Alawites, you might find some deep things to ponder. We will answer all of these questions, but in order to do so, we have to go back and understand a few things about their origin. Origin of the ‘Alawite People There is actually great disagreement on the origin of the ‘Alawite people. They prefer the name ‘Alawi (follower of ‘Ali), but they were for a long time called Nusayris. Some think the Nusayri were descendents from the Nazerini in Syria Roman historian Pliny mentioned in History 5:23. The ‘Alawites are composed of a number of tribes, some of which were native to northwest Syria; other tribes emigrated from Iraq in the 12th century. In 1516, the Ottoman Emperor Selim "The Grim" killed over 9,400 mainly ‘Alawite Shi’ites with the blessing of the Sunni religious leaders. He settled many Turks in the ‘Alawite homelands of northeast Syria, but over time, many of them joined the ‘Alawites also. The ‘Alawites tried to set up their own country, first called "The ‘Alawite State", and then changed to "Sanjak of Latakia", from 1920-1936. Today there are up to 3 1/2 million ‘Alawites, and they control the country of Syria. History of their Religion According to themselves, their this Shi’ite group came from God, and their religion is what Mohammed and ‘Ali taught. According to question 44 of the Druze Catechism, they split off from the Druze because they worshipped ‘Ali, when they really should be worshipping Lord al-Hakim (996-1021 A.D.) who is visible God to the Druze. According to Patrick Seale, in Asad : The Struggle for the Middle East, Univ. of Ca. Press 1968, p.8, "Like the related sects of the Druze and Isma’ilis, the Nusayris were a remnant of the Shi’i upsurge which had swept Islam a thousand years before. They were islands left by a tide which had receded." Some trace the teachings of the ‘Alawites to Muhammad ibn Nusayr an-Namiri (c.850 A.D.), who called himself the Gate (Bab) to Truth. It apparently evolved through the teachings of Husayn ibn Hamdan al-Khasabi (c.970 A.D.). When the Shi’ites lost power, ‘Alawites were killed by Crusaders, Mamelukes, Ottomans, and ‘Alawites also fought among themselves. As a side note, there was a Sunni ‘Alawiyya dynasty of Morocco, but it is unrelated. Conflict Over the ‘Alawite Religion ‘Alawites are an offshoot of Twelver Shi’ites. They were recognized by the Lebanese Twelver Shi’ite leader Imam al-Sadr in 1974 as legitimate Muslims, after the ‘Alawite Hafez Assad was elected to power in Syria in 1971. His son, Bashar is likewise an ‘Alawite. Other, smaller groups also believe in the deification of ‘Ali, and these groups along with ‘Alawites are called ‘Alawi. Ibn Taimiya/Taymiyya (d. 1328), orthodox Muslim scholar and founder of Wahhabism, issued a fatwa (legal judgment) against the ‘Alawites with rather harsh language. He said they were not trustworthy, "they were greater infidels than the Christians and Jews…greater even than idolators." He authorized Jihad against them, saying it was legal to take their property and blood, unless they show repentance. In 1097 the Crusaders initially massacred a group of Nusayris, but when they heard they were not true Muslims, the Crusaders tolerated them and even aided them in fighting the Isma’ilis. In 1120, the Kurds and Isma’ili Muslims defeated 25,000 Nusayris, but in 1123 the Nusayris with the help of some defecting Isma’ilis defeated the Kurds. In 1291, ‘Alawite and Isma’ili leaders met unsuccessfully to try to merge together. The Egyptian (Muslim) Mameluke rulers persecuted them from 1260 to 1518. When the Ottomans took over Syria, starting in 1516, they persecuted the ‘Alawites too. In 1832, after the Nusayri attacked the Ismai’li village of Masyaf, the Pasha of Damascus sent thousands of troops to fight them. They were also persecuted in 1870 and 1877. The French pacified ‘Alawi lands from 1918-1922. After ‘Alawites massacred some Christian nuns on 4/27/1924, the French killed more ‘Alawites. Under Sliman Murshad, many ‘Alawites fought against the Nationalist Syrian troops, until Sliman was hung in 1946. ‘Alawites are 8-12% of the Syrian population today. They are 65% of the population in the Latakia regions of east Syria and a small part of south Turkey. After Hafez Assad had been in power, the Sunni Muslim Brotherhood (Ikwan) almost assassinated Assad on 6/26/1980. Many of the Ikwan were in the town of Hama, and the government sent 500 Syrian troops to punish them. The Ikwan killed all of them. All the mosques of Hama blared out that the guerilla war against Assad was over, now was time to openly support the Ikwan and drive out the "infidels". The streets of Hama were too narrow for tanks, so Assad’s brother ordered the artillery flatten the town, and then sent in troops to kill everyone else. Between 20,000 and 38,000 people were killed. An ‘Alawite told me that Assad’s brother was expelled from Syria for this. However, Syria has not had any trouble with Sunni holy warriors since. Summary: Non-Alawite Muslims are not all agreed whether the ‘Alawites are genuine Muslims or not. ‘Alawites claim to follow the essential teachings of Islam, but there are obviously wide differences in interpretation. In a similar manner, all Muslims claim to follow the teachings of Jesus, yet few have read them and know of the intrinsic contradictions between the Prince of Peace (that is, Jesus) and Islam. While many Muslims considered ‘Alawites as ghulat (a cult) farther from Mohammed’s teachings than even Christians and Jews, some might consider Islam a ghulat with respect to Jesus’ teaching. Beliefs of ‘Alawite Islam Secrecy: ‘Alawites have tried to keep their inner teaching and rituals secret, somewhat like the masons or Mormons. One of their rituals is a communion, including drinking wine. Like Catholics, they believe that the wine is transubstantiated into deity, Allah. The Five Pillars of Islam: the creed, prayer, alms, pilgrimage, fasting during Ramadan, are believed only as symbols and there is no need to practice them. They have two other pillars: Jihad, or holy struggle/war, was also considered the sixth pillar by the Kharijites. Worship of ‘Ali, (called Waliya), is the seventh pillar. This involves not only devotion to ‘Ali, but also struggle against ‘Ali’s enemies. A "Trinity": Almost all Shi’ites (Zaydis excepted) believe ‘Ali, the son-in-law of Mohammed, was the rightful first caliph. However, ‘Alawites go further and believe ‘Ali is a member of an appearance of a "Trinity" of Allah. Most Muslims deny any Trinity. Like the other Isma’ilis, Allah has appeared in a threeness at least seven times. The last appearance was Mohammed, ‘Ali and Saliman al-Farisi. "al-Farisi" means "the Persian". Saliman was the one who suggested digging a large trench around part of Medina at the Battle of the Trench. Seven Cycles: ‘Alawites believe Allah appeared in seven cycles of three parts. Revealed Hidden Gate Adam Abel ? Noah Seth ? Jacob Joseph ? Moses Joshua ? Solomon Asaph/’Asaf ? Jesus Peter ? Mohammed ‘Ali Saliman al Farisi Note that Noah and Seth are together, even though they lived over a millennia apart. Reincarnation: People who deny ‘Ali will be punished by being reincarnated into animals. Attending Mosque is not important to most ‘Alawites. However, they do have ceremonies in the famous Ummayad mosque in Damascus. Holidays: Like both Sunnis and Shi’ites, they celebrate the sacrificial feast Id al-Azha. Like other Shi’ites, they celebrate the festivals of Idr i-Fitr, Idr i-Kabir, and Ashura. They also celebrate Christmas and Epiphany. They also celebrate Nawruz, which is the New Year of the Zoroastrians. Other Shi’ites celebrate this also, teaching this was the day Mohammed gave the Caliphate to ‘Ali. Astrology: While Mohammed was against astrology, ‘Alawites use astrology; perhaps they were influenced by Zoroastrians here. They believe the stars in the Milky Way are actually the deified souls of believing men. Women do not have souls according to ‘Alawite theology. They teach that women were created from devils, or else the sins of devils. This too differs markedly from Mohammed, where he taught the majority of the inhabitants of Hell were women (Bukhari 2:161; 1:301, and 1:2 . However, contrary to multiple written sources by non-Alawites, an ‘Alawite told me that they do in fact believe women have souls. I plan to investigate whether some or all ‘Alawites have changed this doctrine, or someone was misinformed. Wine: ‘Alawites in Syria drink wine. The National Geographic Magazine has a picture of two Syrian men in traditional Arab dress drinking wine together. ‘Alawite Sects The ‘Alawites themselves are have five sects, the Sun Sect (Shamsiyya), the Moon Sect (Qamari), the Murshids named after their Messiah, Sliman Murshid/Murshad, the Haidariyya, and the Ghaibiyya. All agree on the ‘Alawite "fundamentals", but when the divine manifestation of God, ‘Ali ibn Abi/Abu Talib, left earth, the Sun and Moon sects disagree on whether he now lives in the sun or in the moon. The Moon sect is made up of six tribes of ‘Alawites. The majority of ‘Alawites belong to the sect of their religion that their parents and tribe belonged to. However, probably a majority of people in the world belong to a religion simply because it is their family’s tradition. Lots of people today are looking for a tradition; how many are looking for the True God? Sliman Murshad, the Electric Messiah Sliman Murshad was born sometime before 1900. He proclaimed himself the Messiah, and like Mohammed, apparently had symptoms that appeared like epileptic fits. Like Mohammed, his followers claimed he did miracles too. For example, he would secretly bury food in a mud wall, and when he hit the wall hard, food would come out for the villagers to eat. His legs would glow in the dark, because he painted them with phosphorus. The phosphorus would glow when he would literally light up, because he had lights connected to a small battery he carried. He led a rebellion against the government of Syria, he was supported some by the French, and was finally hung by the Syrians in 1949. Most curiously, even some people who were suing Sliman, and did not believe him to be any kind of Messiah, were sad to see him killed because he promoted the cause of ‘Alawite autonomy. Anyway, after that time, many ‘Alawites joined the army and the Syrian Baath political party. (The Iraqi Baath political party is not ‘Alawite.) In 1971, Hafiz/Hafez Assad became the President of Syria, and his son Bashar rules today. Is your religion true, or does it too need "batteries" to keep on going. Jesus said, "I am the light of the world" (John 8:12). Just as bugs fly into bug lights and die when they should seek to fly by the sun, people’s souls go to Hell when they seek the "bug light" that needs phosphorus and batteries, when they should seek the true light of God. If you are tired of religions that need props, coercion, or traditions to keep alive and fired up, look to Jesus who transforms us. You do not need long books of commentaries or hadiths on all the finer legalisms of ritual religion; these too are bug lights, when you need God. God does not allow His word to become corrupted, and if you believe that, then trust in God’s word, the Bible. The Attractiveness of the ‘Alawite Faith Why are people ‘Alawite Muslims? Some might think it is because this allows one to be a Muslim (with its corresponding benefits in a Muslim society) and not have to do all the rituals and go to the mosque very much. One can also drink alcohol as an ‘Alawite Muslim. But there is more to it than that. In orthodox Islam, Allah is nearly unknowable. In Sunni Islam, if you want to know all that pleases and displeases Allah, you "vicariously observe" everything Mohammed did as written in the traditions (Sunnah) preserved in the hadiths. The hadiths are in a sense more influential than the Qur’an, because there is so much more that is spelled out in all those volumes. Shi’ite Islam has its own teachings of Ja’far and others, but for practical application they listen to the imams. ‘Alawites have a great respect for Mohammed and ‘Ali, and so they worship them as Allah. ‘Alawites want to know God, and they think they can by substituting Mohammed, ‘Ali, and Salman al-Farisi as a Trinity. A problem with this is that Mohammed and ‘Ali never claimed to be God, one with God, or claimed to forgive sins. They never accepted worship or the title of Lord, or allowed others to call them God. The True God is knowable in the Old Testament. It shows how God interacted with kings, judges, and commoners. Of course, in the New Testament, God is even more knowable since Jesus came to earth. Contrast with the Bible Secret teachings are a part of the ‘Alawite religion. Christianity has deep truth that was only known through God’s revelation. However, God has revealed all He wants us to know. There is no Christian doctrine, experience, or practice Christians teach today that is not readily available for non-Christians to hear or read. Paul in Ephesians 3:9-10 said his mission was "to make plain to everyone the administration of this mystery, which for ages past was kept hidden in God, who created all things. His intent was that now, through the church, the manifold wisdom of God should be made known…" (NIV) Worship of others is expressly forbidden in the first of the Ten Commandments. "But I am afraid that just as Eve was deceived by the serpent’s cunning, your minds may somehow be led astray from your sincere and pure devotion to Christ." (1 Corinthians 11:3 NIV) Reincarnation: The Bible teaches reincarnation is wrong; Hebrews 9:27 says that man is destined to die once. In 2 Samuel 12:22-23 David said of his dead baby: "I will go to him [the grave] but he will not return to me." (NIV) Reincarnation does not make sense, since we all go to Heaven or Hell after death. Ecclesiastes 11:3 also shows that "wherever a tree falls, there it will lie." Astrology, trusting heavenly bodies for advice about the future is wrong according to the Bible in Leviticus 19:26; 22:27; Deuteronomy 18:11-14; 2 Kings 17:16; 21:3,5; 2 Chronicles 33:3-6. Women: In the Bible men and woman have different roles. However, in regard to value, Galatians 3:28 shows that there is neither male nor female in Christ Jesus; all believers have the privilege of being children of God. Wine: The Old Testament shows that drinking wine is acceptable, but Ephesians 5:18 commands us not to be drunk. ‘Alawites drink wine, but I have no evidence that they believe in getting drunk either. Gospel for ‘Alawites (and everyone else) God is Greater than Our Thoughts: ‘Alawites rightly believe God is more complex than just Allah, but they worship Mohammed, ‘Ali, and Saliman al-Farisi as God. It is amazing that they would worship Mohammed, who taught he was not God, and not worship Jesus, when centuries before He and the early Christians had taught that Jesus was God. Jesus did not show that He was God merely in some abstract sense, but He accepted worship, forgave sins, which only God could forgive, and accepted others calling Him God too. God Created Us: How you ever stopped to wonder why God created human beings at all? The Qur’an does not directly answer, but the Bible provides a number of reasons. · We were created for God’s glory (Isaiah 43:7; 62:3) to proclaim His praise (Isaiah 43:21) as His witnesses (Isaiah 43:10) · God loves us and delights in us (Zephaniah 3:17) · As a Father loves His children (Malachi 1:6; 1 John 3:1), God cares for us. (Psalm 8:4; Nahum 1:7; 1 Peter 5:7) · God wants us to live with Him forever (Revelation 21:3; 2 Corinthians 5:4) · Our joy (Philippians 3:1) and light will be God (Revelation 21:23-25; John 1:5,7-9) which is better than looking forward to wine (Psalm 4:7) · We are created in Christ Jesus to do works (Ephesians 2:10) We have a purpose, and do not let religion, or anything else, stop you from fulfilling our purpose. People run from God’s Truth: We have no reasons to look down on ‘Alawites who believe ‘Ali lives today on the sun, or the ones who believe ‘Ali lives on the moon, because haven’t most people, at one time or another choose to believe something just because they wanted to, without caring foremost about the truth? Not only do people prefer to believe crazy, made-up doctrines, but people do not want to believe that God’s way is the best way. When someone who knows the truth about God decides to do drugs, get drunk, be immoral, or chase money as their idol, is their thinking any more rational than the ‘Alawites? No, we all are in the same boat without God, and God not only needed to reveal the truth, but He has to guide people to it, as people are so prone to chase after the deceptions of this life. There is one way, God’s way: Though we have all turned aside from God and followed our pet deceptions, God was not through with us. While we were still God’s enemies, God sent His son Jesus Christ to die for us, as Romans 5:10-11 shows. Mere prophets came to teach; Jesus not only taught like other prophets, He came to die to our sins (John 1:29; 1 Timothy 2:6; 1 John 2:2). Jesus said in John 14:6 "I am the way and the truth and the life. None comes to the Father except through me." We must seek God: Jesus told us we had to seek Him in Matthew 7:7-12. Mt 7:14 adds, "Enter through the narrow gate. For wide is the gate and broad is the road that leads to destruction, and many enter through it. But small is the gate and narrow the road that lead to life, and only a few find it." We must confess Jesus as Lord: "if you confess with your mouth, ‘Jesus is Lord,’ and believe in your heart that God raised him from the dead, you will be saved. For it is with your heart that you believe and are justified, and it is with your mouth that you confess and are saved. As the Scripture says, ‘Any-one who trust in him will never be put to shame.’ For there is no difference between Jew and Gentile - the same Lord is Lord of all and richly blesses all who call on him, for, ‘Everyone who calls on the name of the Lord will be saved.’" (Rom 10:9-13)

Thursday, March 17, 2005

المخابرات

صاحب «البوريفاج» يؤسس مطعما اسمه المخابرات
لندن: كمال قبيسي قال صاحب فندق «بوريفاج» في بيروت إنه سيؤسس مطعما داخله يطلق عليه اسم «مطعم المخابرات»، بعد أن اشتهر الفندق الذي استخدمته المخابرات السورية طوال 5 سنوات وبقيت أجهزتها في محيطه أكثر من 13 عاما، إلى ان انسحبت من المنطقة أول من أمس، بعد أن حولت الفندق إلى المركز الرئيسي لجميع أجهزة مخابراتها في لبنان.وقال الشيخ خالد هرموش، 43 سنة، أن كلفة عملية ترميم الفندق تزيد عن 4 ملايين دولار «بحيث سيعود الفندق نجمة سياحية شهيرة في لبنان بعد أن اشتهر بأنه كان مركزا لأجهزة المخابرات السورية والجار الأقرب إلى أجهزتها، بعد أن انتقلت منه إلى عمارة لا تبعد سوى شارعين»، بحسب ما رواه عبر هاتفه الجوال من بيروت مع «الشرق الأوسط» أمس.وذكر هرموش، وهو مدير عام الفندق ورئيس بلدية قرية السمقانية في قضاء الشوف، إنه لن يطالب الدولة اللبنانية بأي أجر عن «وجود» المخابرات السورية في البوريفاج بدءا من العام 1985 وعلى مدى 6 الى 7 سنوات «لأنني أؤمن بأنه يتوجب عليّ مساعدة وطني الذي اغتربت عنه في الولايات المتحدة لسنين طويلة، لا استغلال ما مر عليه من صعوبات».وقال إن فندقه، المكون من 90 غرفة و10 أجنحة في منطقة الرملة البيضاء الشهيرة جنوب بيروت «لم يكن مركزا للمخابرات السورية منذ عام 1991 أو 1992، لكنه كان جارا لها في المنطقة نفسها، لذلك اعتقد الناس ورددوا في اليومين الماضيين ان المخابرات السورية أخلت مركزها في فندق البوريفاج، والصحيح هو مركزها قرب الفندق، لا فيه».وبرر فكرته باطلاق اسم المخابرات على أحد المطاعم في الفندق، بان الفندق اشتهر بأنه كان مركزا لهذه المخابرات «ولهذا السبب نصحني الكثيرون باستخدام الاسم، وأعتقد بأنه سيكون الأشهر بين مطاعم بيروت عندما ننتهي من عملية الترميم بعد عام على الأكثر».ويضم البوريفاج، المصنف في فئة الـ4 نجوم، مطعمين و«كافتيريا» ومسبحا وصالة للرياضة، وأخرى للأفراح تتسع لـ800 شخص وثالثة للمؤتمرات والاجتماعات تتسع لـ150 شخصا. وقد بناه الشيخ حسن هرموش، والد الشيخ خالد، قبل 38 عاما. وكانت العائلة تملك 3 فنادق أخرى، أحدها هو كارلتون الكويت والثاني كارلتون تاور دبي، والثالث هو كارلتون تاور الشارقة، لكنها باعت الفنادق في الخليج وبقيت على ملكيتها لفندق البوريفاج، الذي أصبح بعد خروج المخابرات السورية من محيطه منذ يومين «أحد المعالم السياحية في بيروت، أي كما كان قبل الحرب الأهلية، حيث نزل فيه اللاعب البرازيلي الشهير بيليه والمطربة أم كلثوم ونجل الثائر الراحل تشي غيفارا وكذلك الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والمطرب الراحل فريد الأطرش والمطرب الفرنسي الراحل شارل أزنافور، وكذلك بطل العالم بالشطرنج سابقا، الروسي أناتولي كاربوف». وذكر الشيخ خالد أن شقيقه توفي أمس و«كان وحده يعرف حجم الأضرار التي لحقت بالفندق، لكن يمكن حسابها بسهولة، فأجرة الغرفة الواحدة عندنا هي بحدود 70 دولارا لليلة. لكني أكرر بأنني سأنسى كل شيء، ولن أطالب أحدا بتعويضات، ولكن دعونا نعمل ونمضي إلى الأمام ولا تضعوا في طريقنا الأحجار» كما قال.

Salim Hoss, always a YES YES Sister leader


<<التيار>> يتهم الحص ب<<دور مريب>> في <<تغطية جرائم والسكوت عن مرتكبيها>>
سأل <<التيار الوطني الحر>> الرئيس الدكتور سليم الحص انه إذا كان متأكدا من هوية الذي قصف الاونيسكو فلا شيء يبرر رفضه لجنة التحقيق آنذاك الا رغبته في تجهيل المرتكب والتغطية على الجهة القاصفة أيا كانت. رد <<التيار>> على الرئيس الحص بالآتي: لم نكن في وارد السجال مع الدكتور سليم الحص حول تعمده، مرة تلو المرة، تشويه الوقائع والتعمية على الحقيقة، وقد حاولنا ان ننسى دوره المريب في تغطية جرائم عدة وسكوته عن مرتكبيها، ولكن امعانه في التضليل يدفعنا الى مواجهته، للمرة الاخيرة، بالحقائق التاريخية الدامغة لانها ليست اسيرة ادعاءاته، بل هي ملك عام يحق للرأي العام الاحتفاظ بها: 1 في تاريخ 15/3/1989 اوردت عناوين الصحف الآتي: <<الحص يقترح لجنة تحقيق في المجازر التي حصلت (في اليونيسكو) وعون يرحب بها>>. واليوم يعود الحص ليقول انه تراجع عن طلب لجنة تحقيق لأنه يعرف مصدر القصف! فإذا كان يعرف فعلا مصدر القصف، فلماذا سكت ولماذا تراجع عن طلب لجنة تحقيق تحدد المسؤولية بدقة. وإذا كان واثقا من <<عينه المجردة>>، فإن التحقيق كان سيدعم موقفه ولا يترك مجالا للشك والتساؤل، أم تراه كان متواطئا آنذاك مع العماد ميشال عون لتغطية مسؤولية القصف، ولذلك رفض التحقيق <<إنقاذا>> للجيش اللبناني! وعلى الرغم من ان الحص كان متأكدا من هوية الفاعل، وقد وضع بقايا قذيفة ال240 (وهو مدفع لا يملكه الجيش اللبناني) في مكتبه، فلا شيء يبرر، إذاً، رفضه لجنة التحقيق الا رغبته في تجهيل المرتكب والتغطية على الجهة القاصفة ايا كانت. ب في تاريخ 4/5/1989 جاء في عناوين الصحف: <<مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، في لقاء مع الجاسم، يصرح بأن القصف على الغربية يتم من المنطقة الغربية وليس من الشرقية>>. ج في 16/5/1989، بعد 12 يوما من تصريح المفتي الشيخ حسن خالد، جاء في مانشتات الصحف: <<اغتيال المفتي خالد في عائشة بكار>>. وهنا، نسأل الحص: ماذا فعلت لكشف هذه الجريمة، وهل عرفت المجرم وتعرفه اليوم، هل طالبت بالتحقيق في استشهاد مفتي الجمهورية، وهل استقلت بسبب التقصير، او اقلت أي مسؤول آخر؟ د في 21/9/1989 ذكرت عناوين الصحف: <<اغتيال النائب ناظم القادري في فردان قبل موعده مع العماد عون في بعبدا>>. ونسألك أيضا: ماذا فعلت لمعرفة الجاني، وهل عرفته حتى الآن؟ إذا كنت لا تعرف فالمصيبة كبيرة، واذا كنت تعرف وتسكت فالمصيبة اكبر. وقد آن لك ان تعرف انك على الاقل، لا تعرف. وعليك ان تقول لنا اليوم، لماذا تؤيد لجنة تحقيق دولية في اغتيال الرئيس الحريري، وتبرر للرأي العام لماذا رفضت التحقيق بكل الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في عهد حكومتك تلك؟

Straight to the garbage of History


إزالة تمثالين وصورة للأسد في حلبا والعبدة
عكار <<السفير>> قامت عناصر من حزب البعث العربي الاشتراكي في عكار مساء أمس بإزالة تمثالي الرئيس الراحل حافظ الأسد والراحل باسل الأسد من ساحة حلبا في عكار وسط إجراءات أمنية مشددة للجيش اللبناني. كما قامت بإزالة صورة كبيرة للرئيس الراحل حافظ الأسد في بلدة العبدة.

Monday, March 14, 2005

Lahoud , ya rait khreet, wala hkeet

Lahoud Warns of 'Catastrophe' by Grenade into Post-Hariri ProtestPresident Lahoud has warned of a catastrophe if protests continue by loyalists and opponents in Lebanon in the aftermath of ex-Premier's Hariri's assassination."If they want to continue demonstrating from one square to another, a hand grenade or a little firecracker tossed at the crowds by a potential saboteur will generate a catastrophe of tragic dimensions," Lahoud said. "We are not in Georgia and nor are we in Ukraine. We have lived through 17 years of war and this could happen again ... But we will not let it happen," the president said in a meeting with Lebanon's Association of Journalists Saturday. His remarks grabbed the headlines if the Beirut press Sunday.Hariri's parliament members have rejected Lahoud's warning, insisting on staging a massive sit-in at Hariri's graveside in downtown Beirut's Martyrs Square on Monday. "If the protests continue here and there, that will be enough for whoever committed the assassination to throw a grenade. What will become of our children?" warned Lahoud. Lahoud also criticized the opposition for refusing to take part in a national unity government under Premier-Designate Omar Karami, charging it had "judged dialogue useless because it found support from abroad, particularly from France and the United States." He promised to find the truth about the murder of Hariri, saying this was a priority for the state. "The person who carried this out wanted to start an insurrection. If he is not found, he will start again. It is in the interest of the state to find him as quickly as possible since the crime was aimed at all of Lebanon." Responding to opposition calls to sack top security service officials and the prosecutor general, Lahoud said anyone found guilty of negligence would be punished but within the framework of institutions. The Syrian-backed Lahoud has long been a political foe of Hariri, who is credited with rebuilding Beirut from the ravages of the 1975-1990 civil war. However, the president denied rumors that he spent the day swimming when Hariri was murdered on Feb. 1."I swim daily. It's my sporting hobby. But on that specific day I did not swim," Lahoud said.(Naharnet-AFP)

'Devastating Cover Up'? No No, Israel did it, Not Syria... WRONG

U.N. Investigators Reportedly Revealing 'Devastating Cover Up' in Hariri's MurderA United Nations investigation into the death of former Lebanese premier Rafik Hariri will report that Lebanese and Syrian authorities are behind a cover-up of evidence from the February 14 blast, The Independent newspaper said on Monday. "The U.N. investigators have become convinced that there was a cover-up of evidence at the very highest levels of the Lebanese and Syrian intelligence authorities," the British daily said. Veteran Middle East correspondent Robert Fisk, based in Beirut, quoted no sources for his report but said that members of Hariri's family had been warned the U.N. report on the death would be "devastating". The U.N. team, comprised of Irish, Egyptian and Moroccan investigators and recently joined by Swiss bomb experts, has discovered that many of the vehicles from Hariri's convoy were moved from the scene of the blast only hours after it happened, Fisk said. The Independent also published a photo of the bomb site taken 36 hours before the bombing, and suggested that a "mysterious object" seen near a drain pipe indicated that explosives could have been planted beneath the avenue. This would contradict initial reports that Hariri was killed by a car bomb, Fisk said. "If (investigators) successfully recover parts of (one remaining destroyed) vehicle, they may be able to discover the nature of the explosives," he wrote.(AFP)

Beirut, 14 Mar 05, 18:14

Sunday, March 13, 2005

دلول: من سحب العناصرالأمنية من موكب الحريري؟

"التمديد هو المشكلة والمحيطون بلحود يفبركون الملفات ويتباهون"
دلول: رفعوا الحماية عن الحريري قبل أيام من الجريمة
السلطة متّهمة وتدلّ على نفسها بكيدية وغباء وجهل

خرج النائب محسن دلول عن صمته قائلاً في مؤتمر صحافي عقده امس في دارته في علي النهري: "سكتّ كثيراً اكراماً لذكرى الرجل الكبير جداً، لانني كنت اعتقد ان الرئيس الحريري يمكن ان يخدم وطنه في استشهاده كما خدمه في حضوره، وربما يبادر المسؤولون الى كشف الجريمة وننطلق من ثم لبناء لبنان كما حلم به وكما تمناه واشتهاه، ولكن لم يعد يجوز السكوت. لقد لاحظت خلال الايام الماضية ان الامور لا تسير بهذا الاتجاه، بل هناك محاولات تهديد ووعيد، "سننزل ونحطم ونخبط"، "تخبط من" شعبك؟ يا اخوان لا يوجد شيء اسمه وطن من دون شعب، الوطن ليس حجراً، ليس مبنى وليس ارضا ولا جغرافيا، الوطن قضية كبيرة تتعلق بوجود شعب، وبقدر ما يكون للشعب احلام وطموح وامال تكون الاوطان".
وتوجه الى رئيس الجمهورية بالكلام الذي قاله خلال المشاورات النيابية: "يا فخامة الرئيس صُرف وانفق كامل رصيدك لم يعد هناك شيء، واقولها في الاعلام يا فخامة الرئيس من رصيدك يتم الانفاق".
قال: "يحكمنا الجهل ونعيش في ظل معادلة الجهل المطلق والمجهول المخيف، وبين الجهل والمجهول علينا ان نبادر فوراً الى المكاشفة، وتبدأ المكاشفة بكشف جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن دون الحقيقة لا يمكن لفلفة الامر، ليس فقط بالنسبة للرأي العام اللبناني"، سائلاً: "الا نلاحظ انها مسألة غريبة ان يأتي رؤساء العالم للتعزية بالرئيس الشهيد ثم يزورون الضريح ويغادرون الاراضي اللبنانية، من دون ان يلتقوا احداً من السلطة، لأن هذه السلطة متهمة، ولا نريد ان نختبئ وراء اصبعنا. ولكن ماذا فعلت حتى ترفع الاتهام عن نفسها؟ لا شيء لا بل بكيديتها وبغبائها وجهلها تقول انا متهم (...) وبغباء وتورط دلت على نفسها".وكشف رفع الحماية الامنية عن الرئيس الحريري قبل ايام من اغتياله، لافتاً الى ان "لجنة تقصي الحقائق متوقفة عند نقطة، هي انه في محاولة اغتيال النائب مروان حماده، كان في رفقته عنصران تبين انهما من الامن، بينما استشهد مع الرئيس رفيق الحريري 9 من رفاقه، فهل بين هؤلاء رجال امن؟ لا، لا، يوجد للرئيس الحريري رجال من امن الدولة، هل كان هناك رجال امن يحمونه سابقاً؟ نعم. من سحبهم؟ وكيف سحبوا؟".
واوضح انه "عندما ترك الرئيس الحريري رئاسة الحكومة تم الاتفاق بينه وبين رئيس الجمهورية وجهات أخرى ان تحمي الدولة امنه وان تفصل له من العناصر الامنية ما يلزم، وتقدم بطلب شفوي وتمت الموافقة على تمركزهم في الاماكن اللازمة، وبعد فترة وجيزة، سحبت هذه العناصر قبل ارتكاب الجريمة بايام، وحصلت اتصالات عديدة وانا شاهد على ذلك لمعرفة السبب ولكن لا جواب. طبعاً كان هناك امتعاض من هذا الاجراء من جانب رئاسة الجمهورية، وجهات اخرى، ولكن المسؤول غائب عن السمع، وعندما وجدوه قال ان الرئيس الحريري لديه مال فليستأجر اشخاصاً يحمونه. فاذا كان شخص كالرئيس الحريري ترفع عنه الحماية فهذا يعني استباحة دمه...".وقال انه اراد الحديث الآن لانه شاهد "اجراء من جانب وزير الداخلية قضى باقالة ضابطين بسبب الاهمال، فما رأي وزير الداخلية بهذا الموضوع؟" وسأل: "هل كانت تعلم الدولة بسحب العناصر الامنية، وما الاجراء الذي ستتخذه بما انها قادرة على اقالة ضابط لم ينزل الى الارض ويجري المسح اللازم بعد الاغتيال، وما رأي وزير الداخلية بمسؤول كبير يسحب عناصر امنية، مخالفاً وعود رئيس الجمهورية، وعندما تتم مراجعته بعد مماطلة كبيرة، يقول الرئيس الحريري لديه مال فليستأجر عناصر تحميه".

معارضة خجولة
وعلق على ظهور رئيس الجمهورية التلفزيوني معتبراً انه "حسنا فعل بذلك، ولكننا في لبنان، ولا يوجد لدينا رمز مطلق، فنظامنا النوعي والتعددي لا يسمح بوجود رمز"، واضاف: "يقول رئيس الجمهورية ان الذي عطل له خطاب القسم او لم يسمح له بالعمل هي المعارضة، بينما المعارضة كانت خجولة طوال اعوام حكمه الستة، وهو كما نعلم تسلم رئاسة الجمهورية بأكثرية نيابية لم يشهد لها لبنان مثيلاً في تاريخه"، واضاف: "السبب هؤلاء الذين احاطوا به وفبركوا الملفات ويتباهون بذلك، فسقط العهد يوم ذاك. اما الكلام ان التمديد ليس هو المشكلة فليسمحوا لي ان التمديد هو المشكلة، لماذا لا نعترف بالاخطاء؟ الرجل الكبير هو الذي يعترف بالخطأ ليعالجه، واذا لم يعترف بالمرض يموت المريض، اما الكلام عن اننا لن نسمح من هنا بتظاهرة ومن هناك بتظاهرة، هذا كلام يتعلق بالتحقيق بالتحقيق بالتحقيق، الشعب يريد الحقيقة واذا كان ليس هناك حقيقة فلماذا تريد ان "نطمسها"؟ السوابق في لبنان كثيرة بل هناك اجماع أن ليس هناك جريمة تكتشف. فكيف يقولون ان الامن ممسوك ومتماسك، اذا لم تكن هناك جريمة تكشف، او تحدد الجهة الفاعلة او تسمى؟ (...) فيما نحن نرفع علامة النصر ونحن منتصرون والامن عظيم، ومتماسك وممسوك، يا اخوان لماذا تضليل الرأي العام؟ لماذا لا نقول الحقائق لنجد لها الحلول". واعتبر ان "لجنة تقصي الحقائق لا تكفي واذا كانت الدولة بريئة من دم رفيق الحريري عليها هي ان تأخذ المبادرة، وأنا أؤيد هنا منطق الرئيس سليم الحص، ان تستدعى لجنة تحقيق دولية".وسئل تعليقه على كلام رئيس الجمهورية، عن امكان ان ينزل احد بين المتظاهرين ويحاول افتعال حادث امني، فقال: "اعتقد انه اذا كان هناك احد لديه الامكان ان ينزل بين المتظاهرين وتكون الدولة حتى الآن لم تقم بمسح فليسمحوا لنا، فان السلطة تكون من قام بذلك".
ونصح الرئيس عمر كرامي "بالا تكون الحكومة من لون واحد او وزارة كيدية كما يتمنى ويشتهي البعض"، معتبراً ان "الحوار لا يكون على طاولة المجلس، الحوار يسبق التأليف لنتفق على اي اساس تشكل الوزارة وما برنامجها، واهم شيء في برنامج الوزارة التحقيق ثم نتكلم في الامور الاخرى".
وسئل: لماذا الاصرار على ادخال المعارضة في الحكومة؟ أجاب: "يريدون ادخال المعارضة حتى يحملوهم مسؤولية تمييع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري اي انتم داخل السلطة، وبحثناها على طاولة مجلس الوزراء وصدر القرار التالي".
ونفى ان تكون المعارضة تريد سحب سلاح "حزب الله" معتبرا ان "اكثر الناس المؤيدين للمقاومة هم عناصر فاعلة في المعارضة، واكثر مؤيد للمقاومة كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري".وسئل عن القرار 1559، فأجاب: "الـ1559 السوري وافق عليه وينسحب بموجبه".
وسئل عما اذا كان بمواقفه انضم الى المعارضة، فاجاب: "انا امام معادلة ذكرتها في مستهل الكلام، هناك سلطة تقودنا بجهل، وفي المقابل هناك المجهول المخيف، فهنا يجب ان نستعمل العقل ولا يجوز ان نندفع في هذا الامر، الرئيس كرامي حسناً فعل عندما قدم استقالته وان جاءت متأخرة، كان في ودي لو عولجت المشكلة بشكل منطقي واستقالت الحكومة يوم اغتياله، وان ينتقل اركان الدولة كلهم الى بيته ليتقبلوا التعزية، وان لا ينعي الرئيس الحريري ضابط مهما ارتفعت رتبته، بل ينعيه رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة".

لست وارداً
وهل يمكن ان ينضم الى الحكومة على اساس الطروحات التي قدمها؟ قال: "انا لست وارداً في التشكيلة ومنذ مجيء الرئيس لحود أحاكم واحاسب، لانني كنت اصارح بالحقيقة".
وهل يعتقد ان "حزب الله" اخطأ عندما دخل كطرف في السجال الحاصل بالبلد، اجاب ان "حزب الله ميز نفسه عندما رفض الاشتراك في تظاهرة الاثنين حيث اسقط الشارع حكومة الرئيس عمر كرامي"، مشيراً الى انه "لدى الحزب قضية اساسية".
ولماذا لا يتوحد الشارعان ما دام شعار الحقيقة واحداً، قال: "هذا ليس شعاراً، هناك جريمة فليقل لنا من دبر الجريمة لنضبها"، وسأل: "هل تعتقدون انه حتى الآن السلطة لا تعرف من اغتال الحريري، يكذبون علينا بالقول ان الامن ممسوك ومتماسك، لا تستغبيني كي لا استغبيك، اذا استغبيتني افقد ثقتي بك، السلطة تستغبيني وفقدت ثقتها. الشارع لا يسأل بها، ولا تستهينوا بالشارع كل المعارضات في العالم تستعين بالشارع وتنطلق منه".

Syria Lackies

عبد الرحيم مراد العروبي على طول الخط
لا يمكن فهم طبيعة العلاقة التي تربط الوزير والنائب عبد الرحيم مراد بسورية وسباب ولائه من دون فهم طبيعة التعقيدات التي تحيط بالسنية السياسية في لبنان وسبل انتاجها لزعاماتها الكبرى. لكن نظرة سريعة يلقيها المرء على تاريخ الوزير مراد الشخصي والسياسي قد تمكنه من فهم تعقيدات العلاقة مع سورية وتشابكاتها بالنسبة لشطر واسع من اللبنانيين.
عبد الرحيم مراد ابن قرية من قرى البقاع الغربي. قرية سنية تجاورها قرى مختلطة، ويحيط بها محيط سني ارجح واكثر عمومًا. هذه القرية السهلية شهدت هجرات واسعة نحو المهاجر، خصوصًا الى اميركا الجنوبية، ومعظم الوجهاء والمتنفذين والأثرياء في تلك المنطقة يدينون بقسم من مكانتهم إلى هذه المهاجر.
مراد ايضًا حصّل ثروة من المهاجر، وكان في سبعينات القرن الماضي في منطقته اشبه بحريري صغير، او لنقل حريري محلي. كان يحكى في قريته وجوارها عن ثروته حكايات كثيرة. وعلى عادة اهل القرى في المبالغة والحماسة كان مراد بالنسبة لهؤلاء ثريًا خياليًا ولا تعكس علاقته بأهل بلده حدود ثروته. هذه الثروة المتواضعة بمقاييس هذه الأيام، ساهمت إلى حد بعيد في بروز نجمه حين افول نجم اقرانه. فعبد الرحيم مراد الثري باعتدال، كان واحدًا من ثلاثة في قيادة "الاتحاد الاشتراكي العربي" الناصري الهوى والميول. هذا التنظيم كان في السبعينات هلاميًا بمعنى من المعاني، إذ كان ممثلًا في مؤسسات الحركة الوطنية السياسية، لكنه لم يكن فاعلًا على الأرض. كان تنظيمًا من الوجهاء إلى حد ما، ويستند إلى جماهير بلدية في كل بلدة من البلدات التي تضم بين ابنائها احد وجهائه، ولم ينتج قيادات عالية المستوى على هذا الصعيد.
لا شك ان الناصرية كتيار سياسي عروبي تملك في لبنان تاريخًا فوارًا. فمصر عبد الناصر حكمت لبنان ردحًا من الزمن. وكثيرًا ما عمد معارضو الهيمنة السورية اليوم إلى تشبيه هيمنتها بهيمنة مصر عبد الناصر في الستينات وأواخر الخمسينات من القرن الماضي. وكان السفير المصري في بيروت عبد الحميد غالب يفتي ويقرر ويحل ويربط في بيروت. لكن الهيمنة المصرية على لبنان تعرضت لانتكاستين كبريين. انتكاسة قومية، واخرى محلية.
بعد حرب 1967 والهزيمة التي مني بها العرب ضد إسرائيل، أخذت تيارات القومية العربية في بيروت تتمرد على حكم الأنظمة وتميل شيئًا فشيئًا إلى الوافد الجديد باسم الصراع العربي الإسرائيلي والذي تمثل بالمقاومة الفلسطينية. وكانت حركة القوميين العرب في فرعها اللبناني ناشطة وعلى قدر من الحيوية السياسية سمح لها بجعل الحركة الناصرية تشحب شحوبًا شديدًا بعد انقلابها عليها.
تحول القوميون العرب اللبنانيون والفلسطينيون في لبنان في معظمهم إلى الماركسية، ومن شتات هذه الحركة نشأت تيارات وقوى كان لها أثر بعيد في لبنان وفي مجال القضية الفلسطينية على حد سواء. والحال فإن الحركة الناصرية شهدت في تلك الأثناء بعض أكثر محنها شدة. فتفرقت شذرًا مذرًا، ولم يبق من نواة مؤسسة وفاعلة لبنانيًا من القوميين البعثيين والناصريين، إلا اولئك الذين انتقلوا من حركة القوميين العرب إلى تأسيس منظمة الاشتراكيين اللبنانيين بقيادة محسن ابراهيم ومن ثم منظمة العمل الشيوعي في لبنان التي ايضًا وبعد انشقاقات متعددة آلت قيادتها إلى القومي العربي العتيق.
حال الهيمنة الناصرية في لبنان تشبه في وجوه كثيرة حال الهيمنة السورية. والأرجح، خصوصًا بعد التظاهرة الاخيرة التي قادها حزب الله، ان ما يمكن تسميته بالخط القومي العربي، لن يشهد ضمورًا في عديده في المقبل من الأيام والسنوات. لكن الشرط اللازم والضروري للخروج من شرنقة الحصار الذي يفرضه عليه واقع استرهان البلد تحت مذبح القومية العربية، يحتاج منه إلى نقد ذاتي وتأسيس متجدد على قواعد جديدة تتيح للتيار القومي العربي في لبنان، مرة اخرى، ان يتجدد وفق آليات أخرى غير آليات الهيمنة نفسها التي تبعتها مصر الناصرية وسورية البعثية في حقبتين زمنيتين مختلفتين.
الحركات الناصرية في لبنان شهدت بعد موت عبد الناصر انشقاقات متسعة ومتوالية. ثمة في بيروت وبعض المناطق "اتحاد قوى الشعب العامل" بقيادة كمال شاتيلا، وثمة في صيدا "التنظيم الشعبي الناصري" بقيادة الراحل اغتيالًا في مطلع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، النائب معروف سعد وولده المهندس مصطفى سعد من بعده، وشقيقه الدكتور أسامة بعدما توفى الله النائب مصطفى الابن البكر لمعروف.
ونشط في بيروت الحرب الأهلية تنظيم ناصري آخر كان يقوده ابراهيم قليلات تحت اسم حركة الناصريين المستقلين "المرابطون". هذا التنظيم حقق في الحرب الأهلية شهرة واسعة في ما سمي بحرب الفنادق، وشهد نهاياته في أواخر الثمانينات بعد اشتباكات دامية مع الحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه يومذاك.
وثمة "الاتحاد الاشتراكي العربي" الذي كان مراد من عداد قياداته الأولى، ويتركز نشاطه في منطقة البقاع الغربي. في سنوات الحرب الأهلية الأولى عمدت هذه التنظيمات إلى موالاة الجماهيرية العربية الليبية بوصف قيادتها ايضًا يتيمة الناصرية وفكرها القومي بعد وفاة عبد الناصر. والموالاة لليبيا كانت تعني في عرف اللبنانيين العاديين في زمن الحرب الأهلية اموالًا تغدق على اهل التنظيمات الموالية لا حصر لها ولا عد. هكذا اشتهرعن التنظيم البقاعي المنشأ والمركز بانه تنظيم مرفه، خصوصًا ان لا قوات عسكرية يعتد بها او يحسب حسابها كان يمكن ان يحشدها في الميدان، مع ما يعنيه الحشد في الميدان من نفقات طائلة يحتاج إليها العسكر سلمًا وحربًا.
بعد انحسار الدور الليبي من جهة وخروج المقاومة الفلسطينية من جهة اخرى، وبعدما وضعت الحرب الأهلية اوزارها، اخذ دور التنظيم يضمحل وئيدًا ليحل محل الدور بعض الوجاهات السياسية المناطقية. على هذا تصدر السيد عبد الرحيم مراد واجهة الوجهاء السنة في منطقة البقاع الغربي وكان تصدره يؤذن بلعب دور ما متوسط الحال في السياسة اللبنانية في المقبل من ايامها العجاف.
كان السيد عبد الرحيم مراد منسجمًا مع منبته وطائفته وقناعاته. لم يحتج ان يبدل فيها شيئًا. فهو سني المذهب مع ما يعنيه هذا الأمر في لبنان من اتصال سني وثيق بالفكر القومي العربي وتجلياته على الساحة اللبنانية، وهو ايضًا قومي الهوى لم تهزه العاصفة التي عصفت بالحركة الناصرية في لبنان ولم تغير اتجاهاته، وهذه العاصفة نفسها لم تجعله يتردد في موالاة المقاومة الفلسطينية بصفتها تعبيرًا صافيًا متجددًا عن حركة قومية من طراز آخر. وكان لا بد لهذا الصمود القومي على طول الخط من ان يوالي الوريث الفعلي للهيمنة الفلسطينية على لبنان الذي تمثل بسورية حافظ الاسد في الثمانينات وما تلاها.
فضلًا عن هذا كله كان لاحكام الموقع الجغرافي الذي يتحدر منه اثره الكبير في هذه الموالاة. فالبقاع الغربي اقرب إلى دمشق من حبل الوريد، والعلاقات بين اهل المنطقة والداخل السوري لم تنقطع في اي يوم من الأيام، يضاف إلى هذا كله سبب ارجح يتعلق باستمرار الهيمنة السورية على المنطقة من دون انقطاع او تعديل منذ العام 1976. فالقوات السورية دخلت بيروت وخرجت منها، ودخلت الجبل وخرجت منه، ثم عادت إلى بيروت والجبل، وها هي اليوم تخرج من هذه المناطق، لكنها منذ ان وطأت اقدام الجنود السوريين ارض لبنان عام 1976 لم تتزحزح قيد انملة عن سيطرتها وممارسة نفوذها في البقاع الغربي برمته. هذا كله جعل عبد الرحيم مراد كوجيه سني وكلاعب سياسي لا يتردد في موالاة السوريين. وان بدت سيرته السياسية غامضة المقاصد والأهداف احيانًا فذلك كان على الأغلب الأعم من موجبات واحكام العلاقات المعقدة التي تعقد في كنف السنية السياسية اللبنانية.في انتخابات 1992 النيابية فاز مراد بمقعد من مقعدي السنة في البقاع الغربي. المقعد الثاني ذهب إلى اللواء سامي الخطيب موالي سورية من دون لبس ولا ابطاء واول وزير داخلية في حكومات الهيمنة السورية عام 1992. لم يكن الفوز مستغربًا، وعلى الأثر عقد السيد عبد الرحيم مراد علاقة مرجحة مع رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص. سليم الحص المعارض منذ الطائف وحتى اليوم. كان يشكل في ذلك الزمن نوعًا من الضمير الوطني اللبناني. او لنقل انه شكل لجنة حكماء من كل الطوائف، شكل مع حسين الحسيني ونسيب لحود وبطرس حرب ونجاح واكيم "جبهة الانقاذ والتغيير"، وكان في عدادها كثيرون يذهبون ويعودون، فضلًا عن محمد يوسف بيضون الشيعي البيروتي الذي لازم الحص حتى يوم الانتخابات التي هزمه فيها الحريري. بين هؤلاء كان السيد عبد الرحيم مراد. لكن جبهة "الانقاذ والتغيير" لم تكن مرة جبهة متراصة الصفوف فالرئيس الحص لم يكن يتوسل، وما زالت هذه حاله، وزنًا طائفيًا في الاحتكام إلى زعامته. كان على الدوام يقيم في الخيار والموقع وليس في المنبت والأصل، وربما لهذا السبب تبدو زعامته ضامرة إلى حد بعيد هذه الأيام.
لا شك ان عبد الرحيم مراد والى الحص الملتبس سورية والذي لا يؤمن جانبه إلا ضعيفًا، لأن الوافد على الزعامة السنية بقوة هائلة لا يمكن ردها كان رجلًا مشكوكًا في ولائه القومي، فالقومية العربية في لبنان لها تعريف اضافي سوى الوحدة العربية يدور حول الحذر من المملكة العربية السعودية وسياساتها في لبنان.
والرئيس الحريري كان قادمًا من هذا الحضن الوسيع، والمقاول السعودي في زعامته لا يخفى على أحد. لكن السيد مراد سرعان ما تخلى عن كتلته حين سمي وزيرًا في حكومة الحريري الثانية عام 1995، ففي حين كانت الكتلة التي يرأسها الحص وينتمي إليها غير مرحبة بالتكليف والتأليف لم يتردد السيد مراد في قبول المنصب الوزاري الهامشي الذي عرض عليه. اصبح الآن معالي الوزير. ذلك يعني ان السيد مراد اذا ما احسن اللعب واجاده يمكنه ان يتقدم في الوزارات على نحو لا يوقفه شيء.
والحق ان الوزير انتقل من وزارة التعليم المهني والتقني إلى وزارة التربية الأكثر اهمية، وانتهى اليوم وزيرًا للدفاع. مسيرة لافتة من دون شك. لكنها كانت على حساب تحالفاته القديمة من دون لبس. لم يعد مراد حصيًا وهو لم يكن حريريًا اصلًا. وطبعًا لا يمكننا نسبة ولائه لكرامي، إذًا ليس عبد الرحيم مراد إلا سورية بامتياز.
علاقته بالمسؤولين السوريين ليست خافية، فنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام صديق العائلة، وحين سافر إلى البرازيل استضافه اخوه محمد في دارته طوال زمن الزيارة. وهو من ناحية ثانية مضطر بحكم الجيرة واحوال الناس في البقاع إلى اقامة علاقة مع ضباط سوريين لتسيير امور الأهالي والمواطنين حتى لو لم يكن يحبذ ذلك. وهو اخيرًا يتحدر من قرية قريبة من عنجر وقد بنى بيتًا في شتورا على طريق الشام وليس بعيدًا عن عنجر اكثر من مرمى حجر.
هذا جعل عبد الرحيم مراد مرشحًا لرئاسة الحكومة عند كل ازمة وزارية. لكن العارفين في الأمور يدركون ان طرح اسمه او طرح اسم غيره مثل عدنان القصار او عدنان عضوم يشبه التهويل بحدة الأزمة. اي ما معناه حرفيًا ان رئيس الحكومة سيحكم من خارج عزوته ومن خارج طائفته وبخلاف مآربها واتجاهاتها. وهذا امر فرضته زعامة الحريري الكاسحة على الإدارة السورية طوال فترة من الزمن. إلى حد بدت معه زعامات بيروتية عريقة مثل سليم الحص او شمالية مثل عمر كرامي عاجزة عن تأمين ولاء الطائفة، وما ان يطرق واحدهم باب الحكم للدخول إلى قاعته حتى تخرج الطائفة من النافذة. والحال فإن عبد الرحيم مراد لم يكن من قامة الحص او كرامي بحسب التراتب السياسي في لبنان. وترشيحه لرئاسة الحكومة يعني جورًا على الطائفة الراجحة والفاعلة في لبنان اقتصاديًا وسياسيًا وعمرانيًا.
لم يراع مراد هذه النقطة، ولا احسب ان لبنانيًا سنيًا قد يراعيها، فالمنصب زيان ومغر، ولا يقف امام اغرائه احد. لكن تدرج مراد في الوجاهة والنيابة والوزارة وصولًا إلى الدفاع كان يعني على الدوام قربًا اكثر من الإدارة السورية وامتثالًا لمشيئتها، وانتظامًا في خطها لا تشوبه شوائب كالتي تشوب نادي رؤساء الحكومات الوازنين في لبنان في ظل الهيمنة السورية.
جنى على عبد الرحيم مراد واقعتان لا فكاك منهما: تحدره من سنة الأطراف الذين يصعب دخولهم متن السياسة اللبنانية إلا بشق النفس، وزعامة الحريري الكاسحة التي جعلت الدخول صعبًا على اي كان.
لكن السياسة طاحونة لا تشبع وتستهلك من دون رأفة وتمييز اي كان. والأرجح ان عبد الرحيم مراد الذي بقي وفيًا لموقعه لم يجد غضاضة ابدًا في موالاة سورية، فالهيمنة السورية في حقيقة الأمر ليست إلا وريثة فتح البلد امام المقاومة الفلسطينية وتعريضه لرياح الأرض الأربع، وانضواؤوه من قبل تحت جناح الهيمنة المصرية على نحو يشبه الهيمنة السورية إلى حد بعيد.
بنتسب مراد إلى تيار قومي عربي عريض في البلد له اصوله وله مزاياه، لكن مقتل هذا التيار الدائم وخطيئته المزمنة انه لم يلق بالًا للبنان وطنًا نهائيًا لجميع ابنائه. قد يجيبك اي كان وهل كان لبنان مستعدًا لقبول جميع ابنائه مواطنين فيه على قدم المساواة؟ الجواب ايضًا لا حاسمة وقاطعة الوضوح ومن دون تردد على الإطلاق. عبد الرحيم مراد ليس فريدًا في محرابه، فالبلد يتبادل الخطيئات القاتلة من جهتيه في الظلام والنور على حد سواء.
سليمان فرنجية
يتحدر الوزير سليمان طوني فرنجية من عائلة سياسية مارونية شمالية. جده لابيه سليمان بك فرنجية رئيس جمهورية لبنان بين عامي 1970 و1976، وفي عهده اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية. واخو جده هو حميد فرنجية ابرز رجالات الاستقلال الموارنة ومرشح الرئاسة الأبرز لخلافة اول رئيس استقلالي بشارة الخوري، والذي نازعه على المنصب الرئيس الراحل كميل شمعون. ووالده طوني سليمان فرنجية وزير الاتصالات في حكومة عهد فرنجية الأولى ومؤسس لواء المردة الذي شارك إلى جانب الكتائب والأحرار في الحرب اللبنانية. والذي اغتيل عام 1978 على يد مجموعة من القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع الذي اصيب في تلك الحادثة. نجا سليمان فرنجية من تلك الحادثة وتربى في كنف جده سليمان وورث عنه زعامة العائلة بعد وفاة الرئيس الجد عام 1992. ويمكن تحديد نقطة انطلاق تاريخه السياسي مع بدء استتباب السيطرة السورية على لبنان واستوائها فاعلة ومقررة في المؤسسات الرسمية اللبنانية واحكام سيطرتها على القوى السياسية اللبنانية كافة. وريث الزعامة السياسية العائلية لم يخالف الخط الذي اختطه جده الراحل في التحالف مع سورية، وفي المحافظة على زعامة حاشدة في منطقته تشق عصا الطاعة عن شبه اجماع مسيحي على معارضة سورية وسياساتها في لبنان.
لا شك ان جريمة اغتيال طوني فرنجية لها اثر في خيارات فرنجية الحفيد، فالجريمة نفذت على ما يقول قائدها رئيس حزب القوات اللبنانية المحكوم بالسجن المؤبد في لبنان الدكتور سمير جعجع، بقرار من بشير الجميل وارث زعامة آل الجميل على حزب الكتائب، اقوى الاحزاب السياسية المارونية في ذلك الحين والذي كان يشكل عصب القوة المسيحية التي شاركت في الحرب الأهلية والتي اقامت علاقات مع اسرائيل في ما بعد كان من نتيجتها ان انتخب الشيخ بشير الجميل رئيسًا للجمهورية اللبنانية في ظل الاحتلال الاسرائيلي لبيروت. ومنذ استتباب الأمر للسيطرة السورية على لبنان عمدت الإدارة السورية إلى تصفية جهاز القوات اللبنانية العسكري والأمني، وهذا مما يثلج صدر الزعيم الشمالي على المستوى الداخلي اللبناني، حيث يزاح من طريقه عقبة كأداء تمثلت في قائد القوات اللبنانية نفسه الذي كان قد بدأ بإرساء زعامة شمالية تجاور معقل آل فرنجية في اهدن وزغرتا في شمال لبنان، وتقيم توازنًا بين القصبتين الكبيرتين: بشري مسقط رأس جعجع واهدن مقر آل فرنجية الصيفي.
لكن الثارات التي تعصف بأحوال العائلات السياسية في لبنان لا تلخص الأمور جميعًا وتختصرها. فالحفيد سليمان فرنجية والى جده على الخطى التي اختطها للزعامة. والجد الذي كان قوي الشكيمة وشديد البأس كان يرى من جهة ثانية ان علاقة لبنان بالداخل العربي ليست شانًا عارضًا وينبغي الانصراف عنه كلما لاحت لنا الفرصة. والحق ان الجد هو الذي دافع عن القضية الفلسطينية في مجلس الأمن في خطاب شهير عام 1970، وهو الذي دعم سورية في حرب اكتوبر العام 1973، وهو الذي ارسى دعائم ومبررات الدخول السوري إلى لبنان رئيسًا لجمهوريته، صيف العام 1976، لنجدة المسيحيين من احتمال هزيمتهم امام قوات الحركة الوطنية بزعامة كمال جنبلاط والمتحالفة والمدعومة من قوات منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات.
لكن المسيحية السياسية في لبنان كانت تريد من سورية ان تدعمها في حربها الداخلية ثم تعود لتسليمها الحكم مثلما كانت عليه الحال من قبل اندلاع الحرب. فأصلت القوات السورية التي دخلت لبنان حروبًا صغيرة كانت القشة التي قصمت ظهر بعير العلاقة المتينة بين زعامة آل فرنجية وزعامات بيروت والجبل المارونية في الحرب اللبنانية. ادار فرنجية ظهره لحلفاء الأمس واحتكم إلى منطق الجغرافيا الذي يربط شمال لبنان ببوابة وحيدة هي بوابة الداخل السوري. والحق ان الحفيد شب عن الطوق في السياسة ليجد زعامته محكومة بهذا التحالف المنطقي إلى حد بعيد. كان الأمر بالنسبة له لا يعدو كونه استجابة لظروف قاطعة الوضوح، فالزعامة المارونية الشمالية لا تستطيع ان تقطع صلات الرحم مع الزعامات السنية في طرابلس وعكار، وهذا يبدو من بديهيات التحالفات السياسية في لبنان. فأخو جده حميد فرنجية تحالف مع عبد الحميد كرامي في الانتخابات النيابية التي جرت في لبنان قبل الاستقلال ضد اميل اده الذي كان يدعو إلى بقاء الانتداب الفرنسي في لبنان، والذي كان يتزعم موارنة جبيل وقضاءها المجاورة لمعقل آل فرنجية. ولم يشذ خلفه في الزعامة عن قاعدة هذا التحالف إلا في فترة وجيزة من فترات الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1976. لكن العلاقات الوثيقة بين العائلتين استمرت مع الورثة، وما زال الوزير سليمان فرنجية يقيم تحالفاته الانتخابية والسياسية مع حليفه السني الشمالي عمر كرامي ابن عبد الحميد الاستقلالي ووارث الزعامة من اخيه رشيد الذي تم اغتياله بتفجير طوافته عام 1987، واتهم سمير جعجع بتنفيذ العلمية يومذاك.
ولاء آل فرنجية لسورية له تاريخ وحيثيات. تاريخ طبيعي يتعلق بطبيعة المنطقة التي يتزعمون موارنتها، وتاريخ شخصي يتمثل بعلاقات الصداقة مع رجال الحكم السوري في عهد الرئيس حافظ الاسد كما في عهد خليفته بشار. فثمة صداقة شخصية كانت تجمع بين الرئيسين سليمان فرنجية وحافظ الأسد تطورت لتصبح صداقة عائلية، هذا فضلًا عن علاقات العائلة بمعظم القيادات السورية ولعل ابرزهم العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري التاريخي وصديق الرئيس السوري الراحل على مر العقود. ومن دارة فرنجية في اهدن اعلن العماد طلاس استمرار صداقة سورية دولة وشعبًا للوزير سليمان فرنجية، ووالاه فرنجية بالتأييد لسورية وخطها الوطني. وهذا التعبير الذي تحول مجالًا للتندر في اوساط المعارضة اللبنانية، هو تعبير سليمان الحفيد الأثير. فكثيرًا ما يردد عبارة "الخط" قاصدًا من ذلك التحالف والولاء مع سورية وخطها "الوطني والقومي في المنطقة".
في مناطق جبلية كالتي يقيم فيها آل فرنجية تتخذ صفة الوفاء بعدًا حاسمًا. فالوفاء هو الصفة الأبرز التي تقام التحالفات العشائرية والعائلية على اساسها. فلا وزن للمصالح المباشرة او الانقسامات الاجتماعية في هذا الضرب من العلاقات. لكن ولاء آل فرنجية لسورية ليس وليد هذه الصفة ما قبل التاريخية بالتحديد. بل ان الوفاء يصبح تنويعًا اهليًا على مصلحة سياسية بالغة الأهمية. حيث ان زعامة آل فرنجية في الشمال الحاشدة والوثيقة العرى في ما بينها تحتاج حاجة ماسة لأن ينوب التماسك العائلي والمناطقي المتنوع المشارب والطوائف عن حجم الموارد الذي يجعل من هذه الزعامة قادرة على التأثير في مسالك واحوال الطائفة المارونية وزعاماتها في بيروت والجبل، وحتى في جبيل القريبة من اهدن. وتأثير القوى الطائفية لا يقاس ابدًا بحجم عديدها وقدرتها على الحشد في المناسبات الكبرى، بل ايضًا واساسًا بحجم مواردها التي تتمتع بها في العمران والاقتصاد والثقافة والاجتماع المديني والتي تجعل من هذه الطائفة او غيرها جزءًا اساسيًا ولا غنى عنه في انتقالها من الحيز البيولوجي المتمثل في العدد إلى الحيز الثقافي المتمثل بالدور. وحيث ان الشمال كان ولا يزال على الدوام مهمشًا في الاقتصاد والثقافة والمؤسسات اللبنانية، وحيث ان زعامة آل فرنجية بعيدة نسبيًا حتى عن طرابلس عاصمة الشمال ذات الطابع السني، لا يبقى لها إلا التضامن العائلي وحسن ترتيب التحالفات مع الزعامات القريبة، والاحتكام إلى منطق الجغرافيا حصرًا ومن دون اي تعديل. ففي حين تلعب الأدوار الاقتصادية المتغيرة على الدوام والتي تؤثر فيها رياح الخارج كثيرًا وعميمًا دورها البالغ الاهمية في تغيير التحالفات المحلية والخارجية، فإن فقدان الدور او تضاؤله يجعل العائلة او الطائفة محكومة بأحكام الجوار الجغرافي لا اكثر ولا اقل. لهذا يبدو الاحتكام إلى احكام الموقع الجغرافي اساسيًا في تجربة الوزير سليمان فرنجية وتثبيت زعامته الشمالية، وربما تجدر الإشارة إلى ان ابرز رموز المعارضة اللبنانية اليوم سمير فرنجية، وهو ابن حميد فرنجية زعيم آل فرنجية بلا منازع ورجل الاستقلال الذي فاضت زعامته عن حدود منطقته إلى لبنان برمته، لم يستطع ان ينافس حفيد عمه في الزعامة المحلية. ذلك ان ابن حميد فرنجية يتحدث بلغة لا يفهمها منطق التحالفات العائلية، والأرجح انه كان على طول الخط يحاول تجاوز الزعامة العائلية نحو دور سياسي على مستوى الوطن ككل. مما جعل زعامته للعائلة تضمر من دون ان يوقف ضمورها اي شيء.
من جهة ثانية لا يبدو التحالف مع فرنجية من جهة الادارة السورية وفاء لصديق قديم صاحب دور بارز. فالوزير سليمان فرنجية هو اثقل زعماء الموارنة وزنًا في الضفة الموالية لسورية وسياساتها في لبنان, وبغيابه عن الصف الماروني العريض المعارض لسورية يمنع هذا الصف حكمًا من ادعاء اجماع الموارنة على رأي وموقف واتجاه. الأمر الذي لا يستطيع تأمينه غيره من القيادات المسيحية الموالية لسورية. ليست زعامة آل فرنجية تفصيلًا نافلًا في زعامات البلد بل هي زعامة راسخة وتستطيع ان تحشد وتمثل وتعطل حين يكون التعطيل ممكنًا.
ليس سليمان فرنجية متكلمًا فصيحًا ولا تتدفق افكاره وتتدفق معها الفاظه. وهو إلى ذلك ليس مساجلًا بارزًا. لكنه حين يعتصم بأهله وعزوته يستطيع ان يواجه بكركي ويطعن في تمثيلها. والراجح انه بين الزعامات المارونية، يكاد يكون الزعيم الوحيد الذي تحكمه الجغرافيا إلى هذا الحد. لهذا ليس مستغربًا ان ينزل إلى المظاهرة الحاشدة التي قادها حزب الله مدججًا بأنصاره. فانفكاك هذا الزعيم عن احكام الجغرافيا المقيدة لا يتم إلا باحتمال من اثنين:
الأول ان يتحول شمال لبنان بفعل خطة تنموية طموحة ورشيدة إلى جزء اساسي ومقرر في ثقافة البلد واقتصاده وعمرانه. والثاني ان تضعف سورية إلى الحد الذي تصبح معه ساحة لأدوار خارجية كما كانت حال لبنان طوال العقود الثلاثة الأخيرة. وقد يكون انضواء فرنجية تحت راية حزب الله الذي يقود اليوم شطرًا اساسيًا من اللبنانيين اول تعبيرات واشارات الخروج الزغرتاوي - الاهدني من اسر الجغرافيا والدخول في الشأن اللبناني العام من بابه العريض. لكن هذا الدخول يحصل اليوم وسورية ضعيفة. ذلك يعني ان الاحتمال الأول القاضي بضم الشمال إلى لبنان الثقافي والاقتصادي والعمراني هو المطلب الحقيقي ليكون لبنان حقًا وطنًا لكل اللبنانيين وآل فرنجية في القلب منهم.


ميشال المر خط الدفاع الأول
في بداية شهر ايلول من العام 1995 خرج وزير داخلية لبنان السيد ميشال المر مطمئناً اللبنانيين ومهدداً ومتوعداً القتلة في مخيم عين الحلوة الذين خططوا ومولوا تنفيذ جريمة اغتيال الشيخ نزار الحلبي. الوزير المر على التلفزيونات يتخذ دائماً صفة القبضاي. يهدد، يتوعد، يوحي ان المعركة شخصية وتخصه، ويعلن انه لا يهزم. يستصغر غريمه ويطلق في حقه ابشع نعوت الاستصغار.
من قيض له ان يسمع الوزير المر للمرة الأولى في ذلك الحين تخيل ان الوزير صاحب يد مطلقة القوة، وانه لن تنقضي سحابة النهار التالي حتى يكون الجناة مخفورين ومساقين إلى السجون. لكن عشر سنوات إلا اقلها مضت وما زال القتلة في المكان نفسه، وما زال المسؤولون اللبنانيون ينسبون إليهم كل الجرائم التي يصعب حلها، وتحول هؤلاء إلى رقم صعب لا تستطيع الدولة اللبنانية ان تشطبه من ديونها. لم يفعل الوزير شيئاً يذكر. اللهم إلا ان حواجز قوى الأمن والجيش المنتشرة على الطريق بين مدينتي صيدا وبيروت اخذت تدقق في هويات المارة والعابرين، وسببت زحمة سير خانقة. كأنما اللبنانيين لا يكفيهم العبث بالأمن، فأضاف الوزير إلى همومهم المتعددة همّ زحمة السير التي لا توصف. على كل حال لم يمر القتلة على الطريق الذي كان رجال الأمن يوقفون السيارات ويفتشونها عليه. وبقي كلام الوزير كلاماً في الهواء.
ميشال المر ابن بتغرين من اعمال المتن في جبل لبنان، قبضاي. هكذا يريد ان يوحي وهكذا يحب ان يظهر. تصريحاته نارية وخصومه مزدرون. وهو لهذا يبدو على التلفزيونات غير محبوب على الإطلاق. التلفزيون يبث إلى كل انحاء الأرض دفعة واحدة، لا يميز بين اهل المتن واهل الجنوب. لذا يشعر المرء وهو يشاهد الوزير القبضاي يتكلم كما لو ان هذا الوزير لا شأن له في السياسة من قريب او بعيد. فليس ثمة ما يحسن قوله حيال غير المتنيين من اهل منطقته. وزير مناطقي بامتياز.
ليس هذا عيباً في لبنان. سياسيو المناطق كثرة ولا يحصون عدداً. لكن الوزير المر يتحدر من المتن في جبل لبنان. والمتن، لمن لا يعرف طبيعة الجغرافيا السياسية في لبنان، يقع على كتف بيروت. وفيه، كما في بيروت، تصنع السياسة بامتياز. نائب المتن اعلى كعباً من نائب عكار. وقادة البلد عموماً، والمسيحيين منهم خصوصاً يتحدرون من هذا القضاء او من جواره. اليوم ثمة في عالم السياسة اللبنانية اسماء لامعة يتحدر معظم اصحابها من هذا القضاء، من الرئيس الأسبق امين الجميل، إلى الرئيس الحالي اميل لحود مروراً بنسيب لحود المعارض البارز، وغسان مخيبر وريث البير مخيبر في المقعد النيابي الذي شغر بوفاة شيخ الدستوريين.
هذا من احكام الجغرافيا، وعلى علاقة متينة بالاقتصاد. وموارد الاقتصاد اللبناني بالغة التعقيد. للجغرافيا فيها وزن حاسم، فأن يملك المرء عقاراً في بيروت العاصمة او في المتن امر لا يمكن مقارنته بعقار في منطقة العرقوب من اعمال جبل عامل. وميشال المر من صلب المتن ومتنه. متمول كبير ومهندس وصاحب شركات معروف في لبنان. ليس ادل على وزنه الاقتصادي والمالي من "برج المر" الشهير في الحرب الأهلية اللبنانية، وليس أدل على دوره السياسي – الاقتصادي من "طابق المر" الذي سمح بتسوية خلافات البناء فأضاف على الرخص طابقاً جديداً سمي باسمه يوم كان وزيراً للمال.
دخل ميشال المر السياسة نائباً عن المتن شهابي الهوى والميول. وكان فاعلاً في الاقتصاد منذ ستينات القرن الماضي. وتقلب في الحقائب الوزارية طويلاً ومديداً. لكن سنوات سعده الكبرى كانت في زمن الهيمنة السورية على لبنان. فمنذ اقرار اتفاق الطائف لم يبارح المر الحكومات إلا حين خلفه ابنه الياس وزيراً للداخلية في اخر حكومات الحريري. بعدها وقع المحظور، وخلفه في حكومة كرامي المستقيلة سليمان فرنجية، وكان ذلك في بدايات الانحسار السوري بعد التمديد للرئيس لحود في العام 2004.
في انتخابات 1992 و1996 و2000 كان المر وزيراً ومنحازاً على الدوام. في لبنان ارتبط اسمه بتزوير الانتخابات. كان وزيراً للداخلية في المرتين الأخيريتن، وفي 1992 كان سامي الخطيب الموالي لسورية وزيراً للداخلية في اول حكومات عمر كرامي. تزوير الانتخابات والتلاعب بلوائح الشطب تهمتان وجهتا له في المرتين. وعلى كل حال لا شيء يمنع ان يستمر وزيراً بفعل الدعم غير المحدود الذي تقدمه الإدارة السورية لابن المتن معقل القادة المسيحيين الاستقلاليين ومنبتهم. كان ابنه الياس وزيراً للداخلية في الانتخابات الفرعية عن المقعد الارثوذوكسي الشاغر بوفاة البر مخيبر في ربيع 2002. ابنته ميرنا كانت مرشحة العائلة، واخوه غبريال صاحب محطة ال "ام. تي. في." التلفزيونية خصمها ومرشح المعارضة، اما غسان مخيبر فكان المرشح الثالث والذي نال اقل عدد من الأصوات.
تلك المعركة هزت لبنان عميقاً، وفيها، كان في وسع المرء ان يدرك حجم المتن الكبير في السياسة اللبنانية. اسفرت الانتخابات عن فوز غبريال المر، لكن طعناً قدمته ابنة اخيه المرشحة ضده في فوزه إلى المجلس الدستوري اقام البلاد ولم يقعدها، فذهب المجلس الدستوري الى اصدار حكم بالغ الاشكالية يقضي بفوز غسان مخيبر الذي ما زال يشغل المقعد حتى اليوم. كان قرار المجلس الدستوري في حيثياته يوحي ان البلاد على شفير انقسام حاد ونذر حرب اهلية تتصاعد في الأفق، لهذا ذهب إلى اصدار حكم سياسي وليس قضائياً ، حيث غلّب قيمة السلم الأهلي على منعة القضاء ونزاهته. وذهب المقعد إلى مخيبر منعاً لانتصار طرف على آخر. خصوصاً ان تلك المعركة اثبتت ان القوتين متوزانتين متنياً ولا سبيل لرأب الصدع بينهما.
في المتن واجه ميشال المر قيادات عريقة تحالفت ضده، واثبت كفاءته ووزنه المناطقي. خصومه توزعوا من ميشال عون وتيار القوات اللبنانية، إلى امين الجميل والحزب الشيوعي، وصولاً إلى نسيب لحود وبعض عائلة آل المر. لكن ميشال المر المدعوم من رئيس الجمهورية وهو نسيبه، والمتحكم بآليات الفرز وابنه وزير داخلية، اثبت انه يملك من اسباب القوة ما لا يستهان بحجمها ووزنها.
لكن الرجل الذي واجه هؤلاء جميعاً وعادلهم كفة، ليس سياسياً من طراز رفيع. فهو لم يكن يوماً رجلاً اول بمقاييس الأول في طائفته، من امثال الراحل البير مخيبر وغسان تويني وفؤاد بطرس وايلي سالم على سبيل المثال. كان ولا يزال على الدوام رجلاً محلياً. لا يتجاوز حدود منطقته إلا بحكم مهام منصبه. قبضاي في منطقته، وضعيف لدى عموم اللبنانيين. ولو ان قانوناً للانتخاب اعتمد لبنان دائرة واحدة لخان المر حظه في الفوز على اغلب الظن. كان شهابياً، ثم دعم الرئيس الياس سركيس في زمن الحرب، وسوّق لبشير الجميل رئيساً. ويقال انه دفع بدل انتقال النواب إلى المجلس من جيبه الخاص في جلسة انتخاب بشير. صرح ان كامل الأسعد رئيس المجلس النيابي مع انتخاب بشير فاستدعاه مع بشير ووبخه إلى حد التجريح. وفي عهد امين الجميل رئيساً للجمهورية دعم ميشال المر ايلي حبيقة، وكان واحداً من عرابي وممولي الاتفاق الثلاثي الذي وقع حبيقة عليه في نهاية العام 1985. ويوم حاصر سمير جعجع ايلي حبيقة في المجلس الحربي بمحلة الكرنتينا، كان الياس المر مع حبيقة وقد عرج عليه ليتناولا الفطور، فقامت وساطات لإخراج الرجل من دائرة الحصار.
شكل الاتفاق الثلاثي علامة فارقة في تحولات ميشال المر السياسية. فمنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم يغادر المر معسكره ولم يخن اصحابه. كان الاتفاق الثلاثي يقضي بالإقرار بهزيمة القوى العسكرية المسيحية واستحالة امكان تحقيقها نصراً على الطرف الآخر. ورتب ذلك اقرار بضرورة اجراء اصلاحات داخلية تقضم من صلاحيات وامتيازات المسيحية السياسية لصالح الإسلام السياسي. ميشال المر لم يحد عن هذا الاقتناع قيد انملة وان كان لم يجاهر به. لكن سلوكه السياسي كان يبدو كما لو انه يريد ان يجعل المتن ريفاً في السياسة اللبنانية.
كان يواجه بعقلية ابن المنطقة وقبضاي الحي لأنه في نهاية الأمر لم يكن يريد دوراً يتجاوز حدود منطقته. وبخلاف ابناء منطقته من السياسيين كان المر على طول الخط يدافع وينحو نحو انكفاء المتن إلى ريف الحياة السياسية وهامشها، وهو امر تحول دون تحقيقه عوامل كثيرة.
فالمتن من اغنى مناطق لبنان موارد ثقافية وسياسية وعمرانية واقتصادية. فضلاً عن كونه مركزاً اساسياً من مراكز ومعاقل المسيحية السياسية. وهذا في حد ذاته كفيل بجعل ساسته يولون الشأن اللبناني العام عناية خاصة. فنائب المتن ليس مثل نائب عكار. لا يستطيع ان يعمل في السياسة متكلاً على منطق الخدمات. ثمة مهمة تناط به على الدوام تتعلق بتأسيس او المساهمة في تأسيس هوية لبنان، الملتبسة على الدوام، ودوره في المنطقة، الرجراج والمتغير بحسب الظروف. ليس نائباً عن منطقة بل هو نائب عن الأمة. عن شق اساسي من شقوقها المتعددة. حين يضرب المتن فإنما يكون قد اضرب نصف لبنان. لكن ميشال المر نزع على الدوام إلى ترك العمل في هذه الشؤون والانصراف إلى الشؤون المحلية الضيقة.
لهذه الأسباب بدا المر بالغ الأهمية للسياسة السورية في لبنان، فقوته في المتن تثبت ان المعارضة لا تستطيع ان تتحصن في منطقتها فكيف في كل لبنان. وتنطحه لمنازعتها ومعارضتها يجعل من اقطابها اقل وزناً مما هم عليه حقاً. لذلك بدا المر كما لو انه يسلم اوراقه السياسية بعد انتخابات 2002 الفرعية. لم يأت وزيراً في حكومة الحريري الأخيرة وحل ابنه محله. حفظ مقام العائلة، لكن سياسة ميشال الأب هزمت بالضربة القاضية.
في هذه الانتخابات اتضح للقاصي والداني ان المتن ليس قضاء عابراً وحسب، وان الخلاف فيه هو خلاف لبناني عام، يتعلق بهوية لبنان واستقلاله وعلاقاته بجيرانه. ليس خلافاً مناطقياً ولا يمكن ان نحكمه بمنطق العشيرة والمنطقة والعائلة. ويوم قرر الوزير سليمان فرنجية ان يتسلم حقيبة الداخلية في حكومة كرامي المستقيلة لم يجد رئيس الجمهورية بداً من الانصياع لرغبته والتضحية بصهره زوج ابنته ليكسب سنوات حكمه المتبقية.
كان ميشال المر حاجزاً امام انطلاق المعارضة اللبنانية إلى فضاء لبنان الأوسع بوصفهم ينطقون باسم شطر لا يستهان به من اللبنانيين، وهذا ما اثلج قلوب المتحكمين في السياسة اللبنانية من القادة السوريين. لكن خدمات ميشال المر لم تقف عند هذا الحد. ثمة من يقول في لبنان ان الأب والأبن اللذين تعاقبا على إدارة وزارة الداخلية في لبنان سنوات عديدة ساهما في تجنيس الألوف من الضباط السوريين والمواطنين في دوائر انتخابية من معاقل المعارضة الأساسية، مما يخل بتوازن ديموغرافي – سياسي ويجعل القوة الانتخابية تختلف تمام الاختلاف عن القوة السياسية. وثمة من يتهمهما على الدوام بتزوير نتائج الانتخابات والتلاعب فيها لمصلحة حلفاء سوريا وهذا أمر يصعب على اي شخص في لبنان ان لا يصدقه.
ميشال المر كان يدعو في سياسته، في نهاية المطاف، المسيحية السياسية إلى الارتداد نحو المناطق والعزوات والحمولات ويحجز عن اقطابها امكان تحولهم زعماء كباراً في لبنان. لكن المعارك التي خاضها ضدهم اسفرت عن قيادات من وزن نسيب لحود عبرت كل الحواجز واحتلت موقعاً في الفضاء اللبناني بامتياز. والأرجح انه منذ ان انكسر حاجز المر، في كنف المسيحية السياسية في لبنان، وازيلت عقبته، حتى بدا وكأن ايام الهيمنة السورية في لبنان اصبحت معدودة. كان المر حاجزاً وخط دفاع اول، وبتجاوزه وجدت الإدارة السورية نفسها وجهاً لوجه امام اعتراضات من كل حدب وصوب.

عدنان عضوم: القضاء في خدمة الطموح
يوم تسلم مدعي عام التمييز اللبناني والوزير المستقيلة حكومته عدنان عضوم مهامه كمدع عام للتمييز في لبنان لسنوات قليلة خلت، كان يصعب على المرء ان يتخيل ان هذا القاضي المغمور سياسياً يمكنه ان يلعب في المقبل من الأيام دوراً سياسياً اساسياً في لبنان. الوزير عدنان عضوم خلف المدعي العام التمييزي القاضي الراحل منيف عويدات في هذا المنصب بعد إحالة الأخير على التقاعد. فلم يكد يمضي اسبوع واحد على شغور المنصب القضائي حتى تم تعيينه في الاسبوع الأول من شهر آب اغسطس عام 1995 في المنصب نفسه.المنصب الذي كان قبل توقيع اتفاق الطائف في العام 1989 محصوراً في القضاة الموارنة، هو منصب بالغ الأهمية في النظام السياسي اللبناني، وكان شاغله يدعى على الدوام "حاكم لبنان القضائي". وكان القاضي الراحل منيف عويدات اول سني يشغل هذا المنصب في تاريخ لبنان. اما القاضي عدنان عضوم فكان قبل توليه مهام المدعي العام التمييزي قد ذاع صيته كقاض اثناء توليه رئاسة المحكمة التجارية بين الأعوام 1983 و1993، وقد اصدر احكاماً في قضايا افلاس وتعثر عدد من البنوك في مطلع التسعينات وصفت يومذاك بالأحكام المهمة نظراً لأثرها في لجم كابوس التعثر الذي حاق بالمصارف اللبنانية في تلك المرحلة. وكان قد تسلم رئاسة محكمة جنايات جبل لبنان بين عامي 1993 و1995 حتى تاريخ تعيينه مدعياً عاماً للتمييز. ومثله مثل غيره من القضاة اللبنانيين عانى عضوم من ضغط الملفات على القضاء، ومحدودية عدد الجسم القضائي في لبنان بالنظر إلى عدد القضايا التي تحال عليه، ومن ثم، صعوبة انجاز النظر في كافة الملفات، حيث كان ينظر في ثلاثين ملفاً شهرياً اثناء رئاسته لمحكمة جنايات جبل لبنان في حين كان يرده شهرياً اكثر من تسعين ملفاً. المشكلة الثانية التي عانى منها الجسم القضائي طويلاً في لبنان خصوصاً في سنوات الحرب الأهلية وما تلاها، تمثلت بالمرتبات الضئيلة التي كان يتقاضاها القضاة والتي اعتبرها البعض من القانونيين اللبنانيين سبباً رئيسياً في تفشي الفساد بين القضاة. على كل حال كان الوزير عضوم وقبل تعيينه في منصبه كمدع عام تمييزي بوقت قصير قد هدد بالاستقالة لهذه الأسباب التي تتعلق بكرامة القاضي العاجز عن تأمين لقمة شريفة والمطلوب منه ان يحكم بالعدل.لاحظت حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري هذا الأمر وسرعان ما عمدت اثناء تولي القاضي بهيج طبارة مهامه كوزير للعدل، إلى رفع مرتبات القضاة ومساواة رئيس مجلس القضاء الأعلى بالوزير من حيث البدل المالي والتقديمات التي يحصل عليها ووضع جدول الرواتب على هذا الأساس.منذ تولي القاضي عضوم منصبه المهم في الجسم القضائي بدا طموحه السياسي طاغياً على همومه الأخرى. وكثيراً ما تعرض لانتقادات حادة من المعارضين والسياسيين تتهمه بتجاوز حدود دوره، بدءاً من زيارة رئيس الجمهورية خلافاً للبروتوكول، وصولاً إلى علاقاته بالقوى النافذة محلياً واقليمياً والتي كان يحرص على تنميتها حرصاً شديداً وحتى علاقاته المعلنة بمسؤولي الاستخبارات السورية في لبنان. وكان الزعيم الدرزي النائب والوزير السابق وليد جنبلاط قد شن هجوماً حاداً على الوزير عضوم إثر زيارته النائب والوزير مروان حماده في مستشفى الجامعة الأميركية إثر محاولة اغتياله برفقة رئيس شعبة الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان العميد رستم غزالي.طوال عهد الرئيس اميل لحود تردد اسم عضوم لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً ان العهد الحالي في لبنان اصلى منذ بداياته الرئيس الحريري حرباً ضارية لم تخف وتيرتها ابداً، وشهدت ذروتها في معركة التمديد التي ازاحت الحريري عن منصب الرئاسة الثالثة وجعلته هدفاً للاغتيال. لكن المراقبين السياسيين في لبنان كانوا يعرفون ان الوزير عضوم لا يمتلك الأرجحية التي تخوله ان يكون ممثلاً للطائفة السنية في الحكم على نحو يرضي الطائفة ويرسي توازناً مطلوباً في لبنان على الدوام. فالوزير والمدعي العام يتحدر من منطقة سنية لم تنجح قراها على امتداد التاريخ اللبناني في استيلاد زعامات سنية قادرة على حشد الطائفة او تحقيق وزن فعلي فيها. الزعامات السنية في لبنان اقتصرت على ثلاث مدن رئيسية: بيروت، طرابلس وصيدا، والعائلات السياسية السنية كانت تصدر من هذه المدن الكبرى الثلاث. لكن العقدين الأخيرين من التاريخ اللبناني شهدا ضموراً في المؤهلين من وجهاء السنة السياسيين لقيادة الطائفة الوازنة والحاسمة في موازين االاجتماع اللبناني. إلى حد ان ثمة من يقول ان الرئيس الحريري هو آخر زعماء هذه الطائفة الكبار في لبنان وحتى في سورية كما يرى البعض. مسألة مناقشة ظروف الطائفة السنية وطبيعة دورها في الاجتماع اللبناني تحتاج بحثاً منفصلاً، لكن ما اود الإشارة إليه في هذا المقام، يتعلق بكون السيد عضوم صاحب الاسم المتداول في مجال ترؤس الحكومات اللبنانية لم يكن يصدر عن وزن راسخ في المعادلة اللبنانية. وهو تالياً كان مرشحاً في وصفه موظفاً متميزاً وليس في وصفه زعيماً سياسياً بامتياز، ومسألة ولادة الزعامات في لبنان مسألة بالغة التعقيد وتحتاج تمحيصاً وبحثاً ودقيقين. وهو بصفته هذه كان موظفاً لامعاً وسياسياً خافتاً. لهذا كان يحتاج على الدوام إلى دعم من نوع آخر، هو في التعريف من خارج طائفته وعزوته، وهو ثانياً وفي طبيعة الحال من خارج الطوائف الأخرى وعزواتها إذا شاء ان يكون مقرراً او مؤثراً في المعادلة الداخلية وليس مجرد وزير يشغل منصباً في الوقت الضائع كما جرى لشخصيات عديدة في تاريخ السياسة اللبنانية. لهذه الأسباب كان السيد عضوم يكتسب قوته وارجحيته من ولاء لا تشوبه شائبة لنظام الوصاية السورية في لبنان وممثليها الأمنيين. لكن الولاء وحده لا يكفي لترشيحه لهذا المنصب، لذا كان لا بد للسيد عضوم ان يلبي حاجة ملحة لدى النظام السوري في امساكه بكل اعصاب الحياة السياسية في لبنان. والحق ان الإدارة السورية توسلت في سيطرتها على مقاليد الحياة في لبنان عموماً بوسائل عديدة، ليس اولها وآخرها التدخل السافر والمستمر والعالي الوتيرة في عمل القضاء. وربما كان الجسم القضائي اقل حصون السيادة اللبنانية مناعة امام التدخلات السياسية الداخلية والخارجية. ولنا ان نذكر محاكمة انطون سعادة وتجريمه واعدامه بعيد ساعات على اعتقاله في مطلع العهد الاستقلالي، حيث تشير وقائع تلك المحاكمة من دون لبس إلى تبعية القضاء وانعدام مناعته حيال الضغوط السياسية واضطراره النزول عند احكامها الجائرة.لأسباب عديدة كان الجسم القضائي هشاً امام التدخلات السياسية، لكن اعمق هذه الأسباب أثراً يتعلق بطبيعة تركيب الكيان اللبناني الذي لا تتغير قواه المؤثرة والمقررة ولا تتبدل. فالنظام يبدو إلى حد بعيد وخصوصاً بعد اتفاق الطائف، اشبه ما يكون بفدرالية طوائف او اقليات. وهذه القوى الممسكة بأعنة التطور الدولتي اللبناني لا تخضع في اوزانها وقدرتها على التأثير إلى مواردها المباشرة وغير المباشرة. لأنها في طبيعة الحال ليست ناتجة عن ادوار اقتصادية او سياسية او اجتماعية. بل تتكاثر وتكبر ويتعاظم اثرها بالانجاب والولادة وليس بالأدوار مثلما يفترض في الدول الحديثة. وهذا يجعل اقصاء طرف من اطرافها عن التأثير في المعادلات الداخلية بالغ الصعوبة والعسر ومنذراً على الدوام بتجدد حرب اهلية باردة احياناً وساخنة في احيان اخرى. وفي ظل نظام هذه بعض ابرز مكوناته الأصلية، يصعب على الموظفين الرسميين ان يشغلوا دوراً حاسماً وحاداً خصوصاً خلال الأزمات. لكن هذا التركيب نفسه هو ما بعث القلق على الدوام في روع الإدارة السورية التي لم تنجح في الإمساك بأعنة البلد امساكاً منتظماً يوماً واحداً. توسلت الإدارة السورية لتثبيت هيمنتها على السياسة اللبنانية وسيلتين حاسمتين. اولاهما تتعلق ببث الفرقة وتجديد اسباب النزاع بين الطوائف الكبرى، وتالياً جعل البلد في حال من الحرب الأهلية الباردة، او لنقل الابقاء عليها جمراً تحت الرماد. وضبط هذه النزاعات ومنعها من الانفلاش بقوة القمع المرعي دولياً والمجاز اميركياً منذ عاصفة الصحراء. والثانية جنحت نحو ايلاء المؤسسات الرسمية ادواراً كبيرة، بدءاً بالجيش واجهزة المخابرات مروراً بصناديق المساعدات كمجلس الجنوب ووزارة المهجرين وصولاً إلى القضاء. لكنها في كل ذلك كانت تضبط جنوح هذه الاجهزة إلى لعب دورها. كان ثمة جيش متضخم الحجم لكنه لا يمارس اي دور، وصناديق مساعدات تعنى بتمتين اللحمة الوطنية لكنها تتحول عن وظيفتها إلى ابتزاز النظام السياسي وبيعه ولاء طوائفها بأموال الخزينة، وصولاً إلى القضاء الذي انيطت به مهام التمييز في الملاحقات والاستنساب المدروس جيداً في فتح المفات توقيتاً وتنفيذاً واستهدافاً. ثمة من يفتح ملف ميشال عون حين يرى ذلك مناسباً ويقفله حين يرى ذلك افضل له، وثمة من يهدد الرئيس الأسبق امين الجميل بفتح ملفاته ثم يعود إلى لفلفة الموضوع ما ان يحقق التهديد هدفه. وباختصار كانت الإدارة السورية تعمد إلى التخويف اليومي للقوى السياسية لتضمن سكوتها إذا لم تستطع ضمان ولائها، وفي هذا السياق كان الوزير المستقيلة حكومته عدنان عضوم افضل من خدم الخطة السورية بلا كلل طوال تسلمه مهام منصبه الحساس.

غازي كنعان المايسترو

حين استلم اللواء الركن غازي كنعان حقيبة الداخلية في الحكومة السورية، ذهب بعض المعلقين السوريين من المعارضات السورية في الخارج الى اعتبار تعيين اللواء الركن في هذا المنصب بمثابة رسالة تطمين للولايات المتحدة الأميركية. المعلومات التي تبثها المعارضات المنتشرة خارج سورية تحتاج إلى تدقيق كثير. لكن الثابت في الأمر ان اللواء الركن الذي تخرج من الكلية الحربية عام 1965، حقق انجازات تحسب له في سورية: فاجأ المعلقين الصحافيين بعد انفجار قنبلة كادت تودي بحياة ناشط فلسطيني في دمشق، في الشهر الأخير من العام الفائت بتصريح للصحافة السورية بعد ساعة واحدة من وقوع الانفجار. هذه السرعة في التصريح والتعليق لمسؤول رسمي فاجأت المراقبين في سورية خصوصاً ان رجال النظام كانوا على الدوام شديدي الحذر حيال التصريحات السريعة. كنعان، الذي ذاع صيته بوصفه المشرف شخصياً على الملف اللبناني في القيادة السورية، فاجأ المراقبين في سورية وخارجها بتصريحات لافتة، "على الشرطة احترام المواطنين"، "الصحافة السورية غير قابلة للقراءة". لكنه ايضاً قرن مفاجآت اقواله بفاجآت افعاله حين عمد إلى سجن ضابط برتبة لواء لاعتدائه على مواطن، حيث شاركه الحجز ضباط اصغر منه رتبة، وعمم عقوبة احد الضباط على كل اقسام الشرطة ليكون عبرة لغيره. وهذه العقوبات كانت الأولى في تاريخ سورية الحديث. فلم يحدث في سورية ان عوقب ضابط بهذه الرتبة لأي سبب من الأسباب.المعارضون السوريون يضيفون ان كنعان انما يريد استثمار مستقبله السياسي خصوصاً ان العسكريين في سورية ينهون مستقبلهم السياسي ما ان يحالوا على التقاعد. والوزير كنعان يريد ان يثبت خطأ القاعدة. بعضهم يرى ان كنعان تعلم الكثير خلال تجربته في لبنان، وهو تالياً يرى ان بعض الحرية والانفتاح لا يضير احداً ولا يجعل شوكة النظام مكسورة وصورته مهزوزة. هذا يدل من دون شك على ان ضابط الاستخبارات الشهير ليس رجلاً عادياً. كثيرة هي الألقاب التي اسبغها عليه خصومه في لبنان : "المندوب السامي"، "الحاكم بأمره"، ودعاه النائب اللبناني الذي ادين بجرم الاتجار في المخدرات في لبنان يحيى شمص اثناء محاكمته في العام 1994، "حجاج لبنان" نسبة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي.شغل كنعان الذي ولد في العام 1942 مناصب عديدة بعد تخرجه من الكلية الحربية، فقد استلم فرع المخابرات في اللاذقية، وترأس شعبة الأمن والاستطلاع في المنطقة الوسطى، وعين في العام 2002 رئيساً لشعبة الأمن السياسي وهو جهاز من اقوى اجهزة المخابرات السورية، ثم عين وزيراً للداخلية في التعديل الوزاري الأخير وبحسب البي. بي. سي. فإن صداقة كنعان بالرئيس الراحل حافظ الأسد تعود إلى سنوات السبعينات، وكان اينما حل او ذهب يترك اثراً لافتاً. امضى في لبنان ما ينوف على العقدين ونصف العقد، وكان الضابط الذي اوكلت إليه القيادة السورية مسألة تحقيق الاستقرار الأمني في بيروت منذ العام 1987، بعد ان عاث امراء الحرب الصغار فيها فساداً. حين وصل كنعان إلى بيروت وجدها خراباً. كان امراء الحرب المحليين يداومون على اشتباكات يومية بين شارع وشارع وحي وآخر. وكانوا يفرضون على اللبنانيين خوات وضرائب لا حصر لها، ويتحكمون بكل شاردة وواردة في ما يخص امور العيش والاجتماع. كانت سطوة الميليشيات تستبيح بيروت في حروب زواريب قذرة، فلم يجد اللبنانيون بداً من طلب النجدة من القيادة السورية التي كان هذا الضرب من الطلبات يثلج صدرها. سرعان ما تسلم كنعان اعنة القوى الحزبية المتقاتلة. وفرض عليها اجراء تصفيات وتطهيرات في صفوفها. هذه التطهيرات طاولت الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة امل وحزب الله الذي كان يومذاك اشد المتضررين من عودة السوريين إلى بيروت، فضلاً عن الحزب القومي السوري الإجتماعي وحركة الناصريين المستقلين "المرابطون"، فضلاً عن الأحزاب الصغيرة الأخرى. استكمل كنعان مهمته السياسية – الأمنية بنجاح. وهي سياسية – امنية بامتياز، فلم يكن الضابط القدير يقطع شعرة معاوية مع اي كان، كان يحسب حساب المصالح الضيقة لأي طرف من الأطراف مهما بلغت حدود قدرته، ويأخذها في اعتباره جيداً، وهذا شأن ضباط الأمن القديرين الذين يعرفون ان لكل شخص معنوي او سياسي مفتاحه الذي يحركه. اما في الشق السياسي فكان كنعان لا يتساهل ابداً مع مسألة واحدة وهي العلاقة او شبهة العلاقة مع اسرائيل. لهذا لم يتأخر عن تفكيك جهاز القوات اللبنانينة بقيادة سمير جعجع المتدرب في اسرائيل والذي من دون شك تربط اعضاؤه علاقات ما بضباط اسرائيليين يمكن ان تستعاد في المقبل من الأيام. كان كنعان يعرف نقطة قوته في بلد تتنازعه القوى الميليشاوية. فعمد إلى ضبط الوضع مستنداً على قوة الجيش السوري بوصفها من دون شك اقوى من اي ميليشيا محلية، لكنه لم يقطع حبل السرة مع احد. ورغم انه تعرض إلى عدة محاولات اغتيال، ربما يكون اكثرها شهرة محاولة الرائد السابق في الجيش اللبناني كيتل الحايك الذي حوكم في المحاكم اللبنانية بعد ان امضى زمناً في السجون السورية بهذه التهمة، إلا ان هذه المحاولات بدت معزولة وفاقدة لنصابها السياسي. وعلى هذا النحو كان الضابط الذي كلف بإدارة ملف متفجر يضرب بقسوة لكنه يضعف ولا يميت. دائماً كان ثمة حد من الإضعاف يريد بعد تحقيقه ان يعقد صلة ما مع خصمه في الميدان. وربما يجدر بنا الإشارة إلى ان حزب البعث العربي الاشتراكي التابع لسورية لم يستطع ان يستفيد من السيطرة السورية التامة على لبنان ويحقق وزناً سياسياً يحسب له حساب. بقي الحزب من اضعف الأحزاب الموالية لسورية عديداً ووزناً. ذلك ان السياسة التي تم اتباعها في لبنان كانت تقضي بتوجيه من الرئيس الراحل حافظ الأسد، وهو بالغ الحكمة والتدبر على ما يعرف عنه، وبقيادة غازي كنعان ممثله الشخصي في لبنان، ان يشترط على الداخل اللبناني فقط وضوح ولائه لسورية ودورها لا ان يتحول البعث حزباً وحيداً واساسياً في لبنان. هذه السياسة التي اعتمدها غازي كنعان في بيروت ولبنان عموماً اتت أُكلها، تمثل ذلك في استتباب الأمن في المناطق كافة وهذا مطلب اللبنانيين انفسهم، وضبط القوى الميليشاوية تحت سقف الخطة السورية الأمنية – السياسية في لبنان. بعد اقرار اتفاق الطائف في لبنان، واخراج الجنرال عون من قصر بعبدا، عادت الحياة السياسية إلى وتيرة نموها البطيء في لبنان. كان الوافدون إلى الحياة السياسية هم امراء الميليشيات انفسهم. واذا استثنينا الرئيس الراحل رفيق الحريري من هذه المعادلة فإن معظم من حكم لبنان في تلك الفترة بدعم سوري واضح، قاعدته الاتفاق الثلاثي الذي عقد بين الاطراف المتحاربين اواخر العام 1985، هم من زعماء الميليشيات الصغيرة والكبيرة الموالية لسورية. (ربما يجدر بنا ان نفتح هلالين حيال موالاة سورية في ذلك السياق. كان البلد والحق يقال يتنازعه تياران حاسمان، تيار العلاقة مع اسرائيل وتيار العلاقة مع سورية، مما سمح للإدارة السورية ان تحشر كل التيارات المعادية لإسرائيل تحت كم الموالاة لسورية، وهذا الأمر لم يعد اليوم مطروحاً في الحدة نفسها بين الموالاة والمعارضة في لبنان).لكن هذه السياسة بالضبط، الضرورية والحاسمة في حينها، هي التي انبتت من بين شقوقها الكثيرة تيار المعارضة الجارف لسياسة سورية في لبنان اليوم، والذي توج بعد اغتيال الحريري بتظاهر شعبي لا حد له ولا حصر. فمن رحم هذه السياسة التي ارادت ان تبقي مجال الأمن حيوياً وفاعلاً في لبنان وطاغياً غالباً على السياسة، تولدت هذه المعارضات الكبرى. كان الرئيس حسين الحسيني احد مهندسي اتفاق الطائف يرى، في الفترة الأخيرة من زمن الهيمنة السورية على لبنان، ان الميليشيات اللبنانية اعطيت فرصة عادلة لتتحول إلى قوى سياسية لكنها لم تفعل سوى الإمعان في تخريب الدولة وابتزازها. وهذا رأي سياسي يخالف الرأي الأمني الذي اديرت بموجبه الخطة السورية في لبنان، وعلى هذا الرأي يمكن ان نقرأ ترحيب ابرز قادة المعارضة اللبنانية وليد جنبلاط السابق بتكليف وليد المعلم نائب مساعد وزير الخارجية السوري بملف لبنان بدلاً من العميد الركن رستم غزالي الذي خلف كنعان في منصبه اللبناني، الأمر الذي نفته القيادة السورية على الفور، فالقيادة السورية كانت ولا زالت على الدوام تولي الشأن الأمني والمخابراتي جل عنايتها.والحق ان لبنان الذي نعم باستقرار امني معقول طوال عقد ونصف من زمن الهيمنة السورية تشكلت فيه قوى سياسية نافذة. تغيرت اوزان واستقرت اخرى على نحو لافت. واصبح للشأن اللبناني الداخلي صعيد قائم في ذاته، وهو الأمر الذي لم تلحظه الخطة السورية في لبنان ولم يوليه خلف كنعان عناية مخصوصة. فكان امر التمديد للرئيس لحود حاسماً في التوجه السوري نحو الإمساك بلبنان امنياً وضرب السياسة فيه بعرض الحائط. مما جعل الأوزان السياسية اللبنانية تخضع خضوعاً متمادياً للمزاج العام الذي كان يئن انيناً خافتاً تحت وطأة التجاوزات السورية المتمادية.بعد سنوات من العمل في السياسة سلماً وامناً في لبنان، لم يعد الرئيس الحريري وسيطاً سعودياً ورجل اعمال رُكّب على رأس حكومة وفق توازنات خارجية صرف، بل تحول زعيماً محلياً، ولم يعد حزب الله جهازاً امنياً لا يعير التذمر الأهلي التفاتاً او يقيم له وزناً، بل تحول قوة سياسية لها اثرها العميق. والمقياس نفسه ينسحب على قوى المعارضة والموالاة. والحال فإن هذه القوى كانت مضطرة للتجاوب مع المزاج العام المعترض بشدة على التجاوزات السورية في لبنان. مما جعل دعائم الوجود السوري في لبنان تتساقط واحدة تلو الأخرى ولم يتبق منها في النهاية إلا الانقسام الأهلي المحلي حيال الادوار السياسية في لبنان.أدار اللواء غازي كنعان مهمته بنجاح لافت. قيل الكثير في قسوته وشدة طغيانه، لكنه ايضاً ادار بلداً كانت صفته الأولى الفوضى العنيفة والقاسية. والأرجح ان دور كنعان في إدارة وتنمية اجهزة الجيش والدولة الأمنية هو ما جعل دور هذه الأجهزة يتضخم وتدور حوله الشائعات. لكن عصا المايسترو لا يسعها ان تظل تنظر إلى العازفين بوصفهم سواسية كأسنان المشط. كان لا بد من إعادة السياسة إلى لبنان، من دون التضحية بالأمن. لكن الإصرار على هذا الدور الأمني من دون اي تعديل لم يكن مرشحاً للاستمرار في ظل تغيرات اقليمية ودولية غير مؤاتية.لا تحكم البلاد بالأمن، ويصعب حكمها من دونه. تلك معادلة صعبة نجح كنعان في إدارة التوازن فيها طوال زمن وجوده في لبنان. لكن ما جعل النظام السوري يستمر طويلاً في حكم لبنان وحجز قراره السياسي لم يكن حسن الآداء السياسي في طبيعة الحال، بل الإذن الدولي الذي اتاح لسورية ان تبقى حاكماً منفرداً في لبنان. قد يذهب النفوذ السياسي السوري إلى نوع من الانحسار او حتى الاضمحلال، لكن النفوذ الأمني الذي ارساه كنعان يحتاج وقتاً طويلاً قبل ان تفكك عراه.


جميل السيد: رجل سورية في لبنان
: يشغل اللواء جميل السيد منصبًا بالغ الخطورة في لبنان. فالمديرية العامة للأمن العام تتنوع مهامها وتختلط بين التدخل السياسي المباشر والمهمات الأمنية. هذه المديرية شكلت على الدوام حصنًا حصينًا من حصون العهود المتعاقبة في لبنان. لا تقتصر مهام هذه المديرية على المهام الأمنية المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي بل تتعداها إلى مهام استباقية ووقائية، من قبيل منع الصحف الأجنبية أو الرقابة المسبقة على الصحف المحلية واتخاذ صفة الادعاء على الصحف والصحافيين. كما لا تخلو هذه المهمات من إجازة التنصت على المخابرات الهاتفية وهو موضوع علا غباره في السنوات القليلة الماضية وشارك في الاعتراض عليه رئيسي المجلس النيابي ومجلس الوزراء السيدين نبيه بري والمغفور له رفيق الحريري. فضلًا عن هذا كله، في وسع الأمن العام تنفيذ مهام أمنية داخل الحدود بوصفه قوة عسكرية – أمنية تابعة لوزارة الداخلية.
والحال فإن هذه المديرية تقبض على أحشاء النظام السياسي في لبنان ويصعب مواجهتها إذا ما تجاوزت حدودها. لذا أولت العهود المتعاقبة عنايتها الشديدة في اختيار المدير العام للأمن العام، ذلك أن الموظف الرفيع في موقع حساس كهذا قد يشكل خطرًا داهمًا على العهد نفسه إذا كانت طموحاته السياسية عالية وملحوظة. والحق أن مدراء الأمن العام الذين تعاقبوا على هذه المديرية قبل تعيين اللواء جميل السيد كانوا على الدوام من أصحاب الطموحات المتواضعة، وقليلًا ما يستعاد ذكرهم بعد انتهاء مدة خدمتهم.
على كل حال ونظرًا لحساسية الموقع فإن المنصب قد يشكل محرقة لصاحبه إذا ما تغيرت الظروف. وفي الوظيفة العامة في لبنان غالبًا ما يكون الموظفون أصحاب المناصب الرفيعة أميل إلى التحول والتبدل والميل مع الرياح الملائمة. وغالبًا ما يمالئون السياسيين النافذين شعبيًا ورسميًا، ليتسنى لهم أن يحفظوا رؤوسهم عند تغير المعادلات.
اللواء جميل السيد المتحدر من عائلة بقاعية متوسطة الحال يكاد يكون الوحيد بين الذين شغلوا هذا المنصب وتحولوا من خلال اشغالهم له ركنًا أساسيًا من أركان السياسة اللبنانية. وطوال زمن إشغاله لهذا المنصب لم يتورع عن مواجهة معظم السياسيين النافذين منهم وغير النافذين وعلى نحو غير مسبوق في التاريخ اللبناني. الأمر الذي كان يثير على الدوام استهجان واستغراب السياسيين. اختلف مع الرئيس بري المعروف بموقعه الوازن في المعادلة الداخلية متحالفًا مع سورية واحد رأسي الطائفة الشيعية الكبيرة العدد في لبنان والتي شكلت على مر العقدين الأخيرين خزان التأييد الشعبي للوصاية السورية على لبنان.
دارت سجالات بين الطرفين انتهت بمصالحة في عين التينة مقر رئيس المجلس النيابي برعاية غازي كنعان وزير الداخلية السوري الذي كان يومذاك رئيسًا لشعبة الأمن والاستقصاء في القوات السورية العاملة في لبنان، وهو المنصب الذي يشغله حاليًا اللواء رستم غزالي.
وإلى هذه المنازلة بين الرجلين اصلى الوزير والنائب الشمالي الماروني سليمان فرنجية مدير الأمن العام نارًا حامية على خلفية تدخل الأمن العام وعناصره في مسألة خلافية لبنانية تتعلق بضحايا مجزرة إهدن (شمال) في العام 1976 والتي ذهب ضحيتها الوزير طوني فرنجية والد الوزير الحالي. وسليمان فرنجية هو الزعيم الماروني الموالي لسورية والذي يكاد يكون الأقوى بين الموارنة الموالين لسورية لجهة زعامته الراسخة في الشمال، وهو الذي فرض على الرئيس العماد إميل لحود تعيينه في وزارة الداخلية في حكومة عمر كرامي المستقيلة.
وكان هذا الشد بين الرجلين علامة على مدى قوة فرنجية وارجحيته لدى الإدارة السورية عمومًا. لكن ذلك لم يمنع الأمن العام الذي يديره اللواء السيد من مهاجمته وتفعيل معركة معه. والحال نفسها أيضًا تنسحب على الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي عانى الأمرين من تدخل الأمن العام في السياسة، وكثيرًا ما اشتكى من تسريبات وأخبار ملفقة تناولته شخصيًا او تناولت سياسته او مساعديه كان الأمن العام مصدرها بحسب ما يشاع.
وثمة حادثة تدل على مدى سطوة المديرية وقوة شكيمة مديرها تتعلق بلجوء ضباط الأمن العام إلى مصادرة جواز سفر الزميل سمير قصير بعيد كتابته مقالة في جريدة "النهار" اللبنانية تناول فيها اللواء السيد شخصيًا.
الرئيس الحريري الذي كان ركنًا أساسيًا يومذاك من أركان السياسة اللبنانية المرعية سوريًا، لم يستطع أن يمنع ضباط الأمن العام من ملاحقة سمير قصير الدؤوبة والتي تذكر إلى حد بعيد بتصرفات مخابرات تشاوشيسكو واريش هونيكر. حيث كان الضباط يلاحقونه أينما ذهب ظاهرين للعيان يتقصدون إعلامه بأنه ملاحق. ورغم ان الرئيس الحريري دعا الزميل قصير إلى طاولة الغداء إلا أن الملاحقين لم يكفوا عن ملاحقة الصحافي الذي عاش أيام حرج لا تنسى.
فضلًا عن هذا كله خاض اللواء السيد معارك طويلة مع وسائل الإعلام المحلية، من تقديم شكوى في حق "تلفزيون الجديد" إلى مساجلة "النهار" الجريدة الأكبر في لبنان على صفحاتها، إلى مصادرة الكتب ومنع الأفلام ومساجلة المثقفين والصحافيين في هذا الموضوع. وكثيرًا ما رد على نواب وهاجم سياسيين.
لا شك أن إدارة اللواء السيد لهذه المديرية جعلته هدفًا لسهام المعارضة، وجعلته من ناحية ثانية اسمًا يتردد على كل لسان، والحق أن اللواء السيد كان يستمد قوة شكيمته من ثلاثة مصادر على الأقل:أولًا: علاقته الراسخة والحاسمة بالرئيس إميل لحود، منذ أن كان الأخير قائدًا للجيش وكان الأول نائبًا لرئيس "الشعبة الثانية"، وهي جهاز شهير من أجهزة المخابرات اللبنانية حكم البلد في عهد فؤاد شهاب وآلت سيطرته إلى الأفول في عهد الرئيس سليمان فرنجية. واللواء السيد هو أول شيعي يشغل هذا المنصب الحساس الذي كان حكرًا على الموارنة من قبل. ورشح مرات عدة لتسلم حقائب وزارية وتردد اسمه بين المستوزرين الذين تم تداول اسماءهم في التشكيلة التي كان يزمع الرئيس الحريري تأليفها قبل بيان استقالته الشهير بعيد التمديد للرئيس لحود، وكان مقترحًا ان يتسلم حقيبة الداخلية او الخارجية وفي هذا ما يشي بكفاءة الرجل على المستوى الشخصي وشدة سطوته.
ثانيًا: استطاع اللواء السيد أن يجعل من المديرية التي يديرها أكثر الإدارات الرسمية كفاءة. فحسّن سير عملها وازدهرت تحت إدارته، وهو في هذا المجال كان يخوض حربًا ضروسًا ضد السياسيين التقليديين الذين يعمدون في غالب الأحيان إلى تسهيل أمور مناصريهم ومحازبيهم في الدوائر الرسمية لضمان ولائهم. فالإدارة المتخلفة في لبنان كانت على الدوام غابة لا يستطيع المواطن أن يتخطى اسيجتها الشائكة إلا بتوصية من زعيم او متنفذ. لكن السيد قطع الطريق على معظم هؤلاء السياسيين، قاضمًا بذلك من مجالهم الحيوي الذي يغذي زعاماتهم الأهلية. وفي تحقيقات صحافية واستفتاءات عديدة كانت شكاوى المواطنين من سوء الإدراة في هذه المديرية أقل بما لا يقاس من سواها من الإدارات. هذا الإنجاز كان من أسلحة اللواء السيد في مواجهة السياسيين، ويمكن القول إنه لم يكن ممالئًا وكان شجاعًا إلى حد بعيد، وكثيرًا ما أحرج السياسيين وكسب معاركه معهم رأيًا وموقعًا.
ثالثًا: لم يأل اللواء السيد جهدًا في تمتين علاقاته بالمخابرات السورية التي حكمت البلد وقبضت على مفاصله كافة في عهد الرئيس لحود. فكانت علاقته جيدة بمعظم المسؤولين الأمنيين السوريين وفي طليعتهم اللواء غازي كنعان وخلفه في المنصب نفسه اللواء رستم غزالي. وكان يستمد من هذا الدعم غير المشروط قدرته على المواجهة في معارك كثيرة.
قد يفسر الدعم السوري للواء السيد وفق تفسيرات عديدة. لكن المسألة التي تلح على الذهن في هذا المقام تتعلق بطبيعة الخدمات التي قدمها السيد إلى الإدارة السورية. ثمة في لبنان أقاويل كثيرة عن دور اللواء السيد في معظم العمليات الأمنية التي طاولت معارضين فعليين وآخرين محتملين للسياسة السورية في لبنان. ورغم أن هذه الأقاويل لا تستند إلى معلومات دقيقة إلا انها تشيع جوًا سياسيًا حول الرجل تجعله مرهوب الجانب من ناحية ومكروهًا من ناحية أخرى. والحق أن ترداد اسمه ليحل محل الرئيس نبيه بري رئيسًا للمجلس النيابي في الدورات القادمة كان يثير الهلع في نفوس اعتى القوى السياسية وأقواها شكيمة.
لا شك أن اللواء السيد قدم خدمات جلى للإدارة السورية في لبنان، وهو لم يخف ذلك على الإطلاق. فكان تارة فزاعة للسياسيين، وطورًا موظفًا رفيعًا حازمًا وعلى قدر من الكفاءة يمكن الاعتماد عليها. لكن الإدارة السورية على ما هو شائع في لبنان ومعروف كانت تخشى من الأقوياء ودائمًا تحاول كسر شوكتهم ومنعهم من تجاوز حدودهم، بالتهديد والإذلال المباشرين أحيانًا وبتفريخ البدائل في أحيان أخرى.
والمستغرب أن تلجأ الإدارة السورية التي لا تحب الأقوياء في لبنان إلى مساعدة رجل قوي من طراز السيد. والأرجح أن ذلك يعود إلى طبيعة المنصب الذي يشغله الرجل. فالمديرية العامة للأمن العام مثلما سلف هي أكثر الإدارات الرسمية تشعب مهمات وأطولها باعًا. وكانت على ما كان يقول الراحل كمال جنبلاط سي. آي. إيه لبنانية، لا يمكن فك بنيانها ولا تستطيع السياسة ان تضبطها.
هذه الإدارة في العهود السابقة كانت حصنًا حصينًا من حصون المارونية السياسية وكانت على الدوام بمثابة ضابط إيقاع مجمل عمل المؤسسات، والأرجح أن الإدارة السورية التي تعرف حساسية هذه الإدارة وأهميتها لم تكن تستطيع أن تغامر بتولية مهامها إلى رجل عادي، فكان السيد خيارها الأفعل والأدق.
اليوم تطالب المعارضة اللبنانية برأس اللواء جميل السيد بوصفه مسؤولًا معنويًا وأمنيًا عن مقتل الرئيس رفيق الحريري. قد تنجح في ذلك، خصوصًا أن أحدًا لا يريد منافسًا من طرازه. فهل كان الرجل ضحية ذكائه أم ان ذكاءه المشهود له سينجيه من الطوفان فيحسن القفز الرشيق من السفينة الغارقة إلى السفينة الناجية؟
ناصر قنديل الذي قفز فوق كل الحواجز
: انتسب ناصر قنديل إلى "رابطة الشغيلة" وهو تنظيم صغير من التنظيمات الماركسية التي لها علاقة ما بأفكار ليون تروتسكي. هذه التنظيمات الصغيرة والهامشية شهدت اوج ازدهارها وذروة تفريخها في الفترة الممتدة بين عامي 1975 و1976 او ما يسمى في الأدبيات السياسية اللبنانية بـ"حرب السنتين". لم يكن للتنظيم دور فاعل لا حربًا ولا سلمًا، وان كان محازبوه شديدو الحماسة للحرب والمناقشة في وقت واحد. ناصر قنديل الشاب كان متحمسًا لأفكار التنظيم الصغير، ويروى انه كان يزور بعض اصدقائه متمنطقًا حزامًا ناسفًا ومسلحًا ببندقية ومسدس ويخبرهم عن بطولاته في حروب الشوارع في العاصمة بيروت ضد "القوى الانعزالية". حماسة الشباب من دون شك. لكن التنظيم الصغير لم يسعف طموحات الشاب الكبيرة. بقي التنظيم صغيرًا واستمر دوره هامشيًا، ولم تعد ارجاؤه تتسع لطموحات الشاب الواعدة. فأخذ يفتش عن مستقبله السياسي في أمكنة اوسع وأرسخ.
بعيد انتهاء الحرب اللبنانية بموجب اتفاق الطائف انشأ التنظيم الصغير محطة تلفزيونية حملت اسم "تلفزيون المشرق"، كان ناصر واخوه غالب من الأعمدة المقررة فيها. لكن المحطة سرعان ما اثبتت عجزها عن الصمود في السوق الإعلامي وانتقل قنديل إلى اعمال أخرى تتصل برسم مستقبله السياسي اللامع في ما بعد.
حمل من عمله في المحطة التلفزيونية صفة الصحافي، وهي الصفة التي خولته في ما بعد ليتسلم رئاسة المجلس الوطني للإعلام. كانت طموحات الشاب لا تحد وارتأى لتحقيقها ان يتصل اتصالًا وثيقًا برئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الراحل العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين. لكن قنديل اكتشف سريعًا ان العمل مع العلامة كمستشار مقرب لن يخوله الدخول في عالم الأضواء من بابه الواسع. فانتقل من أذن العلامة إلى خدمة السيد نبيه بري رئيس حركة امل الشيعية والمجلس النيابي في وقت واحد. حيث رشحه هذا الأخير لعضوية المجلس الوطني للإعلام عن الطائفة الشيعية من دون منافس من طائفته، وانتخب نائبًا لرئيس هذا المجلس في العام 1995. خلال عمله كنائب للرئيس اجتهد قنديل كثيرًا في الظهور الإعلامي، فلم يترك مناسبة للظهور إلا وحرص على اقتناصها.
كان يدرك ان الوزن الضئيل الذي يمثله سياسيًا لا يمكن تعويضه إلا باللغو المتواصل الذي يجعل صيته على كل شفة ولسان. والحق ان الشاب فصيح فصاحة لا تشوبها شائبة انما من غير بلاغة على الإطلاق. وذلك يناسب ايما مناسبة جهتين متنفذتين على الأقل: التلفزيونات التي تبهر المشاهدين بسلاسة نطق المخارج ووضوحها حيث ينوب الإيقاع عن المعنى، والإدارة السورية التي دائمًا كانت تحتاج لمن يجدد امبلاجًا فاخرًا لسياسة متهالكة. والحق ان ناصر قنديل من بين كل رجال السوريين في لبنان كان الأفصح على الإطلاق والأجرأ في تغطية السموات بالقبوات على ما يقول المثل اللبناني. فلم يكن يردعه شيء عما يريد قوله وعما يدعو له، وكان في وسعه ان يناقش ويتكلم لساعات طوال من دون ان يترك وقعًا محددًا في أذن السامع او يمكّنه من فهم اي شيء. هكذا كان ينجح في جدالاته بالمثابرة والصبر وليس بقوة الحجة في طبيعة الحال.
علاقته بالرئيس نبيه بري لم تكن تلبي كافة طموحاته وسرعان ما عقد صلات مباشرة مع الحكام الفعليين اي ضباط الامن السوري في لبنان. علاقته مع هؤلاء استندت في معظم الأحيان على تبادل الخدمات، مما جعل ثروته بادية للعيان، وثمة كلام كثير في لبنان عن وكالات تجارية كثيرة حصلها السيد قنديل من طريق هذه العلاقات. عام 1998 وبعد تعيين الرئيس اميل لحود في دمشق رئيسًا للبنان، وكانت علاقاته على قدر لا يستهان به من الجفاء مع السيد رفيق الحريري، شكل الرئيس سليم الحص اولى حكومات العهد، وفي المناقلات الوظيفية طرح اسم ناصر قنديل مدعومًا من الرئيس بري لتولي منصب مدير عام وزارة الاعلام، وكانت الوزارة منذ الطائف موقوفة للرئيس بري بموجب الكوتا بين الرؤساء. لكن علامات الاستفهام الكثيرة حول صحة شهاداته العلمية جعلت هذا المنصب يؤول إلى غيره، وهذه مشكلة واجهته في ما بعد اثناء حملته الانتخابية على لائحة رفيق الحريري عن المقعد الشيعي في بيروت. فذهب الصحافي الفذ والذرب اللسان إلى مغامرة أخرى تمثلت هذه المرة بطرح اسمه كمرشح جدي جدًا لرئاسة المجلس الوطني للإعلام الذي كان يقضي العرف ان يتولى رئاسته احد ابناء الطائفة السنية.
تنافس على المنصب مع عماد الترك المدعوم من الرئيس الحص وحصل عليه بنتيجة الانتخاب، بدعوى ان هذا المنصب يحتاج إلى اثبات كفاءة من يشغله وليس إلى اعتماد التوزيع الطائفي (كذا). المهم ان عقبة المذهب ذللت للشاب الطموح، وغدا رئيسًا للمجلس الذي كان من صلاحياته الرقابة على المحطات التلفزيونية والإذاعية وتقديم الشكاوى والتنبيهات في حقها إذا ما خالفت العرف والسياسة السائدتين.
بدعم من الرئيس بري اختاره الرئيس رفيق الحريري على لائحته في انتخابات العام 2000 النيابية، في مواجهة محمد يوسف بيضون المرشح على لائحة الرئيس الحص، والذي يعتبر زعيمًا حقيقيًا لشيعة بيروت العاصمة، وفي اثناء الحملة الانتخابية دار لغط كبير حول صحة شهادته العلمية واتهمه بيضون وزير التربية يومذاك بتزويرها. لكن الحريري اكتسح المقاعد كلها، وأتى قنديل راكبًا في قاطرة الحريري إلى المجلس النيابي، مدعومًا من بري وصديقًا شخصيًا لكثير من ضباط الأمن السوري العاملين في لبنان.
هذه السيرة الحافلة بالتلون والتبدل جعلت قنديل شخصًا مشهورًا في لبنان، تضارع شهرته شهرة هيفا وهبي وتفوقها اضعافًا. فهو مجال للتندر بين اللبنانيين كافة، ويكاد لا يوجد صحافي في لبنان إلا وكتب مقالة في الخلاف معه. وكان على الدوام ضيفًا مناسبًا لبرامج الفكاهة السياسية على شاشات التلفزيون. لكن ذلك كله لم يفت في عضده، واستمر الرجل فائق الحماسة ويوحي انه مقتنع بافكاره ويكاد لشدة حماسته وعلو نبرته يقنعك بصحة ما يذهب إليه، هذا إذا تمكن السامع من فهم ما يريد الذهاب إليه.
منذ توليه منصبه كنائب عن الأمة، وثق قنديل صلاته بأصدقائه الضباط. وتخلى عنه اصدقاؤه القدامى من رابطة الشغيلة إلى رئيس المجلس النيابي إلى رئيس لائحته رفيق الحريري. لكن نجمه لم يخبُ. فهو يعرف دائمًا من اين تؤكل كتف الإعلام. وكانت آخر مآثره انه قاد ضجيج وصراخ التظاهرة المضادة لتظاهرة 21 شباط التي اطاحت بحكومة كرامي واعلن بالفم الملآن انه سيكنس ساحة البرج من مفترشيها من المتظاهرين. لكن الرياح لم تجر كما يشتهي النائب الذرب اللسان، والأرجح انه اليوم يحصي ثروته تمهيدًا لهجرة لا عودة منها. وما على اللبنانيين الا ان يدعوا له بالتوفيق فربما يحالفه الحظ بأحسن مما حالفه في لبنان.

كريم بقرادوني .. الرجل الثالث
يصعب على كريم بقرادوني رئيس حزب الكتائب اليوم ان يتحول رجلًا اول. وقد يكون ترؤسه لحزب الكتائب يعبر صراحة وجهارًا عن كون هذا الحزب قد تحول من حزب أول إلى حزب ثان او ثالث من حيث المرتبة والوزن والقدرة. حين يترأس بقرادوني حزبًا ويكون رجلًا اول فيه فهذا يعني ان هذا الحزب يعاني من زمن انحطاط وأزمات كبرى. بقرادوني رجل شهير في لبنان، ما زال في واجهة الأحداث منذ اوئل السبعينات، بل منذ ان كان طالبًا في الجامعة اللبنانية. رجل نشيط ولا يخالطه اليأس او يضربه حيال مستقبله. عمّر طويلًا اكثر مما يجب واكثر مما يحتمل عالم السياسة وزمنها في لبنان. والأرجح ان رجالًا على شاكلة بقرادوني يؤرخ لمواقفهم منذ لحظة سقوط احلامهم وتهاويها. فبقرادوني يقاس بنسخته الأخيرة دائمًا، النسخة التي وجد عليها حين تم ضبطه معزولًا وخاسرًا. تقلب في المواقف والاتجاهات، ولم يترك دربًا إلا وسارت فيه قدماه يتقدمهما رأسه ولسانه.
كان في حزب الكتائب معروفًا بعلاقته مع الفلسطينيين. العلاقة التي اقتصرت سبلها على لقائين او ثلاثة عابرين مع ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في منتصف السبعينات في بيروت. وهو ايضًا معروف بعلاقته بزعيم ومؤسس حركة امل الشيعية الإمام السيد موسى الصدر. ايضًا كانت اللقاءات عابرة وسريعة. لم يكن ممكنًا اصلًا في ذروة الانقسام الأهلي في سبعينات القرن الماضي ببيروت ان يلتقي ضدان متنافران غير لقاءات عابرة. لكن ذلك لم يمنع الكتائب ان تعتبر بقرادوني رجل الحوار مع الطرف الآخر. هذا يشي بمدى عمق الأزمة بين اللبنانيين يومذاك. فحين يكون منطلق الحوار عابرًا وسيارًا يدرك المرء ان الحوار مستحيل وان لا شيء مشترك يمكن الانطلاق منه. بعض المجاملات ربما، وتحقيق هدنات ليتسنى للمحاربين ان يجددوا قواهم. لم يكن رجل حوار بقدر ما كان رجل فك اشتباك، رجل تحقيق هدنات، عند اجتماع خصمين على حقيقة انتهاء جولة وابتداء اخرى.
لكن هذه الصلات نفسها هي التي جعلت بقرادوني ينجو من اهوال السياسة اللبنانية ولا يحرق كل اوراقه حتى اليوم. كان في الكتائب، وحين سئل ان كان يريد الالتحاق ببشير الجميل مؤسس القوات اللبنانية التي تغذت من اجسام القوى السياسية في المنطقة الشرقية من بيروت اثناء الحرب اللبنانية قال انه غير مقتنع بما يفعله بشير. لكنه ما ان اشار إليه بشير للالتحاق حتى اتى متحمسًا. اصبح واحدًا من اركان القوات اللبنانية، وبعد اغتيال بشير الجميل ناور وراوغ ووالى القادة الذين اتوا بعده. من فادي افرام إلى فؤاد ابو ناضر فإيلي حبيقة فسمير جعجع. والى لكنه ايضًا شارك في كل الانتفاضات. انتفض حبيقة وجعجع على ابي ناضر وكان بين المنتفضين، وانتفض حبيقة على جعجع وكان بين انصاره، ثم انتفض جعجع على حبيقة وكان من مدبري الانتفاضة. وفي عهدة سمير جعجع امضى بقرادوني جل نشاطه السياسي. لم يكن سياسيًا بالمعنى الفعلي، فزمن سمير جعجع كان زمنًا حربيًا بامتياز. انقلب الرجلان على حبيقة لأنه وقع الاتفاق الثلاثي، وما ان استتبت الأمور لجعجع حتى اخذ بقرادوني يجري اتصالاته بسوريا. كان يريد تطمين سوريا بدفع من جعجع ايضًا، إلى ان المسيحيين والقوات اللبنانية لا تضمر العداء لها.
بعد الطائف وفي عصر الرئيس الحريري، القي جعجع في السجن، حكم عليه بالمؤبد في جرائم اغتيال، ابرزها جريمة اغتيال داني شمعون. ظل بقرادوني طليقًا وان كان يشعر يومذاك ان اجنحته مقيدة. في الصراع الذي خاضه الاتحاد العمالي العام في منتصف التسعينات ضد الحكومة الحريرية والذي تحول سريعًا إلى صراع سياسي ضد سوريا اجتمعت قيادات على طاولة الميريلاند على شاطئ بيروت من الجهتين، الكتلة الوطنية بزعامة الراحل ريمون اده إلى جانب الحزب الشيوعي، وكريم بقرادوني إلى جانب كريم مروة.
كان جعجع في السجن حين اخذ بقرادوني يظهر في اجتماعات عامة للتنسيق والتشاور مع ممثلي "المردة" وهو التيار الذي اغتيل زعيمه طوني فرنجية في عملية قادها سمير جعجع في اهدن من اعمال شمال لبنان، المردة والكتائب تتكاتف مع رابطة الشغيلة. ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل!من هناك، ايد المحامي اللامع ترشيح اميل لحود لرئاسة الجمهورية. مراهنة ام حسن تقدير؟ الله اعلم. لكن الكتائبي العتيق الذي ذهب إلى القوات ثم عاد إلى الكتائب امينًا عامًا فنائبًا للرئيس كان يعرف ان جدرانًا صفيقة تقف حائلًا امام استمراره على قيد الظهور السياسي. لم يترك مناسبة إلا ظهر فيها محاولًا الظهور بمظهر الرجل المنفتح على الحوار. وهذه وسيلة لدوام الاشتغال بالسياسة في لبنان من غير شغل حقيقي. هذا بلد تعصف به الأزمات على الدوام والحوار مطلب ملح في كل لحظة لكنه عسير المنال. الحوار الممتنع خبز هذا البلد اليومي وعليه تنشأ طائفة من المتكلمين كل مرة تتبادل المجاملات والتهاني لكنها لا تقدم ولا تؤخر.
كان بقرادوني في حيرة من امره. عاد اهل الكتائب وورثتها الأصليين إلى المطالبة بإرثهم. الرئيس امين الجميل عاد من منفاه زعيمًا والكتائب اصبحت شقين. شق يحمل الوكالة القانونية وشق آخر يحمل الوكالة المعنوية. في هذه الدوامة وجد بقرادوني نفسه مضطرًا للعب دور الكتائب التاريخي، لكنه هذه المرة مقلوبًا تمامًا. الكتائب والت رؤساء الجمهورية في لبنان. كانت على ما يقول حازم صاغية حزب العهد، الخزان الشعبي لرئاسة الجمهورية. لكن العهد هذه المرة يدير سياسة مقلوبة ولا تتفق مع منبت الكتائب واسباب نشأتها. العهد السوري التام الذي تم تدشينه في خطاب قسم الرئيس اميل لحود كان يرى ان المسيحية السياسية في لبنان هزمت من جوارها العربي والمسلم، وعليها ان تسلم بالهزيمة. كانت والحق يقال فكرة وجيهة لكن ابطالها كانوا قليلي الدراية بما يفعلون. بقرادوني والى العهد، قسر الكتائب على دور لا تحسن اداءه. اراد ان تكون الكتائب سلاح العهد الشعبي، وفي ولاية لحود اصبح بقرادوني رئيسًا للحزب، اول رئيس من خارج الطائفة المارونية. والى لحود وادرك انه لا خلاص له إلا بموالاته.
والحق انه دافع عن افكار العهد المتلجلجة كاتبًا في صحف عربية ومحاضرًا ومساجلًا. لكن ذلك لم يصل إلى اسماع احد. ليس بقرادوني من طراز الرجال الذين يقنعون احدًا بأن ما يقوله انما يصدر عن قناعة. انه رجل هدنات. كل اللبنانيين يدركون انه شخص متلون ومتقلب. هذا الوصف ليس دقيقًا، لنقل انه موال من غير انقطاع. وان تكون موال من غير انقطاع فأمر لا يصح حدوثه إلا في لبنان. ليس بقرادوني فريدًا في بابه، فثمة في لبنان موالون لكل العهود مهما اختلفت توجهاتها. ثمة من والى الفلسطينيين ووالى اعداءهم الإسرائيليين ومن ثم السوريين وصولًا إلى الأميركيين. يجدر بالسياسيين في العالم ان يتعلموا من هؤلاء حرفة التلون التي تجعل المرء مواليًا على الدوام. بقرادوني كان من هذه الفصيلة من السياسيين الذين يستطيعون ان يبدلوا اتجاه سفنهم بحسب الريح. يستند في هذا كله إلى تهويل بحدة الأزمة: قومجية مقلوبة. دائمًا يحذر بقرادوني من الهزيمة ومن الذوبان، اللحظات دائمًا حرجة وعلى المرء ان ينتبه لمواقع اقدامه جيدًا. ان يصغي للريح. لكن بقرادوني الذي يحسن الإصغاء لم يكن ربان سفينة يومًا ولم يتحول فاعلًا اساسيًا في الشأن السياسي اللبناني. على كل حال كان الرجل يدير علاقات سياسية وشخصية لا تحصى، لكنه كان في نهاية المطاف خادمًا للعهد الذي يخدم بدوره سوريا. سوري بالواسطة، من رجال لحود وهو رجل سوريا في لبنان.
الإدارة السورية باركت تحول الكتائب. هذا تنظيم يملك وكالة قانونية عن القوة الرئيسية التي حاربت سوريا وتحالفت مع اسرائيل. مثل هذا التحول يعتبر نصرًا معنويًا لسوريا وهي تباركه على الدوام. لكن رجال السوريين في لبنان تقرر عديدهم منذ زمن. حزب الكتائب القانوني مفيد لكنه ليس اساسيًا. لهذا بدا اقصى ما يطمح إليه الرجل الثاني او الثالث، كريم بقرادوني، ان يصبح خطيب العهد المفوه. ان يقضي نحبه تائبًا وليس متمردًا. كان يرى بأم العين مصائر رفاقه، سمير جعجع مسجون في اقبية وزارة الدفاع اللبنانية، ميشال عون منفي، وامين الجميل شبه منفي. هكذا حط الرجل رحاله ولم شتات حزبه المنهك والتحق بالعهد المدعوم سوريًا رجلًا ثالثًا. كوفئ بوزارة في آخر حكومات الحريري. لكن هذا اقصى ما استطاع الحصول عليه. كان الرجل في المشهد العام مثالًا حيًا عن هزيمة المشروع الذي مثله حزبه. وحين يكافأ فإنه يكافأ من باب اقامة الشاهد على ان العهد السوري في لبنان يملك من الحلم وطول الأناة ما يجعله يقرر العفو عند المقدرة.
كتائب كريم بقرادوني كانت بالنسبة للإدارة السورية مجرد دليل حي على هزيمة المشروع الكتائبي. هزيمة المشروع تعني انتصار سوريا وحلفائها. اليوم تغيرت الأوضاع، وصار لزامًا على كل الذين والوا سوريا ان يشتروا بقاءهم قيد التداول السياسي بأثمان باهظة. ثمة الكثيرون لديهم ما يدفعونه من ارصدتهم في هذا المجال. لكن كريم بقرادوني يبدو من دون رصيد. الأرجح ان الرجل سيفتش عن محراب يقبل فيه تائبًا. لكن ما يقدمه لقاء توبته ليس بالشيء الكثير. ربما وجب على حكام لبنان الجدد ان يتذكروا المثل الذي مر ذكره: العفو عند المقدرة.

إيلي الفرزلي.. الولاء غير المشوب بشائبة

: ورث ايلي الفرزلي من عمه النائب الراحل اديب الفرزلي الذي لم ينجب ذكوراً يرثونه، وجاهة سياسية واجتماعية في قصبة من قصبات البقاع الغربي. آل الفرزلي من طائفة الروم الارثوذوكس في الضفة الشرقية من البقاع الغربي، ويعيشون ضمن اكثرية سنية تتصل اتصالاً وثيقاً بالداخل السوري. فبالنسبة لأهل هذه القرى تشكل دمشق عاصمتهم الاقتصادية دائماً والسياسية معظم الاحيان. وتفيد تقارير حديثة ان اربعة آلاف عائلة تتحدر من البقاع الغربي يعيش افرادها اليوم في دمشق وجوارها، مستفيدة، اي هذه العائلات، من سهولة التنقل بين الحدود اللبنانية السورية، وقرب العاصمة السورية من قراهم فضلاً عن الفارق الكبير في كلفة العيش بين لبنان وسورية، وهو فارق يجعل اي مالك ارض متوسط الحال يعيش حياة كريمة في سورية متمتعاً بإيراد ارضه في لبنان، في وقت لا يخوله هذا الإيراد ان يؤمن اساسيات العيش في لبنان. فضلاً عن ذلك تنتشر قرى سنية على السفح الغربي لسلسلة جبال لبنان الشرقية ولا تفصلها عن الداخل السوري إلا بضعة كيلومترات يقطعها اهل المنطقة عادة على البغال والحمير، وتنشط على هذه الحدود الرخوة عمليات التهريب المتبادل بين لبنان وسورية. كما ان الحدود بين الجانبين على قمم السلسلة الشرقية وفي سفوحها بالغة التداخل ورخوة، وكثيراً ما تلجأ سورية إلى قضم بعض اجزائها. ويشير بعض المؤرخين اللبنانيين إلى مشكلات عميقة على هذا الصعيد منذ تأسيس لبنان وحتى اليوم.ايلي الفرزلي ولد وترعرع في هذا الجو السياسي والاجتماعي الوثيق الصلة بسورية على مر التاريخ. لكن وجاهته السياسية التي ورثها عن ابيه كانت تدين إلى حد بعيد للنظام اللبناني وطرق تصريف اعماله. فالمسيحيون في البلدة التي يتحدر منها الفرزلي يعادلون ثلث السكان لكن المحيط الذي يجاورها يغلب عليه اهل السنة غلبة كاسحة. وسنة الأطراف في لبنان موئل مناسب لكل انواع التطرف السياسي ويشكلون كشيعة الجنوب خزاناً بشرياً ووقوداً لكافة الحروب الأهلية. بهذا المعنى تشكلت وجاهة ال الفرزلي التي تتجاوز حدود العائلة الصغيرة وابناء الطائفة قليلة العدد في منطقتهم، بالاستناد إلى قانون الانتخاب اللبناني الذي كان يلحظ مقعداً برلمانياً لمسيحيي المنطقة. لكن مأساة الفرزلي الابن الشخصية تمثلت في ان والده لم يفز في دورة انتخابات عام 1972 البرلمانية وهي الانتخابات التي سبقت نشوب الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان ابريل من العام 1975. والتي عطلت الانتخابات النيابية على مدى سبعة عشر عاماً متوالية. مما جعل وجاهته تضمر بضمور علاقته بأهل السلطة وقدرته على صناعة الأنصار والمحازبين بالخدمات وهذه حال شائعة في لبنان.قبل 1990 لم يكن اسم الفرزلي متداولاً في منطقته، رغم ان علاقات سياسية كانت تربطه بمسيحيي زحلة المتصلين اتصالاً جغرافياً بمسيحيي جبل لبنان. لكن شهرة الفرزلي الفعلية ودخوله قيد التداول السياسي تمثل في نهاية الثمانينات حين اقام علاقات سياسية مع الوزير والميليشياوي الراحل اغتيالاً بسيارة مفخخة، ايلي حبيقة. كان ايلي حبيقة قد طرد من المنطقة الشرقية من بيروت بعد توقيع الاتفاق الثلاثي برعاية سورية مباشرة مع امل والحزب التقدمي الاشتراكي، ولجأ من باريس إلى زحلة مروراً بدمشق التي دعاه إليها عبد الحليم خدام ليستأنف دوره في لبنان. وقد اصيب ايلي الفرزلي في الإنفجار الذي استهدف حبيقة في زحلة اثناء عقد اجتماع كان حبيقة موجوداً فيه. وربما يجب ان نذكر ان حبيقة المكروه سياسياً والضالع إلى ان يثبت العكس في تنفيذ مجازر صبرا وشاتيلا بحق المدنيين الفلسطينيين، والذي اغتيل في ما بعد بسيارة مفخخة قرب منزله في الحازمية، هذا الرجل المخابراتي الميليشياوي الوزير في ما بعد، ترك أثراً كبيراً في المسيحية السياسية لا يستطيع المرء ان يتجاهل مفاعيله في حقبة السيطرة السورية على لبنان. كان ايلي الفرزلي احد الذين وجدوا خلاصهم وطريقهم إلى دور سياسي ما في لبنان ما بعد الطائف عبر توثيق العلاقة بالقيادة السورية. والحق ان الفرزلي لم يكن رجلاً اول في هذا المجال او مؤسساً كما كان حبيقة مؤسساً واولاً. انتخب الفرزلي نائباً في البرلمان اللبناني عام 1992 وتولى منصب نائب رئيس المجلس النيابي منذ ذلك الحين وحتى تاريخ تعيينه وزيراً في حكومة عمر كرامي المستقيلة. وكانت السياسة السورية في ذلك الحين ولأسباب تتعلق بطبيعة الجغرافيا السياسية تحبذ ان يقود لبنان زعماء الأطراف على حساب زعماء المدن. بسبب استحالة انفكاكهم وتنكرهم لاحكام الجغرافيا. وهذه سياسة لم تكن تتنكر للتوزيع الطائفي في المؤسسات السياسية لكنها كانت تقدم ابناء الأطراف كممثلين للطوائف المشكوك في ولائها للإدارة السورية. هكذا استطاع حزب الله ان يتمثل في المجلس النيابي بنائبين مسيحيين كانا دائماً في عداد كتلته وكذلك فعل نبيه بري الذي تضم كتلته نواباً مسيحيين لا يستطيعون التنكر لأحكام منبتهم الجغرافي الذي يجعل الناخبين الشيعة يرجحون فوزهم على نحو قاطع. وثق الفرزلي علاقاته بالمتحكمين في الشأن اللبناني ولم يكن يرفض اي طلب تطلبه المخابرات. وكان بين النواب الذين دعتهم قيادة المخابرات السورية للاجتماع في خيمة في العراء من دون مرافق صحية او تسهيلات من اي نوع، تحضيراً لمعركة التمديد للرئيس لحود في اواخر العام الماضي.يتميز الفرزلي بين القادة الذين والوا سورية ايضاً بقدرة لا يستهان بها على الجدال. صبور على الجدال وماهر في تدوير الزوايا. لكنه وبسبب من فقدان السياسة السورية في لبنان لسياقها الشرعي، بدا إلى حد بعيد وفي كل مناسبة ديماغوجياً يحاول تكذيب بياض اللبن داخلاً في جدال في التفاصيل المملة او مردداً في كل مناسبة ضرورة التنبه للأخطار الكبرى التي تحيق بالمنطقة ولبنان.والحق ان تياراً وازناً في صفوف المسيحية السياسية في لبنان كان يرى ان خلاصه وضمانات بقائه على قيد الفعل السياسي يتمثل بتوثيق العلاقة مع سورية. هذا التيار كان الأغلب والأعم في المناطق وبين الوجاهات السياسية الناشئة اكثر منه في مركز لبنان جبلاً ومتناً وعاصمة او في صفوف الزعامات السياسية الكبرى. فليس ثمة مجال لولادة زعامة مسيحية من المناطق ذات الغالبية المسلمة من دون الاستناد إلى الطرف الخارجي المقرر في السياسة اللبنانية. بسبب من حدة الانقسام الأهلي في لبنان لا يستطيع الطموحون من سياسيي المناطق ان يسلكوا غير خيار التبعية للخارج على نحو لا لبس فيه، والالتزام بمطالبه ومعاييره من دون نقاش. انها تقية الأقليات التي تفرض على السياسيين ان يدافعوا عن مصالحهم الأولية والشخصية اكثر من مدافعتهم عن مصالح قومهم الكبرى. لهذا بدا إيلي الفرزلي خادماً مطيعاً للسياسة السورية ولساناً عالي النبرة وكثير اللغو في دعم سورية وموالاتها. والأرجح ان رجلاً في موقعه ومكانته سيبقى موالياً إلى ان يتيقن تماماً من انحسار النفوذ.حين ينحشر سياسي في وضع كهذا يبدي استعداده وحماسته لتقديم الخدمات من غير ان يحصل على مقابل لهذه الخدمات. ويسع المرء القول ان ايلي الفرزلي كان يخدم سيداً في دمشق من دون ان يبادله السيد خدمة بأخرى. اللهم إلا المنصب الرسمي الذي يؤمنه له بواسطة سطوته وفرضه على اللوائح. وايلي الفرزلي وبسبب وضعه المخصوص، كما اشرنا، لا يستطيع إلا ان يثبت كل يوم وفي كل وقت ضرورته لسيده. ذلك ان الطامحين إلى المنصب كثر ولا يحصون عدداً وعلى الإدارة السورية ان تختار من بينهم من ترى انه يخدمها اكثر. هذه الخدمات تبدأ بتوثيق العلاقات الشخصية، مما يجعل الطرف المقرر في المعادلة يطمئن لصداقة الطرف الآخر، إلى الخدمات الشخصية، مما يفتح باباً واسعاً للأسرار بين الطرفين، إلى الخدمات السياسية التي انيط بعضها بنائب دولة رئيس المجلس ونجح في الإصرار على ولائه تحت كل الظروف.



طلال ارسلان لاعب احتياط يطمح ان يصير هدافًا
ورث الأمير طلال ارسلان زعامته عن والده الأمير مجيد ارسلان. احد رجالات الاستقلال الأبرز. وكان بين الوزراء الذين لم يتم اعتقالهم من قبل السلطة الفرنسية في العام 1943. لكنه سرعان ما انتقل مع باقي اعضاء الحكومة والمجلس النيابي إلى قرية بشامون الدرزية واعلنوا من هناك استمرار عمل حكومة الاستقلال. الأمير مجيد ارسلان ورث اتجاه زعامته الحاشدة من الدور البارز الذي قام به اسلافه في الثورة العربية عام 1925 الأمير شكيب والامير عادل ارسلان.
كان دور المواطنين الدروز في حماية الحكومة الاستقلالية كبيرًا. وخاضوا يومذاك معارك مع جيش الانتداب الفرنسي، وحموا اركان الاستقلال وسقط منهم شهداء على هذه الطريق. على كل حال المسافة الزمنية بالغة القصر بين سنة 1943 و1925 ايام الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش في جبل الدروز في سورية والذي دعي يومذاك جبل العرب نظرًا لدور الأمير الراحل سلطان باشا الأطرش المميز، مع ما يعنيه زمن الثورة من تواصل بيّن وواضح المعالم بين الجبلين، جبل الدروز السوري وجبلهم اللبناني، حيث كان يقودهم في لبنان الامير عادل أرسلان وكان من رجال الثورة المبرزين ومتكلميها البليغين.
عاش الأمير مجيد وزيرًا شبه دائم ونائبًا محفوظ المقعد والمكانة طوال حياته في لبنان. وعاصر تغيرات هائلة في اوضاع الطائفة واحوالها، لم يكن في مكنته على الأرجح ان يحول دون تأثيرها على زعامته. كان الأمير مجيد ارسلان في عز سطوته حين برز الجنبلاطي الشاب زعيمًا للحزب الجنبلاطي في المختارة. كمال جنبلاط منذ بداياته كان زعيمًا لامعًا، وسرعان ما احتل موقعًا مميزًا في الوسط السياسي اللبناني وتحول إلى احد اركان السياسة فيه. لكن زعامة جنبلاط لم تقتصر على حدود طائفته، فهو ايضًا كان زعيمًا لبنانيًا كبيرًا وله موقع في العالم العربي بالغ التأثير وعالي الشأن، وكان صاحب صلات قوية بالاشتراكيات الدولية من الاتحاد السوفياتي إلى الهند. ومع كمال جنبلاط خبا وهج الزعامة اليزبكية وبدا لبنان بأسره وليس الطائفة الدرزية فحسب يحسب لهذا الزعيم المثقف ألف حساب.
بعد اغتيال كمال جنبلاط عام 1977 آلت مقاليد زعامة الجنبلاطيين إلى ولده وليد، الذي تمرس في السياسة والقيادة في ظروف بالغة الصعوبة، استمر فيها على الدوام لاعبًا اساسيًا من لاعبي السياسة اللبنانية. من قيادته للحركة الوطنية في مواجهة الدخول السوري إلى لبنان بين عامي 1977 و1979، إلى الاحتلال الاسرائيلي عام 1982، وصولًا إلى حرب الجبل ضد القوات اللبنانية وحكم امين الجميل واسقاط اتفاق 17 ايار وانتهاء بمعاركه ضد ميشال عون ودوره في اتفاق الطائف.
كرس وليد جنبلاط زعامة هائلة في جبله. وكانت الزعامة في قمة توهجها يوم تسلم الأمير طلال دار خلدة وارثًا والده صاحب الإرث الكبير والزعامة التي فقدت القها بالتقادم وكبر السن وبتأثير الجنبلاطية المتوهجة. وجد الأمير طلال ارسلان نفسه في وضع صعب. فبعد وفاة والده كان يحتاج إلى اثبات كفاءته في القيادة خصوصًا ان اخاه البكر فيصل كان قد استقر في دارة الوالد في عاليه في حين ان الاميرة خولة ارسلان زوجة الامير مجيد حملت ابنها طلال إلى دار خلده ومن هناك ساعدته بقوة حضورها وقدراتها المشهودة وعلاقاتها على تثبيت زعامته على البيت اليزبكي والانطلاق في عالم السياسة اللبنانية الشائك. أطل الأمير على المشهد السياسي اللبناني العام في وقت كانت فيه الإدارة السورية تحكم قبضتها على مجمل الوضع السياسي العام في لبنان وتمسك برقاب ومفاصل قواه الأساسية.
ولا يخفى على كل ذي نظر ان الجنبلاطية ليست مأمونة الجانب بالنسبة للنظام السوري، والقادة السوريون كانوا ما زالوا في مواقعهم منذ المعركة التي قادها كمال جنبلاط ضد سورية. لكن الجنبلاطية كانت وازنة في الشارع وفي المشهد السياسي الأعم، ولم يكن من المستحسن اصلاءها نار العداوة الحامية، خصوصًا ان وليد جنبلاط كان قد عقد احلاف وصداقات مع كبار المتنفذين في النظام السوري يومذاك: اللواء حكمت الشهابي رئيس الأركان التاريخي، ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام. لم يكن ثمة منفذ آخر امام الأمير الشاب الذي يعمل ضمن طائفة ينم وضعها الديموغرافي والثقافي عن تعقيدات لا تحصى. فلا يستطيع القائد الدرزي ان يستقل برأي وموقف بقوة طائفته وحدها وينجح في فرضه على اللبنانيين عموما. والحال فإن خيارات الامير الأرسلاني بدت ضيقة إلى حد واضح. فهو وريث الزعامة الأرسلانية العروبية الاستقلالية. في حين كان اسلاف كمال جنبلاط إلى هذا الحد او ذاك، وخصوصًا الست نظيرة جنبلاط، على علاقة ود ووئام مع الحكم اللبناني في ظل الانتداب الفرنسي.
ويمكن القول، على وجه الإجمال، ان الأرسلانية ممثلة بزعاماتها الكبرى كانت صاحبة خيار عروبي لا شائبة فيه، اما الزعامة الجنبلاطية فكانت رجراجة في هذا المجال خصوصًا في الزمن الذي سبق كمال جنبلاط، لكن وليد جنبلاط كان رقمًا صعبًا واساسيًا في معادلة العروبة السورية المتحكمة في رقاب اللبنانيين. لم يأت الأمير الأرسلاني امرًا أدًا حين اختار ان يلتحق بهذا الجانب دون ذاك، مع علمه ان زعامة آل جنبلاط المنافسة تحظى بعناية كبيرة في دمشق. لكن الخيارات معدومة على مستوى الإرث وعلى مستوى الوقائع ايضًا. فلم يكن ثمة من ينافس سورية في الهيمنة على لبنان او يملك مشروعًا بديلًا له قدر من النفوذ الفعلي في الواقع السياسي.
هكذا احتل الامير طلال موقعه في السياسة اللبنانية رديفًا. كان يشبه لاعب الاحتياط الذي يطمح لأن يحل محل الهداف. والحق ان وليد جنبلاط كان هداف الخطة السورية بلا منازع في الأعوام التي سبقت اتفاق الطائف وكان الفزاعة التي يرفعها نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في وجه كل معارضي الاتفاق من المسحيين المجتمعين في الطائف.
لكن الإدارة السورية كانت تدرك ان جنبلاط ليس مواليًا على طول الخط. فالملمح الاستقلالي في زعامة آل جنبلاط بالغ الوضوح. والده كان عروبيًا واستقلاليًا في الوقت نفسه. بل كان يحمل مشروعًا اكبر من قدرات طائفته وبلده على احتماله.
كان زعيمًا كبيرًا حكمت عليه الأقدار ان ينتمي إلى وطن صغير محدود الموارد. كما ان الإرث الذي ورثه وليد عن اسلافه يتيح له انشاء علاقات وثيقة مع القوى التي تخشى المدى العربي. والحال فإن جنبلاط كان يستطيع الغرف حين يشاء من البئر التي تناسب مصالح طائفته وبقائها فاعلة في السياسة اللبنانية. على هذا لم تجد الإدارة السورية بدًا من محاصرة الزعيم الدرزي المتقلب. فرأت في تنمية ورعاية الزعامة اليزبكية موردًا من موارد القضم من الزعامة الجنبلاطية. مثلما انها شجعت ورعت الحزب القومي السوري الاجتماعي العلماني الذي نافس جنبلاط في درزيته وعلمانيته على حد سواء.
كانت الإدارة السورية تسعى لاستكمال الحصار، وكانت الزعامة الارسلانية المنسجمة مع تاريخها والمستحكمة الخلاف مع الزعامة الجنبلاطية تجد في الدعم السوري مصلحة عميمة. هكذا خيضت المعارك الانتخابية ضد جنبلاط بإدارة سورية على الدوام. والحق ان الأخير لم يكن قليل الانتباه فكان يسرع حين يستطيع او يجد سبيلًا لضرب المرتكزات السورية في الجبل او في قلب الطائفة. بدءًا من تحالفاته المفاجئة مع زعامة دير القمر المارونية إلى علاقاته التي لم تنقطع بالأحزاب اليسارية التي لم تلتحق بسورية، وصولًا إلى علاقاته بالرئيس الحريري التي سمحت له تثبيت زعامته على اقليم الخروب السني الذي يقع في قلب الجبل.
في كل هذا كان الأمير طلال ارسلان لا يملك من اوراق اللعبة إلا واحدة وحيدة وهي علاقته بالمسؤولين السوريين وإخلاصه في الولاء لهم. هكذا اشيع انه بين القلة القليلة التي استفتيت في دمشق في مسألة اختيار اميل لحود رئيسًا للجمهورية. واشيع عنه علاقات مباشرة مع ضباط المخابرات السورية، وترتيب صفقات امنية استراتيجية والمساعدة في تسهيل خطط المخابرات السورية في المنطقة برمتها من العراق إلى فلسطين فلبنان. كان الأمير في كل هذا رجلًا موثوقًا من قبل الإدارة السورية. والأرجح ان هذه الإدارة كانت تدرك انه ليس موثوقًا فحسب بل هو موثق إلى درجة يصعب الفكاك معها من اسر هذه المعادلة الخانقة.
كان الأمير يدرك انه خاسر دائمًا إذا ما احتكم إلى موازين القوى الداخلية، لهذا غالبًا ما كان يُفرض على جنبلاط، وبرغبته العميقة طبعًا، ان يترك له مكانًا شاغرًا في لوائحه الانتخابية لئلا يقع المحظور ويخسر آل ارسلان المقعد الموقوف لهم في المجلس النيابي. لكن الأمير المحشور في هذه الزاوية الخانقة لم يكن يتورع حين يجد في نفسه واحلافه القوة على مواجهة جنبلاط في ان يخوض معه معارك محدودة انما بالغة القسوة. على كل حال كان خصمه يبادله القسوة بمثلها في معظم الأحيان.
في الانتخابات البلدية الأخيرة خسر الأمير طلال ارسلان معركته ضد وليد جنبلاط في الشويفات وهو واحد من اهم معاقل الأرسلانية التاريخية. لكنه بالتحالف مع فيصل الداوود في راشيا وانور الخليل في حاصبيا ربح على جنبلاط في معقل من معاقل هذا الأخير البعيدة. لم يكن الربح في حاصبيا والخسارة في الشويفات متعادلين. فالشويفات تشبه المختارة والهزيمة فيها كبيرة معنويًا. على هذا لجأت السلطة اللبنانية إلى معاقبة جنبلاط على الربح فتمت ملاحقة مرشحه ورئيس لائحته قضائيًا بتهم غامضة، وجرى التضييق عليه إلى حد كاد ينذر بأزمة عاصفة. لكن هذه الأزمة لم تكن بعيدة في الزمن عن خروج جنبلاط النهائي على الرغبة السورية وتزعمه المعارضة المطالبة بإخراج جيشها من لبنان. فلم يتسع الوقت امام الأمير ليستفيد من انحياز السلطة القاطع ضد جنبلاط لينتزع منه ما يستطيع انتزاعه ويوسع حدود حركته.
الامير طلال ارسلان خانه الزمن مرات ومرات. كان من حظه دائمًا ان يأتي في الأوان الفائت. فهو ورث الزعامة غضًا بعد ان كان خصمه اللدود قد ارسى كل دعائمه. وهو اتى إلى سورية متأخرًا بعدما كان جنبلاط ركنًا من اركان النظام الذي تديره سورية في لبنان. وهو ايضًا وثق تحالفه مع سلطة تعادي خصمه، لكن الرياح الدولية كانت تسير في الوجهة المعاكسة لهما تمامًا. وهو أخيرًا والى سورية وهي تعيش ربع ساعة هيمنتها الاخير في لبنان. والاها حين كان الآخرون يستعدون للتفلت من نير حكمها الجائر.
ليس الرجل قليل الذكاء ولا مجهول الهوية او نكرة من نكرات السياسة اللبنانية الذين رفعتهم الإدارة السورية إلى مصاف القيادات. لكن الزمن كان عدوه في كل ما ذهب إليه. وهو الآن يعرف ان رياح سفينته هائجة، لكنه كالقبطان العاثر الحظ لا يستطيع القفز إلا بعد ان يقفز جميع الركاب.

سامي الخطيب رجل المراحل الانتقالية

كان اللواء سامي الخطيب عام 1969 ضابطاً في الجيش اللبناني في الشعبة الثانية، حين هرب مواطن سوري إلى لبنان بأموال حكومية. يومذاك كان الرئيس حافظ الأسد وزيراً للدفاع في سورية، وطلب من الضابط سامي الخطيب تسليمه السارق، فقام بالفعل باعتقاله وتسليمه للسلطات السورية. ومن يومها، يقول اللواء سامي الخطيب، نشأت بين الرئيس الراحل حافظ الأسد واللواء سامي الخطيب صداقة قوية وعلاقة ثقة.هذه العلاقة سرعان ما تم استثمارها بعد محاكمات ضباط الشعبة الثانية في اوائل السبعينات حين استطاع الحلف الثلاثي ان يهزم الدولة الأمنية في لبنان وان يلاحق ضباطها. حوكم سامي الخطيب وسرح من مخابرات الجيش، لينتقل ملحقاً عسكرياً في سفارة لبنان بباكستان، ومن ثم فصل من منصبه، وقرر مذاك احتراف العمل السياسي.عاش الخطيب سنوات في سورية منفياً ولاجئاً سياسياً. لكنه عاد إلى لبنان مع دخول قوات الردع العربية في العام 1976. كان يومذاك برتبة مقدم، لكن القيادة السورية طلبت إليه ان يتولى مهمة قيادة قوات الردع العربية التي كانت تضم ست فرق عسكرية، من دول عربية متعددة، ويجدر بقائدها ان يكون ضابطاً برتبة جنرال فما فوق. رقي إلى الرتبة المطلوبة، وقاد قوات الردع العربية. لكن هذه القيادة مثلما هو معروف ومثلما يظهر من طريقة ترقية اللواء لم تكن غير قيادة صورية. كان الرئيس الأسد يريد قائداً لبنانياً يمكن الوثوق به ولم يكن ثمة من هو انسب من سامي الخطيب. سامي الخطيب كان ضابطاً عادياً في الشعبة الثانية في الجيش اللبناني. لكن دور الشعبة الثانية كان متضخماً وكبيراً إلى الحد الذي جعل لبنان يمر بأزمات طاحنة للفكاك من اسر رقابتها. يومذاك ايضاً كان ثمة دولة امنية تتحكم بكل شاردة وواردة في لبنان، وكان ضباط الشعبة الثانية يتدخلون مع المخاتير في القرى والبلدات ويضغطون على الزعماء المناطقيين ويقيمون علاقات مع القوى والأحزاب، وكثيراً ما اشيع في لبنان عن دور الشعبة الثانية في تنظيم التظاهرات في الشارع. في بدايات عمله في الشعبة الثانية تولى الملازم اول سامي الخطيب مهمة التحقيق مع القوميين السوريين اثر انقلابهم الفاشل على اللواء فؤاد شهاب عام 1961. كانت سجون الشعبة الثانية رهيبة، على ما يروي احد كبار القوميين عبدالله قبرصي، ومارس فيها المحققون ابشع انواع التعذيب في حق المعتقلين. عبدالله قبرصي يتذكر ان حفلات الضرب والشتم لا تحصى وانه اثناء التحقيق معه قام احد ضباط الجيش برفع جزمته العسكرية في وجهه قائلاً له : "بوس صباطي ولاه". ويضيف ان الضابط الذي كان مسؤولاً عن التحقيق معه هو سامي الخطيب نفسه، الذي لم يوجه له اهانات او كلمات نابية، لكنه كان يتعامل معه بمزيج من الليونة والشماتة في الوقت نفسه. على كل حال كان الملازم اول سامي الخطيب يومذاك يعرف بلا شك، وبحسب منطق التحقيقات، بما يجري مع المعتقلين ويقره ويوافق عليه. يعترض سامي الخطيب على حيثيات الحكم عليه سياسياً وقضائياً. فهو يعتبر نفسه ضابطاً صغيراً لم يفعل غير تلقي الأوامر وتنفيذها. لكن حظه على ما يبدو ساقه إلى هذه السيرة الحافلة. إذ كلفه رئيسه المباشر في الشعبة الثانية ان يرافق قائد الجيش العماد اميل البستاني إلى القاهرة للتفاوض مع الفلسطينيين بإشراف سامي شرف وتوقيع اتفاق ينظم عملهم العسكري في لبنان. وهذا الاتفاق هو الاتفاق الذي عرف باتفاق القاهرة. حيث كان الضغط العربي على لبنان يقضي بالسماح للمقاومة الفلسطينية بتنفيذ عملياتها من جنوب لبنان. يومذاك لم يشأ الرئيس اللبناني الراحل شارل حلو ان يؤخذ عليه توقيع اتفاق ينتقص من حدود السيادة اللبنانية في شكل مفضوح، وتخلف رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي عن اللحاق بقائد الجيش متذرعاً بوعكة صحية. فوجد قائد الجيش نفسه ملزماً باجراء المفاوضات وتوقيع الاتفاق. كان يومذاك سامي الخطيب سكرتيره لكنه كان مكلفاً من رئيسه بنقل وقائع المفاوضات إلى ادارة الشعبة الثانية. فكان يرسلها يوماً بيوم.كان اتفاق القاهرة لعنة على كل من وقعه وساهم فيه من اللبنانيين. لاحقت لعنته الرئيس حلو حتى مماته، وبسببه تضاءلت حظوظ قائد الجيش القوي الجنرال بستاني في الوصول إلى سدة الرئاسة. وكان من حظ سامي الخطيب ان ترميه اقداره من باكستان إلى سورية ليعود إلى لبنان مع جيشها معززاً مكرماً.سامي الخطيب رجل مهمات صعبة. فهو، وبعدما انفك عقد قوات الردع العربية وتحولت قوات سورية صافية وخالصة الولاء، قبل في العام 1990 مهمة قيادة ألوية الجيش الموجودة في المناطق الواقعة تحت السيطرة السورية. يومها كان الجيش جيشين، واحد مسيحي او يغلب عليه الانتماء المسيحي بقيادة الجنرال ميشال عون، وآخر اسلامي بقيادة اللواء سامي الخطيب، وكان يتبع في تراتبيته لحكومة تقيم في الشطر الغربي من بيروت ويرأسها الدكتور سليم الحص. قبل قيام الجيش السوري، تحت تغطية اميركية ووعد اسرائيلي بعدم التدخل، بإخراج ميشال عون من قصر بعبدا الذي كان يتحصن فيه. عين الجنرال اميل لحود قائداً للجيش. ووجد الخطيب نفسه مرة اخرى يقوم بمهمة انتقالية كما كان طوال تاريخه. لكن الرئيس الأسد طلب من الرئيس الحص، وفي سياق مشاوراته معه، ان يعين اللواء سامي الخطيب مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي. رفض الحص، فهذا المنصب يعود في العادة والعرف إلى زعماء الطائفة السنية اولاً وثانياً لم يكن الحص رجلاً يسهل على اي كان تغيير قناعاته. لكن جواب الرئيس الأسد على الحص اتى سريعاً. كلف عمر كرامي بتشكيل الحكومة وطلب إليه ان يعين اللواء الخطيب وزيراً للداخلية. وهذا ما كان. عوضت القيادة السورية على اللواء بتعيينه وزيراً تتبع له قيادة الأمن الداخلي والأمن العام على حد سواء.كرامي سقط في الشارع، وتلك علامة من علامات تاريخه السياسي، اذ ان حكومته الثانية سقطت في الشارع ايضاً، وكلف رشيد الصلح بتشكيل الحكومة التي اشرفت على الانتخابات الأولى بعد الحرب الأهلية. كان اللواء الخطيب وزيراً للداخلية في هذه الحكومة ايضاً واشرف من منصبه كوزير على اول انتخابات بعد الحرب. حملته الانتخابات نائباً عن احد المقعدين السنيين في قضاء البقاع الغربي، وبقي نائباً إلى يومنا هذا. لكن الحص اكتسح في انتخابات بيروت خصمه رشيد الصلح وشكل كتلة نيابية معارضة، عارضت رئيس الحكومة الوافد من عالم الاعمال انذاك الشهيد رفيق الحريري، وانهت دور الصلح السياسي. جاء الحريري بتوافق دولي واقليمي، ويمكن ان يقال انه ابن التدويل الذي يحكى اليوم عنه واحد بناته الأساسيين. والحق ان الإدارة السورية التي حكمت لبنان طوال هذا الزمن كانت تتعامل مع القادة والقوى السياسية اللبنانية بمنطق مزدوج: الدعم من ناحية والتخويف وتفريخ الخصوم من ناحية ثانية. في هذا الصدد كان سامي الخطيب فزاعة تشهر كل حين في وجه قوى سياسية وتشكيلات حاشدة. مع تسلم الحريري اول منصب رسمياً له لم تعد السياسة في لبنان شأناً امنياً صرفاً يدار بواسطة ضباط المخابرات وحدهم. واصبح للعبة السياسية الداخلية قوانينها وقواها الوازنة وان كانت دائماً تلجم نفسها عن الدخول في مغامرات خاسرة وشائكة مع ضباط الأمن السوريين. في هذا المجال كان الخطيب إلى آخرين من موالي سورية الخلص في لبنان، فزاعات ترفع في وجه القوى السياسية لتنتظم وتمتثل لأمر العمليات المخابراتي. لكنهم كانوا ايضاً، وبسبب انتدابهم سورياً لهذا الدور، يغامرون بتدمير مستقبلهم السياسي على نحو لا رجعة فيه ولا توبة بعده.على كل حال لا يمكننا ان نضع مستقبل الخطيب السياسي في مقارنة مع مستقبل ناصر قنديل مثلاً. فالرجل اصبح اليوم شيخاً ولم يعد مستقبله امامه، ومن منطق الأمور ان يذهب إلى تقاعد بعد هذا العمر الحافل. لذا يمكن للمرء ان يؤرخ سيرته السياسية اليوم من دون ان يغامر بتقلبات قد تحدث في المقبل من الأيام. كان سامي الخطيب والحق يقال، رجل مهمات طارئة. رجل مراحل انتقالية. جاهز عند الحاجة ومستعد لتنفيذ ما يطلب منه. لكنه كان على الدوام مرؤوساً ولم يكن مرة رئيساً. انه الموظف المثالي حتى حين يكون وزيراً ونائباً. وما يفصله عن زعامة حاشدة ليس اقل من برزخ هائل لا يمكن حصره بالعين المجردة.


عاصم قانصو السياسة في اوقات الدوام الرسمي
كل من شاهد الوزير والنائب عاصم قانصو ليلة اعلان الرئيس بشار الأسد المباشرة في تنفيذ القرار الدولي 1559، معتمرًا كوفية بيضاء منقطة بالأحمر، متجهمًا وهو ينظم ويقود تظاهرة سيارة في شوارع بيروت، ادرك ان الرجل كان يشعر منذ تلك اللحظة بالفقد الكبير. كان الرجل متجهمًا لأن مرتكز سطوته وسلطته آخذ في الأفول وليس له ثمة بديل آخر يلجأ إليه فيما لو اراد اللجوء.
عاصم قانصو عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وامين سر هذا الحزب منذ سنوات، ليس من مبرزي الحزب في السياسة لكنه من اعمدته الدائمة الحضور.
والحق ان السيد قانصو لم يزرع في السياسة ما يمكن حصاده بعد زوال نظام الهيمنة. تاريخه في البعث قديم. من قيادييه التاريخيين في لبنان إذا ارّخنا لهذا الحزب منذ تولي الرئيس الراحل حافظ الأسد زمام الأمور فيه. لكنه قيادي يستمد حضوره من هذه العلاقة الحزبية بمعظم مقوماتها. على مر تاريخه لم يتردد السيد قانصو مرة واحدة في تنفيذ ما يطلب منه، وكان دائمًا حريصًا على مصلحة سورية في لبنان. ومنذ منتصف التسعينات كان رجل سورية الأوفى والأبرز في صفوف البعث. انتخب نائبًا عن المقعد الشيعي في دائرة بعلبك – الهرمل عام 1996 وهي معقل من معاقل حزب الله الانتخابية، واعيد انتخابه في العام 2000 عن المقعد نفسه وهو الآن وزير العمل في حكومة عمر كرامي.
قبل هذا التاريخ كان عاصم قانصو من رجال البعث الأساسيين، لكنه لم يكن مقدمًا ومبرزًا في صفوفه على المستوى العام. وثمة اقاويل كثيرة تشير إلى اعتماده ركنًا اساسيًا من اركان السياسة السورية في لبنان منذ ان اعتمدت القيادة السورية في اواخر عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد خيار حكم لبنان بالأمن لا بالسياسة. على هذا الأساس تضاءلت زيارات نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام إلى بيروت، وقلت تدخلاته في الشان اللبناني العام. ليترك لبنان فريسة لرجال الأمن السوريين يديرون سياسته واحواله بعقلية الضباط. الحديث في بيروت كان يدور عن اعتماد عاصم قانصو وتنحية عبدالله الأمين بوصف الأول يمثل انتصار الخيار الأمني والثاني يمثل غلبة الخيار السياسي في التعامل مع لبنان على مستوى القيادة السورية.
على كل حال لا يسعنا اعتبار السيد قانصو رجل سياسة في لبنان. لنقل انه رجل مواقف فجة. فهو لا يداور ولا يقيم اعتبارًا لأي كان. جملته حادة، وموقفه بالغ الوضوح. ينطق بلسان ضابط التحقيق ولا يجيد لغة السياسي. ولا يتورع عن سوق الاتهامات بالجملة، بوصف كل من يختلف معه مشبوهًا وينبغي الحذر منه.
قبيل انتخابات العام 2000 فتح وليد جنبلاط خطًا على المعارضة المسيحية للوجود السوري في لبنان. التقى مع البطريرك الماروني واقام مصالحة مع امين الجميل خصمه اللدود في حرب الجبل في العام 1984. وتحت قبة البرلمان، وحين كان يناقش جنبلاط في ضرورة اصلاح العلاقة بين لبنان وسورية، طلب قانصو الكلام واتهمه على الفور بالعمالة. والعمالة تعني في المقام الأول ان جنبلاط يتعامل مع العدو الاسرائيلي وهي تهمة بالغة الخطورة في لبنان. لكن جنبلاط اعاد ترطيب الأجواء مع دمشق بمسعى ووساطة من امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وما ان استقرت العلاقة بين جنبلاط ودمشق على نحو ما، حتى عاد قانصو عن اتهامه واثنى على دور جنبلاط الوطني والقومي. بهذه الخفة يستطيع الوزير عاصم قانصو ان يطلق تهمًا بالغة الخطورة ثم يعود عنها كما لو كان صبيًا طائشًا. وتلك لم تكن المرة الأولى التي يطلق فيها اتهامات ثم يعود ليعتذر عما بدر منه في وقت لاحق. على كل حال لم يلبث السيد قانصو ان اعتذر من الشعب اللبناني على ما صرح به وقام بالتحريض عليه اثر التظاهرة الأخيرة ايضًا في برنامج تلفزيوني شهير.
هذه صفات رجل لا يستطيع ان يدير علاقات سياسية ملتوية وبالغة الصعوبة في بلد كلبنان. لهذا يبدو اعتماده ممثلًا للبعث السوري في لبنان موحيًا بالمعنى الذي رست عليه العلاقة السورية مع لبنان. كانت الإدارة السورية تريد جنودًا يلتزمون الاوامر وينفذونها من دون نقاش. وعلى هذا لم تستسغ القيادة السورية اعتراض الرئيس الحريري على التمديد للرئيس اميل لحود، بوصفه بدا بالنسبة لهم كما لو انه صاحب رأي في بلده. وهذا ما لم يكن مستساغًا او مقبولًا بالنسبة لها. فكان لبنان يدار كما لو كان قطعة عسكرية تأتمر بأوامر الضباط من دون اي اعتراض.
حين تكون الدعامة الأولى للسياسة السورية حيال لبنان على هذا النحو من الصلافة والقسوة وقلة الاعتبار، لا يبدو غريبًا ان يتقدم رجال من امثال عاصم قانصو إلى المقام الأول. كان السيد قانصو طوال زمن الهيمنة السورية على لبنان حارسًا امينًا لطلبات ومتطلبات وتوجيهات الإدارة السورية من دون زيادة او نقصان. وهو في هذا المعنى رجلها الأوفى والاقل إثارة للاسئلة او تقديرًا للعواقب الشخصية.
لطالما تصرف السيد قانصو كموظف ينهي عمله في النهار ويعود مساء إلى بيته لينصرف إلى شؤونه الخاصة. كان في احوال استتباب الأمور للسيطرة السورية يخرج من الصف الأول ويعود إلى حياته الشخصية. ولا يعود للبروز إلا حين تحوق بالسيطرة السورية بعض الأخطار. فيهدد ويتوعد ويتهم كل من تسوّل له نفسه الاعتراض على الأداء المخابراتي السوري في لبنان.
قد يكون وضع السيد قانصو وطريقة اشتغاله في السياسة خير مثال على الطريقة التي يراد للسياسيين في لبنان ان يتبعوها في علاقتهم مع الشقيقة الكبرى: ينفذون التعليمات في اوقات دوامهم ويعودون إلى بيوتهم ليتمتعوا مساء بامتيازات السلطات الممنوحة لهم، لا أكثر ولا اقل. عليهم ان يدعوا السياسة والاهتمام بأمرها إلى اصحاب القرار، وما عليهم سوى تنفيذ التعليمات بحرفها ومن غير زيادة او نقصان. لكن ما كان ينقص الهيمنة السورية على لبنان، يتعلق بصناعة مبرراتها الدائمة. لا تنجح هيمنة من دون مبررات يعاد صوغها على نحو متكرر ودائم. لهذا كان الدور السوري يفتقد كل يوم مبرراته وسياقاته التي تتيح له الاستمرار.
والحق ان الاداء السوري الذي كان يهدف إلى ضبط لبنان تحت مظلة الأمن، مستفيدًا من الوكالة الدولية الممنوحة له في هذا الشأن، سرعان ما تهاوى وانفكت عراه ما ان نزعت هذه الوكالة عنه وقررت الإرادة الدولية ان تخرجه من دائرة التأثير. كانت الحجة السورية هي نفسها على طول الخط، التصدي لاسرائيل والخوف من لبنان المتقلب. خاصرة سورية الرخوة على ما يدعى في الأدبيات. هذه الحجة لم تشهد اي تعديل عليها رغم كل ما جرى: اخرج اللبنانيون اسرائيل بمقاومة فاعلة، رغم ذلك لم يهتز في الحجة السورية حرف واحد؛ ضربت اسرائيل اكثر من مرة القوات السورية في لبنان وسورية، ولم تستطع سورية الرد، رغم ذلك كانت الحجة السورية تقول ان جيشها يحمي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية. والأمثلة لا تحصى على تحجر الحجة السورية وعلى بلوغها حدها الأخير، خصوصًا بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي. كان على كل عاقل ان يدرك ان ثمة الكثير مما تغير منذ ذلك الحين. لكن الإدارة السورية حجزت كل اعتراض بمنطق الأمن والتخويف.
وكانت تريد من الساسة اللبنانيين ان يمتثلوا لإرادتها من دون اي تذمر او نقاش. في هذا السياق كان عاصم قانصو خير من التزم وانضبط تحت سقف الأداء السوري ولم يبد اي اعتراض. كان سياسيًا في اوقات الدوام الرسمي، بمعنى انه لم يكن يطمح إلى اكثر من تأبيد الهيمنة السورية على لبنان، وما على السياسيين فيه إلا اعلان هذه الرغبة القاطعة، والتذكير مرارًا وتكرارًا بضرورة الانضباط كما لو كان اهل البلد كلهم مجرد مساجين او جنودًا ينفذون الاوامر.

عمر كرامي
السوري حاكماً ..المعارض محكوماً
علق النائب والوزير السابق وليد جنبلاط على اعادة تكليف الرئيس عمر كرامي بتشكيل الحكومة اللبنانية بعد اسقاطه في الشارع وفي البرلمان اللبناني بالقول: "عمر كرامي مسكين، استعمل ورمي". يستطيع المرء ان يؤسس لفكرة التأريخ لعمر كرامي بهذه العبارة، رغم قساوتها البالغة. فعمر كرامي دخل الحياة السياسية اللبنانية من بابها العريض بعد اقرار اتفاق الطائف في العام 1989، بوصفه وريثاً شرعياً لزعامة آل كرامي الطرابلسية التاريخية. بعد اغتيال رشيد كرامي عام 1987 اخذ اسم عمر كرامي يكتسب حضوراً متميزاً شيئاً فشيئاً. لكن المحامي الطرابلسي لم يكن قبل اغتيال شقيقه معروفاً في الوسط السياسي اللبناني. فكان حضور رشيد كرامي ساحقاً في طرابلس والشمال وفي بيروت وصيدا ايضاً. وإلى يوم اغتياله كان رشيد كرامي احد ابرز رجالات السياسة في الطائفة السنية، لا يضارع اسمه الا بضعة اسماء اخرى ابرزها على الإطلاق الرئيس الراحل صائب سلام الذي امضى آخر سني حياته في منفى طوعي في سويسرا، والرئيس سليم الحص الذي حقق شهرته السياسية في زمن الحرب اللبنانية وتحديداً في عهد الرئيس الراحل الياس سركيس، الذي اتى به من صفوف التكنوقراط لكنه اثبت جدارة في تحمل اعباء الزعامة السياسية واثبت على مر المراحل انه رقم صعب في معادلة السنية السياسية.عندما استقرت السيطرة السورية على لبنان بدعم اميركي وعربي في مطلع التسعينات من القرن الماضي، تمت تنحية الحص عن رئاسة الحكومة وكلف عمر كرامي بتشكيل اولى حكوماته. هذه الحكومة وللمفارقات المذهلة سقطت في الشارع ايضاً في ما سمي انتفاضة الدواليب في ربيع العام 1992. في تلك الأثناء واجهت حكومة كرامي صعوبات بالغة، وكان اشدها اثراً على الإطلاق حمى المضاربة على العملة اللبنانية مما جعل العملة الوطنية تتهاوى امام الضغط وترتفع اسعار صرف العملات الاجنبية بصورة جنونية، ومعها اسعار السلع والمنتوجات، مع انهيار حاد في القدرة الشرائية للبنانيين. هذه الحال المتفجرة ادت إلى استجابة منقطعة النظير لأعمال شغب وتظاهرات سيارة ضد الحكومة مما اضطر رئيسها إلى اعلان استقالته والخروج من الحكم. ليكلف من بعده الرئيس رشيد الصلح تشكيل الحكومة التي ستشرف على الانتخابات النيابية التي اجريت في العام نفسه.حملت هذه الانتخابات عمر كرامي إلى البرلمان اللبناني نائباً منتخباً، وهو كان من قبل معيناً في مقعد شقيقه الذي شغر بعد اغتياله. ولم يلبث ان اقام علاقات متينة مع الرئيس سليم الحص في بيروت جعلته واحداً من اركان المعارضة الحصية لنظام الحكم اللبناني.كان المراقبون يعرفون ان حكومة رشيد الصلح ليست سوى حكومة انتقالية في انتظار ترتيب البيت الحكومي لرفيق الحريري الوافد الجديد على صهوة علاقاته الدولية المتشعبة وثروته الهائلة. إلى حد ان كثيرين من السياسيين والمراقبين لا يتذكرون هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ لبنان، واحتاج الأمر من الرئيس الراحل رفيق الحريري في احاديث صحافية ومتلفزة كثيرة ان يذكر اكثر من مرة انه لم يخلف كرامي على رئاسة الحكومة، وان ثمة حكومة اخرى اشتغلت واشرفت على انتخابات العام 1992 بين الحكومتين. كان رفيق الحريري من طراز نادر الوجود في لبنان عموماً وكان ساطع الحضور إلى حد ان بعض السياسيين عاتبوا رسام الكاريكاتير الشهير في لبنان، بيار صادق، على تركيز رسوماته وتعليقاته على الحريري متجاهلاً رئيس الجمهورية الياس الهراوي بالقول انه يرسم الحجم بناء على الحضور ويبدو له ان الحريري شديد الوطأة وساطع الحضور إلى حد جعل سواه من الشخصيات السياسية يشحبون في حضوره. لم يلبث الحريري ان اكتسح الزعامات السنية جميعاً من صيدا إلى طرابلس فبيروت، وفي انتخابات 1996 اثبت انه الزعيم الأقوى في وسط الطائفة، ولم يلبث ان اثبت ذلك مرة ثانية في انتخابات 2000 حيث اكتسح مقاعد بيروت كلها، الأمر الذي جعل الرئيس الحص يصرح بعد انتهاء الانتخابات عن اعتزاله العمل السياسي.لم يسعف الوقت عمر كرامي طوال زمن حياته السياسية في اختبار العمل السياسي عن كثب، فالحريري كان ينافسه في معقله التاريخي طرابلس في الانتخابات النيابية والبلدية، فضلاً عن تمدد تيار الحريري إلى قرى الشمال البعيدة والنائية. كان كرامي يشعر بالخطر الوافد على بيته من كل الجهات. لكن الأعراف والتقاليد السياسية في لبنان حفظت لابن البيت الشمالي العريق مكانته المعنوية وبقي على الدوام احد المرشحين الأقوياء لترؤس اي حكومة مقبلة في حال اعتذر الحريري عن التأليف او اسقط لسبب ما.هذا القدر الذي وجد كرامي نفسه فيه انسحب على سليم الحص ايضاً، فكان الاخير بديلاً من الحريري حين عمد الرئيس اميل لحود في بدايات عهده إلى التضييق على الحريري وتكليف الحص بعد إيعاز سوري للنواب اللبنانيين لتسميته بديلاً. انتظر الحريري خارجاً عامين كاملين، لكنه في انتخابات العام 2000 اثبت انه الزعيم الأوحد وان معركة كسر العظم التي خاضها مع الرئيس الحص قد تطيح بمستقبل الحص السياسي. عاد الحريري إلى السرايا، وانكفأ الحص منافسه الأبرز. لكن السياسة السورية الحذرة على طول الخط من الحريري والتي لا تأمن جانبه، دعمت خصمه اللدود اميل لحود دعماً غير محدود. خاض الحريري معركته ضد التمديد لكنه رضخ اخيراً للأمر السوري القاضي بتمرير التمديد دستورياً، فصوتت كتلته لصالح تعديل الدستور ومن ثم عمد الرئيس لحود إلى التضييق عليه ليحول دون تشكيله الحكومة فاعتذر في بيان شهير. هكذا جاء عمر كرامي رئيساً للحكومة التي تم اغتيال الحريري في عهدها، والتي اسقطت في البرلمان وفي الشارع على حد سواء. هل هو الحظ السيء يرافقه على الدوام؟بعد تظاهرة 21 شباط التي نظمتها قوى المعارضة الحاشدة والتي اطاحت بحكومة كرامي، بدا ان تاريخ الرجل قد انتهى نهاية لا يحسد عليها. إلى حد ان مشاعر غضب انصاره في طرابلس، الذين نظموا تظاهرات مسلحة قامت باعمال شغب على رموز المعارضة في طرابلس، بدت منطقية ومفهومة. لكن الزعيم الشمالي السني الذي اعلن في البرلمان ان اخت الشهيد الحريري اسقطته كان يشير إلى نقاط قوة ينبغي ان تؤخذ في الاعتبار. كان الرئيس كرامي يعلن صريحاً ومن دون مواربة، ان من يستطيع اسقاطه في البرلمان هم السنة. ولن يكون قادراً على الحكم إذا شعر هؤلاء انه يضر بمصالحهم ويقلل من اهمية دور الطائفة واعلنوا ذلك صراحة. ما قاله كرامي غاضباً تحت قبة البرلمان اللبناني يعني من وجه آخر ان التظاهرة لا تستطيع اسقاطه سياسياً مهما كانت حاشدة. إلا إذا اجازتها الطائفة السنية عملاً بأحكام دستور الطائف والأدوار المتوزعة على الطوائف بموجب هذا الدستور منذ 1989 وبموجب الأعراف السياسية منذ تأسيس لبنان. كان الرئيس كرامي يذكر بسامي الصلح رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق والذي منعته التظاهرات السنية من مغادرة المنطقة الشرقية المسيحية من بيروت لأنه والى رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون في لحظة انقسام حاسمة وحاشدة في التاريخ اللبناني في خمسينات القرن الماضي. لم يكن كرامي يريد ان يكرر تجربة الصلح، لذا قرر الاستقالة ما ان سمع كلمة النائب بهية الحريري التي تدعوه فيها إلى الاستقالة وتحمله مسؤولية سياسية ومعنوية عن اغتيال الحريري.ليس عمر كرامي سوريةً اكثر من غيره. وهو حكماً ليس سوريةً إلا بقدر ما يمكننا اعتبار الرئيس الراحل رفيق الحريري سوريةً. لكن موازين الطائفة السنية السياسية جعلته في هذا الموقع الذي وجد نفسه فيه. وهذه الموازين في حاجة إلى تدقيق طويل من دونه، اي هذا التدقيق، يصعب على المرء ان يفهم ما يجري في لبنان حقاً.على كل حال أُخرج الرئيس كرامي بتظاهرة حاشدة واعادته ايضاً تظاهرة حاشدة. كانت التظاهرة التي تزعم جبهتها السيد حسن نصرالله تعبر مرة أخرى عن انقسام في الشارع اللبناني لا يستطيع الرئيس كرامي إذا ما اراد الاستمرار في عمله السياسي إلا ان يستغل فرصتها. وكرامي في ذلك لا يجافي تاريخاً عريقاً لزعامة آل كرامي الطرابلسية، فضلاً عن تاريخ الطائفة السنية السياسي في البلد. والأرجح ان الناظر إلى المشهد السياسي في بيروت اليوم يكاد يأخذه العجب إذا ما كان ملماً بعض الإلمام بتاريخ هذا البلد. فأهل السنة في لبنان هم اهل الاتصال بالمدى العربي وهم ضمانة دوام هذا الاتصال منذ رياض الصلح حتى رفيق الحريري. ويكاد يكون مستغرباً ومستغلقاً على الأفهام ان يحتشد جمهور هائل من سنة بيروت والمناطق يهتفون ضد سورية وقادتها ونظامها، في مواجهة جمهور حاشد يتزعم السيد حسن نصرالله جبهته يهتف بالشكر لبشار الأسد. اما طرابلس فلها تاريخ حافل بعلاقتها بسورية الطبيعية والسياسية. والحق ان الرئيس اميل اده، بعد اعلان لبنان الكبير عام 1920،واجه تظاهرة سنية حاشدة في طرابلس تدعو للالتحاق بسورية والانفصال عن لبنان الكبير. كما ان والد الرئيس كرامي الرئيس عبد الحميد كرامي كان معروفاً بعلاقاته الوطيدة بسورية. لكن الزلزال الذي ضرب لبنان عموماً والطائفة السنية خصوصاً باغتيال الرئيس الحريري جعل الأمور تنقلب رأساً على عقب. وغدا فهم التقلبات السياسية عسيراً على كل ذي علم في هذا المجال.علاقة كرامي بسورية علاقة قديمة، لكنه من اركان الطائفة السنية في لبنان والذين لا يستطيعون ان يكونوا مجرد عملاء. فهم غالباً يقيمون ضمن خيار الطائفة وتوجهاتها الأساسية. ومن نافل القول ان كرامي كان يحتكم في تراجعه وتقدمه إلى موازين الطائفة. فليس من باب المصادفة ان لا يوزر كرامي او الحص في اي حكومة من حكومات الحريري. على النقيض من شخصيات سنية أخرى كانت تدين بالولاء لسورية او للحريري نفسه وكان يمكن توزيرها من دون اثارة اي حساسيات. اللبنانيون يعرفون جميعاً ان عمر كرامي شخصية سياسية وازنة ومؤثرة على نحو لا يمكن مقارنته بشخصيات اخرى امثال سمير الجسر الموالي للحريري او عبد الرحيم مراد الموالي لسورية. لكنه مع ذلك لم يعين وزيراً في اي حكومة سابقة. المعنى ان الرجل كان محفوظاً على الدوام بوصفه يستطيع ان يملأ الفراغ الذي يتركه الحريري في حصة الطائفة السنية من جبنة السلطة. لهذا لا يمكن اعتباره سوريًا بالمعنى الذي صورته الأحداث الأخيرة. وان كان لا يضارع الحريري وزناً وقوة حضور. وربما يمكن القول ومن دون خوف ان عمر كرامي كان ضرورة لسورية في مواجهة الحريري لكنه اكبر المتضررين من اي تحالف يعقده الحريري مع سورية ممثلاً للطائفة الوازنة.

لم يشهد لبنان طوال تاريخه تخليًا دوليًا عنه كما حدث في زمن الهيمنة السورية. يبنغي على المرء التكرار دائمًا وابدًا ان السيطرة السورية ما كانت لتمتد وتقوى جذورها لولا الإجازة الدولية التي حكمت سورية لبنان بموجبها. هذه الإجازة الدولية هي التي جعلت كل مقاومة للوجود السوري تصطدم بحائط صفيق من التجاهل الدولي. منذ ايام التقى البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الرئيس الأميركي جورج بوش في البيت الأبيض، لكن الأمور لم تكن دائمًا على هذا القدر من الود والتأييد والاهتمام، لم يمض زمن طويل بعد على جولة البطريرك نفسه في اميركا الشمالية داعيًا لمساعدة لبنان في التحرر من نير الهيمنة السورية التي تشكل قيدًا على تطوره استتباب سلمه الأهلي. لكن الجولة تكسرت على اعتاب البيت الأبيض. رفض المسؤولون الأميركيون يومذاك تدبير اي لقاء لصفير بالرئيس الأميركي لئلا يغضبوا سورية. يومها ايضًا كان البلد رهينة في يد الإدارة السورية وكان البطريرك يطالب بأن يكون لبنان بلدًا، فقط بلد كأي بلد من بلاد العالم المتسع.
رغم ذلك لم يجد اذانًا صاغية في اي مكان من العالم. كان البلد مهملًا إلى درجة مفجعة، الامر الذي يجعل المرء يطرح تساؤلات لا تحصى عن سبب هذه الحماسة المفاجئة. المغزى من هذا الاستطراد ان الإدارة السورية لم تكن مستمرة في البلد بسبب حنكة ساستها وقدرات سورية ومواردها التي لا تحصى. كان الأمر برمته مفارقة مذهلة: بلد صغير يفوق دخله القومي دخل سورية القومي. مع ذلك فسورية تحكمه من دون موارد. وما الصفقات المالية والخوات والابتزازات التي قام بها المسؤولون السوريون في لبنان فعل ضباط فاسدين، بل ثمة اصرار سوري على إعالة النظام السوري بابتزاز الاقتصاد اللبناني، وثمة تصدير لأزمات اجتماعية عبر تصدير العمالة غير الماهرة إلى بلد أصغر ومن دون ضوابط على الإطلاق.
كانت سورية تحكم لبنان في الأمن والسياسة وتقرر حربه وسلمه لكنها ايضًا تجبره على جر اقتصادها المنهك وحمايته من السقوط. الخلاصة ان الهيمنة السورية كانت ضد المنطق نفسه، حيث لا موارد تحمي المهيمن وتبرر هيمنته ولا افكار تساق تبريرًا للهيمنة. حكمت سورية بلدًا على اتصال وثيق بالعالم واسباب المعاصرة بجهاز من الماضي السحيق ورغم ذلك نجحت في حكمه. السر يكمن في هذا التغاضي الدولي عن استرهان لبنان والذي فاق كل حدود الاحتمال.
هذا التغاضي الدولي نفسه اصاب البلد بأعطاب بنيوية في متن سياسته. الموارنة في بداية الأمر استنكفوا ورفضوا المشاركة. لكنهم في النهاية نظموا معارضة كانت إلى حد بعيد تشبه العصيان. الشيعة انساقوا إلى التماشي مع الهيمنة بوصفها فرصة لا تعوض لطائفة ظلت على الدوام على اعتاب الدولة اللبنانية ولم تدخل محرابها. اما السنة في لبنان فتضرروا اشد الضرر من هذه الهيمنة. تضررت البنية والآلية التي تُنتج الحيوية السياسية في خضم اشتغالها. تاريخ هذه الطائفة وبسبب من مواقعها الجغرافية ومداها المفتوح على العالم العربي وطبيعة الدستور اللبناني والأعراف المتبعة جعلها اشد المتضررين سياسيًا من الهيمنة السورية على البلد.
كان البلد يدير اشرعة علاقاته السياسية الخارجية بحسب الرياح الأقوى والأعتى، وكانت الطائفة السنية التي استلمت على الدوام وعلى مر التاريخ اللبناني زمام السلطة التنفيذية تنتج سياسيين وازنين في نادي رؤساء حكوماتها على علاقات متينة بكافة مصادر الرياح من المملكة العربية السعودية إلى العراق فمصر فسورية، فضلًا عن العلاقات باوروبا واميركا. فكان رئيس الحكومة يحكم بحكم علاقاته الخارجية من جهة اولى، وبحكم وزنه في الشارع من جهة ثانية.
وعلى مر التاريخ لم ينجح رئيس حكومة في كسب ود الطائفة إذا لم يكن اكبر من حدود بلده الضيقة، فما ان يوالي رئيس الحكومة رئيس الدولة على نحو قاطع، اي ما ان يجعل من رئاسة الدولة معيارًا له في تدبير شؤون السياسة العامة حتى يفقد كل امل له في البقاء على قيد التأثير السياسي.
كان ثمة رؤساء حكومات يديرون علاقات واسعة مع العالم اجمع. وكان رئيس الحكومة، على ما يقول الراحل صائب سلام، معارضًا ما ان يخرج من الحكم ومواليًا ما ان يعود إليه. لم يكن وجود الزعيم السني في السلطة هو ما يعطيه سلطته وحضوره في السياسة اللبنانية، انما قدرته على ان يصبح رئيسًا لاحقًا. الزعيم السني خارج الحكم قوي وحاضر بقوة حضور الزعيم السني في الحكم، وحيث ان الدستور لا يفرض شروطًا زمنية على ترؤس الحكومات كان رئيس الحكومة الخارج اليوم من السرايا يعرف انه سيعود إليها غدًا.
عطلت الهيمنة السورية هذه الآلية. لم يعد ثمة من فائدة تذكر للتداول، كان الضباط السوريون يديرون البلد تمامًا ويريدون رئيسًا ينفذ شكلًا ما يقررونه فعلًا. والحق ان الرئيس الحريري كان الوحيد الذي يمكنه ان يثقب هذه الخابية ويترك زيتها يتسرب ببطء شديد. فالرئيس الحريري لمن يتذكر اداؤه في سنوات حكمه الأولى، كان حين يُسأل في السياسة العامة يجيب بجملة او جملتين، لكنه حين يُسأل في اقتصاد البلد يستفيض في الشرح ويسهب. كما لو انه يقول ان السياسة العامة تم تخصيصها للإدارة السورية، مثلما تم تخصيص المقاومة والتحرير لحزب الله الشيعي.
كثيرًا ما استغرب محللون اقتصاديون قبول سورية بالدور الاقتصادي الذي يقوم به الحريري في لبنان، واعتبروا هذا الدور ضد المصلحة السورية. وهذا على الأرجح صحيح إذا ما افترضنا ان سورية كانت تستطيع الصمود. لكن الإدارة السورية كانت تدرك على الأرجح انها مضطرة لشرب الكأس الحريرية، لأن الدور الاقتصادي الذي يقوم به الحريري يفتح البلد على استرهان اقتصاده للخارج من جهة لكنه من جهة اخرى يستطيع ان يمكنها من تقطيع الوقت وجر اقتصادها المنهك قبل وقوع الفجيعة وحدوث الانهيار الشامل في سورية نفسها.
والأرجح ان هذه هي الثغرة التي نفذت منها مياه الخارج إلى شقوق السيطرة السورية. ربما ينبغي ان نتذكر انه بعد مرور اسبوع على اغتيال الحريري دعت الهيئات الاقتصادية في لبنان إلى اضراب شامل، ونفذ الاضراب من دون خروق. هذه الهيئات الاقتصادية كانت على الدوام حصنًا حصينًا لم يخترق اسوارها الصفيقة والصماء اي قوة سياسية، لا يسار السبعينات والستينات ولا الاتحاد العمالي العام في عز سطوته وامتداده، ولا الطوائف ولا الحكام. اضربت الهيئات الاقتصادية بطلب طالب وفعل فاعل، وارسلت رسالتها واضحة: قد يكون الأمن من اختصاص المخابرات السورية، وقد يكون للمقاومة أباء وبنون، ونحن نريد ان نعلمكم ان الاقتصاد ايضًا له سيد يخدمه وهو ليس سوريًا على نحو قاطع.
هذا الشق الذي اتسع اطرادًا وتغذت منه زعامة الحريري السياسية بدا قبيل اغتياله اصعب من ان يرتق فتقه، ومن هذا الشق نفسه تغذت الصدوع في جدار الهيمنة السورية على نحو لا يمكن ايقافه. لكن هذا السلوك كان يفرض على نادي رؤساء الحكومات السنية ان يكونوا جميعًا من وزن الحريري اقتصاديًا. كان يفترض بالحيوية السياسية في الطائفة السنية ان تتغذى من امبراطوريات مالية واقتصادية، وهذا لم يكن في امكان احد غير الحريري في طبيعة الحال. والحال فإن رؤساء الحكومات السابقين واللاحقين للحريري لم يكونوا قادرين على العمل في السياسة ولا قادرين على الاستنكاف عنها، وحكمًا لم يكونوا قادرين على استبدالها بالمشروع الاقتصادي.
كانت الهيمنة السورية تمنع السياسة عن البلد وتحجزها في قمقم الجنرالات، وهذا يعني ان الطائفة السنية لن تستطيع العمل في السياسة من قريب او بعيد، وطبعًا لن يستطيع مقدموها ان يلعبوا ادوارًا اقتصادية كالتي كان في وسع الحريري ان يلعبها. وربما من المفيد ان نذكر ان الرئيس لحود حاول الإيحاء ان ثمة بديلًا للحريري وهو من دون شك افضل منه واقدر على لعب دوره يتمثل في الامير السعودي الوليد بن طلال ذو بعض الجذور اللبنانية.
في بلد محجوزة سياسته على النحو الذي ارسته الهيمنة السورية ولا يستطيع اي كان ان يلعب دورًا اقتصاديًا على النحو الذي ارساه الحريري، كان لا بد لأهل السياسة من العائلات السنية العريقة ان يجدوا انفسهم مكبلي الأيدي ومن دون قدرة على التحرك. لهذا شهد البلد نوعًا من الضمور في توليد القيادات السنية على نحو لم تشهده الطوائف الأخرى المتغذية على الدوام من سياسات محلية. وبدا كما لو ان الهيمنة السورية اذا استطالت وامتدت زمنًا اضافيًا قد تبيد السنية السياسية اللبنانية على نحو لا رجعة فيه.
لهذا بدا لاغتيال الحريري وقع يشبه وقع اغتيال الكيان. ولهذا سلم عمر كرامي اوراقه وخرج من جلسة المجلس النيابي مستقيلًا. ولهذا كان لا بد له ان يعود ويقبل التكليف ولو تحت قيادة شيعية هذه المرة. فالمظاهرة التي اخرجته ايضًا كان قائدها الأبرز جثمان الحريري، اما المظاهرة التي اعادته فكانت تعبر عن قلة حول وحيلة السنية السياسية على نحو لافت ومريع.
اغتيل الزعيم السني الأبرز فخفت وهج الطائفة وصار مقبولًا لعمر كرامي ان يأتي على حصان حسن نصرالله، لأنه كان يعرف ان الوقت هو وقت نجاة وليس وقت صناعة زعامات.
اليوم يستعد السيد عمر كرامي للتنحي عن تشكيل الحكومة الجديدة. لكنه يتنحى بعدما الغى مظاهرة كانت ستزيد من وزنه في الشارع في طرابلس. لم يعد ذلك مهمًا بالنسبة له، فثمة في المظاهرة المليونية الأخيرة في 14 آذار(مارس) الفائت ما يوحي ان البيت السني قيد الترتيب، وان السنية السياسية لن تقاد بعد اليوم بواسطة الترجمان في المعارضة وفي الموالاة. حيث وليد جنبلاط يلعب دور الناطق باسم سنية سياسية ما وحسن نصرالله يلعب دورًا مماثلًا في الجهة الأخرى. والحق ان ترتيب البيت السني الذي باشرته النائبة بهية الحريري واستكمله الرئيس الحص وتجاوب معه عمر كرامي إلى حد بعيد هو اول بشائر خلاص لبنان من القيد الثقيل الذي احكمت الإدارة السورية طوقه على عنق اللبنانيين.
اميل لحود انتخبه حافظ الاسد قبل انتخابه لبنانيًا
يروى في لبنان ان اللواء غازي كنعان ادار معركة انتخابات عام 2000 في بيروت والجبل في مواجهة اميل لحود. تلك الانتخابات اسفرت عن فوز كاسح للائحة جنبلاط في الشوف، وفوز كاسح للائحة الحريري في بيروت. والحديث اليوم يستعاد مع مفعول رجعي عن نقاط ارتكاز وضعها غازي كنعان في لائحة الحريري ابرز من فيها النواب ناصر قنديل عن مقعد شيعي، وباسم يموت وعدنان عرقجي عن مقعدين سنيين.
في تلك الأثناء شن الرئيس سليم الحص هجومًا على تدخل الأجهزة في الانتخابات، وكانت اصابعه تشير إلى دور ما للواء جميل السيد في هزيمة لائحته. لكن الثابت في تلك الأثناء من زمن الهيمنة السورية ان اللبنانيين كانوا يجزمون بأن المخابرات السورية وراء كل حركة من حركات وسكنات السياسة والأمن في لبنان.
لو صح هذا الافتراض، ينبغي القول ان الرئيس لحود لم يكن سوريًا خالصًا كما تصوره ادبيات المعارضة اللبنانية اليوم. او هو في أسوأ الأحوال يوالي طرفًا محددًا ويتبع احد مراكز القوى في سورية التي تصارعت يومذاك في لبنان وعليه.
على كل حال جاء الرئيس لحود إلى الحكم بعدما سماه الرئيس الراحل حافظ الأسد نيابة عن اللبنانيين جميعًا، وبلّغ رئيس الجمهورية الممدد له يومذاك بقراره، فما كان من الرئيس الهراوي إلا ان اتصل بالعماد اميل لحود من منطقة ضهر البيدر وقبل ان يصل إلى بيروت ليهنئه بالرئاسة. طبعًا كان ذلك قبل ان يلتئم شمل المجلس النيابي في جلسة لانتخابه. لكن الأمور كانت بالغة الوضوح ولم يكن ثمة حاجة لدى الرئيس الهراوي ليختبئ وراء اصبع الشكليات الديموقراطية والإخراج الشكلي.
يوم تعيين الرئيس لحود رئيسًا للبنان صرح بطريرك الموارنة ان الشكل الذي تم فيه اختيار لحود ليس مهمًا ولا ينتقص من اهمية الحدث، ولا يطعن في الديموقراطية اللبنانية. البطريرك الذي كان قد بدأ معارضته للوجود السوري في لبنان كان يجد على الأرجح ان عماد الهيمنة السورية يتلخص يومذاك برئيس الحكومة السني القوي والذي يطغى دوره على رئيس الجمهورية الماروني وبالهيمنة الأمنية البينة التي يمارسها الشيعة بشقيهم الأهلي والأمني.
والحال فإن انتخاب الرئيس لحود القوي والمدعوم قد يوازن بين السلطات. وهذا ما عاد وعبر عنه النائب المعارض فارس سعيد في احدى جلسات البرلمان العاصفة حين اثار موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية المنتزعة منه بموجب دستور الطائف، فما كان من الرئيس الراحل رفيق الحريري إلا ان ألمح إليه بطريقة مواربة مفادها: ومن قال لك ان السنة لا يريدون رئاسة الجمهورية ولو من دون صلاحيات وليأخذ الموارنة رئاسة الحكومة بصلاحياتها كافة؟
لم يستمر هذا السجال طويلًا، وان كان مرشحًا للبروز في يوم من الأيام المقبلة على نحو متسع. ذلك ان دبلوماسيات الطوائف لا ترحم وهي جائرة على الدوام.
اليوم يفصح البطريرك الماروني عن تخوفه من مطلب إقالة رئيس الجمهورية، وهذا ينذر بانشقاق ما في صفوف المعارضة اللبنانية خصوصًا وان النائب والوزير السابق وليد جنبلاط ما زال يطرح مطلب اقالة الرئيس بوصفه ضروريًا وحاسمًا وعلى رأس الأولويات. لكن المتابع بدقة لما يجري في لبنان، يعرف ان مطلب جنبلاط لن يتحول مطلبًا اولًا في العاجل من الأيام. ذلك ان القوى السياسية الوازنة في المعارضة والموالاة لا تولي هذا المطلب اولوية قصوى. والحق ان هذه المنازلة بين المعارض البارز ورئيس الجمهورية تحتاج إلى سياقات متعددة لتتحول عنوانًا لمعركة لبنانية حاسمة.
لا يشك مراقب ان الرئيس اميل لحود هو المعتمد الأول للإدارة السورية في لبنان منذ توليه مهام قيادة الجيش. ولا يزال الرئيس ودوائره يذكّرون اللبنانيين بدور لحود في حماية المقاومة وتاليًا حماية السياسة السورية القاضية باسترهان البلد بأسره لأحكام مقاومة مكلفة. ويثبتون عام 1993 تاريخًا لابتداء هذا الدور في حماية المقاومة. ذلك انه في تموز من ذلك العام شنت اسرائيل حربًا جوية وبحرية على جنوب لبنان، بهدف ضرب بنية حزب الله العسكرية والضغط على اللبنانيين من اجل نزع سلاحه وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب. ويشاع انه في خضم هذه الحرب اجتمع وزير الخارجية الاميركي يومذاك وارن كريستوفر بالرؤساء الثلاثة في زحلة، الياس الهراوي ونبيه بري ورفيق الحريري، وطلب إليهم نشر الجيش في الجنوب ونزع سلاح حزب الله. لكن العماد اميل لحود الذي كان قائدًا للجيش يومذاك، رفض تحريك الجيش وابلغ القيادة السورية بالأمر، التي بدورها فرضت على الرؤساء الثلاثة التراجع عما ازمعوا عليه. ومنذ ذلك الحين شكل الرئيس لحود صمام امان للخطة السورية في لبنان.
وفي العودة إلى ذلك التاريخ يمكن تسجيل ملاحظة اساسية تفيد ان الرؤساء الثلاثة ومعظم زعماء وسياسيي البلد يومذاك كانوا يعتبرون ان الانسحاب الإسرائيلي حتمي بموجب ما تم الاتفاق عليه في الطائف، وان المقاومة في الجنوب لا تفعل سوى تأخير هذا الانسحاب وفرض اجندتها على المجتمع اللبناني بأسره. فبموجب اتفاق الطائف كان يفترض بلبنان ان ينفصل عن ازمة المنطقة عبر تحقيق شرطين: انسحاب اسرائيلي بموجب القرار 425، وانسحاب سوري بموجب اتفاق الطائف. لكن الرئيس حافظ الأسد كان يدرك يومذاك، على الأرجح، ان الانسحاب الاسرائيلي لن يحصل. وان نزع سلاح المقاومة سيكون تخليًا طوعيًا عن ورقة بالغة الأهمية في الضغط على اسرائيل على جبهتي النزاع السورية اولًا واساسًا واللبنانية بوصفها ملحقًا ورديفًا. انتخب اميل لحود إلى سدة الرئاسة الأولى في البلاد بتأييد واسع وعام. كان المعارضون لسياسات الحريري يرون فيه رجلًا قويًا يمكنه ان يواجه سياساته الخطرة، وكان المعارضون للهيمنة السورية يرون فيه قائدًا للجيش وضابطًا لإيقاعه يمكن ان يخلصهم من الميليشيات المتبقية، وهو حكمًا، اي الجيش، لن يرضى بالخضوع للهيمنة السورية على طول الخط. وثمة احاديث كثيرة دارت في ذلك الزمن عن دور اميركي تاريخي في الجيش اللبناني لم يفقد كافة اواصره. اما الموالون لسورية فلم يسألوا انفسهم عن سبب الرغبة السورية في تسليم الرئاسة إلى ماروني قوي، في وقت كانت فيه الطائفة برمتها موضع تشكيك وتخوين.
لم يكن الرئيس السابق الياس الهراوي معاديًا لسورية، وفي عهده كان الحديث عن تبعيته لسورية وقيادتها لا يجد من يكذبه، لكن الفارق الأساسي بين الرئيسين ان الرئيس الهراوي لم يكن يملك او يحمل مشروعًا مارونيًا ويريد الصراع بواسطته داخل الطائفة نفسها، في حين كان الرئيس لحود يملك مثل هذا المشروع الذي لا يمكن تجاهل وجاهته حتى اليوم. طوال سنوات عهده كان مشروع الرئيس لحود يعمل على خطين متوازيين: الخط الأول يهدف إلى تقوية الجيش والأجهزة الامنية في مواجهة السياسيين التقليديين، وكان الحريري اقواهم شكيمة، وهذا ما عبر عنه في خطاب القسم واضحًا ومن دون اي التباس، وربما يكون خطاب اللواء جميل السيد في مؤتمره الصحافي الأخير آخر تعبيراته الواضحة.
اما الخط الثاني فتمثل في توليد حالة شعبية وسياسية في وسط الطائفة المارونية تحمل افكارًا مغايرة للفكر الماروني السائد. وتمثل هذا الخط خير تمثيل في حزب الكتائب برئاسة كريم بقرادوني.
في الخط الأول كان الرئيس لحود ينطلق من مسلمة مفادها ان السياسة التقليدية في لبنان تشكل سببًا اساسيًا من اسباب خرابه وتعقيد ازماته. ولهذا كان الرئيس يولي مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية عنايته الخاصة. بوصف هذه المؤسسة مؤهلة للتعالي على الصراعات الضيقة والحسابات الصغيرة التي تتحكم في السياسة التقليدية في لبنان. فمؤسسة الجيش بالنسبة للرئيس لحود تشكل دعامة اساسية من دعائم سيادة منطق الدولة على منطق التقاسم والتنازع الذي حكم لبنان على مر التاريخ. اما في الخط الثاني فكان الرئيس لحود يدرك ان القوى السياسية اللبنانية المعارضة لحكمه، المارونية منها خصوصًا، لا يمكن هزيمتها بالأمن وحده، بل تحتاج إلى تشكيلات سياسية رديفة ومناوئة لها. انطلق الرئيس اميل لحود في سياسته العامة من اعتبارات وجيهة تفيد ان الموارنة في لبنان والمسيحيين عموماً عانوا الأمرين جراء ارتباطهم الذي لا يلين بالغرب. والحق ان الغرب تخلى عنهم في لحظة حاسمة وسلم امرهم للقيادة السورية تعيث بهم تنكيلاً. وهو يرى ان خلاص المسيحيين في لبنان يتمثل وفي صورة قاطعة بتجذير انتمائهم لمحيطهم العربي. والنسخة الأخيرة لهذا المحيط المتعدي كانت من دون شك الإدارة السورية. لهذا لم يتورع الرئيس عن تسليم القيادة السورية قياده وتركها تبحر في السفينة اللبنانية من دون حسيب او رقيب. ذلك ان الطوائف الأخرى التي تشارك المسيحيين في لبنان عيشاً مشتركاً لم تعترض اصلاً على هذه الهيمنة. كان السؤال اللحودي يتلخص بالآتي: لا شك ان الحريرية متصلة اتصالاً وثيقاً بالقيادة السورية وخطتها في المنطقة، اما الشيعية السياسية بممثليها الأبرزين: حركة امل وحزب الله فعلاقاتها وثيقة جداً بالإدارة والخطة السوريين، ولا يشذ الدروز بشقيهم السياسيين ايضاً عن هذه القاعدة. والحال، هل تستطيع المسيحية السياسية وهل تقضي مصلحتها ان تقاوم هذه العواصف مجتمعة من دون ان يكون اهل العقد والحل في الطوائف الأخرى على وفاق معها؟ هذه الرؤية كانت تفترض ان على الموارنة ان يرفضوا اي اتفاق مع اسرائيل حتى لو قبل المسلمون بهذا الاتفاق، وحيث ان الطوائف خؤون ولا يؤمن جانبها، فإن الطائفة الوحيدة التي توصم بالعمالة والخيانة ولا تستطيع التنصل من احكام وقيود العلاقة مع اسرائيل في لبنان هي الطائفة المارونية. على هذا يجدر بأهل الطائفة ان يمعنوا في رفضهم اي اتصال او شبهة اتصال مع اسرائيل او التبعية للغرب حتى لو عمدت الطوائف الأخرى إلى اقامة هذه الصلة. لهذه الأسباب البالغة التعقيد، بدا مشروع الرئيس لحود، والذي كان يعبر عنه كريم بقرادوني خير تعبير، محصوراً في إطار الطوائف المسيحية عموماً والطائفة المارونية خصوصاً. والحق انه لم يكن مشروعاً من غير وجاهة او مطعون في ما يمثله وقد يمثله، ولم يكن من دون دلالة عميقة ان يصرح المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية ورئيس الرابطة المارونية اليوم ميشال اده، في منتصف التسعينات حين بدأت تظهر في لبنان دعوات متواترة لخروج الجيش السوري من لبنان، انه سينام امام الدبابات السورية اذا قررت الخروج من لبنان فلا تخرج إلا على جثته.لكن الوجهة التي يمثلها الرئيس لحود في وسط المسيحية السياسية كانت مصابة بعطبين اساسيين:الأول يتعلق بطبيعة المدى العربي الذي يطالب لحود بالانتساب إليه، والثاني يتعلق بطبيعة بنية الدولة التي يريد لحود تأسيسها في لبنان. حيث كانت مصابة بعطب دائم يتمثل في تسليم امر الحرب والسلم إلى مقاومة مذهبية لا دور للمسيحيين او للدولة فيها على نحو واضح وصريح. لم تكن سوريا مدى عربياً يمكنه ان يشكل ضمانة لأي كان. وقد لاحظ محمد حسنين هيكل في احد مجالسه الخاصة ان الدعوة العروبية كانت تجمع ولا تفرق حين كانت مصر في واجهة الداعين، لكنها اصبحت تفرق ولا تجمع ما ان تسلمت سوريا دفة القيادة بعد خروج مصر إلى عقد اتفاق منفرد مع اسرائيل. هذه ملاحظة بالغة الدقة على المستوى التحقيقي الصحفي الصرف. لكنها لا تعفي المرء من البحث عميقاً في اسبابها وظروفها. فالتزعم السوري في الدعوة للتضامن العربي كان يفتقد لسياقاته الطبيعية. كانت سوريا ترفع لواء العروبة في زمن سياسة اللاحرب واللاسلم. اي في زمن الحروب العربية المستحيلة. لقد ذهب العرب إلى مؤتمر مدريد، وسوريا في مقدمهم، وهم يحملون معهم كل حروبهم المستحيلة مع اسرائيل، والتي كان اجتياح لبنان وبيروت في العام 1982 درة تاجها. لهذا كانت زعامة سوريا تقع في الزمن الخطأ. اي في الزمن الذي ارسته مصر بعد كمب ديفيد والذي حسم مرة واحدة وإلى الأبد في مسألة التضامن العربي في الحرب والسلم. وجعل الحلول القطرية والكيانية مع اسرائيل، اكانت حروباً او انتفاضات او اتفاقات سلام، هي المنفذ الوحيد لاستكمال الصراع. والحق، ومهما ادعت سوريا وايران وحزب الله من ادوار في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، إلا ان هذا الصراع بعد اتفاقية كمب ديفيد كان له مقوم فلسطيني وحيد ومحدد. لم يعد الفلسطينيون يأملون بدعم عربي عارم وتغيير في السياسات والانظمة العربية، واخذوا يبحثون عن حل قضيتهم منفردين ومن دون دعم على الإطلاق. وهذا يجعلنا نفهم اليوم، رغم كل الادعاءات السورية، كيف ان الانتفاضة الفلسطينية ولدت من رحم الانفراد الفلسطيني في الحل من خلال اتفاق اوسلو وليس من صلب التضامن العربي على اي حال. ثمة سياق آخر مفقود في التزعم السوري للتيار العروبي ويتعلق اولاً واساساً بغياب الدعم الدولي الفاعل. لم يعد ثمة ما يحجز الأميركيين عن التدخل الحاسم والمخل بموازين القوى في المنطقة بعد انهيار جدار برلين. وتالياً لم يعد النظام السوري، اداء وحجة قادراً طويلاً على الصمود. كان يبدو كما لو انه نظام من الماضي، وهو يقود حرباً تراجعية اكثر مما يقود حرباً هجومية كالتي كان يمكن الحديث عنها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.على هذه الأسس يمكننا اعتبار خيار الرئيس لحود خياراً دقيقاً في استخلاص عبر الماضي متهوراً في قراءة المستقبل، من جهتي المستقبل: المحلية والاقليمية. فهو يوالي نظاماً لا يستطيع الصمود ولا المواجهة، ويحجز طائفة عن التحكم بمستقبلها السياسي بقوة الأمن والجيش والدولة في حين انه يستبيح ولا يستطيع ان يحجز عن الطوائف الأخرى ما كان يقترحه على المسيحيين. هكذا كان مفارقاً وغريباً على اللبنانيين ان يستمعوا إلى خطب عصماء عن ضرورة عدم نشر الجيش في الجنوب اللبناني بعد الانسحاب الإسرائيلي لأن اي هجوم اسرائيلي قد يجعل افراد الجيش عرضة للموت او الخطف، وللمفارقة هذا قول للرئيس الراحل رفيق الحريري. حين اتخذت الإدارة السورية قرارها بالتمديد للرئيس اميل لحود، انبرى معظم اللبنانيين للقول والتصريح ان هذا خطأ جسيم، ادى إلى استصدار القرار 1559. والحق ان اللبنانيين لا يتذكرون جيداً ان القرارات الدولية كانت تتجاهل وجود البلد طوال 30 عاماً من تاريخه. لكن الاستغراب لهذا القرار الذي اعتبر حماقة لا مثيل لها، كان ينطلق من اعتبار ان ثمة مارونيين في لبنان يوالون سوريا ولا تشوب ولاءهم شائبة، وقد يكون سليمان فرنجية ابرزهم، فلماذا اصرت الإدارة السورية على التمديد للحود دون غيره؟ لكن هذا الافتراض كان ناقصاً بشكل فادح. فالإدارة السورية وحين بدأت نذر العواصف الدولية تتجمع فوق دمشق وبيروت ادركت انها لا تستطيع الصمود او المواجهة بقوى طائفية تستطيع التقلب وتحسن توجيه اشرعتها. فما الذي يضمن ولاء اي طائفة او قوة طائفية لسوريا عند اشتداد الضغوط؟ في وقت كان اللبنانيون يتداولون، من دون ان يخالطهم الشك في ما يتداولونه، ان السيد وليد جنبلاط يقرأ اتجاه الرياح الدولية جيداً وانه حين ينقلب على سوريا فإنه يدرك ان ايامها اضحت معدودة. كان اللبنانيون يقرأون في كتابين منفصلين. يقرون من ناحية ان الطوائف تستطيع توجيه اشرعتها بحسب الرياح، ويستغربون كيف ان الإدراة السورية لا تثق بالطوائف في زمن الأزمات الكبرى. لم يكن التمديد للرئيس لحود خطأ عابراً بهذا المعنى. كانت الإدارة السورية تدرك ان ضمانتها لبعض الصمود تقتضي ان يبقى الرئيس لحود على رأس الدولة وممسكاً بأعنة الجيش والأجهزة الأمنية ليضمن لها وقتاً اضافياً قبل ان ينهار في المنازلة الدائرة بين سوريا والفرنسيين والأميركيين على حد سواء. لهذا بدا التمديد للحود حداً فاصلاً كشف الاتجاهات كافة وجعل كل سفينة تمخر في بحر يناسبها.لكن ما لم يستطع القادة السوريون التنبه لأحكامه يتعلق بحصان طراودة الذي اعتمدوه في لبنان. اليوم يحذّر البطريرك الماروني من المطالبة بإقالة لحود، ثمة اسباب سيقت لهذا التحذير. التخوف من الفراغ الدستوري وضرورة عدم المس بمقام الرئاسة لأنه يمس بقدس اقداس الطائفة المارونية. والحق ان الفراغ الدستوري حاصل منذ ان اقيلت الحكومة الكرامية، اما مقام الرئاسة فمحفوظ ومصان. ذلك ان المعارضة التي اشعلت كل نيرانها بعد التمديد للحود، لم تجد في البرلمان اللبناني معركة انسب من التمثيل بجثة السنية السياسية بعد اغتيال الرئيس الحريري ومحاولة طحن عمر كرامي الذي يكاد يكون واحدا من ثلاثة على الأكثر يمثلون وزن الطائفة السنية في المشهد السياسي العام. لم تكن المعارضة اللبنانية تريد اسقاط لحود في ذلك اليوم، ثمة اعتبار لا يخفى على احد. من قال ان الرئيس لحود، امام تغير الموازين واختلالها إلى هذا الحد مستعد لأن يقضي نحبه سورياً؟ ومن قال ان المعارضة المدعومة دولياً لن تجد في الفترة المتبقية من رئاسته فرصة لا تعوض لتثبيت هيمنتها على البلد في وقت يبدو انه مضطر لشراء كل يوم من بقائه في سدة الرئاسة بثمن غال وغال جداً؟